7. تقوم الأركان البرجوازية في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان بتدخل من جانب الدولة من أجل إسناد انتعاش الاقتصاد الرأسمالي، باستخدام مقترحات الكينزية. إنها تنتهج سياسة مالية توسعية، أي سياسة زيادة في الإنفاق الحكومي، بنحو رئيسي من أجل التعزيز الفوري للمجموعات الاقتصادية، ولكن أيضاً لمحاولة "التخفيف" مؤقتاً من العواقب الأكثر حدة للأزمة على القوى الشعبية. و يترافق هذا مع تسامح مع نمو الدين الحكومي، أي أنه مصحوب بسياسة مالية أكثر تساهلاً.
و تؤكد الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية على الحاجة إلى عودة ثابتة إلى معظم إملاءات الادارة الكينزية، والتي تُقدَّم على أنها ردٌ تقدمي مؤيد للشعب على النيوليبرالية، التي تقوم بتحميلها المسوؤلية عن الأزمة في كل اﻷحوال.
إن الحقيقة هي أولاً في أن أزمات اقتصادية رأسمالية كانت قد تمظهرت فوق أرضية الإدارة من النمط الكينزي في النصف الثاني من القرن العشرين، و ثانياً، في أن بعض المقترحات الكينزية التوسعية والتوجهات التيسيرية للسياسة النقدية لم تكن قد اختفت من خليطة الإدارة البرجوازية السابقة.
و بعد الأزمة الدولية في 2008-2009، و بنحو أكثر بكثير بعد انتهاج بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سياسة "التيسير الكمي" لدعم المجموعات المصرفية. مُنحت الإمكانية لحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإصدار سندات تم شراؤها من قبل مجموعات البنوك، حيث امتصت جوهرياً أموالاً مقترضة من البنك المركزي الأوروبي بسعر فائدة مؤاتٍ للغاية.
ثم جاء إلى المشهد اقتراح "الصفقة الخضراء الجديدة". الذي طُرح في البداية عام 2019 باعتباره قراراً في الكونغرس الأمريكي من قبل "الجناح اليساري للديمقراطيين". و بالتوازي معه أطلقت المفوضية الأوروبية "الاتفاقية الخضراء الجديدة" باسم حماية البيئة والصحة العامة، من أجل تشكيل منفذ استثماري مؤقت مربح لرأس المال المفرط في تراكمه. و في جوهره، يضمن هذا الاقتراح قيام تدخل كبير من جانب الدولة، أولاً بصياغة حوافز لتمويل الاستثمارات الجديدة في مجالات الطاقة والنقل والصناعات التحويلية والقطاع الزراعي في ترابط مع التحديث الرقمي للاقتصاد، و ثانياً عبر التخفيض المنضبط لقيمة رأس المال (مثل إغلاق محطات الليغنيت، وسحب السيارات التقليدية، وتغيير شبكات الطاقة).
إن السياسة المالية التوسعية و تدخل الدولة اﻷكبر يحملان العبء على كاهل الشعب مرة أخرى بأسلوب مختلف. حيث سيدعى الشعب لسداد القروض الجديدة و لتحمل أوزار الشركات الخاصة الخاسرة في حال استملاكها المؤقت أو الجزئي من قبل الدولة أو في حال العكس أي عند خصخصة أو تقليص مشاركة الدولة مع تحميل اﻷعباء على القطاع العام.
و يجري باسم "حماية التشغيل" تعزيز سياسة القوة العاملة الأرخص من خلال تحويل عقود العمل بدوام كامل إلى العمل بدوام جزئي أو متناوب، وتخفيض وقت العمل و تخفيض الأجور وزيادة مطاطيته مما يجلب تشديداً لوتيرة العمل و زيادة في درجة استغلاله.
و في نفس السياق، تتوسع إمكانية تنفيذ من جانب واحد لإطار العمل عن بعد المناهض للعمال، و الذي يلغي عملياً الفصل بين الوقت الحر و وقت العمل.
إن التدابير الجديدة المناهضة للعمال، التي تقلص الأجور جوهرياً، تسهل تسريح العمال، وتهدم حقوق الضمان، و تُقدَّم على أنها مؤقتة في البداية ثم يتم تثبيتها. وهكذا، ترسخ سياسة المردودية الكاملة وتعزيز "الركيزة الخاصة" في نظام التأمين.
إن سياسة التكيف مع المستوى الجديد للإنتاجية دون تحسين شامل في دخل العمل وإدارة الفقر المدقع، أي ألا تتضخم البطالة أكثر من اللازم، و ألا ينهار مستوى أساسي معين للاستهلاك الجماهيري، لا يشكل اقتراحاً تقدمياً لضمان "التوزيع العادل للثروة" كما يزعم العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين، بل هو شرط ضروري لتأمين الربحية الرأسمالية و إعادة إنعاشها.
و في الوقت نفسه، يتزايد عدد العاطلين عن العمل لفترات طويلة في القطاعات المتأثرة بالتحول "الأخضر" (مثل إغلاق محطات توليد الطاقة بالليغنيت) و يُنقل عبء إعادة تدريب و تأهيل العمال إلى كاهل الأسرة الشعبية.
هذا و تشمل "جنة النمو الأخضر" الجديدة المعروضة كهرباء باهظة الثمن، و علاقات عمل مرنة، و قوة عمل رخيصة وأعباء جديدة على الأسر الشعبية لشراء السيارات والأجهزة "الخضراء"، والضرائب"الخضراء" غير المباشرة، و سحب دم الشعب بنحو أعم من أجل دعم الدولة للاستثمارات "الخضراء" الجديدة للمجموعات الاقتصادية. و بالتوازي مع ذلك تؤدي استثمارات ما يسمى بالتنمية "الخضراء" إلى تدهور بيئي واسع النطاق في مناطق ناتورا و في مناطق محمية و جبال جميع أنحاء البلاد، مما يؤدي إلى تدهور الاقتصادات المحلية وحياة الطبقة العاملة و القوى الشعبية.
و في الخلاصة، يتم الترويج لأشكال مختلفة لزيادة درجة استغلال الطبقة العاملة، من أجل تطوير حوافز و امكانيات لاستثمارات رأسمالية جديدة ومربحة بذريعة التغير المناخي.
8.لا يمكن لأي اقتراح إدارة برجوازية، كينزي أم نيوليبرالي، أن يُبطل ويلغي حتميات الإنتاج الرأسمالي، و فوضاه و عدم تكافؤه، و التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج و الاستحواذ الفردي الرأسمالي على نتائجه.
تولد الأزمة من التناقض المتواجد في نواة وظيفة النظام الاستغلالي الرأسمالي، في مجال الإنتاج الرأسمالي: حيث يجعل الطابع البضاعي المتناقض المعمم للإنتاج الرأسمالي من ظهور الأزمة الرأسمالية في أبعادها المعاصرة، أمراً لا مفر منه.
و تقود وظيفة الإنتاج بغرض وحافز زيادة رأس المال بنحو دوري إلى تراكمه المفرط الذي يصبح عقبة أمام إعادة استثماره بمعدل ربح مُرضٍ.
و لا يمكن لمقترحات الإدارة البرجوازية، كتلك الخاصة بالكينزية وما يسمى ب "السياسة الاقتصادية لمواجهة التقلبات الدورية" بنحو أشمل، سوى تأجيل وقت ظهورالأزمة والتدخل مؤقتاً في درجة تخفيض قيمة رأس المال، مما يؤدي نحو أزمة أعمق في المستقبل.
إن أي تدخل من جانب الدولة من أجل إبطاء مؤقت لتخفيض شامل وغير منضبط لقيمة رأس المال، وأي خطة للدولة من أجل تعزيز ربحية المجموعات الاحتكارية في قطاعات معينة، تخلق المقدمات لتمظهر لاحق لأزمة فرط تراكم رأسمالي جديدة وعميقة. و بالتوازي مع ذلك، تقود الاختلافات الكبيرة في تدخل الدولة من جانب الحكومات البرجوازية إلى تفاقم عدم التكافؤ والمزاحمة داخل كل تحالف إمبريالي وبين التحالفات الإمبريالية.
إن الاتجاه العام لزيادة التركيبة العضوية لرأس المال وانخفاض معدل الربح ضمن "الانتقال إلى الثورة الصناعية الرابعة" يخلق أرضية مواتية لأزمة فرط تراكم جديدة أعمق كنتيجة للنمو الرأسمالي.
و من حيث الجوهر، تحاول الإدارة البرجوازية عبثاً مجابهة التناقضات المتأصلة في النظام الرأسمالي و التي تتعاظم. و يتحول دواء مشكلة "المريض الكبير" إلى سم لمشكلة أخرى. حيث يقوض "دواء" زيادة الأجور من أجل تحفيز الاستهلاك الشعبي زيادة درجة الاستغلال من أجل تثبيط الاتجاه التنازلي في معدل الربح الرأسمالي. و على العكس، يقوض تخفيض الرواتب بيع جميع البضائع بربح كافٍ لتحقيق فائض القيمة.
إن إمكانية تدخل الدولة بنحو كبير مع الزيادة المستمرة في الدين العام والخاص ليست دون حدود، خاصة في الظروف التي تشتد فيها المزاحمة وتحتدم التناقضات بين المراكز الإمبريالية. حيث تستبعد أحدث توقعات المنظمات الإمبريالية الدولية (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صندوق النقد الدولي، و غيرها) العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة في الاتحاد الأوروبي واليابان والولايات المتحدة في العامين المقبلين.
و يقود تمظهر الأزمة إلى تخفيض قيمة جزء من رأس المال و تدميره و إلى إعطاء دفعة جديدة مؤقتة للنظام لموصلة المراكمة ديناميكياً، لكن التاريخ يثبت أن هذا لا يتم دائماً دون قسر، دون المطالبة بقيام اقتسام جديد للسوق العالمية عبر العنف الحربي.