Skip to content

النص الثاني:الواقع الدولي اليوم. الإطار السياسي العسكري للعالم المعاصر. الوضع في الحركة الشيوعية الأممية ونشاط الحزب الشيوعي اليوناني. تقييمات الحزب الشيوعي اليوناني للتطورات في الاقتصاد المحلي والنظام السياسي البرجوازي.

Date:
ديسمبر ٢٩, ٢٠٢٠
21_Theses2

الفصل اﻷول

الواقع الدولي اليوم

1. احتدَم التناقض الأساسي بين رأس المال و العمل و عدم التكافؤ بين الدول الرأسمالية، في الفترة المنقضية منذ المؤتمر العشرين للحزب.

و تتوسع موضوعياً الفجوة بين الثروة المركزة في المجموعات اﻹقتصادية الكبيرة والفقر النسبي والمطلق الذي تعيشه غالبية العمال.

و بدلاً من أن تضفي الإمكانيات التكنولوجية الجديدة، التي تم تقديمها على أنها "الثورة الصناعية الرابعة" إلى تحرير العمال، و بدلاً من استخدامها لإرضاء الحاجات الاجتماعية الموسعة، فهي تغدو أداة في أيدي رأس المال لزيادة الاستغلال.

هذا و تؤكد سلسلة من المعطيات زيادة بعض مظاهر تطفل النظام (المخدرات، الدعارة، الجريمة، و غيرها).

و برزت خلال السنوات الماضية الآثار السلبية للتطور الرأسمالي على البيئة.

و عززت الصدامات الإمبريالية من تدفقات اللاجئين.

حيث تشهد كل هذه التطورات على أن الرأسمالية هي نظام عفا عليه الزمن تاريخياً، و تؤكد على أن عصرنا و الرغم من التناسب السلبي للقوى، هو عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية – الشيوعية.

إن تمظهر الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة العميقة والعجز الواضح لأنظمة الصحة العامة على مجابهة الوباء في المراكز الإمبريالية يسلط الضوء على تعفن النظام الرأسمالي و على تناقضاته الحادة، على الرغم من توسُّعه بعد غلبة الثورة المضادة في القرن العشرين .

و يبرهن كل من زيادة البطالة طويلة الأمد ودرجة استغلال الطبقة العاملة، و تعزيز نزعة الإفقار النسبي والمطلق، و العجز عن الاستفادة من الإمكانيات العلمية الحديثة لحماية صحة القوى الشعبية، و حاجاتها التعليمية وما شاكلها، على احتدام التناقض اﻷساسي بين رأس المال والعمل، وبنحو أعم على احتدام جميع التناقضات الاجتماعية.

و تتعزز المزاحمة فوق أرضية الأزمة الدولية الجديدة بين التحالفات الإمبريالية، ولكن أيضاً بين الدول الرأسمالية داخل هذه التحالفات، للسيطرة على الأسواق ومصادر الطاقة وطرق النقل اعتباراً من شرق المتوسط و أفريقياً و جنوب شرق آسيا حتى القطب الشمالي.

و اتضح في السنوات الماضية تراكم استياء يجري التعبير عنه في مرات كثيرة في اندلاع الغضب والاستياء الشعبيين حتى في دول رأسمالية عاتية. حيث يمكننا أن نسجل تعابير كهذه في الإضرابات والتحركات الجارية ضد سياسة ماكرون في فرنسا، والتظاهرات المتعلقة باغتيال فلويد في الولايات المتحدة. و بالتأكيد، يهيمن عليها التضليل والاندماج في مخططات الطبقة البرجوازية المتنافسة، بذات درجة غياب حزب شيوعي منظم و حركة عمالية ذات توجه طبقي. هذا و تمظهرت هذه المزاحمات  أيضاً في اقتحام قوى محرضة من قبل دونالد ترامب لمبنى الكابيتول مؤخراً بواشنطن بسبب التداول الحكومي في الولايات المتحدة. إن ما يسمى بـ "العودة إلى الوضع الطبيعي" لن يواجه هذه المزاحمات، ناهيك عن المشاكل الحادة التي يعاني منها الشعب الأمريكي وشعوب العالم بأسره، بسبب سياسات جميع حكومات الجمهوريين و الديمقراطيين الأمريكية، المطبقة على مر الزمن. و على الرغم من ذلك، لا تنبغي اﻹستهانة بالتحركات الشعبية الجارية في سلسلة من الدول الرأسمالية كعناصر تكشف إمكانيات لتطوير الحركة العمالية والشعبية في المستقبل .

الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة

2. تمظهرت في عام 2020 الأزمة الاقتصادية الدولية الجديدة في تزامن نسبي، و بعمق أكبر بكثير من سابقتها المتمظهرة 2008-2009، هو العمق الأكبر بعد الحرب العالمية.

هذا و تُبرز مواجهة وباء الفيروس التاجي في التحليلات البرجوازية باعتبارها سبب اﻷزمة الرئيسي (مع تدابير الإغلاق العام أو المحدود) التي أدت فعلاً إلى انحسار حاد في أنشطة الإنتاج والنقل والأنشطة الاقتصادية الأخرى. لقد لعب الوباء بالطبع دوراً في  توقيت الأزمة وعمقها، لكنه لم يكن سببها. لقد عمل بمثابة حفاز لها و كابح إضافي للاقتصاد العالمي الذي كان قد تباطئ سلفاً.

لقد أبرز التباطؤ الذي ظهر سلفاً عام 2019 الحجم الكبير لرأس المال المفرط في تراكمه، والذي لا يمكن إعادة رسملته واستثماره، بنحو يضمن نسبة ربح مُرضية.

و بنحو أعم، ضئيلٌ هو عدد الاقتصادات الرأسمالية التي انتقلت نحو مستوى نمو أعلى مما كان عليه قبل الأزمة في العقد الذي  تلى الأزمة الدولية السابقة في 2008-2009.

و على الرغم من الاختلافات الجانبية للدول الرأسمالية في المواجهة المحددة للوباء، فهي تمتلك في كل مكان وصمة طبقية مناهضة للشعب. حيث تتحدد التدابير التقييدية المحددة لمواجهة الوباء (الإغلاق الكامل أو الجزئي)، والعواقب الاجتماعية والاقتصادية السلبية، من علاقات الإنتاج الرأسمالية.

و لا تشكِّل الحالة المؤسفة لأنظمة الصحة العامة (الافتقار إلى الرعاية الصحية الأولية الحكومية، مشاكل البنية التحتية، عدد وحدات العناية المركزة، نقص الطواقم، و غيرها في المستشفيات العامة)،  كما و المشاكل الكبيرة الصحة في مجال وقاية و صحة و سلامة العمال، و الدرجة المتدنية لحماية العاملين الصحيين أنفسهم، ظواهر طبيعية غير قابلة التجنب، بل هي نتيجة للسياسة البرجوازية لدعم الربحية الرأسمالية. حيث يتسم مجموع الدول الرأسمالية بتعزيز تسليع خدمات الصحة والدواء.

حاولت السياسة البرجوازية عبثاً إيجاد "النسبة الذهبية" بين اتخاذ تدابير صحية صارمة ودعم انتعاش الاقتصاد الرأسمالي.  حيث تتفاقم بالتوازي مع ذلك، المزاحمة بين المجموعات الاقتصادية والمراكز الإمبريالية في ما يخص السوق العالمية للقاحات والأدوية، وكذلك في سياق المواجهات الجيوسياسية..

تمظهرٌ غير متكافئ للأزمة واحتدامٌ للمزاحمات

3. يؤثر التمظهر غير المتكافئ للأزمة وعواقبها على تغيير تناسب القوى ويزيد من حدة التناقضات، على حد السواء بين التحالفات الإمبريالية والدول الرأسمالية كما وداخل الاتحاد الأوروبي و بوجه خاص داخل منطقة اليورو.
يتفاقم الصراع للسيطرة على الأسواق ومصادر الطاقة وطرق الشحن البحري للبضائع، اعتباراً من شرق المتوسط حتى بحر الصين الجنوبي. و تتعزز و تتوسع بؤر خطر نشوب حرب إمبريالية أشمل.
تظهر التطورات اليوم التعزيز الموضوعي لقدرة الصين على تهديد صدارة الولايات المتحدة في النظام الإمبريالي الدولي في السنوات القادمة. و ينطبع هذا الزخم أيضاً في انخفاض حصة الولايات المتحدة و في الزيادة الكبيرة لحصة الصين من الناتج العالمي في الفترة 2000-2020.

كما و ينطبع اتجاه تغير تناسب القوى على حساب الولايات المتحدة، في الزيادة الهائلة في العجز التجاري للولايات المتحدة في تجارتها البينية مع الصين (في الفترة 1985-2019).

تصاعدت فوق هذه اﻷرضية "الحرب التجارية" بين البلدين في العامين 2018-2019، حيث فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية متزايدة على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، وفرضت الصين رسوماً جمركية على البضائع الأمريكية بقيمة 60 مليار دولار. تولي الولايات المتحدة أهمية كبيرة لهدف عدم خسارتها تفوقها على مستوى التكنولوجيا الجديدة وفي نفس الوقت للحد من توسع الصين في هذا القطاع، الذي لكان سيعزز في الوقت نفسه نفوذها السياسي في حال تحقيقه (على سبيل المثال، عبر تكثيف محاولتها لاستبعاد الصين من شبكات 5 G في أوروبا). و في الوقت نفسه، قامت حكومة الولايات المتحدة مستغلة أيضاً التخفيض الهائل في الضرائب على رأس المال، بتوجيه دعوة للشركات الاحتكارية الأمريكية للتكنولوجيا الجديدة الناشطة في الصين إلى مغادرتها أو للعودة لموطنها في الولايات المتحدة، بينما تحاول إحباط توسع الصين الجاري عبر "طريق الحرير" و استثماراتها في بلدان أخرى.

و كانت العقوبات المتخذة من الجانبين و محاولة تغيير سلسلة التوريد الدولية وتقليل الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الولايات المتحدة والصين قد أثرت سلباً على التجارة الدولية و أسهمت في تمظهر الأزمة الجديدة.

و بالتوازي يتم تعزيز الميول الحمائية، ليس فقط في الولايات المتحدة بل و أيضاً في الاتحاد الأوروبي، مع تحريض واضح من رئيسة مفوضيته أورسولا فون دير لاين، خاصة نحو دوله الأعضاء لحماية المجموعات الاقتصادية الأوروبية ذات الأهمية الاستراتيجية من محاولات عمليات استحواذ عدوانية ستجري من قبل مجموعات أجنبية.

و يُسجَّل تدهور في علاقات الولايات المتحدة بألمانيا مع فرض عقوبات تجارية من كلا الجانبين و احتدام الخلافات في طيف من المواضيع (التعاون الألماني في مجال الطاقة مع روسيا، مشاركة ألمانيا الصغيرة في إنفاق الناتو، الموقف تجاه إيران و غيرها). و بنحو أشمل، تزداد حدة مزاحمة الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وبريطانيا. حيث ستؤدي اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى زيادة المزاحمة في القطاع المالي في أوروبا، لأنها تقتصر بشكل أساسي على حركة البضائع. و هي التي تعكس بالتوازي، الضغوط الممارسة للتوصل إلى توافقات من شأنها تعزيز المحور الأوروأطلسي، على نقيض من زخم الصين. حيث ستزداد هذه الضغوط بعد فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية.

يغذي التحول في تناسب القوى الدولي لصالح الصين اتجاهات مضادة في إعادة تسخين العلاقات الأمريكية الألمانية وتعزيز تماسك التحالف الأوروأطلسي. و تشكل زيادة العقوبات الاقتصادية والضغط على روسيا، المتواجدة أيضاً في مرحلة أزمة رأسمالية، تعبيراً عن هذا الاتجاه. و تتمظهر أيضاً تعابير مختلفة في مسألة الموقف تجاه روسيا والصين داخل الاتحاد الأوروبي، مما يُصعِّب صياغة موقف واحد مستقر. ومع ذلك، تبرز الصين الآن بنحو موضوعي باعتبارها الشريك التجاري الأكثر أهمية للاتحاد الأوروبي، أمر تؤكده اتفاقية الاستثمار والتجارة الأخيرة المبرمة بين الاتحاد الأوروبي والصين.

تمظهر الأزمة في الاتحاد الأوروبي

 

4. تتفاقم مزاحمات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بسبب تنافس مجموعاتها الاحتكارية و طبقاتها البرجوازية، نظراً ل:

أ) تأثير قانون التنمية غير المتكافئة على حد السواء داخل الاتحاد الأوروبي كما و تجاه الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان.

تعزيز موقع ألمانيا تجاه فرنسا وإيطاليا، الذي سُجِّل في المرحلة السابقة من التطور الرأسمالي غير المتكافئ و ازداد بنحو أكبر في مرحلة التمظهر غير المتكافئ للأزمة الجديدة وعواقبها على منطقة اليورو و الاتحاد الأوروبي إجمالاً. حيث تؤكد التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والإنتاجية هذا الاستنتاج.

ب) الاختلاف الموضوعي في وضع الميزانية العامة وفي مشاكل إدارة الدين والعجز السنوي، والتي تدعى لمواجهتها الحكومات البرجوازية في الدول الأعضاء من أجل ضمان دعم مرضٍ لمجموعاتها الاحتكارية في مرحلة الأزمة.

حيث يجري أولاً اختبار قدرة ألمانيا على تحمل العبء الأكبر للاقتراض المشترك للاتحاد الأوروبي دون أن تفقد قوتها الاقتصادية، و ثانياً اختبار الإمكانات المحدودة للغاية لإيطاليا وغيرها من البلدان المثقلة بالديون لتحمل عبء القروض الجديدة في ترابط مع تدهور شروط تنافسيتها داخل الاتحاد الأوروبي.

 ج) الحلول البديلة التي يلدها تحول تناسب القوى الدولي الآن (صعود الصين الزاخم، احتدام العلاقات بين الولايات المتحدة وألمانيا، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و غيرها) بالنسبة للحكومات البرجوازية. حيث تقوم طبقات برجوازية لبلدان كإيطاليا، التي تجد أنها تجني فوائد أقل نسبياً عبر مشاركتها في سوق الاتحاد الأوروبي الموحد و في اليورو، بدراسة إجراء تغييرات في تراتبية تحالفاتها الدولية.

إن جملة العوامل الموضوعية المذكورة أعلاه، والتي تعزز القوى النابذة في منطقة اليورو، لا تلغي الفوائد الحالية التي لا تزال الطبقات البرجوازية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تستمدها من سوق الاتحاد الأوروبي الكبير ضمن المزاحمة الدولية مع مراكز امبريالية أخرى.

 

5. إن هذه التناقضية التي تميز بنحو موضوعي مسار منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي، تنعكس أيضاً في قرارات مفوضيته. لقد قرر الاتحاد الأوروبي، لأول مرة المضي قدماً في اقتراض مشترك لدعم خطط تدخل واسع للدولة من أجل إنعاش الاقتصاد الرأسمالي في جميع الدول الأعضاء من خلال إنشاء صندوق الإنعاش الأوروبي كما و قرر تعليق تنفيذ ميثاق الاستقرار للفترة 2020-2021 مع تقديمه ليس فقط للقروض بل و أيضاً للمنح إلى دوله الأعضاء.

و بالتوازي مع ذلك، يتبع البنك المركزي الأوروبي سياسة متساهلة ويدعم المجموعات المصرفية ببرنامج "تيسير كمي" ضخم. هذا و سوف يتم اختبار تحمل التوافق المسجل في اجتماع القمة من خلال التباين المتزايد في مصالح الطبقات البرجوازية لدول الاتحاد الأوروبي الاعضاء. و بنحو خاص يُبرِز التباين المتزايد بين ألمانيا و إيطاليا مشكلة التماسك الموضوعية الحاضرة في النواة الصلبة لمنطقة اليورو. إن الاتفاق المؤقت بشأن الإقراض الأرخص للدول الأعضاء المثقلة بالديون والأضعف اقتصادياً لا يلغي العوامل الموضوعية لعدم التكافؤ، ولكنه يحد مؤقتاً من الوتائر النابذة في منطقة اليورو. و كانت المانيا حتى اندلاع الأزمة ترفض بثبات المقترحات الخاصة بتيسير جوهري للسياسة المالية والنقدية التقييدية، متذرعة بالمخاطر على استقرار اليورو وموثوقيته كعملة احتياطية دولية. و كان رفضها أكثر شدة لأي اقتراح بشان إقتراض مشترك و "تبادلية الديون" وتقديم إعانات للدول الأعضاء المثقلة بالديون.

لقد جرى التعديل النسبي للموقف الألماني (الذي سمح بقيام توافق في قمة الاتحاد الأوروبي) بنحو رئيسي لتجنب هزة جديدة في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه. لقد جرى لتجنب حدوث هزة في تماسك منطقة اليورو نفسها وفي زخم اليورو،  ما دام حدوث أمر كهذا لكان ذي تأثير سلبي مباشر على قوة اقتصاد ألمانيا و صادراتها. و في الوقت نفسه، استخدمت ألمانيا ضغط تحالف "الدول البخيلة" لتحجيم اقتراح المنحة الأولي نحو الدول الأعضاء، و بنحو رئيسي، لفرض شروطها على الخطوات التالية من أجل التوحيد الاقتصادي والسياسي للاتحاد الأوروبي.

 

6. إن قرار الاتحاد الأوروبي المضي قدماً و لأول مرة في اقتراض مشترك لتقديم منح للدول الأعضاء، يشكل خطوة نحو تعميق توحيد الاتحاد الأوروبي.

و في هذا اﻹطار مُدمَّجة هي اتفاقية إنشاء صندوق الإنعاش الأوروبي.

و يجري إبراز فرنسا و "تحالف دول الجنوب" سلفاً على أنه خطوة تاريخية تقدمية في مواجهة المواقف الرجعية لـ "تحالف بخلاء الشمال". و تبرز ألمانيا التوافق بمثابة تعديل مؤقت لمواجهة حالة طوارئ كبرى، و أنه لا يشكل تغييراً جذرياً في المسار.

و في كل حال، فإننا بصدد مسار في اتجاه رجعي. إن كل خطوة تعزز تماسك التحالف الإمبريالي تقوي خصم العمال الفعلي، أي دكتاتورية رأس المال. إن تعميق توحيد الاتحاد الأوروبي يعني تقوية الآليات الموحدة لتنفيذ توجهات رجعية موحدة على حساب الشعوب.

هذا و تعزز إجراءات الموافقة على المدفوعات بموجب كل من صندوق التعافي الأوروبي والإطار المالي متعدد السنوات (ميزانية الاتحاد الأوروبي لمدة سبع سنوات) آليات الإشراف والضغط من أجل الامتثال الكامل للدول الأعضاء مع توجهات الاتحاد الأوروبي. حيث سيتضاعف الإشراف على الدول الأعضاء المثقلة بالديون مثل اليونان. و ستضاف آلية للتقييم المستمر لبرنامج الإصلاحات والالتزامات إلى جهاز"النصف عام الأوروبي". و هي التي ستحرر أو تجمد أموال الإعانات سيئة السمعة.

الإدارة البرجوازية للأزمة الجديدة

7. تقوم الأركان البرجوازية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان بتدخل من جانب الدولة من أجل إسناد انتعاش الاقتصاد الرأسمالي، باستخدام مقترحات الكينزية. إنها تنتهج سياسة مالية توسعية، أي سياسة زيادة في الإنفاق الحكومي، بنحو رئيسي من أجل التعزيز الفوري للمجموعات الاقتصادية، ولكن أيضاً لمحاولة "التخفيف" مؤقتاً من العواقب الأكثر حدة للأزمة على القوى الشعبية. و يترافق هذا مع تسامح مع نمو الدين الحكومي، أي أنه مصحوب بسياسة مالية أكثر تساهلاً.

و تؤكد الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية على الحاجة إلى عودة ثابتة إلى معظم إملاءات الادارة الكينزية، والتي تُقدَّم على أنها ردٌ تقدمي مؤيد للشعب على النيوليبرالية، التي تقوم بتحميلها المسوؤلية عن الأزمة في كل اﻷحوال.

إن الحقيقة هي أولاً في أن أزمات اقتصادية رأسمالية كانت قد تمظهرت فوق أرضية الإدارة من النمط الكينزي في النصف الثاني من القرن العشرين، و ثانياً، في أن بعض المقترحات الكينزية التوسعية والتوجهات التيسيرية للسياسة النقدية لم تكن قد اختفت من خليطة الإدارة البرجوازية السابقة.

و بعد الأزمة الدولية في 2008-2009، و بنحو أكثر بكثير بعد انتهاج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة "التيسير الكمي" لدعم المجموعات المصرفية. مُنحت الإمكانية لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإصدار سندات تم شراؤها من قبل مجموعات البنوك، حيث امتصت جوهرياً أموالاً مقترضة من البنك المركزي الأوروبي بسعر فائدة مؤاتٍ للغاية.

ثم جاء إلى المشهد اقتراح "الصفقة الخضراء الجديدة". الذي طُرح في البداية عام 2019 باعتباره قراراً في الكونغرس الأمريكي من قبل "الجناح اليساري للديمقراطيين". و بالتوازي معه أطلقت المفوضية الأوروبية "الاتفاقية الخضراء الجديدة" باسم حماية البيئة والصحة العامة، من أجل تشكيل منفذ استثماري مؤقت مربح لرأس المال المفرط في تراكمه. و في جوهره، يضمن هذا الاقتراح قيام تدخل كبير من جانب الدولة، أولاً بصياغة حوافز لتمويل الاستثمارات الجديدة في مجالات الطاقة والنقل والصناعات التحويلية والقطاع الزراعي في ترابط مع التحديث الرقمي للاقتصاد، و ثانياً عبر التخفيض المنضبط لقيمة رأس المال (مثل إغلاق محطات الليغنيت، وسحب السيارات التقليدية، وتغيير شبكات الطاقة).

إن السياسة المالية التوسعية و تدخل الدولة اﻷكبر يحملان العبء على كاهل الشعب مرة أخرى بأسلوب مختلف. حيث سيدعى الشعب لسداد القروض الجديدة و لتحمل أوزار الشركات الخاصة الخاسرة في حال استملاكها المؤقت أو الجزئي من قبل الدولة أو في حال العكس أي عند خصخصة أو تقليص مشاركة الدولة مع تحميل اﻷعباء على القطاع العام.

و يجري باسم "حماية التشغيل" تعزيز سياسة القوة العاملة الأرخص من خلال تحويل عقود العمل بدوام كامل إلى العمل بدوام جزئي أو متناوب، وتخفيض وقت العمل و تخفيض الأجور وزيادة مطاطيته مما يجلب تشديداً لوتيرة العمل و زيادة في درجة استغلاله.

و في نفس السياق، تتوسع إمكانية تنفيذ من جانب واحد لإطار العمل عن بعد المناهض للعمال، و الذي يلغي عملياً الفصل بين  الوقت الحر و وقت العمل.

إن التدابير الجديدة المناهضة للعمال، التي تقلص الأجور جوهرياً، تسهل تسريح العمال، وتهدم حقوق الضمان، و تُقدَّم على أنها مؤقتة في البداية ثم يتم تثبيتها. وهكذا، ترسخ سياسة المردودية الكاملة وتعزيز "الركيزة الخاصة" في نظام التأمين.

إن سياسة التكيف مع المستوى الجديد للإنتاجية دون تحسين شامل في دخل العمل وإدارة الفقر المدقع، أي ألا تتضخم البطالة أكثر من اللازم، و ألا ينهار مستوى أساسي معين للاستهلاك الجماهيري، لا يشكل اقتراحاً تقدمياً لضمان "التوزيع العادل للثروة"  كما يزعم العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين، بل هو شرط ضروري لتأمين الربحية الرأسمالية و إعادة إنعاشها.

و في الوقت نفسه، يتزايد عدد العاطلين عن العمل لفترات طويلة في القطاعات المتأثرة بالتحول "الأخضر" (مثل إغلاق محطات توليد الطاقة بالليغنيت) و يُنقل عبء إعادة تدريب و تأهيل العمال إلى كاهل الأسرة الشعبية.

هذا و  تشمل "جنة النمو الأخضر" الجديدة المعروضة كهرباء باهظة الثمن، و علاقات عمل مرنة،  و قوة عمل رخيصة وأعباء جديدة على الأسر الشعبية لشراء السيارات والأجهزة "الخضراء"، والضرائب"الخضراء" غير المباشرة، و سحب دم الشعب بنحو أعم من أجل دعم الدولة للاستثمارات "الخضراء" الجديدة للمجموعات الاقتصادية. و بالتوازي مع ذلك تؤدي استثمارات ما يسمى بالتنمية "الخضراء" إلى تدهور بيئي واسع النطاق في مناطق ناتورا و في مناطق محمية و جبال جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصادات المحلية وحياة الطبقة العاملة و القوى الشعبية.

و في الخلاصة،  يتم الترويج لأشكال مختلفة لزيادة درجة استغلال الطبقة العاملة، من أجل تطوير حوافز و امكانيات لاستثمارات رأسمالية جديدة ومربحة بذريعة التغير المناخي.

 

8.لا يمكن لأي اقتراح إدارة برجوازية، كينزي أم نيوليبرالي،  أن يُبطل ويلغي حتميات الإنتاج الرأسمالي، و فوضاه و عدم تكافؤه، و التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج و الاستحواذ الفردي الرأسمالي على نتائجه.

تولد الأزمة من التناقض المتواجد في نواة وظيفة النظام الاستغلالي الرأسمالي، في مجال الإنتاج الرأسمالي: حيث يجعل الطابع البضاعي المتناقض المعمم للإنتاج الرأسمالي من ظهور الأزمة الرأسمالية في أبعادها المعاصرة، أمراً لا مفر منه.

و تقود وظيفة الإنتاج بغرض وحافز زيادة رأس المال بنحو دوري إلى تراكمه المفرط الذي يصبح عقبة أمام إعادة استثماره بمعدل ربح مُرضٍ.

و لا يمكن لمقترحات الإدارة البرجوازية، كتلك الخاصة بالكينزية وما يسمى ب "السياسة الاقتصادية لمواجهة التقلبات الدورية" بنحو أشمل، سوى تأجيل وقت ظهورالأزمة والتدخل مؤقتاً في درجة تخفيض قيمة رأس المال، مما يؤدي نحو أزمة أعمق في المستقبل.

إن أي تدخل من جانب الدولة من أجل إبطاء مؤقت لتخفيض شامل وغير منضبط لقيمة رأس المال، وأي خطة للدولة من أجل تعزيز ربحية المجموعات الاحتكارية في قطاعات معينة، تخلق المقدمات لتمظهر لاحق لأزمة فرط تراكم رأسمالي جديدة وعميقة. و بالتوازي مع ذلك، تقود الاختلافات الكبيرة في تدخل الدولة من جانب الحكومات البرجوازية إلى تفاقم عدم التكافؤ والمزاحمة داخل كل تحالف إمبريالي وبين التحالفات الإمبريالية.

إن الاتجاه العام لزيادة التركيبة العضوية لرأس المال وانخفاض معدل الربح ضمن "الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة" يخلق أرضية مواتية لأزمة فرط تراكم جديدة أعمق كنتيجة للنمو الرأسمالي.

و من حيث الجوهر، تحاول الإدارة البرجوازية عبثاً مجابهة التناقضات المتأصلة في النظام الرأسمالي و التي تتعاظم. و يتحول دواء مشكلة "المريض الكبير" إلى سم لمشكلة أخرى. حيث يقوض "دواء" زيادة الأجور من أجل تحفيز الاستهلاك الشعبي زيادة درجة الاستغلال من أجل تثبيط الاتجاه التنازلي في معدل الربح الرأسمالي. و على العكس، يقوض تخفيض الرواتب بيع جميع البضائع بربح كافٍ لتحقيق فائض القيمة.

إن إمكانية تدخل الدولة بنحو كبير مع الزيادة المستمرة في الدين العام والخاص ليست دون حدود، خاصة في الظروف التي تشتد فيها المزاحمة وتحتدم التناقضات بين المراكز الإمبريالية. حيث تستبعد أحدث توقعات المنظمات الإمبريالية الدولية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صندوق النقد الدولي، و غيرها) العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة في الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة في العامين المقبلين.

و يقود تمظهر الأزمة إلى تخفيض قيمة جزء من رأس المال و تدميره و إلى إعطاء دفعة جديدة مؤقتة للنظام لموصلة المراكمة ديناميكياً، لكن التاريخ يثبت أن هذا لا يتم دائماً دون قسر، دون المطالبة بقيام اقتسام جديد للسوق العالمية عبر العنف الحربي.

الفصل الثاني

الإطار السياسي - العسكري الدولي للعالم المعاصر. مزاحمات قاسية تشمل العالم بأسره. منطقتنا

9. يُخاض الصراع الإمبريالي البيني عبر وسائل اقتصادية و سياسية و دبلوماسية، و يُعبَّر عنه في حروب "محلية"، و زيادة التسلح وتحديثه، وتغيير العقائد العسكرية، و غيرها، بينما يزداد خطر اندلاع حرب إمبريالية أشمل. في أوراسيا وشرق المتوسط، و الخليج وجنوب المحيط الهادئ، و في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، في القطب الشمالي وآسيا الوسطى، في كل مكان حيث تتصادم احتكارات عاتية و دول رأسمالية وتحالفاتها. و في السنوات الأخيرة، كانت منطقة شرق المتوسط إحدى النقاط المحورية وهي التي تشكل "قناة" لآسيا وأوروبا وأفريقيا. فعدا الخسائر البشرية الفادحة، أجبرت حروب تخاض في منطقتنا الملايين على مغادرة ديارهم والتوجه إلى دول أخرى و نحو أوروبا.

المعركة بين الولايات المتحدة والصين من أجل الصدارة في النظام الإمبريالي

10. إن العنصر الذي يميز العلاقات الدولية بشكل متزايد، هو تفاقم المواجهة بين الولايات المتحدة والصين على الصدارة في النظام الإمبريالي و هو الذي يمتلك عدا الخلفية الاقتصادية انعكاساً مباشراً على المستوى السياسي – الدبلوماسي و العسكري. حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين بشأن وباء الفيروس التاجي، وسرقة التقنيات، و "التوسعية" و غيرها، بينما تسعى الصين من جانبها عبر "أداة" اتفاقيات اقتصادية و تجارية، إلى اختراق التحالفات الأمريكية التقليدية. و تُكيف الولايات المتحدة عقيدتها، معتبرة الصين خصمها اﻷول و اﻷساسي.

و تسعى الولايات المتحدة إلى "تلبيس" هذا الصراع المندلع "لبوس" بدع معادية للشيوعية، بينما تستغل الصين مقابل ذلك، بدعة "دمقرطة" العلاقات الدولية ضمن إطار النظام الإمبريالي العالمي، وتركز على ضرورة تجاوز "العالم أحادي القطبية" لصالح "تعدد قطبيته" و ضد فرض السياسة الأمريكية.

و يُسعى لإخفاء حقيقة نشوء صراع فوق أرضية علاقات الإنتاج الرأسمالية السائدة في البلدين، بين أعتى قوتين اقتصاديتين في العالم الرأسمالي الحالي من موقع الصدارة في النظام الإمبريالي.

و يتزايد و باضطراد انخراط المنظمات والاتفاقيات الدولية والمتعددة الأطراف ضمن احتدام المواجهة بين القوتين، الذي يأخذ طابعاً عالمياً ويتجلى في وقت واحد في أجزاء كثيرة من العالم، و هو ما يُظهر إمكانية سير التبعية المتبادلة للاقتصادات الرأسمالية يداً بيد مع احتدام التناقضات الإمبريالية البينية. هذا و لم يُحضر خط سياسة "ضبط" الصين التي اتبعتها القيادة الأمريكية قبل ولاية ترامب عِبر إبرام اتفاقيات متعددة الأطراف مع بلدان أمريكا الوسطى والجنوبية والمحيط الهادئ، النتائج المنتظرة، و جرى استبدالها من قبل رئاسة ترامب بموقف أكثر صرامة تجاه الصين، و هو الذي لا يُنتظر إسقاطه من قبل رئاسة بايدن.

هذا و يؤثر صراع الولايات المتحدة - الصين أيضاً على علاقات تعاونهما ومزاحمتهما مع المراكز الإمبريالية العاتية الأخرى، وخاصة مع روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

عن تخطيط الناتو والصراع داخله

11. تتصف استراتيجية الناتو بالتوسع المخطط في جميع أنحاء العالم، والتوسع عِبر ضم أعضاء جدد وإقامة شراكات مع عشرات الدول، و تشكيل وحدات عسكرية جاهزة للحرب. حيث يُروَّج لخطة تستهدف روسيا وإيران، بينما تم تضمين الصين كهدف أيضاً. هذا هو غرض تشكيل وحدات قوى مشاة و قوى جوية وبحرية مجهزة بالكامل يمكنها التدخل في غضون 30 يوماً في أي جبهة تختارها أركان الناتو (و هو ما يعرف بصيغة4x30 ).

و تنتشر قوى الناتو في عدة مناطق للكوكب من أفغانستان وكوسوفو وصولاً إلى البلطيق و القفقاس و المتوسط و البحر الأسود و أفريقيا.

و في الوقت نفسه، تتزايد التناقضات باضطراد بين الولايات المتحدة - ألمانيا أو بين الولايات المتحدة - فرنسا و بين فرنسا - ألمانيا، كما و تناقضات مهمة أخرى بين تركيا - فرنسا أو تركيا - اليونان. و موصوفة هي تصريحات ماكرون بأن "الناتو مات دماغياً". حيث تجري حتى الآن تسوية هذه التناقضات من خلال العديد من التوافقات المؤقتة، غالباً بطريقة "إطفائية" لكن "تشابكها" يزداد تعقيداً باضطراد، أمر يضع في موضع التشكيك وظيفة و زخم تحالف الذئاب الإمبريالي حتى من جانب قوى سياسية و محللين برجوازيين.

اتحاد رأس المال في أوروبا، الاتحاد الأوروبي

12. يواجه الاتحاد الأوروبي الكوكب باعتباره "بيئة استراتيجية له" على أساس استراتيجيته العالمية التي أنجزها و يستعد لتعديلها. و هو يسعى أيضاً لتحقيق تغلغل أكثر فعالية للاحتكارات الأوروبية في البلدان الثالثة. و على هذا النحو، أنشأ ما يسمى "التعاون العسكري المنظم الدائم (PESCO). و بالتوازي مع ذلك، يجري الترويج لـ "مبادرة التدخلات الأوروبية" المستوحاة من فرنسا من أجل التغلب على التأخيرات التي سببتها عملية اتخاذ القرار بالإجماع من أجل تنفيذ المهام الإمبريالية الفورية. لقد فرَد الاتحاد الأوروبي اليوم سلفاً طيات مهام إمبريالية له في ثلاث قارات.

هذا و تتخذ تدابير في السنوات الأخيرة لتعزيز هدف ما يسمى بـ "الاستقلالية الاستراتيجية" في سياق تعزيز التحالف والتدخلات المشتركة مع الناتو الذي يبقى العماد الأساسي للأمن الأوروبي.

و وفق معيار الاكتفاء العسكري المستقل، يُعزز تخطيط تطوير برامج البحث والتسلُّح من سوق الاتحاد الأوروبي، في محاولة للحد من الاعتماد على سوق الأسلحة الأمريكية. حيث يلعب ما يسمى "صندوق الدفاع الأوروبي" دوراً مهماً و "برنامج التنمية الصناعية الأوروبية في مجال الدفاع" (EDIDP) و تشكيل"التقييم السنوي المنسق لمجال الدفاع (CARD)" من اجل رصد تنفيذ أهداف الاتحاد الاوروبي للتسلح و الترويج للآليات العسكرية و البعثات من قبل الدول الأعضاء، على غرار نموذج "الفصل الأوروبي" في مجال الإقتصاد.

و من أجل عصرنة الصناعة الدفاعية في الاتحاد الأوروبي، تُدعى دوله اﻷعضاء لمنح 2٪ من ناتجها المحلي الإجمالي لبرامج تسلح الاتحاد الأوروبي، عدا التزاماتها تجاه الناتو. هذا و من المُخطط ﻠPESCO ترقية مستوى ما يسمى بـ "الحراك العسكري".
و تتعمق عسكرة الاتحاد الأوروبي و ينطبع ذلك في تشكيل "مرفق السلام الأوروبي"، وهو صندوق جديد خارج الميزانية (الإطار المالي متعدد السنوات 2021-2027) و هو الذي سيحصل على تمويل إضافي بقيمة 10.5 مليار يورو. حيث ستمول هذه الآلية أنشطة "السياسة الخارجية والأمنية المشتركة".

كما يتم الترويج لمخططات تعزيز "آلية الجوار والتنمية والتعاون الدولي"، وهي أداة عاتية لتدخل الاتحاد الأوروبي في بلدان ثالثة.

و في الوقت نفسه، عبَّر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن الاتجاه النابذ للمملكة المتحدة المتواجد سلفاً، و الذي دُعم من قبل الولايات المتحدة الساعية لدفع إبرام اتفاقيات منفصلة مع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وفرض عقوبات على احتكاراته و على بلدانه القوية كألمانيا وفرنسا.

تحالفات سياسية ودبلوماسية وعسكرية جديدة و انسحاب من القديمة منها

13. تُصاغ علاقات التبعية المتبادلة غير المتكافئة الناظمة لعلاقات كافة الدول الرأسمالية، عبر جملة من المنظمات والمؤسسات والاتفاقيات الدولية والإقليمية. و ينطبع تناسب القوى فيها بنحو غير مباشر، و غالباً ما تصبح ميداناً لتمظهر المزاحمات. و في السنوات الأخيرة ال30، ظهرت إلى جانب أشهرها (كالأمم المتحدة، الناتو، الاتحاد الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منظمة التجارة العالمية، G7 ،G20) التي تقودها الولايات المتحدة، هياكل جديدة مثل البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، و منظمة شنغهاي للتعاون بقيادة الصين، ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

إن هذه الاتحادات، التي تشكلت فوق أرضية الرأسمالية الاحتكارية، هي اتحادات دول رأسمالية على الرغم من اختلافاتها أو درجة توحيدها المتباينة، و لها نفس الطابع الطبقي الاستغلالي و هي تغرض إلى: تعزيز سلطة الطبقات البرجوازية المشاركة فيها و موقعها الاقتصادي و الجيوسياسي، في اقتسام و إعادة اقتسام الكوكب.

و تمر بعض الدول الرأسمالية باضطرابات خطيرة في ظروف تفاقم الأزمة الرأسمالية التي تحضر نزعة إعادة صياغة تراتبية القوة بين هذه الدول، مثل: تكتل البريكس الذي تتعزز المواجهة القائمة ضمنه بين الصين والهند. و تتعزز ضمن APEC (منظمة التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ[1]) و ASEAN (رابطة أمم جنوب شرق آسيا[2]) احتكاكات حول الموقف من استحقاقات الصين وتورط الولايات المتحدة في المنطقة.

إن ALBA ("التحالف البوليفاري لشعوب أميركا اللاتينية[3]")، الذي حظي بدعم الصين و روسياً أيضاً، أُضعف بنحو كبير بعد هيمنة حكومات متجهة نحو الولايات المتحدة.

و تتحرك الولايات المتحدة من أجل الحفاظ على صدارتها في النظام الامبريالي نحو إعادة ترتيب كل تحالفاتها، و إعادة النظر في الاتفاقات، وإعادة هيكلة منظمات دولية، وشل غيرها، حين عدم تمكنها من استخدامها لأجل مخططاتها. حيث موصوف هو استغلال الولايات المتحدة لمنظمة الدول الأمريكية في السنوات الأخيرة باعتبارها "أداتها" في المنطقة.

و على هذا النحو، انسحبت الولايات المتحدة عام 2002 من معاهدة الصواريخ المضادة للباليستية (ABM)، و عام 2017 من اليونسكو و في 2018 من الاتفاقية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني. و انسحبت عام 2017 من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP)، لكنها شرعت أيضاً في تجميد المحادثات بشأن اتفاقية الشراكة الأطلسية للتجارة والاستثمارTTIP مع الاتحاد الأوروبي. و ضغطت في عام 2018 مهددة بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية NAFTA التي تم توقيعها في 1994، ونجحت في تعديلها لتغدو USMCA[4] و انسحبت عام 2019 من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى (INF)، الموقعة عام 1987. و انسحبت عام 2019 من اتفاق باريس للمناخ. و عام 2020 من اتفاقية الأجواء المفتوحة. و بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها تفكر في إجراء تجارب نووية جديدة، في انتهاك لاتفاقية 1963 الدولية ذات الصلة.

و بهذا النحو فإن موقف أعتى مركز إمبريالي لليوم، يُبدد اﻷوهام التي غذتها و زرعتها قوى برجوازية وانتهازية مختلفة، و هي تلك القائلة أن "عولمة الاقتصادات" و "تعدد القطبية" تقود إلى نظام عالمي يتم فيه حل جميع المشاكل "سلمياً" عبر القانون الدولي والمنظمات الدولية.

إن الوضع الأشمل المتعلق بمشاكل تطبيق القانون الدولي تؤكد أن القانون الدولي، كما عرفناه وقت وجود الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى، و الذي كان نتيجة لتناسب القوى العالمي بين قوة هذه البلدان و البلدان الرأسمالية، لم يعد موجوداً. إن قرارات المحاكم الدولية تتاثر بتناسب القوى في النظام اﻹمبريالي. و تعبر اتفاقات "السلم اﻹمبريالي" عن تناسب القوى بنحو مباشر أو غير مباشر بين الدول الرأسمالية المتورطة و يُطعن بها مع تغير هذا التناسب.

لقد تحولت المؤسسات الدولية العاتية لغطاء من أجل تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والقوى الإمبريالية الأخرى. مواجهات و توافقات مؤقتة بين القوى الإمبريالية العاتية. و تتمظهر داخلها مواجهات و توافقات مؤقتة بين قوى إمبريالية عاتية. حيث يلي استحالة تحقيق التوافقات ضمنها، قيام مساومات وتهديدات، وصولاً للانسحاب من مختلف الاتفاقيات، كما يتضح من موقف الولايات المتحدة ودول أخرى، كروسيا، الذي ينص على تفوق تشريعها الوطني على القانون الدولي واللوائح الدولية، مستنسخة موقف الولايات المتحدة المقابل تجاه القانون الدولي.

و بنحو خاطئ تجري ترجمة نزعة تغير تناسب القوى، وانسحاب الولايات المتحدة من سلسلة من الاتفاقات بهدف إعادة ترتيب التحالفات الإمبريالية لصالحها، وكذلك سعيها إلى تحويل الأهداف الأمريكية الرئيسية في المنطقة الآسيوية ضد الصين، على أنها "انسحاب أمريكي" و "فراغ سلطة" في العالم. حيث من الواضح أن الواقع مختلف.

هذا و تسعى الولايات المتحدة، إلى إعادة هيكلة في صالحها لشبكة المنظمات والاتفاقيات الدولية المجسدة للتبعية المتبادلة غير المتكافئة القائمة بين الدول الرأسمالية. حيث تقدر قيادة الولايات المتحدة أن الزمن قد عفى عن الشكل الحالي لقمة الدول السبع الرأسمالية الأعتى (الولايات المتحدة واليابان وكندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا) و أن هناك وجوب لدعوة أستراليا وكوريا الجنوبية والهند وروسيا لحضوره، في محاولة لتشكيل حلف جديد مناهض للصين. و يُعطى وزن خاص لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ و محاولة ربط الهند بالخطط الأمريكية في بيئة احتدام حدة العلاقات الصينية الهندية.



[1] تضم المنظمة: أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، الصين، هونغ كونغ، إندونيسيا، اليابان، كوريا الجنوبية، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، بابوا غينيا الجديدة ، بيرو، الفلبين، روسيا، سنغافورة، تايوان، الولايات المتحدة الأمريكية و فيتنام.

[2] تضم الرابطة: فيتنام، إندونيسيا، كمبوديا، لاوس، ماليزيا، بروناي، ميانمار، سنغافورة، تايلاند و الفلبين.

[3] اليوم، لا تزال تشارك به: كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وبعض الدول الجزرية الكاريبية الأصغر ، بينما انسحبت منه: هندوراس (2010) والإكوادور (2018) وبوليفيا (2018).

[4] اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (USMCA). كان دونالد ترامب قد هدد بأن الولايات المتحدة ستنسحب من NAFTA إذا لم يتم إجراء تغييرات جذرية. ومع ذلك، فقد رحب في رسالة عبر تويتر بـ "الصفقة التجارية الجديدة الرائعة" بين الولايات المتحدة وكندا و المكسيك.

القوة العسكرية في "استمرار السياسة بوسائل عنيفة"

14. يُقدَّر الإنفاق العسكري العالمي عام 2019 بنحو 1.917 تريليون دولار، مما يقابل نسبة 2.2٪ من الناتج الإجمالي العالمي، بزيادة قدرها 3.6 ٪ عن عام 2018 و 7.2٪ عن عام 2010، و ذلك للعام الثالث على التوالي، و يرجع هذا بنحو رئيسي لزيادة الإنفاق العسكري والعمليات العسكرية لكلا الولايات المتحدة و الصين. و ارتفعت مبيعات الأسلحة الدولية بنسبة 7.8٪ في الفترة 2014-2018، أو بنسبة 20٪ مقارنة بالفترة 2005-2009.

و تتصدر الولايات المتحدة الإنفاق العسكري بنحو (732 مليار دولار)، تليها الصين (261) والهند (71.1) وروسيا (65.1) و السعودية ( 61.9)، فرنسا (50.1)، ألمانيا (49.3)، بريطانيا (48.7)، اليابان (47.6)، كوريا الجنوبية (43.9). هذا و بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول اﻠ29 الأعضاء في الناتو: 1035 مليار دولار عام 2019.

و في الفترة 2015-2019، حافظت الولايات المتحدة على المرتبة الأولى في صادرات الأسلحة بنسبة 36٪، تليها روسيا، ثم فرنسا وألمانيا والصين.

و تواصل القوى النووية تحديث ترسانتها النووية باستبدال الرؤوس الحربية القديمة. حيث تمتلك القوى النووية التسع (الولايات المتحدة - 5800 رأس نووي، روسيا - 6375، بريطانيا - 215، فرنسا - 290، الصين - 320، الهند - 150، باكستان - 160، إسرائيل - 90، كوريا الشمالية 30-40)، إجمالياَ 13400 سلاحاًَ نووياً، يتواجد 90٪ منها بحوزة الولايات المتحدة وروسيا.

و تتصاعد المزاحمة و يعلن كلا البلدين عن تغييرات في عقيدتهما العسكرية "النووية"، بينما تجري تصريحات من كلا الجانبين عن تصنيع "أسلحة خارقة" على غرار منظومات سلاح الليزر الاوتوماتيكية و عن مجالات استخدام جديدة كالفضاء.

وتنوي الولايات المتحدة إدراج الصين في اتفاقية رقابة واحتواء نووية، معتبرة إياها منافساً خطيراً، في حين أن المسألة الرئيسية التي يتم بحثها في مجال الأسلحة النووية هي القدرة على توجيه "الضربة الأولى".

و تتمثل "أداة" مهمة للتخطيط العسكري لأعتى القوى، في قواعدها العسكرية المتواجدة خارج حدودها، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تملك أكثر من 700 قاعدة ذات استخدامات مختلفة، في جميع أنحاء العالم. كما و تمتلك بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا وتركيا والصين واليابان والهند أيضاً، قواعد لها في الخارج.

إن تغيير العقيدة الدفاعية لسلسلة من الدول الرأسمالية هو عنصر هام لهذه الفترة، و يدل على شدة احتدام المزاحمات والاستعداد العسكري (نموذجي هو مثال ألمانيا قبل بضع سنوات، و اليابان مؤخراً) . و في الوقت نفسه، يقترب الناتو من دول وُصفت على مدى عقود بأنها "محايدة"، حيث تشكل السويد مثالاً نموذجياً.

مشاركة الطبقة البرجوازية اليونانية في المزاحمات

15. تسعى طبقة اليونان البرجوازية نحو ترقيتها الجيوسياسية عبر المشاركة بنشاط في المخططات العسكرية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. و يجري التعبير عن هذه الأهداف من قبل الأحزاب البرجوازية وحكومات الحزب الواحد أو الإئتلافية على الرغم من اختلافاتها الجانبية، سواء من قبل حزب سيريزا سابقاً كما و من قبل حزب الجمهورية الجديدة اليوم. و يشكل ذلك خياراً استراتيجياً لجميع الأحزاب البرجوازية و عنصراً أساسياً لخطها الإستراتيجي المشترك.

و تطمح الطبقة البرجوازية اليونانية إلى رفع مستوى مواقعها في البلقان وجنوب شرق المتوسط، حيث لها مصالح اقتصادية كبيرة. و أقدمت على إبرام "اتفاقية بريسبا" من أجل فتح الطريق لانضمام دولة أخرى إلى حلفي الناتو والاتحاد الأوروبي، الإمبرياليين. و تسعى إلى التعاون في استغلال ثروة الطاقة في شرق المتوسط لتوجيهها إلى الأسواق الأوروبية، عبر خط أنابيب EastMed، فضلاً عن إنشاء خطوط أنابيب عمودية في شمال اليونان، والتي سيتم من خلالها توزيع الغاز المسال الأمريكي الذي يصل اليونان، إلى بلدان أوروبا. إن كل هذا مدمَّج في تخطيط "إنهاء اعتماد" أوروبا على الغاز الروسي.

وتسعى إلى جعل البلاد مركزاً تكنولوجياً وطاقياً واقتصادياً لإسناد الخطط الأوروأطلسية للمنطقة. و في هذا اﻹطار يندرج استخدام أحواض بناء السفن اليونانية لتلبية احتياجات الأسطول السادس الأمريكي و مينائي الكسندروبوليس وكافالا لنقل الغاز الطبيعي المسال، كما واستثمارات المجموعات الأمريكية القوية في مجال المعلوماتية في أتيكي. و بالتوازي مع ذلك، تحاول إدارة رد فعل الولايات المتحدة على استثمارات الصين الجارية في البنية التحتية للموانئ المحلية و في نقل الكهرباء.

و كانت حكومة سيريزا قد روجت لما يسمى بـ "الحوار الاستراتيجي بين اليونان والولايات المتحدة"، والذي صاغ إطاراً للمواضيع الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مع عملية إعادة نظر حاسمة و توسيع الاتفاقية اليونانية الأمريكية بشأن القواعد.

إن الاتفاق الذي أبرمته حكومة حزب الجمهورية الجديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية يخدم أيضاً هذا التخطيط، و هو الذي يتضمن التحديث الأبعد لقاعدة سوذا وإنشاء قواعد طائرات بدون طيار في لاريسا وطائرات هليكوبتر في ستيفانوفيكيو وميناء ألكسندروبوليس الذي يعد حلقة مطورة هامة للخطط الأمريكية، مع الحفاظ على قاعدة طيارات رادار أواكس في آكتيو في بريفيزا، وتحديث القاعدة في آراكسوس من أجل "استضافة" أسلحة نووية. و تستعد الحكومة اليوم للتنازل عن ما يزيد عن 20 موقعاً في البلاد لكي تستخدم كقواعد عسكرية للولايات المتحدة.

و عمليا، يتم إنشاء شبكة من القواعد العسكرية تغطي جغرافيا جميع مناطق البلاد، مما يجعل اليونان قاعدة انقضاضية لتنفيذ الخطط الإمبريالية، و محطة للطائرات المقاتلة والمروحيات، و لرسو حاملات الطائرات، والغواصات النووية، ومدمرات الناتو والولايات المتحدة، و كبنية تحتية للاتصالات والتجسس و مستودعات للوقود، ومرافق استقبال القوات البرية، من أجل تطويق روسيا، و من أجل نقل القوى نحو مختلف البؤر الحربية ضمن ترابطٍ مع القواعد والبنى التحتية اﻷمريكية المتواجدة في منطقة الشرق الأوسط و البلقان والقواعد البريطانية في قبرص، و مع إمكانية شن ضربات نووية من قاعدة آراكسوس.

و تمنح الاتفاقية اليونانية الأمريكية إمكانية تنصيب واستخدام قوى أمريكية في جميع وحدات الجيش اليوناني مع تبعات متعددة على دورها وتوجهها، كجزء عضوي من جيش الناتو.

و في الممارسة يتعمق انخراط البلاد في الخطط الإمبريالية، وقد نشأت بالفعل مخاطر كبيرة لاستهداف شعبنا. حيث حذرت روسيا وإيران أنهما سوف تُضربان بالصواريخ إذا ما تعرض أمنهما للخطر من قبل القواعد الأمريكية.

و تتمظهر عدوانية الطبقة البرجوازية اليونانية أيضاً، في إرسال قوى عسكرية يونانية إلى عشرات المهام الإمبريالية للخارج. و عبر القرارات الحكومية الأخيرة يُرسل نظام صواريخ باتريوت إلى السعودية مع طواقمه المقابلة. إن اليونان تشارك عبر قوى عسكرية و مدنية في ليبيا. و تقوم سفن حربية لها بدوريات في مضيق هرمز في الخليج، بينما طرح على الطاولة مقترح إرسال بعثة عسكرية إلى مالي، حيث تقاتل القوات الفرنسية ومتعددة الجنسيات.

و يتمثل استفزاز في محاولة تبرير مهام القوات اليونانية في الخارج من خلال ذريعة تغطيتها بقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، التي تدعمها جميع الأحزاب البرجوازية و تتصدَّرها حكومتا حزبي الجمهورية الجديدة و سيريزا.

إن سعي الطبقة البرجوازية لتشكيل "محور" مع إسرائيل ومصر وقبرص يعزز انخراط البلاد في تناقضات تخص أيضاً دول التشكيلات الحليفة التي تشارك بها. و أكثر من ذلك بكثير حيث تشكل دولة إسرائيل قوة احتلال في فلسطين و تقوم بقتل شعبها، و هي في صراع مع إيران، وتحتل وتقصف أراضٍ سورية، كما و تتورط مصر في الحرب في ليبيا ولها مطامع أشمل في المنطقة. حيث لا أساس لشعور النشوة المروج له، في حين أن احتكارات الطاقة التي ستتولى خط أنابيب East Med هي المستفيدة، وليس شعبنا و باقي الشعوب.

إن منطقة البلقان هي ميدان هام للمزاحمات الإمبريالية البينية، وهي ذات أهمية جيواستراتيجية خاصة، باعتبارها "ممر شرايين" للنقل و الطاقة من وإلى الاتحاد الأوروبي كما و "رأس جسر" للإمبريالية الأوروأطلسية لترسيخ نفوذه السياسي الاقتصادي في منطقة أوراسيا والبحر الأسود والقوقاز وبحر قزوين و غيرها. حيث انضمت اليوم جميع بلدانها إلى حلفي شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الإمبريالييين، في حين تم تكثيف الجهود في السنوات الأخيرة لاستكمال دمج غرب البلقان في هذين التحالفين. تواصل القوات الأمريكية والأطلسية تعزيزها في المنطقة، ولديها سلفاً عدد كبير من القواعد، وتجري تدريبات عسكرية كبيرة ترسِّم روسيا والصين باعتبارهما خصماً في وقت عمل احتكاراتهما على تعزيز مواقعها في المنطقة. و بنحو أبعد رُفع مستوى مسار دمج غرب البلقان من خلال اتفاقية بريسبا التي أبرمتها حكومة سيريزا ونفذتها حكومة حزب الجمهورية الجديدة. و في الوقت نفسه، لا تؤثر "الجروح المتقيحة" الناجمة عن التدخلات الإمبريالية ومحميات كوسوفو والبوسنة والهرسك في عملية دمج غرب البلقان ضمن حلفي شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي الامبريالييين، بل و أيضاً التناقضات الجارية داخل الاتحاد الاوروبي و حلف شمال الأطلسي، وغيرها من المصالح الاحتكارية القوية (الروسية والصينية) المتواجدة خارج هذه التحالفات و التي تعززت في المنطقة. و من أجل استغلال هذه المخططات أم سواها، تستخدم القوى السياسية البرجوازية "سم" القومية أو الخصوصيات الدينية - الثقافية أو كوسموبوليتية رأس المال، ضمن سعيها للتلاعب بالشعوب في تخطيطات مختلفة، غريبة عن المصالح الشعبية. مع قيامها بأي حال بهدم الحقوق العمالية والشعبية لشعوب البلقان.

إن استعصاء الطبقة البرجوازية اليونانية في المزاحمات يورط البلاد في تطورات خطيرة، و في مخططات دامية على حساب شعوب أخرى، بينما تُرتهن الطبقة العاملة والقوى الشعبية للحروب الإمبريالية.

العلاقات اليونانية التركية. مخاطر المواجهة الحربية و ما يسمى ﺒ"الاستغلال المشترك"

16. تتفاقم المزاحمة بين طبقتي اليونان وتركيا البرجوازيتين و سعي كلتيهما إلى ترقية موقعها ضمن المخططات و المزاحمات الامبريالية في المنطقة.

تُصنف تركيا بين أعتى 20 دولة رأسمالية في العالم، في حين هي ثاني أكبر قوى الناتو عسكرياً، وتسعى إلى ترقية أبعد لموقعها على الصعيدين الإقليمي والعالمي. لقد غزت 3  بلدان (قبرص، سوريا، العراق) ولديها قوى احتلال بها، و تحتفظ بقواعد عسكرية في البلقان والشرق الأوسط و أفريقيا، وهي تتورط بنحو سافر في الحرب الأهلية الليبية، و بنحو عسكري إلى جانب أذربيجان في حربها مع أرمينيا. و تسعى في مخططاتها في مناطق مختلفة (البلقان، القرم، آسيا الوسطى، الشرق الأوسط) إلى استخدام مجموعات الأقليات كما و عقيدة الدين الاسلامي. حيث تهدف الطبقة البرجوازية التركية ككل إلى ترقية دورها، ومع ذلك، تنشأ خلافات داخلها بشأن وسائل تحقيق ذلك و بشأن التحالفات الدولية اللازمة. و تظهر في سياق "عقيدة" السياسة "العثمانية الجديدة"، التي اختارها القطاع المسيطر في الطبقة البرجوازية التركية لتكون "مطية" لمصالحها، باعتبارها "مدافعة" عن الشعب الفلسطيني، و في مواجهة ليس فقط مع إسرائيل بل و مع الطبقات البرجوازية لمصر و السعودية. وضمن سعيها  لمساومة من مواقع القوة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، فهي تطور علاقات متعددة الأوجه مع الطبقة البرجوازية الروسية – و تسلَّحت بأنظمة S-400 الروسية المضادة للطائرات و للصواريخ الباليستية، و القادرة على إحداث تغييرات كبيرة في تناسب القوة العسكري في بحر إيجه و بنطاق أوسع- كما و مع نظيرتها في قَطَر.

و تتميز العلاقات بين طبقتي اليونان وتركيا البرجوازيتين، حسب اﻷوضاع، بالسعي إلى التعاون والمزاحمة، ولكن لا يوجد ما يستفيد منه شعبا البلدين من هذه العلاقات.

و في الفترة المنقضية منذ المؤتمر السابق، تصاعدت العدوانية التركية عبر التشكيك في الحدود في بحر إيجه و إفروس، والتشكيك في السيادة اليونانية على عشرات جزر بحر إيجه، والسعي وراء استحواذ على جزء من الجرف القاري اليوناني والمنطقة الاقتصادية الخالصة، و هو ما ليس ملكاً لها وفقًا للقانون الدولي للبحار. و في هذا الاتجاه، أعلنت الدولة التركية ما يسمى بـ "الوطن الأزرق"، و ابرمت الاتفاق التركي الليبي غير المقبول مع القيادة غير المنتخبة في ليبيا والذي ينتهك الحقوق السيادية لليونان، فضلاً عن تعزيز الطلعات الجوية التي تخترق أجواء الجزر اليونانية، و إجراء التدريبات العسكرية، و عمليات البحث أو التنقيب في شرق الأبيض المتوسط،  في مناطق للجرف القاري اليوناني وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة اليونانية و القبرصية، وإثارة قضايا الأقليات، و تحويل الهجرة واللجوء  ﻠ"أداة" لها، مع استغلال اتفاقها المبرم مع الاتحاد الأوروبي.

و تتربص بالوضع في ظل هذه الظروف وساطة و تحكيم الولايات المتحدة والناتو، حيث تمَّت سلفاً استعادة الموقف التركي للاستغلال المشترك والإدارة المشتركة لبحر إيجه، من أجل حل مربح للجانبين (ذي منفعة متبادلة) تروج له الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بينما تجري دراسة الاستغلال والإدارة المشتركين لمناطق قبرص البحرية مع تركيا. حيث لا يمت هذا الاستغلال المشترك بصلة إلى رفاه الشعوب، بل هو متعلق بربحية الاحتكارات و هو "يلغم" مستقبل الشعبين  كما و مستقبل البيئة.

يدافع حزبنا عن الحقوق السيادية للبلاد من زاوية الطبقة العاملة والشرائح الشعبية، كجزء لا يتجزأ من الصراع من أجل إسقاط سلطة رأس المال. لقد حذر العمال أن من غير الممكن في ظل الظروف الحالية ضمان هذه الحقوق من جانب الحكومات البرجوازية والتحالفات الإمبريالية، في حين يعيد الإمبرياليون كتابة القانون الدولي، و يجري توظيف محكمة لاهاي ضمن شبكة من الأغراض السياسية. حيث لا يمكن ضمان سلام وأمن الشعوب في هذا السياق. و يجب أن يتجه صراع الشعبين نحو القضاء على السبب الذي يلد التناقضات والصراعات و الاشتباكات الحربية، نحو إسقاط سلطة رأس المال و فك الارتباط عن الاتحادات الإمبريالية.

إن الحزب الشيوعي اليوناني متجه بثبات  نحو تنمية الصداقة والتضامن الأممي بين الطبقة العاملة للبلدين و شعبيهما، و قد بنى علاقات وطيدة مع الحزب الشيوعي التركي، بهدف تعزيز الصراع المناهض للإمبريالية الذي تخوضه الحركة الشعبية العمالية في كلا البلدين، ضد الطبقتين البرجوازيتين و ضد تورط اليونان و تركيا في المخططات الإمبريالية، و من أجل حُرمة الحدود و فك ارتباط البلدين عن منظمتي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، الإمبرياليتين، اللتين تشكلان مصدراً دائماً لعواقب مؤلمة على حساب الشعوب .

و في هذا الاتجاه، هناك إمكانية لتعزيز الصراع المناهض للحرب و الإمبريالية وتوسيع صراع الهيئة اليونانية للسلم و الركود الدوليين.

عن المسألة القبرصية

 17 - تهدف العمليات الجارية في قضية قبرص إلى الانتهاء من تقسيم الجزيرة، و تشكيل كيانين لدولتين منفصلين ممتلكين بنحو شكلي و ظرفي  لبعض عناصر الفدرالية.

إن المسألة القبرصية هي مشكلة دولية لغزو واحتلال تركيا للجزء الشمالي من قبرص، و تتعقَّد مع مسألة استغلال ثروة الطاقة في المنطقة من قبل الاحتكارات، و مزاحمات القوى الإمبريالية في المنطقة، و استغلال قبرص باعتبارها "ساتراً" من قبل قوى  الناتو وخطط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من الدول الرأسمالية في المنطقة، وكذلك من قبل مزاحمات الطبقات البرجوازية للمنطقة.

حيث ما من إحقاق لجميع أولئك الذين اعتقدوا أن انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي أو أن استغلال الهيدروكربونات من قبل الاحتكارات سيجلبان الرخاء والسلم والحل العادل لمشكلة قبرص، كما يتضح من الاستفزازات التركية الجارية في المنطقة القبرصية الاقتصادية الخالصة، و في مدينة آموخوستوس، و التشكيك بحقوق قبرص السيادية و من محتوى المفاوضات الجارية للآن حول حل تقسيمي.

يقف الحزب الشيوعي اليوناني بقوة و حزم إلى جانب شعب قبرص. و يعارض فرض حل من شأنه أن يديم التقسيم، ولن يوفر حلاً موثوقاً و قابلاً للحياة لكل الشعب القبرصي، من قبارصة يونانيين و قبارصة أتراك وأرمن و لاتينيين و موارنة. إن صراعنا موجه نحو هدف قبرص الموحدة (دولة واحدة وليس دولتين)، مستقلة، ذات سيادة واحدة، وجنسية واحدة وكيان دولي واحد، دون قواعد وجيوش أجنبية، دون ضامنين وحُماةٍ أجانب.

الفصل الثالث

اﻹطار الدولي والتطورات الدولية، كجانب من الصراع الأيديولوجي السياسي ضمن الحركة الشيوعية اﻷممية

18. إن مسيرة إعادة تشكيل الحركة الشيوعية الأممية، المتواجدة في أزمة عميقة و تتلقى هجمة أيديولوجية سياسية عاتية من القوى الداعمة للنظام الرأسمالي، هي مهمة دائمة و ثابتة لحزبنا و هي تنبع من الطابع العالمي للصراع الطبقي.

و بالتنسيق مع أحزاب شيوعية أخرى اتخذ حزبنا في هذه الظروف، حيث يتزايد عدد الدول البرجوازية  التي تعزز الإجراءات التشريعية والقمعية ضد الشيوعيين،، مبادرات لإعادة التنظيم الثوري للحركة الشيوعية الأممية التي لا تتميز اليوم بتماسك أيديولوجي و بنية تنظيمية مُقابلة.

إن جوانب الوضع الذي نواجهه هي كالتالي:

تحتفظ أحزاب كثيرة بلقب "شيوعي"، لكن تكوينها الأيديولوجي- السياسي والتنظيمي لا يتماشى مع الخصائص الشيوعية، و مع أيديولوجيا الشيوعية العلمية، والاستراتيجية و البرنامج الثوريين المقابلين لحزب عمال ثوري لينيني.

إننا لا نقلل من أهمية قيام سلسلة من الأحزاب بالتذرع بالماركسية اللينينية، لكي تقوم بفصل موقفها عن أولئك الذين تبرؤوا علانية من أيديولوجيتنا، و مع ذلك، لا تزال العديد منها ممتلكة لمقاربة طبقية ضعيفة للغاية لظواهر الرأسمالية المعاصرة، و الصراع الطبقي على أساس الأيديولوجيا الشيوعية والتحليل المادي الديالكتيكي للتاريخ والظواهر الاجتماعية المعاصرة.

و غالباً ما تسيطر في مقاربات أحزاب شيوعية، تأثيرات أيديولوجية برجوازية-انتهازية، مما يحوِّل أي استدعاء لها لنظريتنا الكونية، من أساس نظري وأداة منهجية علمية لفهم المجتمع وتغييره إلى "قائمة أمنيات".

باختصار، لا تزال الصورة السلبية العامة قائمة، سواء في بلدان القمة الرأسمالية (الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد الأوروبي، المملكة المتحدة، اليابان، الصين، روسيا)، كما و في البلدان والمناطق التي تشكِّل بؤر تدخلات إمبريالية حربية.

و مماثل هو الوضع القائم في الحركة العمالية النقابية إجمالاً، حيث تهيمن قيادات نقابية و نقابات متوافقة مع الحكومات البرجوازية وأرباب العمل، بينما يتمثل مطلبٌ كبيرٌ في ربط معظم الأحزاب الشيوعية بالطبقة العاملة، حتى تمتلك الأحزاب مواقع جديدة و دوراً قيادياً في الصراع الطبقي.

و مع ذلك، هناك أهمية خاصة في هذا الوضع لواقعة تطور عدد من الأحزاب الشيوعية  و التي حاولت – ليس دون انتكاسات -  مع صعوبات كثيرة تصحيح استراتيجيتها و إعلان الطابع الاشتراكي للثورة مع محاولة تجاوز الاستراتيجية القديمة التي سيطرت ضمن الحركة الشيوعية اﻷممية.

مسائل أيديولوجية – سياسية تتطلب انتباهنا

19. يُخاض ضمن صفوف الحركة الشيوعية الأممية صراع أيديولوجي - سياسي شديد حول سلسلة من المسائل، كتحليل  - تفسير الظواهر المعاصرة للرأسمالية و النظام الإمبريالي الدولي. حيث تسود الآراء القائلة بصمود الرأسمالية، وإمكانيات "إضفاء الطابع الإنساني" عليها و "دمقرطتها" واستخدام إنجازاتها التكنولوجية لصالح القوى الشعبية مع قيام تدخل سياسي نشط للأحزاب الشيوعية أيضاً على المستوى الحكومي. و فوق هذه اﻷرضية تُعيد أحزاب شيوعية إنتاج مواقف حول "وحدة اليسار" و "القوى الديمقراطية أو الوطنية" و "التعاون مع الاشتراكية الديمقراطية اليسارية" و "حكومات وسط اليسار" و "الجبهات  الجديدة المناهضة للفاشية و النيوليبرالية"  ضمن منطق المراحل و إدراج  هدف حكومي فوق أرضية الرأسمالية (مناهضاً للديكتاتورية، مناهضاً للاحتلال – و من أجل التحرير، ديمقراطياً- مناهضاً للإمبريالية، مناهضاً لليمين، مناهضاً للفاشية - مناهضاً للليبرالية) و ما شاكلها.

و يُخاض صراعٌ أيضاً حول الحتميات الاقتصادية و السياسية للثورة والبناء الاشتراكيين و للمجتمع الشيوعي، بالتركيز على تفسير البناء الاشتراكي - الشيوعي أثناء القرن العشرين و على أسباب انقلابات الثورة المضادة.

إن العامل اﻷساسي الذي يُصعِّب إعادة التنظيم الثوري للحركة الشيوعية الأممية هو واقعة أن سلسلة من اﻷحزاب الشيوعية لا تحاول بعمق تقييم الخبرة التاريخية لبناء اﻹشتراكية و استراتيجية الحركة الشيوعية اﻷممية مع الاستناد إلى مبادئ أساسية لنظريتنا، مما ينتج مواصلة تبنيها لمواقف استراتيجية المراحل من أجل اﻹنتقال للإشتراكية. و بهذا النحو، فهي تتبنى سياسة تعاون مع قوى اشتراكية ديمقراطية و هدفاً سياسياً لحكومة انتقالية فوق أرضية الرأسمالية، كما و مواقف ترى حتميات السوق باعتبارها عناصر باﻹمكان دمجها في البناء اﻹشتراكي.

هذا و يتشكل في سلسلة من اﻷحزاب الشيوعية موقف انتهازي قائل بأن "الاشتراكية تبنى في الصين بخصائص صينية"، مع توافق معين مع رأس المال، و رؤية خاطئة تقول بأن روسيا ليست قوة إمبريالية بل بلد رأسمالي من "بلدان أطراف" النظام الإمبريالي، و أنها مع "الصين الإشتراكية" تؤثران "إيجابياً" في تناسب القوى الدولي. إن هذه المقاربة التي تشكل فصلاً للسياسة عن الاقتصاد، تناهض الرؤية اللينينية للإمبريالية.

و تشكِّل دراسة البناء الاشتراكي في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية مكسباً - أساساً هاماً لحزبنا، و ذلك على الرغم من أن مواصلة بحث و دراسة مسائل اﻹقتصاد و السياسة الخارجية و مسائل البنية الفوقية في الاتحاد السوفييتي و غيره من بلاد البناء الاشتراكي، لا تزال واجباً للإنجاز في الفترة القادمة. إن معظم الأحزاب الشيوعية، التي لم تُقدِم على إنجاز دراسات ذات صلة، تحتفظ بالتباسات كبيرة للغاية بشأن طابع الصين وروسيا و غيرها من الدول الرأسمالية. و باستطاعة هذا اﻷمر أن يجلب عواقب مأساوية على موقفها من مسألة الحرب في عصر الإمبريالية، حيث ينبغي على الحركة الشيوعية و مع حفاظها على جبهة ثابتة ضد المراكز الإمبريالية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ألا تنجر إلى جانب أي دولة رأسمالية أو مركز إمبريالي. حيث لا يزال قائماً للتنفيذ هو واجب دفاعها المتسق عن المصالح الطبقية للطبقة العاملة في صدام مع طبقة بلادها البرجوازية، و ألا تختار "علماً غريباً" تحت ضغط قوى البرجوازية الصغيرة كما و ضغوطات القومية الممارسة على القوى العمالية.

إن الشيوعيين مطالبون بتعزيز الجبهة و على حد السواء، ضد رؤى الكوسموبوليتية التي تقارب بنحو غير طبقي مسألة التحالفات الدولية للطبقات البرجوازية (الاتحاد الأوروبي، الناتو، البريكس، و ما شاكلها)، و ضد رؤى القومية و "النقاء العرقي للأمة والثقافة" و سواها من الرؤى العنصرية الأخرى التي تتنامى ضد اللاجئين والمهاجرين.

مبادرات و نشاطات يشارك بها حزبنا

20. المبادرة الشيوعية الأوروبية

المجلة الشيوعية الأممية

تصدَّر حزبنا عملية تشكيل المبادرة الشيوعية الأوروبية، التي تضم 30 حزباً شيوعياً من أوروبا، كما و تشكيل المجلة الشيوعية الأممية، التي تضم 10 أحزاب. يستند هذان الشكلان من أشكال التعاون الحزبي البيني على مبادئ تأسيسية محددة وإطار سياسي أيديولوجي.

و أبرزت المبادرة الشيوعية الأوروبية مشاكل هامة للعمال و مطالبهم و حاجاتهم من أجل الحق في عمل دائم ومستقر، وضد آفة البطالة وأشكال التشغيل المرنة، و من أجل خدمات الصحة العامة المجانية والرعاية الاجتماعية والتعليم، و حقوق العمل في مواقع العمل، والحقوق السياسية والنقابية، و الحق في الإضراب و ضد الإرهاب الممارس من قبل  الدولة وأرباب العمل.

هذا و سجلت الأحزاب المشاركة في المبادرة نشاطاً هاماً ضد الحروب والتدخلات الإمبريالية، وكشفت عن جوهر المزاحمات الإمبريالية البينية من أجل اقتسام الأسواق والسيطرة على مصادر إنتاج الثروة.

و تصطدم المبادرة الشيوعية الأوروبية مع العداء للشيوعية، و الملاحقات الجارية ضد الأحزاب الشيوعية، وحظر نشاطها ورموزها، و حظر الأيديولوجيا الشيوعية.

و كانت المبادرة قد كرَّمت مناسبات تاريخية للحركة الشيوعية الأممية وسلطت الضوء على رسائلها المعاصرة، ودافعت عن مكاسب وإنجازات الاشتراكية التي بنيت في القرن العشرين، و عن اعتبار أن عملية البناء الاشتراكي كانت جارية في الاتحاد السوفييتي و غيره من البلدان، و واجهت بحسم  محاولة الافتراء المنهجية المبذولة من جانب الاتحاد الأوروبي والآليات الرأسمالية الأخرى. و في هذا الصدد، هامةٌ كانت التظاهرات التي نُظِّمت برعاية المبادرة الشيوعية الأوروبية في اسطنبول وموسكو بمناسبة انقضاء 100 عام على تأسيس الأممية الشيوعية.

و مع ذلك فإننا نقدِّر في ذات الوقت تجلِّي التباسات و مشاكل أيديولوجية و سياسية بهذه الدرجة أم سواها، أيضاً داخل أحزاب المبادرة. فهناك أحزاب خاضت معارك لسنوات عديدة ضد قوى الانتهازية، لكن قواها الأيديولوجية - السياسية والتنظيمية هي محدودة، نظراً للضرر الطويل الأمد الذي ألحقته الشيوعية الأوروبية والاشتراكية الديمقراطية بالحركة الشيوعية في أوروبا. و هي تواجه بهذا النحو، صعوبات عديدة في صياغة الإستراتيجية الثورية ضمن ترابط مع الصراع الطبقي الجاري في ظروف  يتعلق تناسب القوى السلبي للغاية أيضاً بالحركة العمالية النقابية. حيث تجري ضمن الظروف إعادة إنتاج الهجمة الانتهازية.

و يرجع جذر افتقار وجود الوحدة الإيديولوجية السياسية والتنظيمية في جزء من الأحزاب الشيوعية، إلى المسار التاريخي لتفككها وتشكيلها بعد الثورة المضادة، في حين غالباً ما تترافق عملية تعزيز الخصائص الشيوعية الثورية مع احتدام الصراع داخلها، حتى مع حصول انشقاقات. حيث يتمظهر هذا بنحو خاص عند محاولة مطابقة الاستراتيجية مع حاجات الصراع ضد الرأسمالية، وبالتالي فإن القوى الثورية تضطلع بمهمة إضافية لدراسة التطورات بمعايير طبقية، مع مراعاة ناجزة لجميع العوامل المؤثرة على مسارها و الإصرار على خلق أسس برامجية متينة ستستند عليها الوحدة الأيديولوجية السياسية والتنظيمية لصفوفها.

تتحرك المجلة الشيوعية الأممية التي تشارك بها أحزاب من جميع أنحاء العالم في اتجاه صياغة شروط تشكيل قطب شيوعي. و كانت قد نشرت خلال الفترة قيد الاستعراض، 4 أعداد لها، حول مواضيع راهنية للحركة الشيوعية الأممية (ثورة أكتوبر، الحركة النسائية، الحركة العمالية النقابية، الأممية البروليتارية). حيث يُسعى في اجتماعات هيئة تحرير المجلة، من خلال مناقشة القضايا النظرية والسياسية، نحو إعطاء الدفع لتطوير النظرية الثورية والسياسية باعتبارها أساساً موحداً من أجل الحزب الشيوعي. إن إصدار المجلة بلغات مختلفة، بفضل الجهود المشتركة للأحزاب المشاركة وفي مواجهة العديد من الصعوبات، هو موجه لأعضاء و كوادر الأحزاب الشيوعية، و يدافع عن الماركسية اللينينية التي يسعى فوق أساسها لمقاربة مسائل معاصرة.

 

21. اللقاءات الأممية والإقليمية. التموضعات المشتركة

أسهم الحزب الشيوعي اليوناني مع أحزاب شيوعية أخرى في محاولة الحفاظ على أي خصائص شيوعية للقاء الأممي للأحزاب الشيوعية و العمالية (ل.أ.أ.ش.ع)، الذي بدأه الحزب الشيوعي اليوناني و الذي يشارك به ما يزيد عن 120 حزباً شيوعياً. لقد أوفى حزبنا بالتزاماته تجاه الأحزاب الشيوعية الأخرى المشاركة في اللقاءات الأممية و المتعلقة بتشغيل موقع (SOLIDNET) المشترك، حيث باستطاعة الأحزاب الشيوعية نشر أخبارها و وثائقها، بالإضافة إلى تشغيل نظام إعلام سريع و مشترك لها بالإضافة إلى النسخة الإلكترونية من "النشرة الإعلامية".

و من بين اللقاءات الأممية الثلاث، التي أجريت خلال هذه الفترة، استضاف الحزب الشيوعي اليوناني اللقاء ال20، الذي تزامن مع الذكرى المئوية لتأسيسه عام 2018، بينما قام بالاشتراك مع الحزب الشيوعي التركي بتنظيم اللقاء الأممي ال21 في إزمير، و هي الواقعة التي أثبتت بنحو عملي الروابط الأممية القائمة بين الشيوعيين اليونانيين والأتراك وفتحت صفحة جديدة في تنسيق نشاط الأحزاب الشيوعية.

و كما أشار حزبنا في الماضي، يُخاص بالتأكيد داخل اللقاءات الأممية صراع أيديولوجي سياسي قوي ذو طابع إستراتيجي حول العديد من المسائل المعاصرة و بنحو رئيسي حول اتجاه الصراع، في حين يجري دفع النشاطات المقررة من قبل قسم من الأحزاب الشيوعية، و لا تقوم باقي الأحزاب بتنفيذها على الرغم من عدم إعاقتها لإقرارها ضمن اللقاءات.

و نظم حزبنا خلال ذات الفترة لقاءات الأحزاب الشيوعية لأوروبا (2018، 2019) ، و اللقاء الإقليمي للأحزاب الشيوعية لمنطقة المتوسط و الشرق الأوسط والخليج (نهاية عام 2017)، وشارك في سلسلة من التظاهرات المواضيعية التي نظمتها أحزاب شيوعية أخرى، كتلك التي نظمت بمناسبة الذكرى المئوية لثورة أكتوبر، و انقضاء100 عام على تأسيس الأممية الشيوعية، و 200 عام على ميلاد ماركس و غيرها.

هذا و تحقق في كثير من الحالات تبني بيانات أو إعلانات مشتركة، كتلك من أجل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر وتأسيس الأممية الشيوعية. حيث تجري من خلال صياغة البيانات المشتركة محاولة لتوضيح التقييمات التي خلُص إليها كل حزب شيوعي بشأن هذه المسألة أم سواها بالإضافة إلى تحديد أهداف مشتركة للصراع. إننا بصدد صيغة معقدة و متعبة لتعاون والتنسيق الأحزاب الشيوعية، و هي تحتفظ بأهميتها، على الرغم من واقعة ضَعف العديد من الأحزاب الشيوعية والعمالية اليوم و نشاطها في ظروف شبه قانونية أو ظروف ملاحقات قاسية، أو عدم حيازتها للوسائل التي يمتلكها اليوم الحزب الشيوعي اليوناني وبعض الأحزاب الأخرى للكفاح من أجل الأهداف المشتركة المحددة. هذا و تُسهم بدرجة ما عملية تبادل الآراء و خوض الصراع حول مسائل جادة ضمن إطار إعداد البيانات المشتركة، في اتجاه إعادة البناء الأيديولوجي الثوري للحركة الشيوعية الأممية.

و كانت التموضعات المشتركة و المؤتمرات المنعقدة عن بُعد أشكالاً هامة للعمل، على وجه الخصوص ضمن ظروف الوباء حيث تم تأجيل عدد من اللقاءات الأممية.

22. إسناد و تطوير النشاط الأممي

وقف حزبنا إلى جانب أحزاب شيوعية و شيوعيين يتعرضون للملاحقات. أصدر بيانات و استنكارات، وقام بوقفات احتجاجية،   و مظاهرات أمام السفارات، و أودع مسائلات في البرلمان الأوروبي، وأرسل وفوداً من نوابه في البرلمان اليوناني و الأوروبي إلى محاكمات جرت بحق أحزاب شيوعية في بلدان أخرى. و تصدَّر تنظيم التضامن مع شعوب تعاني من الاحتلال الأجنبي و من تبعات التدخلات والابتزازات الإمبريالية، كشعب كوبا و فلسطين و قبرص.

و عزز حزبنا علاقاته الثنائية مع عشرات الأحزاب الشيوعية من كافة أنحاء العالم، ونقل خِبرة الحزب الشيوعي اليوناني المستمدة من نضالاته و استنتاجاته المستخلصة من دراسة تاريخه البطولي الممتد ل 100 عام. و سعى الحزب نحو التعاون والتنسيق في العمل حتى مع أحزاب له معها خلافات أيديولوجية سياسية جادة.

حيث هناك أهمية خاصة لعلاقته الوثيقة والرفاقية التي طُوِّرت مع الحزب الشيوعي التركي، و لواقعة تمكُّن الحزب الشيوعي اليوناني والحزب الشيوعي التركي في لحظات حرجة من الفترة السابقة، من التموضع عِبر بيانات مشتركة حول التطورات الجارية في العلاقات اليونانية التركية و في منطقتنا، عِبر تشييد جبهة ضد نزعتي رأس المال، القومية و الكوسموبوليتية، و عِبر إظهار طريق الصراع لشعبي البلدين ضد المخططات الإمبريالية ومصالح الطبقتين البرجوازيين، طريق سلام و صداقة الشعوب الذي هو طريق الاشتراكية.

و دعم الحزب الشيوعي اليوناني أيضاً محاولة الشبيبة الشيوعية اليونانية التي استعادت مكانتها و اضطلعت بمسؤوليات جادة لتطوير وتنسيق صراع منظمات الشباب الشيوعي، مما أعطى دفعاً للقاءات منظمات الشباب الشيوعي الأوروبي، مع الترويج  لعلاقات ثنائية غنية، و استغلال الخبرة المستخلصة من صراع منظمات الشباب الشيوعي ضد  التدخل البرجوازي والانتهازي  الجاري في صفوف الشباب.

و واصل حزبنا دعم نشاط الاتحاد العالمي للنقابات، ومجلس السلم العالمي، والاتحاد العالمي للشباب الديمقراطي، و الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي،  بينما يشارك في الاتحاد الأممي لمقاتلي المقاومة (FIR). حيث تمارس تأثيراً سلبياً في هذه المنظمات الأممية التي تشكلت بعد نهاية الحرب الإمبريالية العالمية الثانية في ظل وهج الاتحاد السوفييتي والنصر على الفاشية، أوجه الضعف الأيديولوجي والتنظيمي للأحزاب الشيوعية كما و تدخل قوى انتهازية و برجوازية. و ضمن هذه المنظمات التي صمدت بوجه "تسونامي" الثورة المضادة بفضل مداخلة الشيوعيين الفاعلة، تتعزز رؤى انتهازية و اشتراكية ديمقراطية والتي غالباً ما تهيمن و يكون لها القول الأول ضمن الصراع الأيديولوجي السياسي. حيث تسعى حتى قوى برجوازية لاستغلال المسيرة التاريخية وإرث هذه المنظمات، و للاستفادة من تراجع ردود الفعل المناهضة للرأسمالية و من الالتباس الأيديولوجي الذي يسود أيضاً ضمن قوى شيوعية، على سبيل المثال فيما يخص المضمون الاقتصادي والسياسي للإمبريالية، من أجل الترويج لمخططاتها  الخاصة من أجل  دعم تحالف إمبريالي ضد تحالف إمبريالي آخر. من المطلوب قيام نقاش أبعد حول تناسب القوى في كل من هذه المنظمات، ومنظورها، وإطار صراعها، وتدخل الشيوعيين.

عملية إعادة البناء الثورية

23. لا تزال إعادة التنظيم الأيديولوجي - السياسي - التنظيمي للحركة الشيوعية الأممية مطلباً، في ظروف التراجع الكبير للحركة العمالية و ذلك على الرغم من احتدام تناقضات الرأسمالية. إن جذور هذا التراجع هي عميقة للغاية، أولاً بسبب غلبة الثورة المضادة في الجولة الأولى للبناء الاشتراكي في القرن العشرين، و ثانياً بسبب الاندماج الكبير و المديد الأعوام لأحزاب شيوعية في النظام السياسي البرجوازي.

إن مآزق الرأسمالية، بجميع أشكال إدارتها، تصوغ بنحو موضوعي الأرضية لتطور الحركة العمالية الشيوعية. و في الظروف الحالية، فإن حزبنا، و مع إبداء تضامنه مع كل شيوعي وحزب عمالي يتعرض للاضطهاد، يولي الأولوية لمسألة إعادة التنظيم الأيديولوجي والسياسي للحركة الشيوعية الأممية، من خلال تعزيز النشاط المشترك مع الأحزاب الشيوعية التي:

- تدافع عن الماركسية - اللينينية والأممية البروليتارية و عن حاجة تشكيل قطب مماثل.

- تدافع عن المنظور الثوري، و تصطدم بقوى الانتهازية والإصلاحية، و ترفض إدارة يسار الوسط للرأسمالية وأي شكل آخر ل"استراتيجية المراحل".

- تدافع عن حتميات الثورة و البناء الاشتراكيين، و تعترف بوجود مسار البناء الاشتراكي في القرن العشرين، و تسعى في نفس الوقت إلى البحث في مشاكله و أخطائه وإدراكها و إلى استخلاص الدروس منها.

- لها جبهة أيديولوجية واضحة ضد الرؤى الخاطئة عن الإمبريالية، و خاصة ضد تلك التي تفصل العدوانية العسكرية- الحربية عن المحتوى الاقتصادي للإمبريالية، مما يُنتج عدم وجود جبهة مواجهة لكل التحالفات الامبريالية.

- تُطوِّر روابط مع الطبقة العاملة، و تنشط في الحركة النقابية ساعية إلى دمج الصراع من أجل حقوق الطبقة العاملة والشرائح الشعبية الوسطى في استراتيجية ثورية معاصرة من أجل السلطة العمالية.

الفصل الرابع

التطورات في الاقتصاد المحلي. من الانتعاش الضعيف إلى التباطؤ الجديد وتحوله إلى أزمة عميقة للاقتصاد الرأسمالي

24. تتصف الفترة الزمنية المنقضية منذ المؤتمر العشرين بحصول تناوبات في تطور الاقتصاد الرأسمالي اليوناني. حيث تمظهرت في البداية عملية انتعاش "بطيئة" في الفترة 2017-2019، تبِعها نهاية عام 2019 تباطؤ جديد تطور بسبب تدابير إدارة وباء الفيروس التاجي، إلى أزمة رأسمالية عميقة جديدة عام 2020، مع تقلص بنسبة 10٪ في الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للتقديرات الحالية (كتقديرات صندوق النقد الدولي).

و من المتوقع أن يكون تقلص الناتج المحلي الإجمالي في اليونان أعلى من معدله المتوسط في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو،  كما و أعلى من مثيله في معظم بلدان المنطقة الأوسع.

و منذ بداية عام 2017 حتى نهاية عام 2019، نما الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2010، بمتوسط معدل سنوي يبلغ حوالي 1.8٪، معوضاً جزءاً صغيراً من انكماشه المسجل بنسبة 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأزمة السابقة (2008 - 2015).

يعكس انكماش الناتج المحلي الإجمالي، المسجَّل سلفاً اعتباراً من الرُبع الرابع من عام 2019، بنحو أساسي انخفاض الصادرات وتراجع الاستثمار. حيث كان لكل من ركود منطقة اليورو، والتباطؤ المسجل في الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتباطؤ الحاد المسجل سلفاً في التجارة الدولية منذ وقت مبكر لعام 2019، قبل الوباء، تأثيرها السلبي المسجل في الاقتصاد المحلي بتأخير 6 شهور تقريباً.

و يتجلى العجز النسبي على إعادة إنتاج رأس المال الاجتماعي في المؤشر الرسمي للإنتاج الصناعي لفترة ما قبل الفيروس التاجي. حيث تراجع المؤشر ذي الصلة عام 2019 بنسبة 0.6٪ مقارنة بعام 2018، حيث كان قد تم تسجيل زيادة بنسبة 1.6٪ وتباطأ مؤشر الصناعات التحويلية بنسبة 1.2٪ مقارنة بزيادة قدرها 2.8٪ كان قد سجلها عام 2018. و يرجع اختلاف المؤشر من قطاع لآخر نظراً لعدم التكافؤ بين القطاعات، حيث سجل قطاع الصناعات الدوائية الديناميكي زيادة بنسبة 23٪ وتقلص قطاع منتجات تكرير النفط بنسبة 8.6٪، بينما سجل قطاع الصناعات الغذائية زيادة قدرها 1.5٪.

و ترافقت فترة 2017 - 2019 مع تحول تدريجي في الهيكلية القطاعية للاقتصاد المحلي. و عُززت قطاعات كانت ديناميكية سلفاً (الاتصالات / المعلوماتية، صناعة الأدوية، الصناعة الكيميائية) من خلال تحقيق قدر كبير من الاستثمارات والأرباح، وقطاعات إنتاج السلع ذات التوجه التصديري، والسياحة الخارجية، و النقل و ما شاكلها. و على العكس من ذلك، تراجع بنحو كبير  قطاع البناء والصناعات التحويلية المرتبطة به. و تم الترويج لإعادة الهيكلة القطاعية للاقتصاد المحلي بإسهام من التخطيط الحكومي واستخدام البرامج الأوروبية (الإطار المرجعي الاستراتيجي الوطني).

هذا و كانت الحكومة الجديدة لحزب الجمهورية الجديدة مفرطة في تفاؤلها بشأن "الزخم المتنامي للاقتصاد المحلي" وهو تقييم انهار بسرعة.

و كنَّا قد وصَّفنا و بنحو ناجز كحزب توقعات النمو القوي للاقتصاد المحلي على المدى المتوسط بأنها مفرطة في التفاؤل. و حذرنا عدة مرات من الآثار السلبية لما يسمى بسياسة "الانفتاح" التي روجت لها حكومات حزب الجمهورية الجديدة و سيريزا و رابطة الصناعيين اليونانيين وبنك اليونان، باعتبارها إنجازاً هاماً بعد الأزمة. حيث أدت "سياسة الانفتاح" السيئة الصيت إلى مزيد من اندماج الاقتصاد المحلي في السوق الرأسمالية العالمية، وبالتالي إلى انكشافه أمام أزمة أكثر شمولاً.

 

السياسة الاقتصادية للحكومة بعد الانتهاء الشكلي للمذكرات

 25. في صيف 2018، انتهت مدة المذكرات رسمياً، وفُعِّل إطار الإشراف المعزز. و طُرح في نيسان\أبريل 2019 برنامج الاستقرار وبرنامج الإصلاحات الوطني، حيث انضمت الدولة إلى التزامات النصف عام الأوروبي.

و يجري تخطيط السياسة الاقتصادية الحكومية اللاحقة وتطويرها بناءاً على الحاجات الإجمالية لرأس المال الكبير ولكن أيضاً على تناقضاته الداخلية. حيث يعبر كل تداول حكومي، من بين أمور أخرى، عن التناقضات داخل رأس المال، و عن التباينات الجانبية في المصالح البرجوازية، و عن وتيرة مختلفة لتنفيذ جوانب معينة من الاستراتيجية البرجوازية، لكن التخطيط البرجوازي الاستراتيجي يبقى دون تغيير. حيث يتعلق جوهره بصياغة شروط تسريع النمو الرأسمالي، والترقية الجيوسياسية للبلد، والانعطاف نحو القطاعات التي تمتلك البلاد بها "مزايا تنافسية" بالإضافة إلى تحصين النظام في وجه رد فعل شعبي زاخم و جماهيري محتمل.

و تبنت حكومة حزب الجمهورية الجديدة تعديلات تشريعية من أجل دعم "غير مباشر" لربحية رأس المال وجذب الاستثمارات (التغيير في استخدام الأراضي، و في نظام الاستثمار، و رفع إزالة الآليات التي أعاقت التركيز، وما إلى ذلك) ولكن أيضاً عبر الإسناد المباشر للمجموعات الاحتكارية (إعفاءات ضريبية، استخدام أموال الإطار المرجعي الاستراتيجي الوطني والموارد الأوروبية، و غيرها).

ولا يزال توجهها ثابتاً نحو تعزيز تنافسية رأس المال من خلال سياسة تأمين قوة عمل أرخص، و الترويج للخصخصة. إن تأمين قوة عمل رخيصة وزيادة درجة الاستغلال يشكلان مقدمة لجذب استثمارات كبيرة جديدة لما يسمى بالاقتصاد "الرقمي" و "الأخضر". حيث تتصاعد الهجمة على الطبقة العاملة عبر تعديلات جديدة لفرض مرونة وقت العمل، والتخفيض النسبي لمساهمات أرباب العمل وفرض نظام رسملة تعويضية بالكامل على الضمان الاجتماعي، وتخفيض المعاشات التقاعدية و متوسط الرواتب، و رفع الحماية عن ملكية السكن الأول.  في الإقامة الدائمة. كما أن جميع آليات ربط العاملين لحسابهم الخاص في المدينة والريف مع الصناعة والتجارة تعيد إنتاج التزاماتهم (نحو البنوك، و المالية العامة، المؤسسة اليونانية لتأمينات الفلاحين، و ما شاكلها).

 

التبعات الناجمة عن إثقال البلاد بالمديونية العامة

26. إن ثقل الدين العام هو جانب من تناقضات الوظيفة الرأسمالية. لقد جرت مواجهة مشكلة القروض "الحمراء" لصالح البنوك وتشجيع تركيز الأراضي - من خلال التدخلات الحكومية ذات الصلة وبنحو رئيسي - من خلال تحرير المزادات كأداة للضغط على الشرائح الشعبية لسداد حتى جزء صغير من ديونها.

إن التوقعات لعام 2021 تنذر بالسوء بالنسبة للنظام المصرفي المحلي، حيث يوجد تقدير لسقف جديد أعلى من القروض المتعثرة الخدمة. فوفقاً لحسابات بنك اليونان، ستكون نسبة القروض المتعثرة الخدمة إلى إجمالي القروض هي الأعلى، و مضاعفة مقارنة بمتوسط معدلها في الإتحاد الأوروبي، في حين أن متطلبات الضرائب المؤجلة النهائية للبنوك ستلامس في بداية عام 2022 نسبة 75% من الصناديق الإشرافية[1].

و نظراً إلى أهمية النظام المصرفي في الوظيفة الرأسمالية، يجب على الحركة العمالية والشعبية أن تكون يقظة وأن تطور جبهة الصراع الخاصة بها.

وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، يمكن أن يقفز الدين العام من 180.9٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019 إلى 208٪ عام 2020 وأن يظل أعلى من نسبة 200٪ خلال السنوات الأربع المقبلة، بينما ستزيد حاجات التمويل السنوية لإدارة الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي.

 .



[1]     الصناديق الإشرافية هي فئات من الرساميل المصرفية المعتبرة من جانب السلطات الإشرافية للاتحاد الأوروبي، آمنة نوعياً من أجل استيعاب الخسائر المالية المستقبلية دون التسبب بمشاكل في العمليات المصرفية.

الأزمة الحالية وانعكاساتها على مختلف قطاعات الاقتصاد

27. تتجلى الأزمة الحالية بشكل غير متكافئ في مختلف قطاعات الاقتصاد اليوناني، مصحوبة بتدمير واسع النطاق لرأس المال المستثمَر في قطاع السياحة، وخاصة رأس المال الصغير، في حين ستترافق أية فترة انتعاش له مع جولة جديدة من عملية التركيز في القطاع. حيث من المتوقع أن تقود الأزمة في ترابط مع تدابير إدارة وباء الفيروس التاجي إلى تقليص السياحة – الاطعام- الترفيه المحلي و إلى تعزيز جولة جديدة من الاستثمارات في القطاع مع التركيز على السياحة المستوردة. و بالإضافة لقطاعي تجارة التجزئة والسياحة، يُسجَّل أكبر انكماش في قطاعات الإطعام والنقل الجوي والترفيه. فوفقاً لتقديرات ذات صلة، سيتم إغلاق جزء كبير من الشركات الصغيرة على الفور وسيتحمل جزء آخر أعباء التزامات كبيرة سيُدعى إلى سدادها في الفترة المقبلة، بينما من المتوقع أن تصل البطالة نسبة 20٪.

 تثير عمليات إعادة التنظيم الجارية في القطاعات، الصراع بين ممثلي رأس المال حسب القطاع من أجل توجيه تدخل الدولة (المساعدات، الإعفاءات الضريبية، و غيرها) و تُعيد إحياء تناقضات قديمة، على سبيل المثال، بين الصناعيين وممثلي قطاع السياحة أو التجارة من أجل ما يسمى بتغيير "نموذج الإنتاج"، وتعزيز الإنتاج الصناعي. لسنا هنا بصدد جدل - متجذر تاريخياً- في اليونان حول التأخر الزمني في تطوير صناعة وسائل الإنتاج. إن هذا الجدل الحالي اليوم و الخلافات ذات الصلة بين رؤوس المال تتعلق بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجمالاً، نتيجة للتصدير الواسع المسجل سالفاً، لرأس المال الصناعي نحو الصين وبلدان آسيوية أخرى.

ترتبط التناقضات الحالية والمستقبلية بسلسلة من تعديلات التراتبية داخل القطاعات (مع اتجاهات، على سبيل المثال، في صناعة السيارات نحو السيارة الكهربائية، و في مجال إنتاج الكهرباء نحو مصادر الطاقة المتجددة، وما شاكلها) والتي غالباً ما تُقدَّم باعتبارها "إنتاجاً أخضر- اقتصاداً أخضر"، باعتبارها أكثر صداقة للبيئة.

حيث من الصعب في هذه الظروف التنبؤ بما إذا كانت العودة إلى الانتعاش النسبي ستتم مع رفع التدابير التقييدية بسبب الوباء أو، على العكس من ذلك، أي أن يكون للوضع الدولي العام تأثير ذي أكثر امتداد زمني على كبح الانتعاش.

لقد أظهر التاريخ الحديث، بالتأكيد، أن الأزمات الدولية لا تترجم بنحو مباشر ومتناسب من حيث الوقت والعمق في الاقتصاد المحلي. و على وجه الخصوص، يجب أن نأخذ في الاعتبار فيما يتعلق بالماضي - وحتى في الآونة الأخيرة – واقع ازدياد "درجة انفتاح" الاقتصاد اليوناني، مما جعله أكثر "عرضة" للاضطرابات الدولية التي تتميز بتزايد التناقضات بين ألمانيا و الولايات المتحدة. إن هذه العوامل في ترابط مع وضع النظام المالي المحلي، تجعل من أي توقعات لنمو الاقتصاد اليوناني في السنوات القادمة محفوفة بالمخاطر بنحو خاص. وهذا ما تؤكده تقديرات المنظمات الدولية، كمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وصندوق النقد الدولي، و غيرها، سواء بالنسبة لعمق الأزمة عام 2020، وحتى في عام 2021، ولمعدل التعافي المتوقع في عام 2022، و هي التوقعات المتواجدة في تباين مع التوقعات الحكومية الأولية المفتقدة الأساس و المبالِغة في التفاؤل.

التكيفات في إدارة السياسة الاقتصادية البرجوازية في سياق الأزمة الدولية الجديدة

28. أدى تمظهر الأزمة الدولية الجديدة وما يقابلها من انخفاض في الاستثمارات الخاصة الجديدة إلى تحولات وتكيفات في السياسة الاقتصادية البرجوازية بهدف تشجيع هذه الاستثمارات.

ففي اليونان، كما هو الحال في الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد الدولي، هناك نزوع عام للحكومات والنظام السياسي البرجوازي لتبني تدخل حكومي أكبر وسياسة مالية توسعية و تيسير نقدي، من أجل دعم الاقتصاد اليوناني.

و يُقدَّم هذا الخيار من جانب القوى الليبرالية المحافظة باعتباره مناسباً لـ "حالة الطوارئ" المتمثلة في الانخفاض الحاد في الإنتاج و غياب الاستثمارات الخاصة. و يُقدَّم من جانب قوى الاشتراكية الديمقراطية والانتهازية باعتباره "انعطافاً تقدمياً بعد فشل النيوليبرالية". في بلدنا، يحكم الحزبان البرجوازيان، سيريزا و حركة التغيير، على سياسة حكومة حزب الجمهورية الجديدة باعتبارها تكيفاً غير متسق مع سياسة الاتحاد الأوروبي المقابلة، بينما يقدمان نفسيهما دون إقناع، على أنهما الممثلان الأصيلان لسياسة دولة مالية توسعية مماثلة، ما دامت تثقلهما مسؤولية إدارة مذكرات الأزمة الاقتصادية.

محدودةٌ هي إمكانية تدخل الدولة بشكل أكبر للتخفيف من العواقب السلبية على الشعب من العمق الكبير للأزمة. إن اشتداد المزاحمة بين المراكز الإمبريالية في السوق الرأسمالية الدولية يضع قيوداً موضوعية على السياسة المالية التوسعية المتبعة حالياً في الاتحاد الأوروبي واليونان. حيث سيقود الانحراف الكبير عن أهداف المالية العامة عاجلاً أم آجلاً، إلى فرض تدابير صارمة جديدة، ستُدعى لسداد ثمنها الطبقة العاملة والجماهير الشعبية. حيث يتزايد سلفاً الضغط الألماني لإعادة تطبيق شروط ميثاق الاستقرار بعد عام 2021، فيما يخص تقليص الديون والعجز السنوي.و يتجاوز الدين العام لليونان الآن 200٪ من الناتج المحلي الإجمالي و هو الذي ستزداد تكاليف خدمته خلال الفترة المقبلة.

و بهذا النحو يُعاد إنتاج الحلقة المفرغة للتدخل التوسعي المباشر للدولة من أجل مساعدة إعادة الإنتاج الرأسمالي، وإعادة تقييد هذا التدخل، وهي مرحلة يدفع فيها العمال ثمن العواقب مرة أخرى.

و من أجل مواجهة المشكلات التي تضرب بنحو مترابط الاقتصاد المحلي، اتخذت حكومة حزب الجمهورية الجديدة سلسلة من الإجراءات قصيرة الأجل المستندة على قرض حكومي جديد تجاوز 12 مليار يورو. كما استفادت من "الفوائض المدماة" المسجلة في الفترة السابقة، في توازٍ مع إعدادها "حزمة" كبيرة لتمويل الاقتصاد الرأسمالي، مع توجيه حصة الأسد من "إجراءات الدعم" نحو تعزيز مجموعات الأعمال.

إن السياسة الحكومية متوسطة الأجل، المقدرة بحوالي 70 مليار يورو، هي النسخة اليونانية من "الرد" الاتحادي الأوروبي على الأزمة الجديدة والتي تؤثر الآن على جميع اقتصادات الاتحاد الأوروبي. حيث يركز هذا "الرد" بشكل أساسي على دعم استثمارات التحول "الأخضر" و "الرقمي"، مبرهناً على أن مشكلة إعادة الإنتاج في اليونان وكذلك في الاتحاد الأوروبي، هي أعمق بكثير من عواقب الوباء، ما دام الحل الرئيسي المعلن هو "التحول الأخضر والرقمي لاقتصاد الاتحاد الأوروبي".

ترتبط حزمة تمويل الاتحاد الأوروبي ومشاركة اليونان في صندوق الإنعاش بخطة التنمية الوطنية، التي ستحدد أولويات الإصلاح والاستثمار حتى عام 2026، والتي يجب أن تقدمها كل دولة عضو و التي هي شرط مسبق لصرف التمويل. حيث تتماشى هذه الخطة بذات القدر مع تخطيط الاتحاد الأوروبي وأولوياته كما و مع مطالب رأس المال المحلي. و سيتم استخدام الجزء الأكبر من التمويل لتنفيذ مشاريع استثمارية كبيرة للنمو "الأخضر" (بنسبة 37٪ على الأقل) والترويج للحلول الرقمية الجديدة (20٪ على الأقل). ومن المتوقع سلفاً قيام المزاد على طيف 5G في الفترة المقبلة، فيما تم الإعلان عن استثمار ل "مايكروسوفت" في أتيكي.

و على الرغم من واقعة انكشاف الاقتصاد بنحو أكثر على الاضطرابات الدولية، تُبرز السياسة البرجوازية"الانفتاح" كرافعة رئيسية للاقتصاد المحلي، بهدف مركزي متمثل في ربط الإنتاج الصناعي عضوياً أيضاً في هذا الاتجاه "عبر المشاركة ذات الصلة للسلع و الخدمات الدولية في المنتج الوطني".

 إن "انفتاح" رأس المال المحلي متناغم مع درجة تدويل السوق الرأسمالية العالمية، والتبعيات المتبادلة المتزايدة، و توجهه التاريخي القائم في النقل الدولي، و السياحة الدولية و قطاعات الصناعات التحويلية المماثلة (الغذائية، صناعة المشروبات، التعدين و غيرها).

إن خطة لجنة بيساريذيس تكشف عن ماهية اليوم التالي في "العودة إلى الحياة الطبيعية": الذي هو كابوس للشعب، وتصعيد لسياسة فرض قوة العمل الرخيصة، و استكمال الهجمة على حقوق التأمين للعمال. و هو جنَّة للمجموعات الاحتكارية، مع إعفاءات ضريبية جديدة وتدابير لتسريع تركيز رأس المال وتمركزه.

سياسة الإعانات الحكومية في ظروف الإغلاق

29. اتخذت الحكومة أيضاً، في ظروف الإغلاق بعض تدابير الدعم الاستثنائي للعاطلين عن العمل لفترات طويلة، و تمديداً لوقت دفع إعانة البطالة، و إسناداً للدخل العمالي الشعبي، أمام احتمال تقلص كبير و فجائي له و زيادة غير مضبوطة للبطالة.

و مع ذلك، فإن جزءاً من هذه التدابير (إعانات، تعليق المدفوعات والمساهمات دون شطب جزء منها، وما إلى ذلك) هي ذات سمة مؤقتة تماماً، فهي تنقل الجزء الأكبر من هذه الديون إلى المستقبل، مما يجعلها جوهرياً غير قابلة للإدارة.

و كان في الواقع جزء آخر منها، على سبيل المثال "تعويض الغرض الخاص"، و دعم إسهام التأمين، دعماً لمجموعات الأعمال، حيث تتولى الدولة جزءاً كبيراً من نفقات الرواتب خلال فترة تخفيض أو توقف أعمالها. كما و ساهم تمويل أقساط قروض السكن الذي يصل إلى 80٪ في حماية سيولة البنوك وتجنب خلق قروض "حمراء" جديدة.

و في المقابل، تخدم بعض تدابير دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، على سبيل المثال كبرامج الدفع المسبق القابلة للسداد غرضاً مزدوجاً. فهي تسعى إلى دعم المؤسسات الصغيرة و المتوسطة الأكثر ديناميكية والتي تضررت بشدة في الوقت الحالي، من خلال تقديم بعض السيولة، ومن ناحية أخرى، للحد بدرجة ما من المآزق الواسعة و احتمال إغلاق فوري جماعي لمؤسسات صغيرة تشغِّل موظفين بنحو متقطع، أو لا توظف مُستخدمين على اﻹطلاق.

 

تسريع التحول الرقمي

30. استخدمت الحكومة تمظهر الوباء كفرصة لتسريع مخطط التحول الرقمي للاقتصاد. و في هذا الاتجاه، تم المضي قدماً في التحويل الرقمي لوظائف إدارة الدولة، وتم استيعاب أموال الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية، و أصبحت رقمنة عدد من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلزامية، في حين جعلت القوة العاملة الرخيصة والمدربة على التقنيات الجديد، البلد مجالاً لبعض الاستثمارات في إنتاج السلع والخدمات التكنولوجية ذات الصلة. و في الوقت نفسه، يتم استخدام التحديث الرقمي في سياق الاقتصاد الرأسمالي والتحول الرقمي لوظائف الدولة من أجل الترويج لرفع شدة وتيرة العمل و زيادة درجة الاستغلال (كالعمل عن بعد) و من اجل زيادة إمكانيات مراقبة الشعب و قمعه

الفصل الخامس

التطورات في النظام السياسي البرجوازي

31. تأكد بنحو أكثر خلال السنوات التي تلت المؤتمر العشرين، خلال العامين الأخيرين لحكم سيريزا والتداول الحكومي بين سيريزا و الجمهورية الجديدة، تطابق القوى الأساسية للنظام البرجوازي على الأهداف الاستراتيجية للطبقة البرجوازية و الخيارات السياسية المقابلة لها.

إن هذه الخيارات السياسية الموحدة هي:

  • محاولة الترقية الجيوستراتيجية للطبقة البرجوازية اليونانية من خلال دورها الأكثر نشاطاً في خطط الولايات المتحدة والناتو والاتحاد الأوروبي وتعزيز مواقعها في البلقان، وجنوب شرق أوروبا، وشرق المتوسط.
  • دعم تعميق التكامل في الاتحاد الأوروبي.
  • مسيرة تعافي الاقتصاد اليوناني، مع تكوين بيئة أكثر ملاءمة لجذب الاستثمارات، و الترويج ﻠ "نموذج إنتاجي" جديد، و للاقتصاد "الأخضر" و "التحول الرقمي" و ما شاكلها.
  • تثبيت النظام السياسي البرجوازي وزيادة تحصين الدولة البرجوازية أمام الهزات المحتملة وخاصة في مواجهة صراع الحركة العمالية الشعبية.

هذا و كانت تمظهرات مميزة لهذا التطابق هي:

  • الاتفاقية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي وقعتها حكومة سيريزا و دشنتها، في حين وسعتها حكومة الجمهورية الجديدة.
  • اتفاقية بريسبا، التي أملاها السعي لتعزيز حضور الناتو والاتحاد الأوروبي في غرب البلقان.
  • المداخلات التشريعية المتعاقبة لزيادة مرونة سوق العمل بنحو أبعد، و لدعم امتيازات رأس المال وخطط الاستثمار المختلفة.
  • تعزيز الترسانة الرجعية للدولة البرجوازية بإجراءات ضد الإضراب والنقابات، وغيرها.

ومن الموصوف أيضاً هو تصويتها بنحو مشترك مع حزب الباسوك\حركة التغيير في صالح مشاريع قوانين ذات أهمية استراتيجية و بالتناوب أثناء حكم سيريزا و الجمهورية الجديدة، وكذلك في صالح التغييرات في مواد رئيسية للدستور، و لا سيما في صالح تلك المتعلقة بالاستقرار الحكومي و التطبيق الثابت للسياسة المسيطرة.

حيث يتم الترويج للهدف الموحد المتمثل في استقرار النظام السياسي البرجوازي من خلال الدمج والقمع. مع تناوب في الاستدعاء المعمم ﻠ"وحدة الروح الوطنية" و الحاجة إلى "عقد اجتماعي جديد" لإدماج القوى الشعبية العمالية في أهداف الطبقة البرجوازية، مع تطبيق أساليب جديدة وأكثر تطوراً لقمع الدولة.

و يمنح النظام السياسي البرجوازي وزناً خاصاً لدمج الشباب، وإبراز الديمقراطية البرجوازية كشكل من أشكال الحكم يضمن الحريات والحقوق الفردية، ويحترم التنوع الفردي، على نقيض من "اضطهاد الدولة"  من قبل الاشتراكية التي عرفناها خلال القرن العشرين. و بالتوازي مع ذلك، فهو يعرض صورة لرأسمالية "متسامحة"، قادرة عبر إدارة مناسبة و استخدام للتكنولوجيات الجديدة، أن تغدو أكثر عادلة اجتماعياً وصديقة للبيئة، أي رأسمالية "ذكية" و "خضراء" و "إنسانية".

و لا تلغي هذه المساعي المشتركة الاختلافات القائمة بين اﻷحزاب البرجوازية، بمعزل عن واقعة إكساب هذه الاختلافات سمة المطلق و المبالغ به من أجل إسناد خطوط المواجهة الفاصلة التضليلية، كخط  "اليمين - القوى الديمقراطية"، "السوق الحرة- تدخل معزز للدولة"،  "النيوليبرالية – الاشتراكية الديمقراطية". هي اختلافات موجودة تعكس بنحو رئيسي التناقضات داخل طبقة البلاد البرجوازية، ولكن أيضاً، هي تناقضات قائمة ضمن الطبقات البرجوازية لحلفائها في النظام الإمبريالي الدولي، تتخلل أفقياً كافة اﻷحزاب البرجوازية. ومع ذلك، ففي معظم الأوقات يتم أبراز هذه التناقضات بنحو مفرط أيضاً من أجل أسباب حاجات المعارضة واعتماداً على ما يسمى بـ "الجمهور" السياسي، والسعي للتقرب انتخابياً من شرائح اجتماعية معينة، وكذلك بسبب الخلفيات التاريخية لكل حزب.

و ترتبط الاختلافات بنحو أساسي بأسلوب و مزيج الإدارة البرجوازية للاقتصاد الرأسمالي، ودرجة تدخل الدولة، وما إلى ذلك، بنحو يُحقق إعادة الإنتاج الرأسمالي و دمج القوى العمالية الشعبية، اعتماداً على مرحلة الدورة الاقتصادية المعينة. و تؤثر بها بنحو هام، التحالفات والخيارات الدولية للطبقة البرجوازية، لا سيما في ظروف احتدام التناقضات الإمبريالية البينية، مع معطى دائم حاضر هو التوجه الأوروأطلسي للطبقة البرجوازية وأحزابها.

 

عن "الحوكمة الرقمية"

32. سارعت حكومة حزب الجمهورية الجديدة بمناسبة الوباء و بموافقة الأحزاب الأخرى، في الترويج لسلسلة من "الإصلاحات" المتعلقة بنحو أساسي بما يسمى "التحول الرقمي للمجتمع والدولة" و "الحوكمة الرقمية" و غيرها.

حيث هناك محاولة للإفراط في إبراز التحديثات الضرورية لوظيفية خدمات الدولة، من أجل التغطية على الطابع الطبقي لهذه التغييرات. هذا ما تخدمه بدع على شاكلة:"دولة أكثر فاعلية" و "تحسين العلاقات بين الدولة والمواطن". ومع ذلك، فإن الاختراقات الكبيرة المسجلة تتعلق نحو رئيسي بتكوين بيئة استثمارية أكثر صداقة، على سبيل المثال، من خلال تسريع إصدار تراخيص الاستثمار،  هي اختراقات لا تتعلق بحاجات الشعب وحمايته.

إن العمل عن بعد هو مثال وصفي لكيفية تكييف التقنيات الجديدة - وخاصة الرقمية منها - مع حاجات رأس المال. حيث تُستخدم الرقمنة كأداة لتكثيف وتيرة العمل و قمع الدولة. حيث مثقوبة هي "شبكة حماية البيانات الشخصية" التي تتذرع بها اﻷركان البرجوازية، ما دامت متاحة دائماً للاحتكارات، والوكالات الأمنية العامة والخاصة. إن تجارة البيانات هو عمل مربح للغاية على نطاق عالمي.

و بالتوازي مع ذلك، تقدم أحزاب برجوازية رقمنتها كتحديث في وظيفتها. بمعزل عن فشل مثل هذه المشاريع في بلدنا حتى الآن (أنظر i-SYRIZA)، و ستتسارع تغيرات من هذا القبيل بنحو أكبر، لتصوغ أحزاباً بمزيد من "الشخصنة" و أحزاب مع أعضاء "متابعين رقميين" في تعارض تام مع "الديمقراطية اﻷكثر" التي يتذرعون بها.

و يُسعى إلى فرض مثل هذه التغييرات على النقابات والجمعيات الطلابية (التصويت الإلكتروني، سجل كوادر نقابات العمال)، و غيرها. و تُستغل واقعة ألفة الجيل الجديد على وجه الخصوص بوسائل التواصل، كما صيغت لحد الآن، والتنشئة الاجتماعية المشوهة الذي تشكلها، من أجل إظهار هذه التغييرات الرجعية على أنها بديهية. و في الواقع، تُصبح هذه أدوات جديدة لتلاعب الدولة وأرباب العمل بالعمال والقوى الأخرى، وشبابها، من أجل تقويض المشاركة والنقاش والإجراءات الديمقراطية و غيرها.

عن إدارة البلديات والمحافظات

33. إن التغييرات في إدارة البلديات و المحافظات هي أيضاً عنصر من عملية إعادة صياغة النظام السياسي البرجوازي والتفاعلات الجارية ضمنه، كونها جزءاً من آلية الدولة.

إن شبكة إعادة الهيكلة الرجعية في الإدارة المحلية المشيدة في بداية التسعينيات ("كابوذيسترياس") تعمقت في عقد الأزمة الرأسمالية ("كاليكراتيس" و "كليسثينيس") بعد ترسيخ هيئات البلديات و المحافظات كوحدات إدارة عضوية و كحلقات في آلية دولة الطبقة البرجوازية. إن الصلاحيات والوظائف الإدارية الجديدة التي اضطلعت بها، تعزز طابعها الطبقي ودورها، إلى جانب دور الأجهزة المركزية للدولة البرجوازية. حيث عُززت صلاحياتها المالية و التجارية مؤسسياً و وظيفياً، وأصبحت جلية آثارها السلبية العميقة على حياة ودخل الأسر العمالية الشعبية.

إن نقل بعض صلاحيات الدولة المركزية إلى صلاحيات السلطات المحلية يرتبط ارتباطاً مباشراً بالتخفيض الكبير في تمويلها من ميزانية الدولة، و بتكثيف الهجمة الضريبية التي تُثقل الدخل الشعبي. كما أنه مرتبط بتسليع الهياكل والخدمات الاجتماعية الأساسية وتدهور مستواها و بإسقاط علاقات وحقوق العمل.

و تشتد في مرحلة الدورة الجديدة للأزمة الاقتصادية محاولة حكومة حزب الجمهورية الجديدة لكي تتصدر الإدارة المحلية وهيئاتها، عملية تحويل موارد الدولة/الاتحاد الأوروبي بنحو أكثر استهدافاً وتركيزاً إلى الشبكات والبنى التحتية في المحافظات، بهدف جذب رؤوس اﻷموال و تسهيل تعزيز ربحيتها. و تُعزز هذه المحاولة بأدوات ريادة أعمال و أدوات مالية جديدة للترويج لاستغلال الأعمال للموارد المحلية، وإدارة النفايات على أساس خيارات مجموعات الأعمال، واستبدال و "ترميم" مناطق الليغنيت و الترويج لمصادر الطاقة المتجددة، واستخدام المساحات البلدية و العامة، والغابات، والشواطئ وغيرها من البنى التحتية من قبل رأس المال السياحي وغيره.

و تُستغل مؤسسات ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي، و شبكات "التطوع"، تحت مظلة وشراكة الإدارة المحلية، كرافعة للترويج و "الشرعنة" الشعبية لأهداف رأس المال و مساعيه.

إن إجراءات "تحديث وإعادة تنظيم" الدولة البرجوازية ومؤسساتها المحلية، من أجل تجاوبها الموحد و الفعال مع التحولات السريعة في حاجات وأولويات رأس المال، هي توجه استراتيجي لجميع الحكومات والأحزاب البرجوازية. و تتجلى كاستراتيجية سائدة في هيئات الإدارة المحلية. إننا بصدد مسار سيتعزز في الفترة القادمة، أيضاً من خلال المداخلات والصلاحيات المؤسسية الجديدة التي أعلنت عنها حكومة حزب الجمهورية الجديدة.

و يتم استخدام العلاقة الأكثر مباشرة مع الجماهير العمالية الشعبية بمرونة وبطرق مختلفة من قبل النظام البرجوازي بأكمله. تُستخدم هيئات المحافظات والبلديات كمؤسسات حكومية أقرب إلى القوى العمالية الشعبية، لنزع فتيل ردود الفعل الشعبية، ولإدماجها بسهولة أكبر. هناك حاجة لرصد أكثر منهجية وعمقاً لتدخلها و أن يُستهدف نشاطها من قبل الحركة العمالية الشعبية و مطالبها. و من هذه الزاوية تتزايد أيضاً مسؤولية هيئات الحزب من أجل إرشاد أكثر جوهرية وشمولية لممثلينا في هيئات الإدارة المحلية.

يناضل الشيوعيون المنتخبون والمتعاونون معهم ، بتفانٍ وعلى حساب شخصية هذه المؤسسات من أجل إغاثة العائلات الشعبية، و من أجل تطوير الصراع والمطالب التي من شأنها أن تفتح الطريق للتحالف الاجتماعي و لحشد القوى في اتجاه مناهض للرأسمالية و الاحتكارات، بهدف سياسي هو السلطة العمالية. إن نشاطهم هذا، ككل الشيوعيين بمعزل عن جبهتهم، سواء أكانوا في البرلمان أو البرلمان الأوروبي أو سلطات المحافظات أو البلديات، من موقع الأقلية أو الأغلبية، كما هو الحال في بلدية باترا، يمتلك طابع معارضة مستمرة للسياسات المناهضة للشعب و المنبثقة من الأجهزة المركزية للدولة البرجوازية والمترابطة مع أجهزة المحافظات و البلديات.