روابط المواقع القديمة للحزب

إن الصفحات الأممية للحزب الشيوعي اليوناني تنتقل تدريجياً إلى صيغة موقع جديد. بإمكانكم الوصول إلى النسخات السابقة للصفحات المحدثة سلفاً  و محتواها عبر الروابط التاليةَ:

 

عن المعادلة العسكرية السياسية في سوريا

عن المعادلة العسكرية السياسية في سوريا


(مقتطفات مطولة من مقال نشر في مجلة "كومونيستيكيّ إبيثِوّريسي" السياسية – النظرية، الناطقة بلسان حال اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، في عددها 1 لعام 2016).

 

بقلم: إليسيوس فاغيناس

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني و مسؤول قسم علاقاتها الأممية


مضت أكثر من عشر سنوات على توصيف الكاتب ألكساندر زينوفييف[1] روسيا الرأسمالية على أنها "أرنب ذي قرون". و من الواضح أن توصيف روسيا ﻜ"أرنب" كان خلال السنوات المبكرة لإعادة تنصيب الرأسمالية فيها، حيث كانت الطبقة البرجوازية المصكوكة حديثا في روسيا و خلال تواجدها في عملية دمج لبلادها في "هرم" الإمبريالية العالمي ومحاولة ترسيخ موقعها داخل البلاد، تتراجع بسهولة أمام مطالب الولايات المتحدة و غيرها من القوى. و ذلك على الرغم من واقعة  "وراثتها" من الاتحاد السوفييتي لترسانة قوية (ومن هنا ...توصيفها "المُقرَّن").


ولكن ها نحن و الأمور تتغير.  حيث تقوم روسيا و باضطراد الآن، باستخدام القوة العسكرية خارج حدودها.  و قد قامت بفعل ذلك، في مولدافيا (في حالة ترانسنيستريا)، و طاجيكستان و جورجيا (في حالة أبخازيا و أوسيتيا الجنوبية)، و في أوكرانيا (في حالة القرم)، أي في أراضي الاتحاد السوفييتي السابق التي تعتبر "منطقة مصالح مباشرة" لها. حيث أقدمت موسكو عبر تدخلها العسكري في سوريا، على "قفزة" تدوس على"احتكار" الأمس الأمريكي، للتدخل العسكري في مناطق أبعد. و هو تدخل يقوم بتغيير شروط "المعادلة السورية" و عدا عن ذلك، فهو يخلق التباسات للحركة الشيوعية الأممية.

 

و بالتأكيد،  تلى التدخل العسكري الروسي وقوع الهجوم الإجرامي في باريس، والذي خلَّف "مذبحة قتلى" و هو الذي فرض أيضاً شروطاً جديدة على"الخوارزمية" السورية الجيوسياسية. وذلك لأن واقعة القتل الجماعي للناس العاديين استُغلَّت من قبل الطبقة البرجوازية في فرنسا، و إجمالاً من قبل بلدان حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ﮐ"قربان" من دماء الشعب الفرنسي، قبل تورطها في تدخل عسكري أكبر.

 

دعونا نرى أولاً، بعض التطورات السياسية والعسكرية الأساسية، المفيدة لفهم المسألة التي ندرسها.

 

عن التدخل العسكري الأجنبي المتزايد

بُوشر يوم 30 أيلول/سبتمبر شنُّ الغارات الجوية الروسية في سوريا، ضد ما يسمى ﺒ"الدولة الإسلامية".

هذا و في وقت سابق ذات اليوم، كان مجلس الدوما الروسي قد وافق على طلب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين نشر قوى عسكرية في الخارج، و تحديداً من أجل دعم بشار الأسد في سوريا.

وكان قد سبق ذلك خطاب للرئيس الروسي في الأمم المتحدة، دافع عِبره عن المواقف الروسية حول سوريا وأوكرانيا. حيث شدَّد على استحالة وجود حلّ سياسي دون الأسد، كما و إلى ضرورة تعزيز الأسد الذي يقاوم "الدولة الإسلامية" مع الأكراد.

حيث لم يتمكن لقائه مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، و على الرغم من واقعة سعي شريحة من وسائل الإعلام لتقديمه ﮐ"تماشٍ" بين روسيا والولايات المتحدة حول محاربة "الدولة الإسلامية" من تجاوز التناقضات التي تحيط بمستقبل نظام الأسد، أمر مرتبط بطبيعة الحال بماهية القوة إمبريالية التي سيكون لها "اليد العليا" في سوريا.
إن هذا التطور يُشير بوضوح إلى احتدام التناقضات الإمبريالية البينية في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط.

 و لنُذكِّر هنا أن التدخل العسكري الروسي في سوريا، يأتي بعد تدخلات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا و ممالك الخليج و سواها من القوى في المنطقة، التي تتكشف منذ ما قبل عام 2011. منها على سبيل المثال، الاحتلال الأمريكي للعراق و غزو الناتو لليبيا، و تغلغلُ قوىً في سوريا، جرى تسليحها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

وتجدر الإشارة إلى أن الحزب الشيوعي اليوناني كان منذ البداية و في عام 2011، قد أدان هذه العملية ذات العواقب الوخيمة على الشعب السوري والمنطقة الأشمل. ففي حين كانت الأحزاب البرجوازية و الانتهازية "تحتفل" بما سمّي ﺒ"الربيع العربي"، كان الحزب يكشف عن العملية المنظمة الجارية لتمويل و تسليح قوى ما يسمى بالمعارضة في سوريا من قبل القوى الامبريالية، و هو ما أدى في جملة أمور، إلى تشكيل و تمدد مسخ "الدولة الإسلامية"، كما و أيضاً إلى نشوء موجة ضخمة من اللاجئين و النازحين، و على حد السواء داخل البلاد (حوالي 10 مليون نسمة) و خارجها (معظمهم توجه نحو تركيا ولبنان والأردن، حيث يقدر وجود نحو مليوني نازح، يحاول منهم ذوي الإمكانيات، الوصول إلى بلدان أوروبا).


عن تصادم المصالح الاقتصادية والجيوسياسية في سوريا

 

معروفٌ هو واقع العلاقات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الوثيقة التي تمتلكها روسيا مع نظام الأسد البرجوازي. الذي يشكل على مدى السنوات اﻠ20 الماضية، حليفاً ثابتاً لروسيا الرأسمالية، في منطقة الشرق الأوسط وشرق المتوسط. أي في منطقة تشهد "لعبة" جيوسياسية كبيرة تجري بين "لاعبين" عتاة : كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وتركيا ومصر و ممالك الخليج، التي تسعى طبقاتها البرجوازية إلى تسويق مصالحها الخاصة، فلنرى بعض المعطيات على وجه التحديد:


مسألة المواد الأولية


لقد ذكر الأسد، في مقابلة[2] أجريت معه في حزيران/يونيو 2013 ما يلي: "إن الدول الغربية، بخلاف ما تُظهِر، أصبحت، الآن، تتسابق لتقدِّم له، من تحت الطاولة، عروضاً مغرية تسعى من خلالها إلى ضمان حصص شركاتها في مقاولات إعادة الإعمار واستخراج النفط والغاز اللذين اكتُشِفَتْ احتياطات هائلة منهما في الساحل السوريّ. بل إنَّ البنك الدوليّ نفسه - وهو لا يتحرَّك من دون مشيئة الولايات المتَّحدة وإذنها - قدَّم له عرضاً «سخيّاً» لمنحه قرضاً قيمته 21 مليار دولار (..) و هو ما رُفض جملةً وتفصيلاً". حيث قال إنَّه منح حقّ استخراج نفط الساحل السوري لشركةٍ روسية، مؤكِّداً ثقته التامَّة بأنَّ الروس لن يغيِّروا موقفهم من بلاده؛ لأنَّهم في الحقيقة يدافعون عن أمنهم الاستراتيجي ومصالحهم الوطنيَّة اللذين كانا سيتعرَّضان للخطر لو تمكَّن الغرب وأتباعه من وضع يدهم على سوريا".

وفيما يتعلق بحجم احتياطات الهيدروكربونات في سوريا، فهناك عدة  تقديرات[3]، في حين يزعم خبراء سوريون بأن حجم احتياطات البلاد من الغاز "سيقلب خريطة الطاقة العالمية" الحالية، حيث يبلغ حجم احتياطات الغاز الطبيعي في سوريا عشرة أضعاف احتياطات إسرائيل.

كما وبلغت العقود التي أبرمتها شركات روسية للاستخراج، قبل الأحداث 1.6 مليار دولار. و هي التي تنشط أيضاً في مجال تشييد مصافي التكرير.

مسألة تشكيل خطوط الأنابيب

 

كتبت صحيفة "كوميرسانت"الروسية عام 2013:"إن نتائج الحرب في سوريا يمكن أن تؤثر بشكل كبير على سوق الغاز الأوروبية. حيث تُدعم الأطراف المتورطة في الصراع من قبل اثنتين من القوى المتنافسة التي ترغب في بناء خطوط أنابيب جديدة للغاز نحو الاتحاد الأوروبي، و هي التي ستمر عبر الأراضي السورية: أي من قبل إيران وقطر. و في هذا السياق، فإن العواقب على شركة غاز بروم والإيرادات للميزانية الروسية ستحدد إلى حد كبير من معارك حلب ودمشق[4]".

و في الكلام تحديداً عن المخططات المختلفة نذكر:

توقيع اتفاقية في 27 تموز/يوليو 2011 بين إيران والعراق وسوريا، على إنشاء خط أنابيب الغاز المعروف باسم "خط أنابيب الصداقة" الذي كان من المتوقع أن يضخ الغاز الإيراني من إيران إلى بغداد ودمشق وبيروت وأوروبا الغربية[5]. حيث اعتبرت قطر التي تشكل المنافس الرئيسي لإيران في قضية الغاز، بأنه يجري تهميش سعيها الجاري و بالتشاور مع تركيا لبناء خط أنابيب تسويق الغاز القطري نحو أوروبا، عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا. و بطبيعة الحال، فقد كانت مشاركة سوريا شرطا مسبقا لبناء هذا الخط، ولكن اتفاقية سوريا الموقعة مع العراق وإيران، كانت قد أخرجت قطر من "اللعبة". في وقت، كان المشروع القطري متمتعاً ﺒ"مباركة" الولايات المتحدة.

ومن المعلوم أن روسيا لم تكن في أي حال من الأحوال ترغب رؤية تحقيق مشروع قطر والولايات المتحدة المنافس لحصتها في أسواق أوروبا، في حين اعتبارها للمشروع الإيراني تكميلياً على نحو أكثر أو مشكوك في تحقيقه نظراً لواقع عدم الاستقرار في المنطقة.  وعلاوة على ذلك، فقد انخرطت روسيا في التنفيذ العملي لهذا المشروع، بعد أن كانت قد شاركت في بناء خط أنابيب الإيراني وتحديث الموانئ التي ينتهي الخط عندها[6].

 

عن أرباح بيع الأسلحة


إن روسيا تكسب من بيع الأسلحة إلى سوريا، التي كانت قبل الأحداث، إحدى الدول الرئيسية لتوريد الأسلحة الروسية. حيث استنادا إلى بيانات معهد "SIPRI" فقد كانت قيمة صادرات الأسلحة الروسية إلى سوريا عام 2010 (قبل الأحداث) 238 مليون دولار، و وصلت عام 2013 351 مليون دولار[7]، في حين يصل إجمالي العقود المنتظر تنفيذها، 4 مليارات دولار وفق صحيفة "[8] Zhenmin zhibao".

 

ومن المعلوم أن إسقاط نظام الأسد عشوائياً لكان سيُعرِّض، كل هذه الأرباح للخطر. حيث سجل ما يلي: "إذا تركت روسيا سوريا، فمن الممكن عدم الإعتراف بهذه الديون من قبل سلطة انتقالية أخرى، و أن يُوضع في خطر استمرار مبيعات الأسلحة لهذه البلاد،  و هو بالتالي ما سيحد من نفوذ روسيا في دولة ذات موقع حاسم في الشرق الأوسط[9].

 

أرباح من ترسيخ الحصص في السوق السورية


كانت الشركات الروسية (و تواصل وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه قبل الحرب) تصدير سلع (الوقود والمعدات والمواد الغذائية والأخشاب، وما إلى ذلك)، في حين تنشط شركات روسية في قطاع السياحة و الاتصالات.
إن الاحتكارات الروسية تتضرر و بالتأكيد، نتيجة الأعمال العدائية (انخفضت قيمة الصادرات الروسية المدنية من 1.89 مليار دولار عام 2011 إلى 582 مليون[10] عام 2014) حيث كانت ستعاني من خسائر شاملة في حال حدوث عملية إسقاط عشوائي للأسد ستقود إلى خسارة كبيرة في أرباحها.

في المجال الجيوسياسي والعسكري

كما هو معروف، تملك روسيا في ميناء طرطوس السوري "محطة خدمات لوجستية للبحرية الروسية" ، والتي من الممكن أن تُطوَّر لتغدو قاعدة عسكرية متكاملة لمرابطة دائمة لسلاح البحرية في البحر الأبيض المتوسط. حيث هذه هي القاعدة البحرية الروسية الوحيدة المتواجدة، خارج الأراضي الروسية.

و هذا ما تشير له صحيفة "Zhenmin zhibao" الصينية "و تضيف: "إن روسيا لا تريد السماح باستهداف المزيد من الدول التي تتعاون معها، واحدة تلو الأخرى من قبل الولايات المتحدة. و خلافاً لذلك، فإن هيبة روسيا القيادية، ستتضرر بشكل خطير[11]".

 

عن الذرائع المستخدمة في الصدام


لقد أبرزت الولايات المتحدة وحلفائها، قبل نحو خمس سنوات، حين مباشرتهم التدخل الإمبريالي في سوريا مسائل "الديمقراطية" و إسقاط "الديكتاتور الأسد" و دعم ما سمي ﺒ "الربيع العربي" كذرائع لهم. حيث كان نفاقهم واضحا إلى أبعد الحدود إذا ما نظر المرء إلى أولئك المتذرعين ﺒ"الحرية" و "الديمقراطية": و هم المتمثلون في الأنظمة الملكية المناهضة للشعوب في منطقة الخليج، و في تركيا التي تحتل نصف قبرص و في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، و هم المتصدرون لعمليات سفك دماء الشعوب و إسقاط الأنظمة التي لا تناسبهم من أجل تحسين موقع ربحية احتكاراتهم.

و تقوم اليوم ذات القوى و مع إصرارها على ذرائع "الديمقراطية" على استدعاء ذرائع إضافية ﮐ"الحرب على الإرهاب" و "الدفاع عن النفس" ضد الهجمات التي شنها الجهاديون، و هم أعدائهم الذين ينطلقون من أراضٍ سورية  تقع تحت سيطرة "الدولة الإسلامية".

و من جانبها، نادراً ما تذكر القيادة الروسية المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، التي أسلفنا ذكرها،  كأسباب للتدخل. ومع ذلك، يتكلم عنها حتى سياسيون و صحفيون حكوميون روس. حيث تبرز القيادة الروسية في هذه المرحلة المعينة للتدخل الروسي، الذرائع التالية:


1. دُعيت روسيا من قبل حكومة، لتقديم المساعدة ضد "الإرهاب". أي أنها بالتالي، تُبرز ما يسمى "الحرب على الإرهاب" و علاوة على ذلك، فهي تشدِّد على أن أعمالها لا تتعارض مع القانون الدولي، منذ لحظة دعوتها من قبل حكومة شرعية.


2. عَرضُ حقيقة أن أصل عدة آلاف من رجال "الدولة الإسلامية" يتحدَّر من مناطق روسيا والاتحاد السوفييتي السابق، و هم الذين في حال سيطرتهم في سوريا سيعودون إلى روسيا ليقوموا هناك ﺒ"عمليات إرهابية" مشابهة تستهدف سلامة أراضي البلاد و رفاه الشعب الروسي.


3. على نطاق أصغر، يجري استخدام المسائل التالية: وقف تدفق اللاجئين و الكارثة الإنسانية، وتدمير الآثار، و اقتراف الفظائع من قبل "الدولة الإسلامية".


4. بعد مأساة طائرة الركاب الروسية فوق أراضي سيناء، لجأت القيادة الروسية لذريعة "الدفاع عن النفس"، التي سنناقشها أدناه بمزيد من التفصيل.

 

ما هي مكونات التورط العسكري الروسي

ضمن هذه الظروف العسكرية المعقدة، قررت القيادة الروسية تعزيز قوى الأسد، في الأساس عبر أسلوبين:     

أ) عن طريق توفير المعدات العسكرية الحديثة، مع أسلحة أشد دقة (ناقلات جند مدرعة جديدة، وأنظمة اتصالات حديثة، طائرات تجسس من دون طيار، و رشاشات، وما إلى ذلك. ب)عبر عمليات قصف جوي ضد "الإرهابيين". و في استعراض للقوة، قصفت روسيا مواقع العدو باستخدام صواريخ أطلقت من أسطول سفن حربية في بحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط، في حين تمتلك القوات الجوية السورية طائرات قديمة ذات فرص أقل في تحقيق النجاح في ضربات دقة ضد الخصم.

استهدافات فورية وطويلة الأمد.

الأهمية العسكرية للتورط الروسي

يُقدر أن باستطاعة هذه الإجراءات "تعويض" فقدان القوات المسلحة السورية للعديد البشري، و إمكانية امتلاكها عن جديد تفوقاً و زخماً في مواجهة أعدائها.

وعلاوة على ذلك، وفقا لصحيفة «فاينانشال تايمز[12]» فقد كانت الولايات المتحدة ستقوم بالتعاون مع تركيا والأردن بتنفيذ مشروع "منطقة حظر جوي" في سوريا على "شاكلة" ذلك الذي استخدم في ليبيا. حيث أعاق التورط الروسي تنفيذ هذا المشروع.

الاستهدافات السياسية


تسعى طبقة روسيا البرجوازية، إلى تحصين مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في منطقة شرق المتوسط. و عبر استخلاصها للدروس من تطورات يوغوسلافيا و ليبيا، حيث كان انتفى وجودها العسكري وبقيت بعيدا عن ميدان الصراع. و ذلك في سياق محاولةٍ منها منع وقوع تطور مماثل. حيث يتمثل سعي روسيا لدعم النظام السوري بأي شكل من الأشكال من أجل ظفر احتكاراتها هِيَ، لا الإحتكارات الأوروأطلسية بالدور الأول هناك، بالتعاون مع قطاع الطبقة البرجوازية الذي يعبر عنه نظام الأسد (معه أو بدونه)، في استغلال الثروات و الشعب.

 

إننا بصدد تطور "يفكُّ الحصار" المضروب حول روسيا منذ مأزق أوكرانيا، و يمكِّنها على نحو أفضل من إدارة التناقضات بين ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة. و هو بالإضافة لذلك، يُمكنها من التقارب على نحو أكثر من أنظمة إيران و العراق و مصر.

وعلاوة على ذلك، فإن دفاعها الناجع أو عدمه، عن مصالحها في سوريا سيشكِّل مؤهلاً لها حول امتلاكها الحزم والقوة من عدمه، لحماية مصالحها في مناطق أخرى، على سبيل المثال، في آسيا الوسطى أو في مناطق أخرى تسعى فيها نحو تحقيق تغلغل أكبر لرؤوس أموالها، كمصر وإيران. أي أن "رهان" القيادة الروسية في الحفاظ على مواقعها في سوريا هو أيضا نوع من "الضمان" في سياق محاولتها تعزيز تغلغلها في بلدان أخرى في المنطقة.

عن الموقف العسكري السياسي للقوى الأخرى

تجدر الإشارة هنا إلى موقف القوى العاتية الأخرى، في وقت فُرضت ضد روسيا، عدا أمور أخرى، عقوبات اقتصادية من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفائهم، بسبب ضمِّها شبه جزيرة القرم و بتهمة تورطها العسكري في شرق أوكرانيا.

وكان رد فعل الولايات المتحدة سلبياً على التدخل العسكري الروسي في سوريا. فمن جانبها، واصلت غاراتها الجوية على العراق وسوريا، وأرسلت "مستشارين" للأكراد و ربما لجماعات مسلحة أخرى تنشط في سوريا. حيث تظهر جميع التحركات، اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة شمال شرق سوريا. و تستخدم الولايات المتحدة لتعزيز مشاريعها، قواعد حلفائها العسكرية الموجودة، بما في ذلك قواعد سوذا و كالاماتا في الوقت الذي ترسل فيه حاملة طائراتها "هاري.س.ترومان(CVN75) " إلى المتوسط.

حيث يُزعم سياسيا أن الولايات المتحدة تضع شرطا يقول بالإبعاد الفوري و الغير مشروط للرئيس السوري، ولكن استهدافها الفعلي هو تعزيز موقعها في المنطقة وإضعاف مواقع منافسيها.

و كانت الصين في الماضي القريب قد اصطفت مع روسيا في الأمم المتحدة بشأن مسألة الأسلحة الكيميائية في سوريا خلال سعي الولايات المتحدة الحصول على موافقة الأمم المتحدة على عمليات القصف. و كانت قد استخدمت الفيتو مع روسيا حينها. في حين يُنشر الآن، في مختلف المصادر اليونانية خبر وصول سفن حربية و طائرات صينية إلى سوريا للدفاع عن الأسد. و هو ما لا نستطيع استبعاده كتطور، لم يجري تأكيده من قبل الصين. وبالفعل، فقد نشرت صحيفة "Zenmin Zimpao" تقييم الخبير العسكري الصيني جان جيونسن الذي ادَّعى أن كل ما هو مكتوب عن حاملة الطائرات الصينية التي تصل للمشاركة في الصراع الدائر في سوريا، هو مجرد شائعات، وأن الصين لن تشارك عسكرياً بجانب أي قوة في سوريا[13].

هذا و كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي، قد ذكر خلال اجتماع الأمم المتحدة الذي جرى بمناسبة مرور 70 عام على تأسيسها، أن من غير مقدور العالم أن يقف دون مشاركة أمام الأحداث المأساوية، ولكن لا يمكن لأحد أن يتدخل بإرادته الخاصة في شؤون الدول الأخرى. و صرح خلال لقائه مع وزير الخارجية السوري، بأن سيادة سوريا يجب أن تحترم. ومع ذلك، فهو في خطاباته، لم يذكر الأسد، ولا المبادرات الروسية، وأضاف أن "الصين ليس لديها أية مصلحة في الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تسعى للعب دور بناء[14]". كما و أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن الصين تؤيد تسوية سياسية[15].

و في أوائل كانون/الأول ديسمبر عام 2015، أدلت خوا تسونين، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية أن الصين "تؤيد الضربات التي توجهها روسيا للمنظمات الإرهابية في سوريا، مشيرة إلى أن روسيا تشن حرباً ضد المنظمات الإرهابية على الأراضي السورية بناء على دعوة حكومة هذه الدولة[16]".

و يلفت الاهتمام خصوصاً، موقف ألمانيا المتباين مع الولايات المتحدة. حيث وقعت ألمانيا في البداية بيان اﻠ7  (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وقطر والسعودية وتركيا)[17] الذين دعوا روسيا أن توقف فورا هجماتها ضد المعارضة السورية والمواطنين و أن تركز محاولاتها ضد "الدولة الإسلامية".

حيث صرَّحت أنغيلا مِركِل  في 4 تشرين الأول/أكتوبر الماضي: "إننا سوف نحتاج إلى جهود العسكرية لكن الجهود العسكرية لن تجلب الحل. نحن بحاجة إلى عملية سياسية، ولكن و في الواقع أن هذه الأخيرة لا تسير حتى الآن، على ما يرام".   وأضافت أيضا أنه سيكون من الضروري إشراك نظام الرئيس السوري بشار الأسد في المحادثات: "فلكي نحقق حلاً سياسياً، نحن بحاجة إلى ممثلي المعارضة السورية وهؤلاء الذين يحكمون الآن دمشق وغيرهم كذلك، من أجل أن نحقق نجاحات حقيقية، و علاوة على ذلك و في المقام الأول، حلفاء الفِرق ذات الصلة. أي: روسيا والولايات المتحدة و السعودية وإيران، الذين من الممكن أن يلعبوا دوراً مهما، كما و ألمانيا وفرنسا وبريطانيا[18]".

أي أن تبايناً كان في موقفها بالنسبة إلى موقف الولايات المتحدة في المسائل التالية: 1) قبول حضور الأسد على طاولة المفاوضات لإيجاد حل سياسي. 2) قبول وجود إيران على الطاولة المذكورة .

و من الواضح أن موقف ألمانيا هذا، لا يختلف بشكل واضح عن موقف الولايات المتحدة فحسب، بل و أيضاً عن موقف فرنسا.  حيث جدير بالذكر أن فرنسا، أقدمت و على غرار الولايات المتحدة، بتاريخ 27 أيلول/سبتمبر(قبل يومين من التدخل الروسي) على عملية قصف في سوريا، في حين أعاد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، في سياق حديثه عن تدخل روسيا، طرح مسألة الأسلحة الكيميائية (!) حيث صرَّح: "ينبغي على روسيا ألا تخطئ الأهداف في سوريا و أن تضرب منظمات أخرى غير تنظيم الدولة الإسلامية"، ثم وضَّح: "ينبغي علينا ضرب الأهداف الصحيحة، أي تنظيم الدولة الإسلامية، في هذه الحالة"، " إن الشرط الثاني هو أن بغير استطاعة أحد مهاجمة المدنيين. و أنتم تعلمون في المقام الأول، أن نظام (الرئيس السوري) بشار (الأسد) يواصل استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين وهو ما لا يمكن السكوت عليه "، تابع فالس.

ومع ذلك، يبدو أن هناك تبايناً تجلَّى في الموقف الفرنسي، بعد الهجمات الإجرامية التي وقعت في باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015. حيث ذكر الرئيس الفرنسي أولاند، في كلمة ألقاها في البرلمان ومجلس الشيوخ في 16 تشرين الثاني/نوفمبر: "من غير الممكن أن يشكل الرئيس السوري منفذاً، ولكن عدونا في سوريا هو تنظيم الدولة الإسلامية. و هو ما يُفسَّر، على أنه تغير في السياسة بصدد سوريا، و تقارب من الموقف الألماني، حيث ما من إصرار على رحيل الأسد (فوراً). كما و ذكر أولاند انه سيتوجه إلى بوتين و أوباما لاتخاذ مبادرات مشتركة، وهو الموقف الذي شكرته ماري لوبان التي طالما طالبت و منذ مدة ﺒ"تغيير في الموقف تجاه روسيا."
هذا و أبحرت حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول» نحو شرق المتوسط وبدأ شنُّ الهجمات ضد "الدولة الإسلامية" مع سعي لتنسيق العمليات العسكرية مع كل من الولايات المتحدة (التي تنتمي فرنسا سلفاً لتحالفها) كما و مع روسيا.

يُظهر قرار فرنسا التذرع بالفقرة 7 من المادة 42، من معاهدة الإتحاد الأوروبي[19]، لا بالمادة 5 من المعاهدة المماثلة في حلف شمال الأطلسي، أن الطبقة البرجوازية في فرنسا تريد التحالف مع الولايات المتحدة، ولكنها لا تقبل دون شروط بالدور المهيمن للولايات المتحدة. و في الوقت نفسه، تُظهر واقعة عدم تذرع الحكومة الفرنسية بالمادة 222 من معاهدة لشبونة (التي تنصُّ على وجه أكثر تحديدا على حالة وقوع هجوم إرهابي) عن سعيها على الحفاظ على مسافة فاصلة لها عن ألمانيا.

هذا و صدرت تصريحات عدوانية جداً ضد التدخل الروسي من بريطانيا.  حيث صرَّح رئيس وزرائها، كاميرون: "إنهم يدعمون الأسد، الجزار،  و ذلك خطأ كبير بالنسبة لهم و للعالم. إن ذلك سيجعل من المنطقة أقل استقراراً[20]".  كما و اتهم وزير خارجيتها، فيليب هاموند، روسيا بشن "حرب تقليدية غير متكافئة" في سوريا[21]. و في 3 كانون الأول/ديسمبر، باشرت بريطانيا شنَّ غارات جوية باستخدام قواعدها العسكرية من "حاملة الطائرات الغير قابلة للغرق" المتمثلة بقبرص.

و من جانبها، اعترفت إسرائيل بقيامها ﺒ"عمليات" في الأراضي السورية لأسباب "حماية الذات"، و عن سعيها للحفاظ على التوازن، ولكن مع التعبير عن انزعاجها من التدخل العسكري الروسي المباشر. هذا و كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان قد صرَّح بأنه لا يريد عودة المواجهة في علاقات إسرائيل مع روسيا[22] و من جهة أخرى صرَّح: " لقد أدركنا الآن فقط أننا نتقاسم الحدود مع روسيا[23]. ومع ذلك، ينبغي الإشارة هنا إلى أن روسيا تؤكد لإسرائيل أن التدخل العسكري الروسي لن يجلب الضرر للمصالح الإسرائيلية، بل بالعكس!.

و بالطبع، فقد صرَّحت القوى المذكورة أعلاه، عن نيتها- التي تم تحقيقها سلفاً- بإنشاء "آليات" لتجنب الإشتباك العسكري الغير مقصود لقواتها مع مثيلاتها الروسية.

و تُبرِز تركيا عِبر مطية ما يسمى "عقيدة العثمانيين الجدد"، و عِبر استخدامها الدين الإسلامي كعنصر توحيدي في الشرق الأوسط والبلقان، والقوقاز، طموحات طبقتها البرجوازية نحو ترقية دورها في النظام الإمبريالي العالمي، و مبدئياً داخل  اﻠG 20، ومن ثم ضمن الدائرة الأضيق. حيث حاسم هو دورها في أزمة سوريا ! فقد دعمت طبقة تركيا البرجوازية، الجهاديين. حيث ذات أساس هي التهم الموجهة بصدد اتجارها غير المشروع بالنفط القادم من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية". لقد دعمت طبقة تركيا البرجوازية، في البداية مخططات تقطيع أوصال سوريا والعراق، و لم تطالب فحسب بشن ضربات جوية في سوريا، بل طالبت أيضاً بتنفيذ ما طُبِّق في ليبيا، أي ما يسمى "منطقة حظر طيران" و هو ما كان في الواقع، سيخلق الظروف لغزو بري و احتلال سوريا أو جزء منها. حيث تشير سلفاً، تقاريرٌ، إلى حشد قوى برية تركية عاتية على الحدود مع سوريا. في حين، كان إسقاط القاذفة الروسية عملاً مدروساً من جانب تركيا، من أجل إظهارها لموسكو عدم قدرتها على تجاهل مصالح (و مخططات) الطبقة البرجوازية التركية. و قد سبب ويتسبب هذا التطور و بوضوحٍ، في تورط أكبر لحلف شمال الأطلسي في الأزمة السورية.

و سيكون تقصيراً من جانبنا، عدم التطرق لسعي السعودية تأسيس ائتلاف جديد، أي ما يسمى "التحالف العسكري الإسلامي[24]. و هي التي تأمل انضمام 34 بلدا من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، له بزعم محاربة "الدولة الإسلامية". و من الواضح أن مخططاً كهذا، يتمتع بدعم الولايات المتحدة، و بمعزل عما إذا كان سينجح برمته، فهو سوف يلعب دورا خاصا إذا ما أقرَّ شنُّ عمليات برية في سوريا مع مخططات لتقسيمها.

تقديرات بصدد منظور التطورات

إن الخلفية التي تتشكل التناقضات فوقها أيضاً عبر تمظهرها الحربي،  هي المزاحمة الرأسمالية حول الربحية، و اقتسام  الثروة الطبيعية والمنتجة. و على هذا النحو، تتركز في المسألة السورية مواجهة عملاقة بين القوى، دون أن يعني ذلك تلقائياً، وقوع هذه المواجهة. حيث هناك العديد من الاحتمالات، التي تتأثر بعشرات العوامل. و لسنا في موقع تقدير ثقل كلٍّ منها أو مقدار الزخم الذي بمقدور كل منها، تطويره. و يتمثَّل عامل مهم في المداخلة العمالية الشعبية، وهي التي ليست متواجدة حتى الآن، تجاه الإنعتاق عن المساعي البرجوازية، المحلية منها والأجنبية.

حيث من المحتمل، و فوق أساس ميزان القوى الحالي، أن تنشأ تطورات في الإتجاهات التالية، دون تقديمنا لها تفاضلياً:

أ) مواصلة استنزاف الأسد وحلفائه، عِبر "تفعيل فتيل" نقاط أخرى، كخيار رئيسي للولايات المتحدة وحلفائها، و على سبيل المثال: تركيا وإسرائيل و ممالك الخليج، بهدف تحقيق "استنزاف" اقتصادي طويل الأمد، مع استنزاف سياسي-عسكري لروسيا في سوريا. و ذلك مع تقديم أسلحة (على سبيل المثال صواريخ ستينغر، إلى "المعارضة"، التي يبدو أنها كانت طالبت الولايات المتحدة سلفاً بها، و تلقت منها رسميا رداً بالرفض[25])، كما و فتح "جبهات" أخرى شرق أوكرانيا، مع فتح "جراح" إضافية في آسيا الوسطى والقوقاز و سواها. و بالتأكيد، قد يؤدي مثل هذا الاحتمال إلى عواقب على أصحاب هذا المشروع، لا يمكن السيطرة عليها، و على سبيل المثال، اندلاع حرب معممة. و في كل الأحوال، تتكلم الأركان العسكرية السياسية  سلفاً، عن حربٍ معممة للناتو مع روسيا، و هي التي تدفع في اتجاه زيادة الإنفاقات  لصالح حلف شمال الأطلسي[26].

ب) حل توافقي للأزمة السورية. يتعلق التوافق في المقام الأول بالقوى الأجنبية، و امتداداً لذلك، بالقوى المحلية المتصارعة.  حيث مختلفة هي احتمالات صيغة تمظهر التوافق، مع رجحان تقطيع أوصال سوريا، حيث هناك محددات جغرافية للتدخل العسكري العلني، للقوى الامبريالية. فعلى سبيل المثال تبدو روسيا أكثر اهتماما بساحل سوريا و تبدو الولايات المتحدة مهتمة بمناطق شمال و شمال شرق البلاد، حيث قامت بإرسال "مستشارين" عسكريين للمجموعات الكردية المسلحة، وما إلى ذلك. أي أن كل قوة أجنبية، عبر دعم القوات المحلية  للبرجوازية، تقسم سوريا إلى "مناطق"، أي لمحميات.

و في أي حال، فإن المصالح المتصادمة ستواصل صراعها، حيث نحن بصدد"سلام" إمبريالي واهٍ، و في جوهره يُفرض مع وضع"المسدس في صدغ الشعوب."

و يبدو السيناريو الأضعف في عودة ميزان القوى الداخلي والخارجي إلى ما كان عليه قبل عشر سنوات، أي أن  تتمكن روسيا بالكامل من المحافظة على مواقعها و أن يتمكن نظام الأسد من "سحق"  "الإرهابيين"، الذين، كما شدَّد بوتين، أنه  يستصعب تفريقهم إلى "معارضة معتدلة" و "معارضة".

و من ناحية أخرى، فإن حضور تسوية و "فك اشتباك" في الصدام، لكان سيسهل أيضا على القوى الامبريالية الأخرى، تركيز انتباهها على "بؤر" توتر أخرى، على سبيل المثال، بحر الصين الجنوبي، الذي يتعزز النزاع  فيه لفترة طويلة، و في المقام الأول بين الصين واليابان والولايات المتحدة، كما و بين الصين و بلدان أخرى في المنطقة.


البِدع التضليلية لتبرير الحرب الإمبريالية

 

لقد أنتج التورط الروسي الواضح في الأزمة السورية كما و التفجير الذي وقع في باريس، عملية "إعادة تدوير" لالتباسات أيديولوجية، قديمة و جديدة، و هي التي من المهم بمكان، دراستها. وهكذا، و  على سبيل المثال، في حين، لا يُشككُ عادة في واقع الطبيعة الطبقية لروسيا الرأسمالية اليوم، و في استهدافات الرأسمال الروسي، و يُعترف بحقيقة اختلاف روسيا الحالية عن الاتحاد السوفييتي. يجري في ذات المسار إبراز مختلف البدع التضليلية. وعلاوة على ذلك، تعاود ظهورها و عن جديد، و على نحو أعتى، نظريات لا طبقية، عن العلاقات والتطورات الدولية. إننا بصدد مسائل تستحق الرد، لأنها تقود العمال إلى "الاصطفاف" واختيار قوة امبريالية ما، في  حرب تجري من أجل مصالح  أجنبية و غريبة عنهم، هي تحديداً، مصالح رأس المال.

عن "العالم متعدد الأقطاب" في تعارض  مع "إمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية"

أقدمت قوى معينة ترى في الإمبريالية حصراً "إمبراطورية" الولايات المتحدة، على تحية بروز قوى رأسمالية جديدة في الشؤون العالمية، كظهور اتحادات دولية مثل: (البريكس)، و منظمة شنغهاي للتعاون و معاهدة الأمن الجماعي، و ALBA  و سواها، التي تقوم بتشكيلها دول رأسمالية مع محتوى: اجتماعي و سياسي و عسكري. حيث تُحيَّى هذه التطورات باعتبارها بداية لظهور "عالم متعدد الأقطاب" من شأنه "إعادة صياغة" الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى و إعطاء "دفعٍ جديد" لها لتتخلص من "هيمنة" الولايات المتحدة. حيث تخلصُ هذه الفرضيات بأنه و بهذا الأسلوب، سيجري ضمان السلام. و تحت هذا "الضوء"، وباعتباره "خطوة" في هذا الصدد، يُرحب بالتدخل العسكري الروسي في سوريا.

كما و يُزعم أن التناقضات الامبريالية البينية الجديدة و عملية إعادة الترتيب المستشفَّة  في النظام العالمي، قد تقود إلى "دمقرطة" العلاقات الدولية، ما دام العالم يبدو ذي "أقطاب" عديدة، عبر تعزيز: ألمانيا وروسيا والصين والبرازيل وغيرها من الدول و  تراجع الولايات المتحدة، مقابل ذلك.

و تُسمع أصوات و مقترحات ذات صلة، مثل توسيع مجلس الأمن الدولي بعضوية بلدان أخرى.

و في الحاصل، يُطرح السؤآل التالي: أبإمكان زيادة الدور العالمي للاتحاد الأوروبي- كما يزعم سيريزا، على سبيل المثال، وما يسمى ﺒ"حزب اليسار الأوروبي"- أو تعاظم دور روسيا والصين، وضع التطورات العالمية على قضبان سكة مغايرة أي "سكة مؤيدة للسلم" ؟

وفقا لتقديراتنا، ليس بإمكانه تحقيق ذلك، ولا في أي حال من الأحوال! و ذلك لأن سبب الحرب الإمبريالية لا يكمن في ميزان القوى المعين القائم بين الدول الرأسمالية، بل في حتميات الرأسمالية: أي في التطور الرأسمالي الغير متكافئ، والمزاحمة، والنزعة لامتلاك أرباح إضافية. و على هذا الأساس تُنتج تناقضات امبريالية بينية و يُعاد إنتاجها و تُعديلها،  و في المقام الأول من أجل المواد الأولية و الطاقة و شبكات نقلهما، والمعركة الجارية حول حصص الأسواق. إن المزاحمة الاحتكارية هي التي تقود إلى قيام التدخلات العسكرية والحروب، المحلية منها، أو المعممة. حيث تجري المزاحمة المذكورة، بكل الوسائل المملوكة للاحتكارات و للدول الرأسمالية المعبرة عن مصالحها، و هي التي ترد في الاتفاقات الدولية التي يُشكك بها و باستمرار بسبب التطور الرأسمالي الغير متكافئ.  هذه هي الإمبريالية: مصدر للعدوان الحربي ذي نطاق أصغر أو أشمل.

هذا هو السبب في كون "الحكم العالمي الديمقراطي الجديد"، الذي تزرعه أقدم قوى الإشتراكية الديمقراطية و الانتهازية المعاصرة، بدعة هادفة في تجميل موازين قوى الهمجية الرأسمالية و الامبريالية من الناحية الأيديولوجية، بغرض  تضليل العمال.

فقد شُنَّت الحروب الماضية أيضاً، كالحرب العالمية الثانية، تحت ذريعة إعادة الإعتبار لاتفاقيات مجحفة أو ذريعة الوقاية من حروب جديدة.  إن الحاجة ملحة لإعتاق العمال لأنفسهم من مثل هذه المغالطة، و من الفخاخ بصدد "دمقرطة" الرأسمالية والعلاقات الدولية، التي تضعهم ضمن اصطفاف  في صالح مصالح أجنبية غريبة عنهم.

إن "العالم متعدد الأقطاب" باعتباره وسيلة لضمان السلام و المصالح الشعبية هو عبارة عن مغالطة.  حيث تقوم هذه المقاربة في جوهرها، بمواجهة الخصم كحليف، و تقوم بأسر القوى الشعبية في منطق اختيار احد الإمبرياليين أو الإتحادات الإمبريالية، و تقوم بشلِّ الحركة العمالية.

 

"إن موقف روسيا، و على الرغم من احتوائه على مخاطر اندلاع شامل، فهي تُسهِّل الكفاح المناهض للإمبريالية"


كثيرا ما يتقاطع هذا الرأي مع تقييم قائلٍ بأن روسيا هي "قوة مناهضة للامبريالية". هذا و كان قد ظهر في روسيا في السنوات الأخيرة  "تيارٌ" سياسي كاملٍ يحمل تسمية "البوتينيين الحمر"  الذين يقدمون الدعم من "اليسار" للرئيس الحالي للبلاد، فلاديمير بوتين. إننا بصدد صيغة معدَّلة لبدعة "العالم متعدد الأقطاب". و التي هي بذات القدر مضللة للحركة العمالية و تقود بها نحو الشلل.

ما دامت هذه البدعة تتجاوز الطابع الطبقي الاجتماعي للسلطة في روسيا اليوم. و تتجاهل ماهية المالك الآن في يديه وسائل الإنتاج والسلطة في روسيا؟ أي أنها، تتجاوز الإجابة- بأن الطبقة البرجوازية هي الحاكمة في روسيا، حيث الإحتكارات هي من "يحلُّ و يربط"، في حين تواجه الغالبية العظمى من الشعب، طيفَ مُجملِ المآزق الاقتصادية والاجتماعية للرأسمالية- التي يجري تجاوزها من قبل ممثلي المواقف المذكورة أعلاه. حيث يتركز انتباه هذه القوى أساسا، على صراع روسيا مع الولايات المتحدة و سواها من القوى الامبريالية. و لكن هذا الصراع ليس بجارٍ  من أجل مصالح الشعب الروسي، بل من أجل  مصالح الاحتكارات الروسية.

 

و علاوة على ذلك، فمن المهم بمكان هنا، توضيح معنى مفهوم"الإمبريالية".  فإذا ما تفهمنا هذا المفهوم وفق المعايير العلمية التي وضعها لينين في عمله، و التي يخلص على أساسها،  إلى أننا بصدد رأسمالية في أعلى مراحلها، أي مرحلتها الاحتكارية، يصبح من الواضح حينها، استحالة توصيف قوة رأسمالية، كروسيا التي تهيمن ضمنها الاحتكارات، بأنها "قوة مناهضة للامبريالية".

 

حيث بالإمكان أن تنقاد قوى و حتى شيوعية ضمنها، إلى الوقوع في أخطاء سياسية كبيرة، حين تخلصها من التنظير اللينيني للامبريالية، و مواجهتها على أنها "سياسة خارجية عدوانية" أو مطابقتها بالولايات المتحدة أو برؤية "إمبراطورية" الولايات المتحدة.

و نموذجي على ذلك، هو قيام ذات القوى منذ بضع سنوات، وقت قام أردوغان بمفاقمة المواجهة بين تركيا وإسرائيل واتخاذ مواقف لصالح إيران، بتوصيف تركيا بأنها "قوة معادية للإمبريالية"، بينما كانت متواجدة في حلف الناتو العسكري الإمبريالي، و تحتفظ عبر احتلالها العسكري ﺒ 40٪ من قبرص و تهدد اليونان ﺒ(سبب للحرب) في حال تطبيقها قانون البحار الدولي، في بحر إيجه.

و بالتأكيد، لا يقود تفاقم التناقضات الإمبريالية البينية والحرب الإمبريالية، من ذاتهما، إلى تغيير موازين القوى لصالح القوى العمالية الشعبية، كما يظهر من التطورات الراهنة في سوريا، ولكن أيضا في أوكرانيا وغيرها من البلدان. حيثُ تكمن المقدمة لذلك، في وجود أحزاب شيوعية قوية، ذات استراتيجية ثورية مدروسة و ممتلكة لجذور في الحركة العمالية الشعبية، من أجل توجيه الجماهير المنتفضة نحو هدف إسقاط الهمجية الرأسمالية.

 

تفسيرات لا طبقية للقانون الدولي


إذا ما نظرنا إلى سلسلة من القوى (و من ضمنها القوى الشيوعية) التي ندرسها، نرى زعم هذه القوى أن روسيا تعمل ضمن "إطار القانون الدولي"، على النقيض من الولايات المتحدة وقوى أخرى. و على هذا الأساس، تبرِّر  هذه القوى تدخل روسيا العسكري الروسي على نحو مختلف من تدخلات سواها من الدول الرأسمالية، و بناءاً على دعوة من الحكومة السورية.


ومع ذلك، فإن "القانون الدولي" الحالي ينصّ على ثلاث حالات لقيام عمليات عسكرية على أراضي دولة أخرى: 1) بقرار من مجلس الأمن الدولي، كما جرى في حالة ليبيا. 2) بناءاً على دعوة من الحكومة الشرعية لتلك الدولة، مثل، دعوة روسيا من قبل سوريا. 3) لأسباب تتعلق ﺒ"الدفاع عن النفس".


و تتذرع الولايات المتحدة بأسباب "الدفاع عن النفس" منذ اللحظة الأولى، لتوجيه ضربات جوية في سوريا.  كما و كانت الحكومة التركية، في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ومجلس الأمن، قد تذرّعت ﺒ"المادة 51" المشهورة، من ميثاق الأمم المتحدة. حيث ذكر نائب مندوب تركيا الدائم في الأمم المتحدة، لِفِنت إلِر في رسالته:

"من الواضح أن النظام في سوريا ليس في موقع و لن يقدم على إعاقة التهديدات من أراضي البلاد، و هي التي تضع أمن تركيا وسلامة مواطنيها موضع الخطر [...] لقد أصبحت سوريا ملاذا آمنا  (لمنظمة الدولة الإسلامية). و تُستخدم هذه المنطقة  (من قبل الدولة الإسلامية) للتدريب والتخطيط والتمويل و لتنفيذ هجمات خارج حدود سوريا، فوق الأراضي التركية[27]".

تجدر الإشارة إلى أن المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، و هي المتعلقة بحق بلد في الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح، لم يكن دائما على ما هو عليه الآن. ففي البداية كانت المادة تتحدث عن "غزو جيش أجنبي" لدولة عضو في الأمم المتحدة، معطية الحق لها حتى وقت اتخاذ قرار مجلس الأمن الدولي، في إمكانية الرد على الغزو المذكور، عبر الضرب خارج حدودها لأسباب الدفاع عن النفس ، أي ضد الدولة التي غزته.

و مع ذلك، فبعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، توجهت الولايات المتحدة نحو مجلس الأمن الدولي، ودعت إلى تبني "تفسير موسع" لهذه المادة، على نحو يُمكِّنها من غزو واحتلال أفغانستان في حربها الحرب ضد "طالبان". حيث وافق حينها مجلس الأمن للأمم المتحدة (و من ضمنه روسيا) على طلب الولايات المتحدة، و مذاك، لا يتعلق الدفاع عن النفس بالرد على (غزو عسكري) من دولة معينة، بل بعدوان مسلح عموماً، وهو الذي يجري و من الواضح، تفسيره وفقاً للرغبة.

هذا و صرَّحت روسيا في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بأنها ستنشط من الآن و صاعداً، على أساس المادة 51، وبالنظر إلى أنها ذاتها تمارس حقها في "الدفاع عن النفس". إن موقفها هذا، و من ذات الأمور، وضع حداً للنقاش الجاري ضمن الحركة الشيوعية الأممية، حول ما"إذا كان علينا أن ندعم من يحافظ على القانون الدولي، ضد الذين يتجاوزونه."

ومع ذلك، ينبغي علينا هنا، توضيح ما يلي: إن القانون الدولي بذاته، هو جزء من الحق البرجوازي. و لطالما كان الاتحاد السوفييتي موجوداً والبلدان الاشتراكية الأخرى، فقد كان هذا الحق يُشكل كنتيجة توازن القوى القائم بين الرأسمالية والاشتراكية، و هو الذي كان لا يزال حينها  سلبياً، حيث كانت جرائم امبريالية تُقترف وقتها أيضاً.

 

هذا و يتحدد القانون الدولي حصراً بعد إسقاط الاشتراكية، كنتيجة لتوازن قوى قائم بين دول رأسمالية، و تجري رجعنته على نحو أبعد، و استخدامه من قبل القوى الامبريالية وفق رغباتها و ضمن مزاحماتها، على حساب الشعوب.
فمنذ لحظة اندلاع هذا الصدام الإمبريالي أو سواه. مضلل هو قيام النقاش حول من بدأه أو  حول من يحافظ على "القانون الدولي"، الذي غدى أكثر رجعية و "مطاطية" لكي تتذرع به جميع القوى الامبريالية. إن الجوهر، الذي يجب أن نوضِّحه نحن الشيوعيون، هو "الأرضية" التي تُخاض عليها هذه الحرب، و هي ليست سوى مصالح الاحتكارات. إن الجوهر يكمن في ماهية القوى المتصادمة- و في كون هذه القوى ذات محتوى طبقي معين.


عن توصيف الولايات المتحدة ﻜ"فاشية" وروسيا كقوة "ديمقراطية" دولية


تُبنى هذه البدعة أيضاً، فوق نظرة لا طبقية، للقانون الدولي.  حيث أساسها هو رؤية قائلة عموماً، بأن الطبقة البرجوازية لروسيا، تنشط لتعزيز مصالحها على أساس القانون الدولي القائم، في حين، تدفع الولايات المتحدة، بمصالحها عبر انتهاكه باستمرار، و هكذا فهي تنشط ﺒ"أنانية" و "فاشية". و يُزعم بأن الولايات المتحدة، قد تحافظ  داخليا على بعض القواعد الديمقراطية، ولكنها في سياستها الخارجية "تعمل على نحو فاشي" وتتسبب بما يسمى "الفاشية المصدَّرة" و من هنا تنشأ بعض الدعوات المختلفة لإقامة"جبهات مناهضة للفاشية" جديدة.

 

إن هذا التقدير، يقوم بوعي أو بغير وعي، على تجاوز الطابع الطبقي الموحد للسياسة الداخلية والخارجية في كل دولة، مضللاً الحركة العمالية. حيث يتجاوز الطبيعة الطبقية للنظام كمعيار أساسي. إن  مصالح الاحتكارات تُخدم داخل الدول الرأسمالية عبر سياسة مناهضة للشعب، كما و تُخدم مصالح الاحتكارات، عبر التدخلات والحروب الامبريالية للسيطرة على الأسواق.  و حول هذه المسألة كان لينين قد أكد: "لا توجد فكرة أكثر خطأً وأكثر ضررا من فكرة فصل السياسة الخارجية عن الداخلية. و بالضبط في زمن الحرب، يغدو هذا الخطأ الوحشي أكثر وحشية[28]". و كان لينين قد أكد في العديد من الأعمال أن: " إذا ما كانت الطبقة العاملة واعية، فلا يمكنها أن تدعم أي مجموعة من الضواري الامبريالية[29]".


إن الخطأ المأساوي في فصل الدول ﻠ"فاشية" و "ديمقراطية"، يقود الحركة العمالية الشيوعية إلى اختيار إمبريالي ما، خلال حرب إقليمية أو معممة.

و فيما يخص استدعاء تاريخ النضال ضد الفاشية، علينا أن نذكر الآن بوجود دليل قاطع، لإثبات حقيقة، أن القوة الاقتصادية والعسكرية الكبيرة لألمانيا الفاشية، كانت قد اكتُسبت بفضل الدعم المباشر الممنوح لها من قبل دول برجوازية "ديمقراطية"هي:  الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا، و نتيجة تواطئها مع غزوات ألمانيا العسكرية. في حين، بعد انتهاء الحرب، تبوء مجرمو الحرب الألمان مراتب في الناتو و أجهزة استخبارات الدول الرأسمالية "الديمقراطية". و لا ينبغي أن نسهى عن حقيقة أن الجرائم ضد الإنسانية لم ترتكب فقط من قبل القوى النازية و "المحور"، بل أيضا من قبل حكومات الدول الرأسمالية "الديمقراطية". حيث ارتكبت جريمة شنيعة كبيرة، من قبل الولايات المتحدة، دون أي ضرورة عسكرية، عِبر إسقاط القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي (تباعاً في 6 و 9 آب/أغسطس 1945).

 

عن موقف دعم القوة الأقل بأساً


يقدِّر بعض الرفاق في الأحزاب الشيوعية الأخرى، أن روسيا هي في الواقع دولة رأسمالية، ولكنها "قوة إقليمية" في النظام الإمبريالي الدولي، تقوم مثل غيرها من بلدان بريكس (البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا)، بالحفاظ على "قواعد القانون الدولي" و أنها في الواقع ليست جزءاً من "الإمبريالية العالمية"، التي يعتبرونها أساساً "نواة الرأسمال المالي."

إن أمراً هذا، ومع ذلك، هو عبارة عن فصلٍ للاقتصاد عن السياسة، ما دام رأس المال المالي اليوم، يُسيطر في جميع البلدان الرأسمالية، و هو الذي عبارةٌ عن اندماجٍ لرأس المال الصناعي مع مثيله المصرفي. ففي كلا البلدان الرأسمالية الأكثر "ثراءاً" و في "الفقيرة" منها تسيطر المجموعات الاحتكارية التي تُشكِّل  شركات مساهمة، و التي هي سمة أساسية من سمات الرأسمالية الاحتكارية، أي الإمبريالية.

 

إن تقسيم البلدان الرأسمالية إلى بلدان"المركز" الذي يوصَّف في أحد نسخه ﺒ"المليار الذهبي" (ملاحظة للكاتب: من سكان العالم) و  إلى بلدان "أطراف" يضيُّق مفهوم الإمبريالية، حاصراً أياه في مسائل التبعية و الاستغلال من قبل "المراكز" الرأسمالية. لقد طرحت النظرية اللينينية للإمبريالية منذ صياغتها، على أساس تطور الرأسمالية الاحتكارية ، و بشكل صحيح  مسألة وجود "حفنة" من القوى الامبريالية الكبرى التي تستغل جميع أنحاء بقية الكوكب. إن إسقاط الشكل المذكور على تمايز البلدان في الهرم الرأسمالي العالمي في الحاضر، مع تجاهل المستوى الحالي لتطور الرأسمالية الاحتكارية حالياً، في عدد أكبر بكثير من البلدان، يُشكِّل رسماً كاريكاتورياً للينينية.

 

و يقود في النهاية إلى التعاون مع الطبقة البرجوازية في البلدان الرأسمالية الأقل تطوراً، أو مع قطاع منها، يُعتبر "وطنياً" و "غير احتكاري"، "و مفكراً على نحوٍ وطني". و خصوصا و عندما نتحدث عن مسائل الحرب الإمبريالية، فنحن بصدد رؤية مدمرة للحركة الشعبية.

 

و علاوة على ذلك، ينبغي التأكيد على أنه من غير الممكن توصيف روسيا كأحد بلدان"الأطراف" لأنها تصدر المواد الأولية، كما و من غير الممكن توصيف الولايات المتحدة بأحد بلدان "الأطراف" و حتى لو كانت حاليا البلد ذي أكبر مديونية في العالم. و من المعروف أيضا أن للاتحاد الأوروبي والصين، تبعية طاقوية مهمة تجاه روسيا، التي تمتلك بصرف النظر عن موادها الأولية التي لا تنضب، ترسانة نووية قادرة على الرد على الولايات المتحدة، و لديها خبرة و قوى عاملة مؤهلة تأهيلا عاليا، وتصدر رؤوس الأموال. و هي في هذا الصدد، تتواجد ضمن "حفنة" الدول البارزة ضمن "الهرم الإمبريالي". و ليس من قبيل الصدفة، حقيقة تشكِّيلها "قاطرة" جميع اتحادات الدول الرأسمالية في أوراسيا، كما و بالنسبة للدور الذي تلعبه في التطورات العالمية.

 

و بالتأكيد، فإن القوة الاقتصادية للطبقة البرجوازية لروسيا هي أصغر و بوضوح من قوة نظيرتها في الولايات المتحدة، ولكن هذا ليس بسبب لاختيارها كحليف للحركة العمالية. و يستحق هنا أن نستخلص العبر من منهجية لينين، و من كيفية طرحه هذه المسألة:

"فلنفترض أن أولى  البلدان المسيطرة تحتل ¾ أفريقيا والثانية اﻠ ¼  . إن المضمون الموضوعي لحربهما هو إعادة اقتسام أفريقيا. في نجاح أي طرف منهما يجب أن نأمل؟  إن طرح المشكلة كما سبق، هو عبارة عن سخف، و ذلك لعدم انطباق معايير التقييم القديمة مع اليوم: حيث ليس لدينا تطور طويل الأمد لحركة تحرر برجوازي، ولا عملية ممتدة لأعوام طويلة من انهيار الإقطاع. إن وظيفة الديمقراطية المعاصرة ليست متمثلة في مساعدة البلد الأول في تكريس "حقه" في ¾ أفريقيا، و لا في مساعدة الثاني (و حتى في حال تناميه الأسرع اقتصاديا أكثر من الأول) في انتزاع اﻠ ¾ هذه .

حيث ستبقى الديمقراطية المعاصرة وفية لنفسها فقط إذا ما أحجمت عن الإنضمام لأية طبقة برجوازية إمبريالية، أي حينما يقول لسان حالها "كلاهما أسوأ من الآخر" و في الحال حيث يتمنى كل بلد فشل الطبقة البرجوازية الإمبريالية.  إن أي حل آخر سوى ذلك، لن يكون عملياً شيئاً مختلفاً عن حل قومي ليبرالي لا يجمعه أي شيء مع  الأممية الحقيقية.(...) "في الواقع، ومع ذلك، فالأمر الذي لا يمكن إنكاره، هو استحالة انجرار الديمقراطية المعاصرة كذيل للطبقة البرجوازية الرجعية الإمبريالية – و ذلك بمعزل عن"لون" هذه الطبقة البرجوازية ...[30]".

"إن موقف روسيا هو ذو دوافع خفية، و أهداف خدمة مصالح الاحتكارات، ولكنه يدعم نظاماً "وطنياً" يخوض من جانبه " حرباً عادلة"، و لذلك، فموقفها هو إيجابي وقابل للاستخدام من قبل الحركة المناهضة للإمبريالية"

و هنا، تُستخدم في كثير من الأحيان، و باعتبارها عنصرا للتدعيم، علاقات الاتحاد السوفييتي مع سوريا، مع تجاوز الطابع الطبقي لسوريا و لحقيقة أن وسائل الإنتاج متواجدة في يد الطبقة البرجوازية. فقد كان نظام البعث الذي يحكم البلاد منذ عام 1963، قد سيطر بعد الحرب العالمية الثانية، عندما جرت تفاعلات إيجابية في ميزان القوى العالمي، بفضل نفوذ الاتحاد السوفييتي و إسهامه في النصر على الفاشية، و إقامة الأنظمة الاشتراكية في أوروبا الشرقية، وانهيار الاستعمار.  حيث سيطرت في سوريا، ولكن أيضا و ضمن الخط العام للحركة الشيوعية الأممية، مسألة الظفر بالاستقلال الوطني كشرط أول للتغلب على التخلف السائد في جميع مجالات الحياة الاجتماعية. فقام كل من الاتحاد السوفييتي و الدول الاشتراكية الأخرى بصياغة سياسة تعاون على المستوى الاقتصادي و غيره من المستويات، في سبيل دعم نظم  الحكم الجديدة، بما في ذلك السوري منها، و ذلك بهدف عدم اندماجها في كل من السوق الرأسمالية الدولية، و المنظمات الامبريالية. بل في سبيل تعزيز تلك القوى المشاركة في الجبهة الحاكمة و المتموضعة منها في صالح  التوجه الاشتراكي.

لقد كانت محاولة الاتحاد السوفييتي المذكورة لتطوير علاقات اقتصادية، بما في ذلك تحالفات مع بعض الدول الرأسمالية ضد القوى الامبريالية، مشروعة ومفهومة، ما دامت تهدف إضعاف جبهة الامبريالية الموحدة للدول العاتية كما و كانت قد انتزعت حينها بعض القوى من الجبهة المذكورة، و لو مؤقتا، عبر استغلال النزاعات الواقعة في معسكر الإمبريالية. و كانت المشكلة قد بدأت عند تحول الخيارات المؤقتة (لدولة) اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية المتخذة في مجالات اقتصادية و دبلوماسية، إلى مبادئ شكَّلت لاحقاً أساساً نظرياً عُبر عنه حينها، بما سمي ﺒ" الطريق اللارأسمالي للتنمية" في هذه البلدان، و هو ما ترافق مع الرؤية بصدد "الإنتقال السلمي" إلى الإشتراكية، و هو ما قاد قوى شيوعية، في نهاية المطاف، إلى إبداء التحمُّل و حتى إلى المشاركة في حكومات إدارة برجوازية.

و في الواقع، فُهمت على نحو خاطئ من قبل قوى شيوعية، الموضوعة اللينينية القائلة: "إن رأسمالية الدولة الاحتكارية إنما هي الإعداد المادي الأكمل للإشتراكية، إنما هي عتبتها، إنما هي تلك الدرجة من سلم التاريخ التي لا يوجد بينها (أي بين هذه الدرجة) و بين الدرجة المسماة بالإشتراكية أية درجات وسطية[31].

و على هذا الأساس، فإن الهدف المزعوم بإنضاج الظروف المادية، يُبرَّر دعم الشيوعيين النشط ومشاركتهم في الإدارة البرجوازية، أيضاً في سوريا. و بعيداً عن  واقع تفهُّم رأسمالية الدولة الاحتكارية على أنها مجرد وجود قطاع دولة قوي في الاقتصاد، لا على أنه الإمبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية، مثل ما وصفها لينين، يجب أن نؤكد أيضاً على أمر آخر: لم يقم لينين أبداً، بدعوة الشيوعيين للإسهام من مواقع حكومية أو غيرها، إلى إدارة و تعزيز رأسمالية الدولة الاحتكارية. وبالتالي، فنحن بصدد تفسير خاطئ للموضوعة اللينينية، لتبرير مشاركة الشيوعيين في حكومات برجوازية "يسارية" و "وطنية" و ما إلى ذلك. و في النقطة التي سبقت الاقتباس المذكور، يكتب لينين: "إن الحرب الإمبريالية إنما هي عشية الثورة الإشتراكية[32]". و مع ذلك، فإن هذا لا يعني على الإطلاق أنه ينبغي علينا نحن الشيوعيين تحية الحرب الإمبريالية، و أن نشارك بها إلى جانب طبقة بلدنا، البرجوازية. و كما نعرف من الحياة، فقد كان لينين هو الذي رفع راية الأممية البروليتارية ضد المشاركة في الحرب الإمبريالية العالمية الأولى، و هي الراية التي كانت قد تخلت عنها الأممية الثانية.

وبالتالي، فإن تقسيم البرجوازية الخاطئ إلى "وطنية" و "خاضعة للأجانب" و المشاركة في حكومات برجوازية، قد يقودان بالأحزاب الشيوعية والعمال إلى النضال تحت "راية أجنبية" و هو الخطر الذي حذر  منه لينين[33]. و أكثر من ذلك بكثير، بعد أن ثبت عمليا أنه ما من "طريق ثالث إلى الاشتراكية" ، حيث لا توجد سلطة وسيطة بين الرأسمالية والاشتراكية، و هو ما يبدو في حالة سوريا.

 

و بعد الثورة المضادة و إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، وائمت الدولة السورية عملية تمركز رأس المال و طورت على نحو أبعد علاقاتها مع المصالح الاحتكارية، و نفذت سياسة إعادة هيكلة و تدابير مناهضة للشعب.

إن هدف الطبقة البرجوازية في كل دولة رأسمالية، وفقاً لقوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، هو المطالبة بموقع أفضل ضمن المزاحمة الجارية من أجل السيطرة واستغلال موارد الثروة والنفط والغاز، والمياه، وخطوط أنابيب الطاقة و "شرايينها" لتكسب احتكاراتها المزيد من الأرباح و امتلاك حصص أكبر في الأسواق، مع تعزيز استغلالها الطبقة العاملة وغيرها من الشرائح الشعبية. و لا تشكِّل سوريا استثناءاً عن هذه "القاعدة" العامة. حيث كانت قد أظهرت أردوغان و تركياً ﻜ"حليفٍ استراتيجيٍ" لها عام 2010، بعد أن سبق ذلك، تغيير موقفها من حزب العمال الكردستاني، (لا ينبغي أن ننسى من أين بدأت "أوديسيا" أوجلان التي انتهت به في سجن إمرالي).

و أقدمت على تمرير قوانين، رغم معارضة الشيوعيين لها، لصالح ما يسمى ﺒ"تحرير السوق"، مع تغييرات سلبية خطيرة على العمال (مثل تدهور علاقات العمل، و تحرير تسريح العمال، و زيادة أسعار السلع الاستهلاكية الشعبية، و غير ذلك). و هكذا، جرت تحركات سبقت بكثير بداية عام 2011 وهي التي تجلت بداية 2011  عبر مظاهرات أعربت عن السخط الشعبي ضد سياسة الخصخصة والتقشف التي اتبعتها حكومة الأسد. حيث تطورت حركة تدعو إلى زيادات في الرواتب، وتوسيع الحقوق الديمقراطية و إصلاحات دستورية. و تمت تلبية هذه المطالب بهذه الدرجة أو غيرها، و لكن ذلك كان، بعد أن كان قد بوشر تطبيق تدخل خارجي في إطار مخطط 'الشرق الأوسط الجديد" الشامل. و كان هذا المشروع قد أطلق لإجراء تغييرات تهدف للتصدي و إلغاء النزعات المتمظهرة ضد المصالح الإقتصادية للولايات المتحدة و لسواها من القوى الامبريالية الكبرى، كفرنسا. ما دامت دول في المنطقة كانت قد أقدمت على خيارات أخرى، متطلعة نحو جانب الصين و روسيا والهند، اللواتي حسَّنن من موقعهن ضمن المزاحمة الامبريالية البينية و هددن واقع التربع الأمريكي فوق قمة  "الهرم" الإمبريالي.

و لذلك، يمكننا القول و بإيجاز بشأن هذه المسألة أن طابع سلطة ما، لا يتحدد عبر توصيفات تزيينية  ﻜ"الخاضعة للأجانب"  أو "الوطنية" و هي الصفات التي بإمكان أحد ما أو السلطة ذاتها، استخدامها، بل يتحدد ذلك، من واقع الطبقة الممتلكة السلطة في يديها، أي لمن تعود ملكية وسائل الإنتاج. حيث ليست سوريا استثناء على ذلك، فهي دولة رأسمالية حيث تتواجد السلطة في أيدي الطبقة البرجوازية، و هي التي قامت عبر سلوكها، و خاصة بعد إسقاط الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، بإعداد "الأرضية"، من بين أمور أخرى، للتطورات الراهنة.   بمعنى أن سوريا شاركت في النظام الرأسمالي العالمي، وشرعت عِبر إصلاحات هيكلية تهدف إلى تحقيق اندماجها الأعمق في الاقتصاد الرأسمالي الدولي، دون أن تتردد في ضرب مكاسب العمال والشرائح الشعبية، و أخيراً، وقعت في شبكة كومة من التناقضات الإحتكارية الجارية حول اقتسام الأسواق الرأسمالية.

و على هذا النحو، فنحن لا ننسى أن النظام السوري، و خلال تطويره في العقود الماضية، لعلاقات اقتصادية و سياسية مع الاتحاد السوفييتي دون قطع من تعاونه مع الدول الرأسمالية، كان قد ناهض في بعض الأحيان، مخططات الإمبريالية في المنطقة، و دعَم حق الشعب الفلسطيني، و اصطدم مع إسرائيل التي لا تزال تحتل أراضٍ سورية منذ حرب الستة أيام عام 1967. ونحن نفهم جيدا اليوم، أن إضعاف تلك القوى السياسية التي يقودها الرئيس الأسد، أو حتى الإطاحة به، من الممكن أن يؤدي إلى وقوع حروب و تدخلات إمبريالية جديدة.

إننا نعارض الحرب الإمبريالية، و ندعو إلى تنظيم كفاح الشعب ضد تورط البلاد فيها. ضد استخدام أراضي البلاد و بحارها و مجالها الجوي، ﻜ"قواعد انقضاضية" للهجوم ضد أراضٍ أجنبية، كما و نناهض مشاركة القوات المسلحة اليونانية، فيها. و لهذا السبب، فنحن نعارض خيارات و مخططات طبقة بلادنا البرجوازية، التي تخدمها حكومة حزبي سيريزا و اليونانيين المستقلين، التي تصرح استعدادها لدفع اليونان نحو الحرب الإمبريالية بذريعة "مكافحة الإرهاب".

إننا نعرب عن تضامننا مع الحركة الشيوعية في سوريا، التي من الواضح أنها من غير الممكن أن تكون غير مبالية بالتدخل الأجنبي الإمبريالي الجاري الآن في بلدها ولا تجاه احتلال وتقطيع أوصال بلادها.

و مع تحليلنا للتجربة التاريخية للحركة العمالية الشيوعية اليونانية و الأممية، فإننا نعتقد بأن نضال كُلَّ شعب هو قادر على امتلاك نتائج جوهرية، بقدر ارتباطه مع النضال من أجل وطن محرر من وجود الرأسماليين و خارج جميع الإصطفافات الإمبريالية، وطن حيث الطبقة العاملة في موقع السلطة و موقع المالك لوسائل الإنتاج الممركزة و للثروة التي يُنتجها. و بهذا الأسلوب حصراً، بالإمكان وضع حد لتلك الأسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تخلق أشنع أشكال إدارة الرأسمالية، كالفاشية و مجرمي منظمة "الدولة الإسلامية".

 

عن "الحرب المشتركة ضد الإرهاب"


بدَّدت عملية إسقاط المقاتلة الروسية من قبل تركيا مؤقتاً، نشوة وسائل الإعلام البرجوازية والعديد من القوى الانتهازية القائلة بتشكل "تحالف كبير" ضمن "حرب مشتركة ضد الإرهاب" و مجرمي "الدولة الإسلامية". حيث أعيد هنا، تدوير حجج بلزوم تبني روح "قومية" أو "أوروبية" ما دامت أوروبا و العالم، يتعرضان لهجوم "الإرهاب". حيث ساندت مختلف الأحزاب البرجوازية، اعتباراً من منظمة الفجر الذهبي الفاشية و حتى "اليسار" الحاكم لحزب سيريزا، التورط العسكري الأكثر علنية في سوريا. وهكذا، وعلى سبيل المثال، اصطف الحزب الشيوعي الفرنسي[34]، بعد الهجوم الذي وقع في باريس، في صالح إقامة "ائتلاف دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، نظراً لوضوح عدم تحقيق العمليات العسكرية للولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وغيرهم من المتورطين، لنتائجها المرجوة".

و عُبِّر عن مواقف مماثلة من قبل بعض القوى السياسية القيادية في دول: كروسيا وفرنسا، بعد الهجوم الذي وقع في باريس. حيث تدعو هذه القوى من جانبها، إلى "تكريس" موقعها في العملية السياسية التي ستتبع في سوريا، بعد "انكماش" تنظيم الدولة الإسلامية، في إطار سعي إلى الحفاظ على حصص احتكاراتها أو إلى كسب المزيد منها.
و مع ذلك، ليس لعمال أوروبا أية مصلحة من هذه النداءات الجوفاء، التي تسعى إلى إخفاء النوايا و المخططات و المصالح الفعلية، لهذه القوى.

و بذلك، يثبت و لمرة أخرى، أن الانتهازية و قوى الإشتراكية الديمقراطية، هي عبارة عن "جوقة يسارية" للنظام و للحروب الامبريالية.

فكما ثبُت جليا أيضاً، من التدخل الإمبريالي واحتلال أفغانستان والعراق، فإن الحل لمشكلة الرجعية الإسلامية الظلامية و لمشكلة الهجرة والنزوح، لا يكون على الإطلاق، عِبر طريق الحروب والتدخلات الإمبريالية و احتلال الأراضي. بل على العكس!

حيث ينبغي أن يكون خط الاستراتيجية، الذي ترسمه الحركة الشيوعية، مستقلاً عن مشاريع كل طبقة برجوازية، و كل قطاع منها. و لا ينبغي عليه السماح بتحويل العمال إلى"لحم لمدافع" " الحروب الإمبريالية. ينبغي أن يستهدف هذا الخط، أسباب همجية الرأسمالية، لا أن يستهدف ببساطة، مظاهرها المتطرفة فقط.

 

بمقدور النضال ضد الحرب الإمبريالية أن يكون ذي نتائج و منظور


لقد أوضحت حكومة  سيريزا و اليونانيين المستقلين، حين حديثها عن "سياسة خارجية متعددة الأبعاد"، و سعيها لتحقيق أفضل نتيجة ممكنة لمصالح طبقة البلاد البرجوازية، أن تحركها هو وفق "بوصلة" التزامات البلاد تجاه حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

و لسنا هنا بصدد سياسة "تنجر" لها الحكومة بسبب عدم وجود الإرادة، بل بصدد خط سياسي واعٍ، تفرضه المصالح الاستراتيجية لطبقة البلاد البرجوازية (أو قطاعها المسيطر)، التي تُقدِّر بأنها ستستطيع من خلال هذه الإتحادات، مضاعفة أرباحها. و بذلك، تبدو حكومة سيريزا و اليونانيين المستقلين، راغبة و بذريعة "حماية السكان المسيحيين" في الشرق الأوسط، و "مكافحة الإرهاب"، و "عكس تدفقات الهجرة"، في توفير البنية التحتية والوسائل العسكرية للتدخل العسكري الأوروأطلسي في سوريا. حيث يتمثل تحفظها الوحيد الذي عبرت عنه حتى الآن، تجاه تورط اليونان عبر قوات برية، و هو ما لم يُعبر عنه كلامياً (ولكن ليس في الخطط) كل من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، حتى اللحظة.  ومع ذلك، فإن اتفاق الحكومة مع تفعيل الفقرة 7 من المادة 42، و الذي ينص على: "تقديم المعونة والمساعدة بكل الوسائل المتاحة لها" يترك الحكومة مكشوفة!

 

و في هذه الظروف يتسائل العديد من العمال: "أبإمكان نضالنا من أجل فك ارتباط اليونان عن مخططات الإمبريالية، في حين بقائها ضمن أصفاد حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، أن يكون ذي نتيجة؟".

 

لكي يكون للصراع العمالي الشعبي، منظور و نتائج، ينبغي عليه أن يكون موجها في ذات الوقت: ضد القوى الرأسمالية المحلية والأجنبية، ضد قرارات الحكومة و مثيلاتها لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. و بقدر قوة هذا الصراع و كثرة قوى الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية الأخرى "المحتضنة" لهذا الصراع، ستكون الفرص أمامنا لوضع "عائق" أمام إرسال قوات مسلحة يونانية إلى الحرب الإمبريالية في جانب إمبرياليي حلف شمال الأطلسي و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية.  و بقدر زيادة قوة الحركة المناهضة للحرب الإمبريالية، سيكون حجم العقبات الممكن وضعها أمام استخدام امبرياليي حلف شمال الأطلسي و الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة، لبنى البلاد، التحتية العسكرية.  حيث بإمكان النضال ضد الحرب الإمبريالية، أن يشكل "فتيلاً" لفك ارتباط البلاد عن الاتحادات الإمبريالية، من أجل إسقاط السلطة الرأسمالية، ما دامت السلطة العمالية وحدها، هي القادرة على ضمان تحقيق فك الإرتباط الفعلي عن هذه الإتحادات و عن سواها الإمبريالية الطابع.
و نعلم جيداً، نحن الشيوعيين، الذين نعتمد في تحليلاتنا، نظرية الاشتراكية العلمية، أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، و لا سيما العنيفة منها! بأن الحرب تولد فوق أرضية صراع المصالح الاقتصادية المختلفة التي تتخلل نظام الرأسمالية بأكمله. هذا هو السبب، في أنه مهما تكن الحرب لا مفر منها في ظروف الرأسمالية (كما و هي الأزمات الاقتصادية و البطالة و الفقر، وما إلى ذلك) فهي في الوقت نفسه ظاهرة اجتماعية تعكس أزمة الرأسمالية التي من الممكن أن تقود إلى حضور أزمة سياسة شاملة و وضع ثوري، و تشكيل ظروف خروج من الحرب عبر إسقاط السلطة الرأسمالية ثورياً و الظفر بالسلطة العمالية.

 

و في الخلاصة، فإن نضالنا من أجل المجتمع الشيوعي الاشتراكي حيث ستكون وسائل الإنتاج ملكية اجتماعية (بدلا من ملكية القلة)، حيث يعمل الاقتصاد المخطط مركزياً مع رقابة عمالية يمارسها العمال ذاتهم، بهدف تلبية الحاجات الشعبية ( لا من أجل زيادة أرباح الرأسماليين). هو نضال مرتبط ارتباطا لا ينفصم مع النضال ضد الحرب الإمبريالية، و ضد "السلام" الذي يُفرض من قبل الامبرياليين مع "تهديد المسدس على صدغ الشعوب"  و إعداد حروب إمبريالية جديدة.



[1]  الكسندر زينوفييف (1922-2006): أحد أشهر الكتاب وعلماء الاجتماع و الرياضيات والفلاسفة الروس المعاصرين. وقد بدأ "طريق" حياته من خلال رفض النظام السوفييتي و شطب عضويته من الحزب الشيوعي السوفييتي عام 1976، وهروبه من الاتحاد السوفييتي عام 1978، حتى عودته الكاملة عن آرائه، بعد 20 عاما، و هو الأمر الذي وضعه في روسيا الرأسمالية في أعلى مراتب المتعصبين لصالح النظام السوفييتي بين صفوف المثقفين الروس.  و لربما يكون زينوفييف الوحيد بين "المنشقين"السوفييت المشهورين في فترة "الحرب الباردة" الذي ندم تماماً عن موقفه المناهض للسوفييت، حتى أنه أقدم رسميا على تقديم اعتذاره نحو الشعب الروسي حول ذاك الموقف. و كان يجيب بعدوانية على الدعاية المعادية للسوفييت حول "الملاحقات" و "الگولاگ"، مصرحاً بأن اعتقاله كان صائباً عام 1939، حيث قُبض بعد تنظيم مجموعة لاغتيال ستالين. و في سياق جوابه على سؤآل ذي صلة عام 2005، كان قد قال: " ماذا كان ينبغي عليهم القيام به، أتقديم ميدالية لنا؟". وبعد عام 1990، دافع و بحماس عن مكاسب الاتحاد السوفييتي، و عن القيم الإنسانية التي ميزت النظام السوفييتي. وكان زينوفييف قد تحدثت بكلمات قاسية عن تفكيك الاتحاد السوفييتي، ووصفه بأنه "جريمة لم يسبق لها مثيل" و في إحدى آخر مقابلاته، كان قد صرَّح بأن:(" الشرَّ" الرئيسي العالمي هو الملكية الفردية، و هو الذي ستُدمر الإنسانية في حال عدم تغلبها عليه).

[3] انظر على سبيل المثال: http://energypress.gr/news/o-polemos-ton-agogon-stin-notioana toliki-mesogeio

[4]عن موقع "سينخروني روسيا" http://gr.rbth.com/international/2013/02/06/i_maxi_ton_agogon_  sti_mesi_anatoli_19795

[5] "حرب الطاقة في شرق المتوسط" مجلة كومونيستيكي إبيثِوريسي العدد 1/2012.

[7] http://top.rbc.ru/business/24/09/2015/560168269a7947597c281379

[9] أندرياس ماتزاكوس: ضابط متقاعد من جيش المشاة و أستاذ العلاقات الدولية و الدراسات الستراتيجية: "أيراهن على المصالح الحيوية لروسيا في سوريا؟ لماذا تواصل روسيا دعمها لنظام الأسد؟" http://www.elisme.gr/gr/ 2013-01-06-18-39-21/item/2015-09-27

 

[12]    http://www.ft.com/intl/cms/s/0/cee6fcba-69bf-11e5-8171-ba1968cf791a.html# axzz3neno2hNG

[13]      http://top.rbc.ru/politics/01/10/2015/560d2f6a9a794744bcd58e23

 

[14]    http://russian.people.com.cn//n/2015/1001/c31521-8957602.html

[15]     http://www.rg.ru/2015/12/04/kitay-anons.html

[16]    Μνημειώδης Δήλωση - 7 χώρες καλούν την Ρωσία να μη χτυπά τους ισλαμοφασίστες που πατρονάρουν, http://thesecretrealtruth.blogspot.com/2015/10/7_3.html#ixzz3 naTs9Kdr

[17]    http://www.ert.gr/merkel-vlepi-politiki-lisi-me-asant-ke-antipolitefsi-sti-siria/

[18]       http://www.politis-news.com/cgibin/hweb?-A=303503&-V=articles

 

[19]    تتضمن المادة 42 "الأحكام حول سياسة الأمن المشترك والدفاع" للاتحاد الأوروبي و هي تنصُّ خاصة في فقرتها 7: "في حال تعرض دولة - عضو لعدوان مسلح على أراضيها، يجب على الدول الأعضاء الأخرى تقديم العون والمساعدة بكل الوسائل المتوفرة في وسعها، وفقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.  و هذا لا يمس ثالطابع الخاص للسياسة الأمنية والدفاعية للدول الأعضاء المعينة. حيث لا تزال الإلتزامات و التعاون في هذا المجال أن تكون متسقة مع الالتزامات المنصوص عليها في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي لا تزال سارية المفعول، بالنسبة لدوله الأعضاء باعتباره أساس دفاعها الجماعي و أداة  تنفيذه".

[20]   http://www.naftemporiki.gr/story/1012006/kameron-terastio-lathos-oi-rosikes-epidromes-sti-suria

[21]   http://www.naftemporiki.gr/story/1012116/xamont-i-rosia-den-mporei-na-petaei-ta-paixnidia-tis-apo-tin-kounia-otan-den-ginetai-to-diko-tis

 

[22]    http://tass.ru/mezhdunarodnaya-panorama/2317079

[23]    http://cnnpressroom.blogs.cnn.com/2015/10/04/fareed-zakaria-gps-benjamin-netanyahu-on-russia-iran-u-s/

[24]   http://www.rizospastis.gr/page.do?id=16064&publDate=17%2F12%2F2015&page No=24

[25]     http://www.rbc.ru/politics/04/10/2015/5610c1619a7947339a73394c

[26]   http://www.onalert.gr/stories/senaria-oloklirotikou-polemou-nato-russias-gennoun-exoplismous-kai-xrima/45300

[27]    http://news247.gr/eidiseis/kosmos/h-toyrkia-enhmerwse-ton-ohe-oti-ksekina-aeroporikes-epitheseis-enantion-toy-islamikou-kratoys.3589646.html

[28]     ف.إ. لينين: الأعمال الكاملة (باليونانية)  المجلد 32 الصفحة 335. إصدار دار "سينخروني إبوخي".

[29]   في ذات المصدر أعلاه.

[30]   ف. إ. لينين: تحت راية أجنبية. الأعمال الكاملة (باليونانية) المجلد 26 الصفحة140- 141- 146. إصدار دار "سينخروني إبوخي".

[31]  لينين: الكارثة المحدقة و كيف نحاربها- المختارات، المجلد السابع. الصفحة 216. دار التقدم. موسكو.

[32]  في ذات المصدر أعلاه و الصفحة نفسها.

[33]   ف.إ. لينين: "تحت راية أجنبية" المجلد 26 (باليونانية) صفحة 142.