9- إن سبب تركيزنا على تجربة الاتحاد السوفييتي، يكمن في تشكيله لطليعة البناء الاشتراكي. كما نعتقد بضرورة المزيد من دراسة مسار الاشتراكية في بقية الدول الأوروبية، و أيضاً بضرورة دراسة مسارالسلطة الاشتراكية في بلدان آسيا )الصين، فيتنام، جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية)، وفي كوبا .
إن إثبات الطابع الاشتراكي للاتحاد السوفييتي يستند على ما يلي : إلغاء علاقات الإنتاج الرأسمالي، وجود الملكية الاشتراكية المُخضِعة للملكية التعاونية(على الرغم من كافة التناقضات)، التخطيط المركزي، السلطة العمالية إضافةً للمكاسب المحققة التي لم يسبق لها مثيل، العائدة بالفائدة على جميع الكادحين.
لا يمكن إنكار حقيقة الأمور المذكورة أعلاه، على الرغم من حقيقة فقدان الحزب تدريجياً و بعد فترة معينة لطابعه الثوري التوجيهي، أمر قاد بدوره لسيطرة قوى الثورة المضادة على الحزب و السلطة خلال ثمانينيات القرن الماضي.
إننا نصنف تطورات و أحداث 1989-1991 باعتبارها انتصارا للثورة المضادة. التي شكلت آخر فصول العملية التي قادت لتعزيز الفوارق الاجتماعية من جهة، ولتعزيز قوى الثورة المضادة والرجعية الاجتماعية من جهة أخرى. كما و لم يكن دعم الرجعية العالمية للتطورات المذكورة، من قبيل الصدفة، حيث ركزت الإمبريالية العالمية و تتابع تركيز "نيرانها" الفكرية و السياسية، خصيصا على فترة إلغاء العلاقات الرأسمالية والتأسيس للاشتراكية، الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية. كما و نرفض مصطلح "انهيار"، لأنه يقلل من أهمية نشاط الثورة المضادة، و من قيمة القاعدة الاجتماعية الحاملة لها، و من إمكانية سيطرة الثورة المضادة كنتيجة لنقاط ضعف وانحرافات اتسم بها العامل الذاتي أثناء البناء الاشتراكي.
إن انتصار إنقلاب الثورة المضادة في الفترة 1989-1991 لا يثبت غياب مرحلة تنمية مادية أساسية تشترط مباشرة البناء الاشتراكي في روسيا.
أشار ماركس أن البشرية تضع أمامها المشاكل التي يمكنها أن تحلها، لأن المشكلة نفسها تُطرح فقط كمشكلة بعد ولادة الشروط المادية لحلها. فمع بدء نضال الطبقة العاملة الممثلة لقوة الإنتاج الرئيسية، في تنفيذ مهمتها التاريخية، بل و مع اندلاع الثورة، تكون القوى المنتجة قد تطورت لتصل مستوى الصدام مع علاقات الإنتاج، أي مع أسلوب الإنتاج الرأسمالي، وبعبارة أخرى، فإن الشروط المادية للاشتراكية هي حاضرة، و فوق أساسها نشأت الظروف الثورية.
لقد اعتبر لينين والبلاشفة ان حل مشاكل التخلف النسبي في تطور قوى الإنتاج ("المستوى الثقافي")، لن يتم عِبر أي سلطة "وسيطة" توجد بين السلطة البرجوازية و البروليتارية، بل سيتم حلها من قبل ديكتاتورية البروليتاريا[10].
فاستناداً إلى البيانات الإحصائية، التي تشير لسيطرة علاقات الإنتاج الرأسمالي في مرحلتها الاحتكارية في روسيا في تلك الفترة، حيث استندت السلطة الثورية على هذا الأساس المادي، لتحقيق التملُّك الإجتماعي لوسائل الإنتاج المتمركزة[11]، فقامت الطبقة العاملة في روسيا، ولا سيما عمال الصناعة بتأسيس المجالس "السوفييت" بوصفها نواة تنظيمية للعمل الثوري، بتوجيه من الحزب الشيوعي (البلشفي)، في الكفاح من أجل السلطة، هذا و كان الحزب البلشفي وتحت قيادة لينين، قد قام بالإعداد للثورة الاشتراكية من الناحية النظرية : عبرتحليل المجتمع الروسي، ونظرية الحلقة الضعيفة في سلسلة الإمبريالية، وتقييم الحالة الثورية، ونظرية ديكتاتورية البروليتاريا، حيث أظهر قدرة مميزة لخدمة استراتيجيته عبر مقابلته لكل مرحلة من مراحل تطور الصراع الطبقي، بالتكتيكات : التحالفات والشعارات والمناورات ، الخ.
ومع ذلك، فقد واجهت الاشتراكية صعوبات إضافية خاصة، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن بناء الاشتراكية بدأ في بلد يتسم بانخفاض مستوى تطور قوى الإنتاج (متوسط- ضعيف، وفقاً لتوصيف لينين لها) بالمقارنة مع البلدان الرأسمالية المتطورة[12]، و بدرجة كبيرة من التفاوت في التنمية، نظرا لبقاء العلاقات "ما قبل الرأسمالية" على نطاق واسع، لا سيما في مستعمرات الإمبراطورية القيصرية السابقة في آسيا. هذا و بدأ بناء الاشتراكية في أعقاب الدمار الهائل الناتج عن الحرب العالمية الأولى، وفي خضم ظروف الحرب الأهلية، حيث واجه في مساره أيضاًعواقب الدمار الهائل للحرب العالمية الثانية، و على عكس ذلك فإن القوى الرأسمالية، كالولايات المتحدة الأمريكية، لم تشهد حرباً داخل حدودها، بل في المقابل، تمكنت عبر الحرب من تجاوز الأزمة الاقتصادية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي.
هذا و تثبت التنمية الاقتصادية والاجتماعية الضخمة المحققة في ظل الظروف المذكورة، تفوق علاقات الإنتاج الشيوعية، حتى في طور نموها الأولي.
إن التطورات لا تثبت صحة عدد من التقييمات الانتهازية و البورجوازية الصغيرة. كما و تنفي وجهات نظر الإشتراكيين الديمقراطيين، المدَّعية بعدم النضج الاجتماعي للثورة الاشتراكية في روسيا، كما و لم تُثبت صحة مواقف التروتسكيين المدعية باستحالة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي. كما تفتقد للإثباتات و الحجج أيضاً، وجهات النظر القائلة، بأن المجتمع الذي نشأ في أعقاب ثورة أكتوبر لم يكن ذا طابع اشتراكي، أو الزاعمة بأنه تدهور بسرعة بعد سنواته الأولى، أمر أدى حتمياً بدوره لإيقاف 70 عاماً من تاريخ الاتحاد السوفييتي.
كما و نرفض نظريات مختلف التيارات الانتهازية، المُدَّعية أن هذه المجتمعات كانت ضرباً من "نظام جديد للاستغلال"أو شكلا من أشكال "رأسمالية الدولة".
وعلاوة على ذلك، فإن التطورات لا تثبت صحة موقف" التيارالماوي" العام، تجاه بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، و وصفه للاتحاد السوفييتي ب"اشتراكي- امبريالي"، إضافةً لتقارب الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن الإنحراف في مسائل بناء الاشتراكية في الصين (على سبيل المثال الاعتراف بالبرجوازية الوطنية كحليف في بناء الاشتراكية، وغيرها).
إن تقييمنا النقدي يجري أثناء دفاعنا المضمون و المؤكد عن البناء الاشتراكي في الإتحاد السوفييتي وفي البلدان الأخرى.
10- إن الثورة المضادة في الاتحاد السوفييتي، لم تأتي نتيجة تدخل عسكري إمبريالي، بل أتت من الداخل ومن الأعلى، وذلك كنتيجة لطفرة انتهازية في الحزب الشيوعي وللتوجه السياسي للسلطة السوفييتية. إننا كحزب مع إعطاء الأولوية للعوامل الداخلية، أي إلى الظروف الاجتماعية-الاقتصادية، التى تعيد بدورها إنتاج الانتهازية على أرضية البناء الاشتراكي. و ذلك بالطبع من دون الإستهانة بتأثير تدخل الإمبريالية المتعدد الأوجه، و الطويل الأمد، في تغذية الانتهازية وتحويلها لقوة ثورة مضادة.
وفي استنادنا إلى نظرية الشيوعية العلمية وضعنا دراسة اعتمدت المحاور التالية :
- الاقتصاد، و نقصد بذلك، تطورات علاقات الإنتاج والتوزيع خلال عملية وضع قاعدة بناء الاشتراكية، و خلال مسار تنمية الإشتراكية، وهو مجال ظهور و حل التناقضات و الفروق الاجتماعية .
- كيفية عمل ديكتاتورية البروليتاريا في ظروف الإشتراكية، باعتبارها طور الشيوعية الأدنى، ودور الحزب الشيوعي.
- استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وتطوراتها .
11- إن تحديد المسار نحو بناء المجتمع الجديد في الاتحاد السوفييتي، كان نتيجة قدرة الحزب الشيوعي البلشفي على الوفاء بدوره الثوري القيادي. و أولا وقبل كل شيء، نتيجة قيامه بمعالجة وصياغة الاستراتيجية الثورية المطلوبة في كل خطوة، ومواجهته للانتهازية، وتقديمه لرد حاسم على كافة المطالب الجديدة والتحديات الناشئة، التي تواجهها الاشتراكية-الشيوعية أثناء تطورها.
استمر تشكيل الأسس لتنمية المجتمع الجديد و الصراع الطبقي بنجاح، حتى الحرب العالمية الثانية، أمر أدى إلى إلغاء العلاقات الرأسمالية و لسيطرة قطاع الإنتاج الممتلك اجتماعيا على أساس التخطيط المركزي، حيث حُققت نتائج رائعة من ناحية نمو الرخاء الاجتماعي.
بعد الحرب العالمية الثانية و إعادة الإعمار التي تبعتها، دخل البناء الاشتراكي مرحلة جديدة، حيث واجه الحزب مطالب وتحديات جديدة، تتعلق بتطويرالاشتراكية - الشيوعية. هذا و يبرز المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام(1956)، بوصفه نقطة تحول، تم خلالها تبنِّي سلسلة من المواقف الانتهازية المتعلقة بمسائل الاقتصاد، وباستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وبالعلاقات الدولية. حيث تغير ميزان القوى في النضال الشامل لكامل الفترة السابقة، عبر الإنعطاف لصالح المواقف التحريفية - الانتهازية، أمر نتج عنه فقدان الحزب التدريجي لسماته الثورية. في الثمانينات، و عبر البيريسترويكا تكاملت مواصفات الانتهازية الخائنة لتشكل قوة الثورة المضادة. هذا و لم تتمكن قوى الشيوعية الصادقة في آخر مراحل الخيانة و أثناء المؤتمر اﻟ 28، من كشف الخيانة وتنظيم رد فعل الطبقة العاملة الثوري بشكل ناجز.
تقييمات حول الاقتصاد خلال مسار بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي
12- بمجرد صياغة أول برنامج للتخطيط المركزي، تم طرح الأسئلة : هل الإنتاج الاشتراكي إنتاج بضاعي؟ و ما هو دور قانون القيمة، و دور العلاقات البضاعية - المالية في إطار البناء الاشتراكي؟. في مركز النقاشات الفكرية و الصراع السياسي.
فالنهج النظري الخاطئ القائل بأن قانون القيمة هو قانون حركة أسلوب الإنتاج الشيوعي، خلال طوره الأول (الاشتراكي)، و هو النهج السائد منذ وسط خمسينات القرن الماضي، في الإتحاد السوفييتي وفي غالبية الأحزاب الشيوعية، و هو نهج قد عُزِّزَ نتيجة لاستبقاء والحفاظ على العلاقات البضاعية - المالية، خلال الفترة الانتقالية المخطط لها، للإنتقال من الإنتاج الفردي إلى الإنتاج التعاوني. حيث أثقلت فوق الأرضية المذكورة القصورات النظرية والضعف السياسي تباعاً، صياغة وتنفيذ التخطيط المركزي . كما زادت السياسة الانتهازية خلال العقود اللاحقة، من إضعاف التخطيط المركزي، عبر إفساد الملكية الاجتماعية، وتعزيز قوى الثورة المضادة.
13- إن المشكلة الرئيسية الأولية التي واجهت بناء الاشتراكية، أثناء الفترة الأولى الممتدة حتى الحرب العالمية الثانية، تمثلت في القضاء على الملكية الرأسمالية، والتعامل بأسلوب مخطط مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الموروثة من الرأسمالية، و المتفاقمة نتيجة الحصار و التدخل الإمبريالي.هذا و كانت السلطة السوفييتية قد تمكنت أثناء الفترة المذكورة من خفض التفاوت العميق الذي ورثته الثورة من الامبراطورية القيصرية بشكل كبير.
خلال فترة 1917-1940 حققت السلطة السوفيتية نجاحات.عامةً عبر الكهربة والتصنيع، والتوسع في وسائل النقل، ومكننة جزء كبير من الإنتاج الزراعي. بدأت بتنفيذ إنتاج مخطط، وحققت معدلات مثيرة للإعجاب في مجال نمو الإنتاج الصناعي الاشتراكي. كما انها نجحت في تطوير القدرات الإنتاجية المحلية في جميع الفروع الصناعية. و تم إنشاء التعاونيات الإنتاجية (الكولخوزات)، ومزارع الدولة (السوفوخوزات)، وبهذه الطريقة وُضعت أسس توسيع وسيادة العلاقات الاشتراكية في الإنتاج الزراعي، كما وحُققت "الثورة الثقافية " ،حيث بدأت تنشئة و تشكيل جيل جديد من الأخصائيين والعلماء الشيوعيين. والأهم هو تحقيق إلغاء كافة علاقات الإنتاج الرأسمالي، مع إلغاء إستئجار قوة العمل، وبالتالي جرى وضع الأساس للتشكيل الاجتماعي-الاقتصادي الجديد.
14- إن تنفيذ بعض "التدابير الانتقالية"، في ضمن التوجه نحو الإلغاء الكامل للعلاقات الرأسمالية، كان أمراً لا يمكن تجنبه في بلد مثل روسيا في فترة 1917-1921.
إن العوامل التي أجبرت الحزب الشيوعي البلشفي لتطبيق محدود و مؤقت لسياسة المحافظة على علاقات الإنتاج الرأسمالية، كانت: التركيب الطبقي، حيث التفوق العددي للبرجوازية الصغيرة الزراعية، و غياب آلية التوزيع، و التموين و الرقابة، و إتساع رقعة الإنتاج الصغير المتخلف و بشكل أساسي تدهور مأساوي لظروف التغذية والمعيشة، الناتج عن الدمار الذي سببته الحرب الأهلية والتدخل الإمبريالي. كل هذه العوامل صعَّبت من التخطيط المركزي دافعة به نحو أفق متوسط الأجل.
كما واستهدفت سياسة التنازلات المؤقتة للرأسمالية، المعروفة بالسياسة الاقتصادية الجديدة (النيب)، التي نُفذت في أعقاب الحرب الأهلية، بشكل أساسي استنهاض الصناعة من دمار الحرب الذي طالها، وعلى هذا الأساس تشكيل علاقات مع الإنتاج الزراعي، التي من شأنها أن "تجذب" المزارعين نحو التعاونيات. كما تم تقديم عدد من المشاريع للرأسماليين لاستخدامها (مع عدم وجود حق ملكيتهم لها)، وتمت تنمية التجارة، و وضعت معايير التداول بين الإنتاج الزراعي و بين الصناعة المملوكة اجتماعيا، حيث نُظمت على أساس "الضريبة العينية" كما و مُنح الفلاحون إمكانية عرضهم لحصتهم المتبقية من انتاجهم الزراعي، في السوق.
لا تكتسب المناورات والتنازلات المؤقتة في وجه العلاقات الرأسمالية، التي تفرضها ظروف معينة، و خاصة أثناء عملية البناء الاشتراكي، طابع الضرورة الحتمية. كما كان استخدام قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي ﻠ(النيب) كحجة، تجاوزاً فاضحاً، خلال ثمانينات القرن الماضي ، لتبرير البيريسترويكا وانعطافها نحو الملكية الخاصة والعلاقات الرأسمالية.
15- إن المرحلة الجديدة من تطور القوى المنتجة في نهاية عشرينيات القرن الماضي، سمحت باستبدال (النيب) بسياسة "هجوم الاشتراكية ضد الرأسمالية"، التي استهدفت إلغاء كافة العلاقات الرأسمالية. حيث رفضت تقديم التنازلات للرأسماليين و نمَّت سياسة التحويل التعاوني، و هو استكمال التنظيم التعاوني في شكله المتطور (كولخوز) للاقتصاد الزراعي بصورة أساسية[13]. كما و ترافق ذلك (بشكل محدود نسبياً) مع ظهور السوفوخوزات أي مؤسسات الدولة الإشتراكية في الإنتاج الزراعي التي كانت تستند إلى مكننة الانتاج، حيث شكل منتجها و بكامله ملكية اجتماعية.
هذا وبدأت الخطة الخمسية الأولى في عام 1928، أي 7 سنوات بعد انتصار الثورة (انتهت الحرب الأهلية عام 1921). حيث واجهت السلطة السوفييتية صعوبة في وضع خطة مركزية للاقتصاد الاشتراكي منذ البداية، ويرجع ذلك أساسا إلى استمرار وجود العلاقات الرأسمالية (النيب)، و لوجود عدد كبير من المنتجين الفرديين، و بصورة أساسية الفلاحين، كما و اتصف العامل الذاتي أي الحزب بوجود نقاط ضعف، تجسدت بغياب كادر متخصص لتوجيه وتنظيم الانتاج، وبالتالي اضطر لفترة معينة للإعتماد الحصري تقريبا على الإختصاصيين البرجوازيين.
كما و قامت شروط معينة ( الحصارالامبريالي، تهديد الحرب المترافق مع تخلف كبير) بفرض تسريع و دفع وتائر التحول التعاوني، أمر زاد بدوره من حدة الصراع الطبقي، لا سيما في الريف، نتج عنه طبعا أخطاء وتجاوزات بيروقراطية أثناء تطور حركة التعاونيات في الإنتاج الزراعي، والتي كانت قرارات الحزب قد أشارت لها من قبل، أثناء تلك الفترة[14]. ومع ذلك، فتوجه السلطة السوفييتيية نحو تعزيز وتعميم هذه الحركة كانت في الاتجاه الصحيح. حيث هدفت إلى تطوير شكل انتقالي للملكية (التعاونية) التي كان من شأنها أن تسهم في تحويل الإنتاج الصغير الفردي البضاعي، لإنتاج اجتماعي مباشر.
16- إن تنفيذ سياسة "هجوم الاشتراكية ضد الرأسمالية" تم في ظل ظروف الصراع الطبقي المحتدم. حيث قام الكولاك (الطبقة البرجوازية في الريف)، مع الشرائح الاجتماعية التي استفادت من السياسة الاقتصادية الجديدة(النيب)، و أجزاء الإنتلجنسيا ذات الأصول الطبقية الاستغلالية القديمة، بردود فعل رجعية متعددة الطرق، بما في ذلك أعمال التخريب الممارسة ضد الصناعة (على سبيل المثال قضية "شاهتينسك[15]") وأنشطة الثورة المضادة في الريف، كما و كانت للمصالح الطبقية المعادية للاشتراكية انعكاساتها داخل الحزب الشيوعي، حيث تشكلت التيارات الانتهازية.
هذا و اتفق كلا خطي توجهات"المعارضة" الأساسية التي نشطت تلك الفترة (تروتسكي - بوخارين)، على قاعدة مشتركة تتجلى في تضخيمها لعناصر التخلف "بوصفه مطلقاً" في المجتمع السوفييتي. كما و تقاربت وجهات نظرهم خلال الثلاثينيات، نحو الموضوعة القائلة بأن التغلب على العلاقات الرأسمالية في الإتحاد السوفييتي و تجاوزها كان سابقا لأوانه "لم يكن ناضجا بعد". حيث رفض الحزب الشيوعي الروسي (البلشفي) وجهات النظر و الموضوعة المذكورة، كما و لم يثبت الواقع حقيقتها بل نقيضها.
كما يُذكر أن العديد من قوى الانتهازية و على مدى مسار البناء الإشتراكي، أجرت ارتباطات علنية مع قوى الثورة المضادة، التي كانت قد نظمت خططاً استهدفت الاطاحة بالسلطة السوفييتية في تعاون مع اجهزة استخبارات البلدان الامبريالية.
كما و فرضت الظروف السائدة وقتها، مواجهة المراكز المذكورة بشكل فوري حاسم، جرى عبر محاكمات أعوام 1936 و 1937، التي كشفت مؤامرات مع عناصر في الجيش ( قضية توخاسِفسكي، الذي أعيد اعتباره بعد المؤتمر ال 20 للحزب الشيوعي السوفييتي!)، و ايضاً مع اجهزة استخبارات دول أجنبية، لا سيما الألمانية منها.
إن أمر تصدُّر بعض الكوادر القيادية للحزب والسلطة السوفييتية، للتيارات الانتهازية، يثبت إمكانية احتمال انحراف الكادر الطليعي، و خضوعه كنتيجة لاحتدام الصراع الطبقي، انحراف يصل ليقطع في النهاية علاقاته مع الحركة الشيوعية، و للعبور و الإصطفاف مع الثورة المضادة.
17- شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، احتدام النقاش المتعلق بحتميات قوانين الاقتصاد الاشتراكي، الذي كان قد هدأ بسبب الحرب. وبغرض تفسير و بحث المشاكل المذكورة[16]، احتدم النقاش بين تيارين أساسيين على الصعيد السياسي والنظري، أي بين "السوقيين" و مناهضيهم، حيث انخرط في النقاش اقتصاديون وكوادر حزبية .
قام يوسف ستالين بصفته أميناً عاماً للجنة المركزية للحزب، عبر تصدُّرِهِ لطليعة معارضي توجه السوق خلال المناقشة التي نُظِّمت داخل الحزب، و من خلال مساهمته في صياغة التوجهات السياسية المناسبة، فعلى سبيل المثال: دمج الكولخوزات، وحل "المؤسسات المساعدة" (كإنتاج مواد البناء) في الكولخوزات، كما و قام ستالين بالتصدي للتيار الداعي لتعزيز العلاقات البضاعية - المالية[17]، رافضا اقتراحات، كتسليم وسائل الإنتاج الممكننة للكولخوزات، و باقراره بأن الإنتاج الاشتراكي ليس إنتاجاً بضاعياً، وبالتالي، فان قانون القيمة لا يتماشى مع قوانين الإنتاج الاشتراكي الأساسية. كما وسلط الضوء على دور التخطيط المركزي في الاقتصاد الاشتراكي. وقال إن وسائل الإنتاج ليست ببضاعة، و ذلك على الرغم من ظهورها "كبضاعة، شكلياً و ليس من حيث المضمون"فهي تصبح بضاعة، فقط من خلال التجارة الخارجية[18]. كما واعترف أيضا، بأن جذور تأثير قانون القيمة (أي العلاقات البضاعية - المالية) في الاتحاد السوفييتي، تعود للملكية التعاونية والفردية للإنتاج الزراعي، وبأن قانون القيمة لا يتحكم بمجمل الانتاج و التوزيع الاشتراكي.
كما و قام ستالين بنقد حربي تجاه كل من الاقتصاديين "السوقيين" والقادة السياسيين، القائلين بأن قانون القيمة هو القانون العام الناظم للاقتصاد الاشتراكي. كما و قام بتوجيه انتقادات صائبة، ضد أولئك الاقتصاديين، المؤيدين للإلغاء الكامل للتوزيع بالشكل المالي، لتجاهلهم للقيود الموضوعية، المفروضة من قبل قاعدة المجتمع الانتاجية.
كما و اتسم هذا النهج بنقطة ضعف، عند اعتباره بأن إنتاج المنتجات الإستهلاكية و توزيعها يكون على أساس اعتبارها بضاعة[19]. لقد كانت هذه الموضوعة صحيحة فقط بما يتعلق بمنتجات الإنتاج الاشتراكية المخصصة للتجارة الخارجية، و فيما يتعلق بتبادل المنتجات بين الصناعة الاشتراكية و بين الإنتاج التعاوني و الفردي، وكانت غير صحيحة عند تطرقها لمنتجات الإنتاج الاشتراكي الاستهلاكية، التي و على الرغم من عدم توزيعها مجاناً، فهي لا تشكل بضاعة.
صحيحة كانت تقديرات النهج المذكور القائلة بأن الملكية التعاونية (الكولخوزات) و تداول المنتجات المخصصة للاستهلاك الفردي بشكل بضاعة، أصبحت بمثابة فرامل تكبح التطور القوي للقوى المنتجة، لأنها تعيق التطور الكامل للتخطيط المركزي و شموله لكامل مساحة الإنتاج- التوزيع.
كما و أظهر أوجه الإختلاف بين كلا الطبقتين المتعاونتين، أي بين الطبقة العاملة والطبقة التعاونية "الكولخوزية" الفلاحية، مظهراً ضرورة إلغائهن من خلال الإلغاء المخطط "للبضائعية" في الإنتاج الزراعي و من خلال تحويل الكولخوزات لملكية اجتماعية[20].
في بداية خمسينات القرن الماضي، كان تقدير القيادة السوفييتية صحيحاً، بأن المشاكل على صعيد الإقتصاد، كانت تعبيراً عن احتداد التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة باضطراد و بين علاقات الإنتاج المتأخرة. حيث كانت القوى المنتجة قد وصلت إلى مستوى جديد بعد اعادة الاعمار التي تلت الحرب. فالدفع نحو مزيد من تطويرالقوى المنتجة الديناميكي كان يتطلب تعميق وتوسيع نطاق العلاقات (الشيوعية الغير ناضجة). فالتأخر المذكور كان متعلقا : بالتخطيط المركزي، وبتعميق الطابع الشيوعي لعلاقات التوزيع، و بالمشاركة العمالية الأكثر نشاطا و وعيا في تنظيم العمل و ممارسة الرقابة على ادارته من الأدنى نحو الأعلى، والقضاء على جميع أشكال الإنتاج الفردي البضاعي، مع ضم أكثر التعاونيات تطوراً، إلى الإنتاج الاجتماعي المباشر.
كانت الضرورة قد نضجت، من ناحية الاستعداد النظري والسياسي أي عن وعي، و قد خُطط لها بشكل جيد، لسيطرة العلاقات الشيوعية على نطاق أوسع في مجالات الإنتاج الاجتماعي المعينة، حيث لم تكن سيطرتها ممكنة (من وجهة نظر النضوج المادي و من ناحية إنتاجية العمل).
إن نضوج توسيع العلاقات الشيوعية في الإنتاج الزراعي تتعلق إلى حد كبير، بقدرة الصناعة على تزويدها بالآلات اللازمة، وعلى قدرة التخطيط المركزي على تنفيذ مشاريع تعمل على تحسين الانتاجية الزراعية، وحمايتها من الكوارث المناخية، الخ... وعلى الرغم من حقيقة أمرعدم زوال التفاوتات، في الإتحاد السوفييتي حتى أوائل الخمسينات، إلا أن شروطاً هامة تتعلق بالبنية التحتية و المكننة كانت قد حُققت، و التي كان بإمكانها إعطاء دفع نحو الاتجاه المذكور. هذا و ذكر تقرير عمل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (البلشفي) نحو المؤتمر الحزب اﻠ19 عدداً من المعطيات التي تثبت الإستنتاج السابق: حيث ذكر وجود 8939 محطات آليات و جرارات وزيادة قوة الجرارات بنسبة 59 ٪ بالمقارنة مع مستوى ما قبل الحرب، إضافةً لتحقيق مشاريع الري واستصلاح الأراضي خلال فترة اعادة الاعمار ما بعد الحرب، و المتابعة في دمج بين الكولخوزات ضمن وحدات أكبر، ففي عام 1950 بلغ عددها 254000 ليبلغ عددها بعد عمليات الدمج 97000 عام 1952.[21] و على رغم ذلك بقيت هناك كولخوزات صغيرة[22] ، توُجب دمجها في نطاق أكبر، ضمن توجُّه التملك الإجتماعي للإنتاج الزراعي، وفقاً لتوجيه الحزب الشيوعي (البلشفي). تم وضع هدف استبعاد فائض الانتاج التعاوني من التداول البضاعي، عبر تحويله نحو نظام التبادل بين قطاع الدولة الصناعي وبين الإنتاج التعاوني. كذلك، بدأ نقاش حول احتمال إنشاء هيئة اقتصادية موحدة، من شأنها أن تسهم في التوصل إلى إنشاء "القطاع الإنتاجي الشامل" الذي سيكون مسؤولاً عن توزيع كامل المنتجات الاستهلاكية.
كما و كانت جبهة قيادة الحزب والدولة واضحة، تجاه مسألة الصراع المتعلق بالنسب بين "التقسيم الثانوي- أو الشعبة"الأولى للإنتاج الاجتماعي (أي إنتاج وسائل الإنتاج) و بين الثانية (إنتاج المنتجات الإستهلاكية). حيث كان دعم القيادة لضرورة تفوق "التقسيم الثانوي الأول" ضمن التخطيط النسبي لتوزيع العمل و الإنتاج بين مختلف فروع الصناعة الاشتراكية. فعلى "التقسيم الثانوي الأول" للإنتاج يعتمد الإنتاج الموسع، والتراكم الاشتراكي (للثروة الاجتماعية)، أمر ضروري لتوسيع الرفاه الاجتماعي المستقبلي.
إن المواقف والتوجهات الصحيحة لكل من ستالين و "الإقتصاديين الضد سوقيين" و الكوادر الحزبية، لم تتوصلِ لتشكيل معالجة نظرية شاملة وخط سياسي موازٍ، قادر على مجابهة الموضوعات النظرية "السوقية" و الخيارات السياسية النامية المنبثقة عنها، حيث ساهمت في ذلك الضغوط الاجتماعية القوية، والتناقضات، وأوجه القصور، إضافةً للتذبذبات التي اتصف بها تيار "الضد سوقيين".
18- كان الصراع الفكري و السياسي داخل الحزب بداية الخمسينات، تعبيراً عن المقاومة الاجتماعية لكل من (الفلاحين التعاونيين، كوادر إدارة الإقتصاد الزراعي و الصناعي) في وجه ضرورة توسيع وتعميق علاقات الإنتاج الاشتراكية. إن احتدام الصراع أدى بنتيجته، إلى القبول النظري لقانون القيمة كقانون للاشتراكية، الذي شكَّل بدوره بداية لخيارات سياسية، ذات تأثير مباشر أشد، على مسار التطور الاشتراكي بالمقارنة مع فترة ما قبل الحرب، حيث خفف التخلف المادي حينها، من تأثير و ضرر هذه الموضوعات النظرية. هذا و كانت قرارات المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي تعبيراً عن المواقف السياسية للقوى المذكورة، حيث شكَّل المؤتمر المذكور، هيمنةً للإنحراف الانتهازي اليميني، حيث اعتُمدت تدريجيا خيارات سياسية التي وسَّعت نطاق العلاقات البضاعية-المالية (المُحتمل تطورها لعلاقات رأسمالية)، تحت حجة تصحيح أوجه القصور في التخطيط المركزي و في إدارة وحدات الانتاج الإشتراكية.
كما واستُخدمت لحل المشاكل التي ظهرت في الاقتصاد، حلول و أساليب، وأدوات تنتمي إلى الماضي. فمن خلال تعزيز سياسة "السوق"، وعوضاً عن تعزيز و دعم الملكية الاجتماعية والتخطيط المركزي، و توحيد تجانس الطبقة العاملة (من خلال توسيع القدرات والإمكانات من ناحية تعدد الإختصاصية، و التبادل في التوزيع التقني للعمل)، والمشاركة العمالية في تنظيم العمل، والرقابة العمالية من الأدنى إلى أعلى. كان هناك تراجع و نمو لوتيرة معاكسة على مستوى الأصعدة المذكورة. و في ضوء هذه الخلفية انخفض تدريجيا مستوى الوعي الاجتماعي. كما ضاعت التجربة السابقة وكفاءة السوفييتات الصناعية، و الحركة الستاخانوفية لمراقبة الجودة، وفي كفاءة التنظيم والإدارة، وفي براءات الاختراع لتوفير المواد ووقت العمل إلخ....
كما و قام الإقتصاديون "السوقيون" (ليبرمان، نِمجينوف، ترابِزنيكوف) بتفسير مخطئ للمشاكل الاقتصادية الموجودة، ليس على أساس كونها نقاط ضعف ذاتية في التخطيط[23]، ولكن كنتائج لنقاط ضعف موضوعية للتخطيط المركزي تتجلى في عجزه عن التجاوب مع نمو في حجم الإنتاج، و مع تنوع القطاعات و مع تنوع المنتجات الملبية للاحتياجات الاجتماعية الجديدة.
كما زعموا أن السبب النظري، تجلى في سيطرة "إرادة رفض الطابع البضاعي للإنتاج" في ظل الاشتراكية، إضافةً لعدم الإهتمام بتطوير الزراعة، والمبالغة في تقدير امكانية التدخل الذاتي في إدارة الاقتصاد.
كما و زعموا أيضاً بعدم قدرة الهيئات المركزية على تحديد درجة الجودة، والتقنية، وأسعار كافة البضائع، و الأجور، و بوجوب استخدام آليات السوق لتحقيق أهداف الاقتصاد المخطط.
و بهذا الشكل هيمنت نظريات "الإنتاج الاشتراكي البضاعي" أو "اشتراكية السوق "، و قبول مقولة أن قانون القيمة هو قانون طور الإنتاج الاشتراكي ( باكورة الطور الشيوعي) و هو "ساري المفعول" أثناء التنمية الاشتراكية. حيث شكلت النظريات المذكورة أساسا لتشكيل السياسة الاقتصادية.[24]
19- ارتفعت وتيرة تطبيق سياسة إضعاف التخطيط المركزي والملكية الاجتماعية، بعد المؤتمر ال 20. فتم إلغاء الوزارات القطاعية، المديرة للانتاج الصناعي في جميع أنحاء الإتحاد السوفييتي، وعلى مستوى الجمهوريات عام 1957، حيث أنشأت هيئات إدارة إقليمية (سوفناخوز) و بهذا الشكل تم إضعاف إدارة التخطيط المركزي.[25] و بدلا من تحويل الكولخوزات المخطط لسوفوخوزات، أي البدء المخطط أساسا لإنتقال كل الإنتاج التعاوني نحو يد الدولة، تم عام 1958 نقل ملكية الجرارات وغيرها من الآليات[26] لملكية تعاونية (كولخوزية[27])، و هي موضوعة كانت قد رُفضت في السابق. لم تقتصر عواقب التغييرات المذكورة على عجزها عن حل المشاكل فقط، بل و أكثر من ذلك أدت إلى إظهار أو خلق مشاكل جديدة، كالنقص في الأعلاف، وانخفاض مستوى التجديد التقني للكولخوزات.
وفي منتصف الستينات حُددت أسباب المشاكل، على أنها أخطاء متعلقة بالطابع الذاتي لتوجيه قطاع الإقتصاد الزراعي[28]. حيث اشتملت الإصلاحات على : تقليل كمية المنتجات المُسلَّمة من الكولخوزات للدولة[29]، إمكانية بيع الكمية الزائدة من الإنتاج بأسعار مرتفعة، إلغاء القيود المفروضة على التجارة بين الوحدات الريفية الفردية وعلى ضريبة الملكية الفردية للحيوانات. تم شطب ديون الكولخوزات عبر قروض من بنك الدولة، تم تمديد مُهَل سداد الديون عِبر السلف النقدية، ُسمح ببيع الإعلاف مباشرة لمالكي الحيوانات. و بهذا الشكل تم الحفاظ و تعزيز نسبة الإنتاج الزراعي التي كانت تُباع بشكل حر في السوق، والتي تأتي من الأسر الريفية الفردية والكولخوزات[30]، لكن النقص في الإنتاج الحيواني ازداد، ونما التفاوت على مستوى أقاليم و جمهوريات الإتحاد السوفييتي، في تغطية الاحتياجات في مجال المنتجات الزراعية بين المناطق و الجمهوريات.
كما و كانت "اصلاحات كوسيغين" المعروفة المماثلة، قد عملت على تعزيز الطابع البضاعي، على حساب الطابع الاجتماعي المباشر[31]، كما و تم اتباعها في الصناعة ("نظام إدارة ذاتية" فعلياً و ليس شكليا). حيث زعموا مواجهتهم بهذا الأسلوب لانخفاض معدل النمو السنوي في إنتاجية العمل والإنتاج السنوي الصناعي، أي الإنخفاض الواقع خلال أوائل الستينات، و الذي كان نتيجة إجراءات تقويض التخطيط المركزي و في توجيه قطاعات الصناعة (سوفنارخوز-1957).
بدأت الموجة الأولى من الإصلاحات في الفترة ما بين المؤتمر اﻠ23 عام (1966) و اﻟ24 عام(1971). وبموجب النظام الجديد، لن يتم حساب مكافأت المدراء (بريم) على أساس تجاوز خطة حجم الإنتاج،[32] ولكن على أساس تجاوز تغطية خطة المبيعات، أي أنه سيعتمد على معدل ربح المؤسسة. كما وأن جزءاً من مكافآت العمال كان يأتي من الأرباح المذكورة، فضلا عن توسع تلبية الاحتياجات السكنية، الخ.... و هكذا تم اعتماد الربح كحافز مُحرِّكٍ للإنتاج، و تعمق التباين في أجر العمل. و أُعطيت الإمكانية للمؤسسات للقيام بتداولات بضاعية - مالية فيما بينها بشكل أفقي، و أيضاً إمكانية عقدها لاتفاقات مباشرة مع "وحدات استهلاكية ومؤسسات تجارية"، و إمكانية تحديدها للأسعار، وتحقيقها للربح على أساس المعاملات المذكورة، إلخ....حيث كانت الخطة المركزية تقوم بتحديد السقف الإجمالي للإنتاج، والاستثمار حصراً للمؤسسات الجديدة. في حين توجَّب تحديث المؤسسات القديمة من أرباح المؤسسات.
لقد خصَّت الإصلاحات المذكورة قطاع ما عُرف ب"ملكية كل الشعب"، أي عمل السوفوخوزات "مزارع الدولة" و ذلك وفقاً لقرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي و مجلس وزراء الإتحاد السوفييتي الصادر بتاريخ 13 نيسان/أبريل 1967، حيث بدأ إنتقال السوفوخوزات لنظام "الإدارة الذاتية" بشكل كامل. ففي عام 1975 كانت كل السوفوخوزات تعمل بنظام "الإدارة الذاتية حصريا.ً[33]
جاء الإنحدار النظري و سياساته التراجعية المماثلة في الإتحاد السوفييتي، في مرحلة جديدة اتصفت بوصول تطور القوى المنتجة إلى مستوى أعلى، كان يتطلب حينها تطوير التخطيط المركزي. و هو ما يعني، أن تعميق العلاقات الاشتراكية، كان ضرورة ناضجة وقتها.
لم تكن الإصلاحات "السوقية" التي اختيرت، تعبيراً عن اتجاه وحيد و إجباري قسري. فمواجهة مشاكل الاقتصاد كانت تتطلب معالجة الدوافع والمؤشرات الأكثر فعالية للتخطيط المركزي، والقطاعي والمتعدد القطاعات، و على مستوى تطبيقها في المؤسسات و مجموعاتها، كما و ترافق ذلك حينها مع رفض مقترحات وخطط متعلقة باستخدام الحواسيب و المعلوماتية،[34] أمر كان من الممكن إسهامه في تحسين معالجة المعطيات، بهدف تحسُن معالجتها من ناحية متابعة ومراقبة، عملية إنتاج "القيم الإستعمالية" عبر مراقبة المؤشرات الكمية والنوعية للإنتاج.
فعن طريق الإصلاحات "السوقية"، و عِبر انتزاع وحدة الإنتاج الاشتراكي إلى خارج حساب عملية التخطيط المركزي، تم إضعاف الطابع الاشتراكي لملكية وسائل الإنتاج. كما و انتُهك أيضاً مبدأ "لكلٍ حسب عمله".
كما قام مؤتمر الحزب الشيوعي السوفييتي اﻠ24، عبر توجيهاته نحو صياغة الخطة الخمسية التاسعة (1971-1975)، بقلب أولوية "التقسيم الثانوي الأول" لصالح الثاني. إن قلب و عكس هذه النسبة كان قد اقتُرح أيضاً في أثناء المؤتمر اﻟ20 حيث تم رفضه حينها. كما كان تبرير التغيير المذكور " كخيار تعزيز مستوى الاستهلاك الشعبي". في الواقع كان خياراً قد انتهك حينها حتمية اقتصادية، و كان له أثر سلبي على نمو إنتاجية العمل. إن نمو إنتاجية العمل كعنصر أساسي لزيادة الثروة الاجتماعية، وتلبية الاحتياجات الاجتماعية والتنمية الشاملة البشرية، يتطلب تطوير وسائل الإنتاج. حيث توجَّب على التخطيط القيام بمواجهة أكثر فعالية للضرورة التالية : إدخال التكنولوجيا الحديثة في مجالات الصناعة والنقل والتخزين وتوزيع المنتجات.
إن خيار قلب و عكس النسب المذكورة لم يساعد في معالجة التناقضات المتجلية فعلياً (على سبيل المثال، السيولة الزائدة وعدم وجود ما يكفي من المنتجات الاستهلاكية مثل المواد المنزلية، أجهزة التلفزيون الملونة). على العكس من ذلك ، قام بإبعاد التخطيط المركزي عن تحقيق هدفه و هو: صعود مستوى الرفاه الاجتماعي.
بل و زاد من حدة التناقض بين مستوى تطور القوى المنتجة ومستوى علاقات الإنتاج – التوزيع، الشيوعية.
في الثمانينات شكلت قرارات المؤتمر اﻟ27 عام (1986) على الصعيد السياسي، خيارات انتهازية جديدة. تلاها تنامي الثورة المضادة، عبر اعتماد القانون (1987) الذي ينص على مأسسة العلاقات الرأسمالية عبر قبوله و إقراره بتنوع أشكال علاقات الملكية.
في أوائل التسعينات تم التراجع و بسرعة عن النهج "الإشتراكي الديموقراطي" المعروف ب"اقتصاد السوق المخطط"(موضوعات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي نحو المؤتمر اﻠ28) لصالح موضوعة "اقتصاد السوق المُعيَّر" التي تم استبدالها لاحقاً ﺒ"اقتصاد السوق الحر".
20- إن حكمنا اليوم على الاتجاه الذي سيطر وقتها، ليس من الناحية النظرية فقط و لكن أيضا من ناحية النتيجة. فبعد تطبيق الاصلاحات على مدى عقدين، تفاقمت حدة المشاكل بشكل ملحوظ. كما و شهد مسار البناء الاشتراكي ركوداً للمرة الأولى. و بقي واقع التخلف التكنولوجي سمة الغالبية العظمى من المؤسسات. و ظهر نقص في كثير من المنتجات الاستهلاكية وغيرها من مشاكل "السوق" لأن المؤسسات كانت تعمل على إيجاد زيادات مصطنعة للأسعار، عبر تركها للمنتجات في المستودعات، أو عبر تقليصها لكميات المنتجات المعروضة. كما و شكل انخفاض مشاركة الإتحاد السوفييتي في الإنتاج العالمي، من ناحية إنتاج المواد الصناعية و التحويلية، خلال السبعينات مؤشراً مهماً على تراجع الإقتصاد السوفييتي.
إن التدخل المتعاظم لعناصر السوق في عملية الإنتاج الاجتماعي المباشر، أدى بدوره لإضعافه في ظروف الاشتراكية : حيث شهد الزخم الدافع، للتنمية الاشتراكية هبوطاً. و تم تعزيز المصلحة الفردية و الجماعية القصيرة الأمد (زيادة تمايز دخل العاملين من مؤسسة لأخرى، و تمايز بين دخل العاملين و الجهاز الإداري)، على حساب المصالح الاجتماعية العامة. و في هذا المسار خُلقت الأرضية الاجتماعية لاشتداد عود الثورة المضادة وغلبتها في نهاية المطاف،عبر وسيلتها، البيريسترويكا.
أوجدت الإصلاحات الإمكانية للأموال المتراكمة، عن طريق وسائل غير مشروعة (تهريب ، الخ) أساساً، لاستثمارها في "السوق السوداء" (المخالفة للقانون). حيث خصَّت الإمكانية المذكورة كادر إدارة المؤسسات و القطاعات، و كوادر الكولخوزات والتجارة الخارجية. هذا و كان مدعي الحق العام، في الإتحاد السوفييتي قد أصدر بيانات متعلقة بما يسمى ب "اقتصاد الظل"، فوفقا للبيانات المذكورة، كانت الظاهرة ناتجة بشكل أساسي عن جزء من الإنتاج الزراعي لمزارع الدولة و التعاونية، الذي كان يجد طريقه نحو المستهلكين بطرق غير قانونية.
ازداد تباين الدخل بين المزارعين المنتجين الفرديين و بين التعاونيين، و ازدادت معارضتهم للتوجه نحو توسيع الطابع الاجتماعي المباشر للإنتاج الزراعي. في حين أن قسماً من المزارعين و من الكوادر الإدارية التعاونية كان قد حقق ثروة و عزز من حضوره، كشريحة معيقة لبناء الاشتراكية. كما و كانت التفاوتات الاجتماعية أكثر حدة في الصناعة عبر تمركز "الربح المؤسساتي"، فإن ما يعرف ﺒ "رأسمالية الظل" لم يكن ناتجاً عن الإثراء من الربح المؤسساتي المذكور فحسب، بل وعن السوق "السوداء"، وعن أفعال اغتصاب الناتج الاجتماعي الإجرامية، حيث عملت "رأسمالية الظل" على تأمين ظروف قانونية لعملها و نشاطها "بصفتها رأس مال" في عملية الإنتاج، أي أنها سعت لخصخصة وسائل الانتاج، و اعادة "تنصيب" الرأسمالية. هذا و شكَّل مالكو رأس مال "الظل" القوة الإجتماعية الدافعة للثورة المضادة. حيث استغلوا مراكزهم في الهيئات الحزبية و جهاز الدولة. كما لاقوا دعماً من قطاعات السكان، التي كانت أكثر عرضة لتأثير الإيديولوجية البورجوازية و للتذبذب، بحكم موقعها موضوعياً، ، نذكر كمثال عنها: جزء هام من الإنتلجنسيا وقطاعات الشباب كالطلاب منهم،[35] حيث كان للقوى المذكورة تأثير في الحزب بشكل مباشر أو غيره، عبر تعزيزها للتفسخ الانتهازي ولانحطاط قوى الثورة المضادة الذي تجلى في سياسة "البريسترويكا"و في مطالبتها، بتعزيز مأسسة العلاقات الرأسمالية. أمر حُقق بعد البريسترويكا، عبر الإنقلاب على الإشتراكية.
استنتاجات حول دور الحزب الشيوعي في عملية بناء الإشتراكية
21- إن دور الحزب الحتمي في عملية التأسيس الإشتراكي و التنمية الإشتراكية، يتجلى في قيادته للسلطة العمالية و في تعبئته، للجماهير للمشاركة في السلطة.
حيث تقوم الطبقة العاملة بالإنتظام في تشكيل قيادي للسلطة الجديدة، و عبر حزبها فوق أي اعتبار.
يجري النضال من أجل تأسيس وتطوير المجتمع الجديد، بواسطة سلطة العمال الثورية التي يشكل نواتها القيادية الحزب الشيوعي، الذي يعمل بدوره بوعي، و وفقا لقوانين حركة المجتمع الاشتراكي - الشيوعي. حيث ينتقل الإنسان و أثناء صيرورته لمسيطرٍ على العمليات الاجتماعية تدريجياً، من عالم الضرورة إلى عالم الحرية. من هنا تنبع أهمية دور العامل الذاتي، مُقارنةً مع دوره في جميع التشكيلات الاجتماعية - الاقتصادية السابقة التي هيمن في غضونها،على النشاط البشري الفرض العفوي للقوانين الإجتماعية، على أرضية النمو العفوي لعلاقات الإنتاج.
و بالتالي يشكل اتسام الحزب الشيوعي بالعلمية و الطبقية، شرطاً حاسماً لبناء الاشتراكية. حيث يتناسب اشتداد عود الإنتهازية طرداً، مع مقدار افتقاد الحزب الشيوعي، للسمات المذكورة، حيث تتطورالإنتهازية في حال عدم مواجهتها، لتصبح قوة ثورةٍ مضادة.
إن مهمة تطوير علاقات الإنتاج- التوزيع، الشيوعية، تشترط قيام الحزب الشيوعي بتطوير نظرية الشيوعية العلمية، من منطلق إدراكه لحتميات قانون حركة التشكيل الاقتصادي- الاجتماعي الشيوعي، مع استخدامه للعمل العلمي لأغراض طبقية. فقد أظهرت التجربة أن الأحزاب الشيوعية الحاكمة في كل من الإتحاد السوفييتي وباقي الدول الاشتراكية، لم تتمكن من إتمام المهمة المذكورة بنجاح.
إن تشُّكل وعي الطبقة العاملة الطبقي، لا يتم بشكل عفوي أو موحَّد. فصعود الوعي الشيوعي لجماهير الطبقة العاملة، يعتمد قبل كل شيء، على تعزيز علاقات الانتاج الشيوعية و على مستوى المشاركة العمالية، تحت إشراف الحزب الشيوعي، المشكِّل بدوره للحامل الرئيسي، لعملية اختراق الوعي الثوري صفوف الجماهير. و على هذا الأساس المادي، ينبغي أيضاً أن يستند نشاط الحزب الأيديولوجي، و تأثيره الثوري المؤكِدِ على دوره القيادي المتناسب بدوره مع تعبئته للطبقة العاملة، في عملية بناء الاشتراكية.
إن الطليعة مدينة دائما بالمحافظة على تقدم وعيها، عن الوعي المتشكل في الطبقة العاملة في ظل العلاقات الإقتصادية، ومن هنا تبرز ضرورة امتلاك الحزب ذاته، لمستوى تثقيف نظري و فكري عالٍ، و لثبات في كفاحه ضد الانتهازية، سواءاً في ظروف الرأسمالية و بدرجة أكبر أثناء ظروف بناء الاشتراكية.
22- إن سيطرة الإنحراف الانتهازي في الخمسينات، و فقدان الحزب تدريجياً لطابعه الثوري، هم أمران مؤكدان على عدم التغاء مخاطر نمو الإنحرافات في ظروف المجتمع الاشتراكي. فبعيداً عن اعتبارات، الحصار الإمبريالي و تأثيره السلبي الذي لا يمكن إنكاره، فإن الأساس الاجتماعي للانتهازية هو باقٍ، باستمرار المحافظة على أشكال الملكية الفردية و الجماعية، وببقاء العلاقات المالية - البضاعية، والفوارق الاجتماعية. و في نهاية المطاف، تبقى القاعدة المادية للانتهازية موجودة، على كامل مدى المسار الاشتراكي، و مع استمرار وجود الرأسمالية على الأرض، و على وجه الإخص بوجود دول رأسمالية قوية.
وجدت المرحلة الجديدة التي تلت الحرب العالمية الثانية، الحزب و قد أُضعف فكرياً، و تعرض لخسائر فادحة أصابت كوادره المُجرَّبة و المثقفة طبقياً، كما اتصف بالقصورعلى الصعيد النظري و بنقاط ضعف في إجابته على المشاكل الجديدة، التي وصلت حد التفاقم. حيث وُجد الحزب عُرضة للصراع المعبِّر عن التفاوتات الاجتماعية القائمة. وفي ظل هذه الظروف. رَجحت كفة الميزان لصالح اعتماد مواقف انتهازية و تحريفية، هي مواقف كانت أغلبها قد هُزمت، في مراحل الصراع السابقة.
إن تبني المفاهيم الانتهازية و التحريفية من قبل قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي وقيادات الأحزاب الشيوعية الحاكمة، هو أمر حوَّل في نهاية المطاف، تلك الأحزاب للحوامل التي قادت الثورة المضادة، في عقد ثمانينات القرن الماضي.
شهد المؤتمر اﻠ19 عام (1952) مشاكل خطيرة في تطويرعمل الحزب الفكري و الإستهانه به[36]. حيث أظهرت البيانات الرسمية تغييرات في عدد وتركيبة أعضاء الحزب الشيوعي. ففي المؤتمر اﻟ18 للحزب الشيوعي "البلشفي" (المنعقد في آذار / مارس 1939) بلغ عدد أعضائه 1588852 و عدد أعضائه المرشحين888814. في حين تجاوز عدد أعضائه خلال الحرب العالمية 3615000 عضواً، و عدد أعضائه المرشحين 5.319.000.37[37]، أي أن الحزب فقد خلال الحرب 3000000 عضواً[38]، كما بلغ عدد أعضاء الحزب الشيوعي السوفييتي في المؤتمراﻠ 19 عام 1952، 6013259 و عدد الأعضاء المرشحين868.886 .[39]
إن الإنحراف الانتهازي الناتج عن المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1956 و فقدانه التدريجي لاحقاً لسماته الثورية، الذي ترافق مع استهدافه من قبل العدوانية الامبريالية كحزب سُلطة، هو أمر صعَّب تيقظ و تشكيل الشيوعيين الثابتين. هذا و كانت صراعات قد جرت في صفوف الحزب، قبل و خلال المؤتمر اﻠ20[40] للحزب الشيوعي السوفييتي، إن المرحلة التي سبقت البيرسترويكا، و التي اتصفت وثائق الحزب أثنائها بالتنويه لضرورة تكثيف النضال ضد المفاهيم البرجوازية و التحريفية و لضرورة التيقظ للإفساد الإمبريالي، كانت قصيرة للغاية، وهي الفترة التي كان يوري أندروبوف أميناً عاماً للجنة المركزية و التي امتدت من نوفمبر1982 و حتى فبراير 1984.
لم تتمكن القوى الشيوعية الصادقة المتواجدة في صفوف الحزب الشيوعي السوفييتي من الفضح الناجز، لتوجه الثورة المضادة الخائن، الذي كان قد هيمن على الجلسة الموسعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في نيسان / أبريل 1985 وفي المؤتمر اﻠ27 عام 1986. وقد أظهر التاريخ، أمر احتواء الحزب على قوى برجوازية و انتهازية و شيوعية، أثناء المؤتمر اﻠ 28 عام 1990، عشية الهجوم النهائي للثورة المضادة، حيث لم تمتلك القوى الشيوعية القوة للسيطرة و لمنع انتصار الثورة المضادة، و ذلك على الرغم من المقاومة التي أبدتها في المؤتمر اﻠ 28 و بعده. حيث انتظمت هذه القوى لاحقاً ضمن "الجبهة الموحدة لكادحي روسيا"، و قدمت مرشحيها، لكلا منصبي رئيس ونائب رئيس روسيا. كما و حاولت عبر "حركة المبادرة الشيوعية"، ضمن صفوف الحزب، طرد غورباتشوف من الحزب بتهمة النشاط المعادي للشيوعية.[41]
فعلى الرغم من المقاومة الحاصلة، لم تتشكل في نهاية المطاف طليعة شيوعية ثورية تتصف بوضوح إيديولوجي وتماسك سياسي، قادرة على توجيه الطبقة العاملة، أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً، ضد الثورة المضادة الجارية. فحتى مع عدم تمكنها من عكس هذا المسار، خصيصاً في عقد الثمانينات، فإن الأمر المؤكد هو أن المقاومة القوية، سواء داخل أحزاب السلطة، أو في صفوف الحركة الشيوعية العالمية، لكان من شأنها أن تُسهم بفرض ظروف مختلفة، تؤثر بدورها في النضال الحالي، من أجل إعادة بناء الحركة الشيوعية العالمية، كما و أيضاً في تهيئة الظروف لتغلب الحركة على أزمتها العميقة.
إن أمر سيطرة المفاهيم الأيديولوجية التحريفية و السياسات الإنتهازية، لم يكن حتمياً، فكان "الصدأ والتآكل" الإنتهازي التدريجي للحزب الشيوعي السوفييتي، وغيره من الأحزاب الشيوعية المتواجدة في السلطة، الذي تلاه انحطاط الطابع الثوري للسلطة، ثم تطورها و صيرورتها، ثورة مضادة، انتصرت لاحقاً.
إننا نواصل التوسع في جملة العوامل التي ساهمت في هذا التطورالمذكور، و هي العوامل المتضمنة لكل من :
أ) * انخفاض مستوى التثقيف الماركسي السياسي، على مستوى قيادة الحزب الشيوعي والحزب ككل، بسبب ظروف الحرب الخاصة، والخسائر الفادحة و زيادة عدد أعضاء الحزب الشيوعي السريعة بعد الحرب، أمر أدى إلى تخلف في تطوير الإقتصاد السياسي الاشتراكي.
* تبعية السلطة الشيوعية نسبياً في الإتحاد السوفييتي، و منذ ولادتها، للكادر العلمي و الإداري المنحدر من أصول برجوازية.
* "وراثة" الإتحاد السوفييتي لأنماط التخلف و علاقات ما قبل رأسمالية، الواسعة الإنتشار، مع التفاوت الرأسمالي.
* خسائر الحرب العالمية الثانية الفادحة، والتضحيات المتعلقة بمستوى الرفاه الاجتماعي، و المتمثل بتكلفة إعادة بناء ما بعد الحرب، في ظل ظروف التنافس، مع إعادة بناء الرأسمالية في أوروبا الغربية، التي استندت بشكل كبير على إمكانيات رأس المال في الولايات المتحدة، وعلى ضرورة تصديره.
* المشاكل والتضادات الناجمة، من عملية ضم دول أوروبا الوسطى والشرقية إلى النظام الاشتراكي.
* الخوف من حرب جديدة نتيجة التدخل الإمبريالي في كوريا إلخ... ، و "الحرب الباردة" ، و نهج هالستاين في ألمانيا الغربية (عدم الاعتراف بجمهورية ألمانيا الديموقراطية الشعبية، و اعتبارها "منطقة احتلال سوفييتي").
ب) كانت استراتيجية الامبريالية متكيفة من حيث الشكل، في فترات مختلفة بالنسبة لسلطة العمال الثورية (عدوان امبريالي مباشر في عام 1918 و 1941، و إعلان "الحرب الباردة" في عام 1946) ، بما في ذلك سياسة التمايز على مستوى العلاقات الدبلوماسية والمعاملات التجارية مع دول أوروبا الوسطى والشرقية، وأيضاً بممارسة الضغط الفكري والسياسي المباشر على الإتحاد السوفييتي. كما و لجأت سياسة التدخل الإمبريالي العالمي، في بلدان البناء الاشتراكي، لإستخدام الإشتراكية الديموقراطية العالمية، و دورها التخريبي.
كما كان لتوازن القوى المتشكل أثناء الحرب العالمية الثانية، دوره في تعزيز الانتهازية، التي سادت في نهاية المطاف أثناء الخمسينات. فالضغوط الخارجية المتعددة الجوانب التي مُورست منذ بدايات الإربعينات اتخذت الإشكال التالية:
* احتلال الإمبريالية الألمانية لقسم كبير من الإتحاد السوفييتي.
* تطويق الإمبريالية للإتحاد السوفييتي، عبر تحالفه الإجباري، مع الولايات المتحدة و بريطانيا.
* مشاكل في خط توجه الحركة الشيوعية العالمية، ولا سيما في الأحزاب الشيوعية في الولايات المتحدة و بريطانيا، أي القوى الإمبريالية الرئيسية، التي تحولت لحليفة، في حين تواجد قسم كبير من الإتحاد السوفييتي، تحت الاحتلال الألماني.
* الضغط الممارس من قوى برجوازية صغيرة و حكوماتها على جبهات التحرير، نحو الإتحاد السوفييتي باعتبارها قوى حليفة جديدة.
تشابكت الضغوط الخارجية مع الضغط الداخلي الممارس من قبل قوى برجوازية صغيرة (أو من قبل كوادر في الإقتصاد و الإدارة، متحدرة من أصول برجوازية). حيث عُزز الإنتاج الفردي البضاعي في الإتحاد السوفييتي عبر منحه اراضٍ جديدة بعد الحرب العالمية الثانية.
تشكل الأمور المذكورة أعلاه، عوامل لتنمية الانتهازية في ظروف، تم فيها توسيع كبير لصفوف الحزب، رافقه أيضاً فقدان كوادر الحزب وأعضائه الذين عايشوا فترة الثورة.
نحن بصدد إجراء المزيد من البحث والتحقيق في تطور تركيبة الحزب الاجتماعية، وهياكله وإجراءاته الداخلية (أسباب التأخر الطويل، في عقد المؤتمر) وتأثيراتها على المستوى الأيديولوجي وعلى سمات الحزب الثورية ككل، من أعضاء و كوادر.
ج) المشاكل المتعلقة باستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية وانقسامها.
مسار السلطة السوفييتية
23- إن الأساس النظري لتقييم مسار السلطة السوفييتية، هو أن السلطة أثناء الاشتراكية، هي ديكتاتورية البروليتاريا. أي أنها سلطة الطبقة العاملة التي لا تتقاسمها مع أحد، كما هو الحال في جميع أشكال السلطة. فديكتاتورية البروليتاريا هي أداة الطبقة العاملة في الصراع الطبقي، المستمر بأساليب و أشكال أخرى.
تشكل الطبقة العاملة حاملاً للعلاقات الشيوعية الناشئة، و باعتبارها المالك الجماعي لوسائل الإنتاج الممتلكة اجتماعياً، كما وهي الطبقة الوحيدة التي يمكنها قيادة النضال من أجل السيطرة الكاملة للعلاقات الشيوعية، من أجل القضاء على الطبقات و اضمحلال الدولة. فعبر سلطتها الثورية، تقوم الطبقة العاملة كطبقة مسيطرة بتحقيق تحالفها مع الشرائح و الفئات الشعبية الاخرى ( كصغار المزارعين و الملاكين المنتظمين في تعاونيات في الريف و المدينة، إضافةً للعاملين لحسابهم الخاص في قطاع الخدمات)، وكذلك مع العلماء - المفكرين والفنيين المتحدرين من عليا الشرائح الوسطى، الذين ليسوا بعاملين في قطاعات الإنتاج الاجتماعي المباشر (الاشتراكي). فمن خلال هذا التحالف، تسعى الطبقة العاملة، لتوجيه هذه الشرائح و الفئات، نحو التأسيس للاشتراكية و تنميتها، في سبيل هيمنة العلاقات الشيوعية بشكل شامل.
إن أمر التحالف ينطوي بالتأكيد على توافق، و على صراع في نفس الوقت، بسبب وجود تناقضات موضوعية بين القوى الاجتماعية المذكورة، المتحدة على إختلافها في إطار، مع وجود تضارب محتمل لمصالحها.
فبقدر عدم معالجة التناقضات، في اتجاه توسيع وتعميق العلاقات الاشتراكية، يزداد احتمال تفاقمها لتصل مستوى النزاعات.[42]
كما تبقى ديكتاتورية البروليتاريا، حتى يصبح مجمل العلاقات الاجتماعية شيوعياً، أي باستمرار وجود الدولة كضرورة، باعتبارها أداة الهيمنة السياسية. كما أن ضرورتها هي نتيجة لاستمرار الصراع الطبقي على الصعيد العالمي.
24- إن الخيارات السياسية المتعلقة بالبناء الفوقي، ومؤسسات ديكتاتورية البروليتاريا، و الرقابة العمالية، الخ. ..ترتبط بشكل وثيق مع الخيارات السياسية في الاقتصاد، ما دامت أهم مهمة لديكتاتورية البروليتاريا هي تشكيل علاقات اجتماعية جديدة.
ففي أول دستورﻟ "ج.ر.س.ف.إ"[43] وأول دستور للإتحاد السوفييتي عام 1924، كما و في (ودساتير الجمهوريات السوفييتية، لعام 1925) كانت تحقيق ارتباط جهاز الدولة بالجماهير، يتم عبر تمثيل العمال الغير مباشر، حيث كان تنظيم الانتخابات يجري من منطلق مبدأ الانتاج. الذي يكفل حقوق التصويت حصراً للعمال و الموظفين (وليس المواطنين عامة). حيث تم حرمان حقوق التصويت و الترشيح، من الطبقة البرجوازية، و ملاكي الأراضي، وجميع مستغلي عمالة الغير، والرهبان والكهنة، وعناصر الثورة المضادة. فالتنازلات التي قُدمت للرأسماليين عِبر السياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) لم تترافق مع منحهم حقوقاً سياسية.
تم اعتماد التمثيل المباشر،بموجب دستور عام 1936، على أساس المبدأ الجغرافي (أصبحت المنطقة، وحدة انتخابية و اعتُمدت نسبة التمثيل على أساس عدد السكان). تم إلغاء إجراء الانتخابات عبرالإجتماعات الانتخابية، و تم اعتماد اجرائها عبرمراكز اقتراع. كما تم تعميم حق التصويت بالاقتراع السري.
إن التغييرات التي أدخلت على دستور عام 1936، سعت لمعالجة بعض المشاكل[44]، كنقص وجود اتصال مباشر لكوادر الحزب و السوفييتات مع القاعدة العمالية و مع أدائها، و الموقف البيروقراطي إلخ..، كما و مع العمل على تثبيت السلطة السوفييتية في مواجهة قدوم الحرب.
إن المقاربة النقدية لهذه التغييرات تركز على الحاجة لمزيد من الدراسة، على انخفاض مستوى أداء وحدات الانتاج بوصفها التنظيم الأساسي للسلطة العمالية، و هو الناتج عن إلغاء مبدأ الإنتاج، ومبدأ الانتخاب الغير المباشر من خلال المؤتمرات والاجتماعات. كما و ضرورة دراسة تأثيراتها السلبية على التشكيل الطبقي لهيئات الدولة العليا، و على إمكانية تطبيق إجراء سحب المندوبين و النواب، (وهو الإجراء الذي كان يشكل وفقا للينين :عنصرا أساسيا من عناصر ديموقراطية، ديكتاتورية البروليتاريا).
25- عُززت صلاحيات السوفييتات المحلية بعد المؤتمر اﻠ20 عام (1956) المتعلقة بقضايا "الإدارة الذاتية" و "التمويل الذاتي" للمؤسسات الاشتراكية. و بهذا الشكل تراجعت الديموقراطية المركزية على الصعيد السياسي لتتوافق مع تراجع التخطيط المركزي على المستوى الاقتصادي. حيث اتخذت خطوات لتعزيز "دوام" الكوادر السوفييتية، مع زيادة تدريجية في سنوات خدمة الهيئات، وتوسيع إمكانية إعفاء النواب من مهامهم الإنتاجية.
في أثناء المؤتمر اﻠ22 للحزب الشيوعي السوفييتي عام (1961) اعتمدت تقديرات خاطئة حول "الاشتراكية المتطورة" و "نهاية الصراع الطبقي". و ذلك تحت عنوان "النزاعات اللاتناحرية" بين الطبقات والفئات الاجتماعية، كما و اعتمد توصيف دولة الإتحاد السوفييتي "كدولة كل الشعب" (المعتمد في التعديل الدستوري لعام 1977) و توصيف الحزب الشيوعي السوفييتي "بحزب كل الشعب". كان للتطور المذكور دور ساهم في تغيير سمات دولة العمال الثورية، وتدهور التركيبة الاجتماعية للحزب و كوادره، وفي فقدان التيقظ الثوري، و هي تطورات تمت "أدلجتها" عبر الموضوعة المتعلقة ﺒ"لا رجوعية" المسار الإشتراكي.
تدهور نظام السوفييت عِبر البيريسترويكا و عبر إصلاح النظام السياسي عام 1988، حيث انحدر متحولا لبرلمان برجوازي، يفصل أدائه التنفيذي عن التشريعي، متصفاً ايضاً بثبات المناصب، وتقويض سحب المندوبين و النواب مع ارتفاع اجورهم، الخ....
26- سجلت التجربة العملية، ابتعاد الجماهير تدريجياً عن المشاركة في النظام السوفييتي، مما أدى وخاصة في الثمانينات، لتحويلها لمشاركة شكلية بحتة. أمر لا يمكن أن يعزى حصرا أو أساسا إلى التغييرات في أداء السوفييتات، بل للفروق الاجتماعية التي عُززت من قبل السياسة الإقتصادية المُتبعة، ولزيادة حدة التناقض بين مصالح محددة فردية و فئوية من جهة، و بين المصالح الاجتماعية - الجماعية من جهة أخرى. و بهذا الشكل تدهورت معايير الرقابة العمالية و أصبحت هي أيضاً من الشكليات.
بمقدار اعتماد قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي لخيارات أضعفت الطابع الاجتماعي للملكية وعززت المصالح الضيقة للجماعات والأفراد ، كانت تُخلق مشاعر الاغتراب عن الملكية الاجتماعية مع إفساد الوعي. كما فُتحت الطريق المؤدية إلى السلبية واللامبالاة والفردية، وكما كانت الممارسة تتحرك بعيدا عن الشعارات المعلنة، بقدر ذلك تقلصت أيضاً وتائر إعادة الإنتاج الصناعي و الزراعي الموسع، أمر أدى لتقلص معدلات تغطية الاحتياجات الاجتماعية المتزايدة.
إن الطبقة العاملة، والجماهير عموما لم تتنكر للاشتراكية. فجدير بالذكر، أن الشعارات التي استخدمتها البريسترويكا كانت :"ثورة داخل الثورة" ، و"المزيد من الديمقراطية"، و "المزيد من الاشتراكية"، كما و "اشتراكية بوجه إنساني"، و"العودة إلى المبادئ اللينينية" ، و ذلك لأن نسبة كبيرة من الشعب كانت مُدركة للمشاكل، و كانت ترغب بتغييرات في نطاق الاشتراكية. فكل الإجراءات المتخذة سواءاً في البداية التي كان من شأنها إضعاف العلاقات الشيوعية وتعزيز العلاقات البضاعية - المالية، أو تلك المتخذة لاحقاً والتي مهدت لاستعادة الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، تم تقديمها على أنها : إجراءات لتعزيز الاشتراكية.
استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية و تطوراتها الداخلية
27- إن تطورات الحركة الشيوعية العالمية، و قضاياها الاستراتيجية لعبت دوراً في الصراع الطبقي على مستوى العالم، و في تشكيل توازن القوى.[45]
كانت مشاكل وحدة الايديولوجية والاستراتيجية، موجودة على طوال تاريخ الشيوعية الأممية، حيث كانت مشاكل متعلقة بطابع الثورة و الحرب القادمة بعد صعود الفاشية في ألمانيا[46]، كما و الموقف المتخذ تجاه الإشتراكية الديمقراطية.
إن المجموعات الانتهازية داخل الحزب الشيوعي البلشفي (التروتسكيين- البوخارينيين) ارتبطت أيضاً بالصراع الجاري ضمن الأممية الشيوعية حول استراتيجية الحركة الشيوعية العالمية. ففي أواخر العشرينيات و في المؤتمر السادس للأممية الشيوعية، قام بوخارين كرئيس للأممية الشيوعية، بدعم قوى معينة داخل الأممية و أحزابها، و هي تلك القوى التي اتصفت بالمبالغة في "تثبيت الرأسمالية" و في زعمها بعدم إمكانية نهوض ثوري جديد، و هي القوى عيها التي عبرت عن ميول للإتفاق مع الإشتراكية الديمقراطية، وخصوصاً مع تلك المدعوة ﺒ "اليسارية" الخ....
إن ترهل أداء الشيوعية الأممية كان قد ظهر، عدة سنوات قبل حلها عام (1943) [47]. فتفكيكها في أيار/مايو 1943، و على الرغم من مشاكل وحدتها وما إذا كان بالإمكان الحفاظ عليها أو لا، هو أمر أفقد الحركة الشيوعية العالمية، مركزها و إمكانية وضع استراتيجية منسقة لمعالجة استراتيجية ثورية، من أجل تحويل النضال ضد الحرب الإمبريالية أو الاحتلال الأجنبي لنضال من أجل السلطة، كمهمة تخص كل حزب شيوعي في ظروف بلده[48].
بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى تفكك الأممية الشيوعية، فإن أمر تشكيل الحركة الشيوعية على المستوى العالمي، لاستراتيجية ثورية موحدة مع تخطيط وتنسيق نشاطها، يبقى حاجة موضوعية. إن البحث المتعمق حول تفكيك الأممية الشيوعية، ينبغي أن يأخذ في الاعتبار عددا من التطورات[49]: كتوقف نشاط الأممية الحمراء النقابية عام 1937، وذلك لأن الغالبية العظمى من أقسامها انضم الى المنظمات التحريفية. و قرار المؤتمر السادس لأممية الشباب الشيوعية عام 1935، الذي نص على أن النضال ضد الفاشية والحرب يتطلب تغيير طبيعة منظمات الشباب الشيوعي، و الذي على أساسه تم دمجها مع منظمات الشباب الاشتراكية، (على سبيل المثال ، في اسبانيا ، لاتفيا)، الخ...
قامت الحرب بتشكيل تفاقم و احتداد كبير في التناقضات الطبقية داخل كثير من البلدان، حيث ادى النضال ضد الفاشية الى الاطاحة بالسلطة البرجوازية، عبر الدعم الحاسم الذي قدمه الجيش الاحمر، للحركات الشعبية في بلدان أوروبا الوسطى والشرقية حصراً.
في الغرب الرأسمالي ، لم تقم الأحزاب الشيوعية بإعداد استراتيجية لتحويل الحرب الامبريالية أو النضال التحرري، لنضال من أجل الاستيلاء على السلطة. إن استراتيجية الحركة الشيوعية لم تستخدم احتواء النضال المسلح التحرري، المعادي للفاشية في عدة بلدان، على تضاد رأس المال – العمل، لوضع مطلب السلطة على جدول الأعمال، و ذلك من منطلق أن الاشتراكية بأفق شيوعي، هي الحل الوحيد البديل، عن بربرية الرأسمالية.
إن الواقع السلبي لموازين القوى، لا يمكن أن يبررغياب استراتيجية مماثلة، فكانت الأحزاب الشيوعية مدينة بوضع استراتيجية مستقلة عن موازين القوى، و عن الوجود العسكري للقوات الامريكية والبريطانية في سلسلة من بلدان أوروبا الغربية. حيث كان هناك تراجع تدريجي، عن الموضوعة القائلة بعدم توسُّط أي نظام اجتماعي، بين الرأسمالية والاشتراكية، أي بعدم توسُّط أي سلطة سياسية بين السلطة البرجوازية و سلطة العمال الثورية.
إن الموضوعة المذكورة صحيحة بغض النظر عن موازين القوى، فمهما كانت المشكلة، التي من الممكن أن تشكل محفزاً للتسريع، فاحتدام النزاعات الإمبريالية على سبيل المثال، والحروب الامبريالية، وتغييراتها المؤثرة المحتملة على السلطة البرجوازية.
28- تمت إعادة ترتيب التحالفات عقب نهاية الحرب العالمية الثانية. حيث اتحدت الدول الرأسمالية والقوى البرجوازية و الإنتهازية في كل بلد (كقوى الإشتراكية الديموقراطية)التي شاركت في نضال التحرر الوطني، ضد الحركة الشيوعية و ضد الدول الإشتراكية.
في مثل هذه الظروف، زاد وضوح النتائج السلبية الناجمة عن "التآكل و الصدأ" الانتهازي المتزايد الذي ضرب بعض أقسام الحركة الشيوعية العالمية. فالضرر الجدي الذي أصاب وحدة الأحزاب الشيوعية، فكرياً وتنظيمياً الذي ترافق مع غياب الارتباط بينها، إضافةً لتفكيك الأممية الشيوعية، هي عوامل لم تسمح بتشكيل استراتيجية مستقلة موحدة للحركة الشيوعية العالمية في مواجهة استراتيجية الإمبريالية العالمية.
إن "مكتب إعلام" الأحزاب الشيوعية[50]، الذي أنشئ عام 1947 و تم تفكيكه عام 1956، إضافةً لمؤتمرات الأحزاب الشيوعية العالمية، التي عقدت لاحقاً، لم تكن قادرة على مواجهة المشاكل المذكورة بشكل فعال.
حيث بقي النظام الإمبريالي العالمي قوياً بعد الحرب، على الرغم من تعزيز قوى الاشتراكية الأكيد. كما و باشرت الإمبريالية بعد الحرب، و بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية"بالحرب الباردة" التي شكلت استراتيجية تم وضعها بعناية هادفة لتقويض النظام الاشتراكي.
احتوت "الحرب الباردة" على تنظيم الحرب النفسية، و تكثيف برامج التسلح، بغرض القضاء اقتصاديا على الإتحاد السوفييتي، كما اعتمدت على شبكات داخلية لتخريب وتدمير النظام الاشتراكي، مع استفزازت و تحريض علني لتطورات الثورة المضادة (على سبيل المثال في يوغوسلافيا في الفترة 1947 – 48، في جمهورية ألمانيا الديمقراطية عام 1953، في هنغاريا عام 1956 و في تشيكوسلوفاكيا في عام 1968 ، الخ..). وأعقب ذلك تباين في السياسات الاقتصادية والدبلوماسية الممارسة، تجاه الدول الإشتراكية الجديدة، بهدف كسر تحالفها مع الإتحاد السوفييتي، و من أجل تعزيز شروط "تآكلها بالصدأ" الانتهازي.
في الوقت ذاته، كان النظام الإمبريالي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، قد شرع في تأسيس تحالفات عسكرية، و سياسية، و اقتصادية ومنظمات الإقراض الدولية (منظمة حلف شمال الأطلسي، المجموعات الأوروبية، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، واتفاقيات التجارة العالمية). حيث كان من شأن التحالفات المذكورة، ضمان التنسيق بين الدول الرأسمالية مع تخفيف من بعض النزاعات بينها، بما يخدم الهدف الاستراتيجي المشترك، بممارسة الضغوط المتعددة الأشكال على النظام الاشتراكي. كما قام النظام الإمبريالي بتنظيم تدخلاته، المنتظمة، واستفزازاته المتعددة الأشكال، وحملات معاداة الشيوعية. حيث تم استخدام أحدث أسلحة التضليل الايديولوجي، في سبيل خلق مناخ عدائي ضد الدول الاشتراكية والحركة الشيوعية عموما. كما تم استغلال الانحرافات الانتهازية والمشاكل المتعلقة بوحدة ايديولوجية الحركة الشيوعية العالمية. كما قام النظام الإمبريالي بتقديم الدعم اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، لادنى حركات التعبير عن الخلاف مع الحزب الشيوعي السوفييتي أو مع الاتحاد السوفييتي. حيث تم إنفاق المليارات من الدولارات من خلال الميزانيات الحكومية لهذه الأغراض.
29- إن خط "التعايش السلمي"، كما وضع في السنوات التي تلت الحرب مباشرة، الذي تنامى نسبياً ضمن المؤتمر اﻟ19 الذي عقد في أكتوبر عام [51]1952، و تطور بشكل أساسي في المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي عام[52]1956 ، الذي اعترف ببربرية الرأسمالية و بعدوانية الولايات المتحدة وبريطانيا، كسمة مميزة لبعض قطاعات الطبقة البرجوازية ولقواها السياسية في الدول الرأسمالية الغربية، لا كسمة و عنصر أساسي من عناصر الرأسمالية الاحتكارية، الإمبريالية. و بهذا الشكل سمح الخط المذكور بتنمية مفاهيم أوتوبية قائلة، بقبول الإمبريالية للتعايش وعلى المدى الطويل، مع القوى التي قامت بكسر هيمنتها العالمية.
منذ المؤتمر اﻟ20 للحزب الشيوعي السوفييتي، شباط / فبراير 1956و عبر موضوعته القائلة " بتنوع أشكال الانتقال الى الاشتراكية، في ظل ظروف معينة."، بالإضافة لخط" التعايش السلمي " الذي تم ربطه بإمكانية الإنتقال إلى الاشتراكية في أوروبا بواسطة البرلمانية، وهي استراتيجية كانت موجودة في بعض الإحزاب، و سيطرت على معظمها. و هي موضوعة في جوهرها تشكل تحريفاً للإستنتاجات المستخرجة من تجربة الاتحاد السوفييتي الثورية، كما و تشكل استراتيجية إصلاحية، اشتراكية ديمقراطية.
كان هناك استهانة باستراتيجية الرأسمالية الموحدة التوجه، ضد البلدان الاشتراكية والحركة العمالية في البلدان الرأسمالية. فالتناقضات بين الدول الرأسمالية، التي تحتوي على عنصر من التبعية بطبيعة الحال، كما يحدث في هرم الامبريالية، هو أمر لم يُحلل بشكل صحيح. فكان هناك تقدير يقول بوجود "علاقة تبعية و خضوع أي بلد رأسمالي للولايات المتحدة الأمريكية،[53] حيث تم اعتماد استراتيجية "الحكم المعادي للإحتكارات"، وهو شكل من أشكال المرحلة بين الرأسمالية والاشتراكية، الذي من المفترض قيامه بحل مشاكل "التبعية" للولايات المتحدة الأمريكية. كما و اعتمد الخط المذكور من قبل الحزب الشيوعي الأمريكي، أي الحزب الشيوعي في البلد الذي يحتل أعلى مرتبة في هرم الإمبريالية. ففي ممارسته السياسية، تجلى ذلك في مشاركته في حكومة إدارة الرأسمالية بالتعاون مع الإشتراكية الديمقراطية.
و بهذا الشكل اختارت الأحزاب الشيوعية تحالفات سياسية مع قوى الطبقة البرجوازية، أي مع تلك التي تعرف بأنها "تفكر وطنيا" وتمييزا لها عن ما يسمى "البرجوازية الخاضعة للأجانب". مواقف مماثلة للمذكورة سيطرت على ذلك الجزء من الحركة الشيوعية، التي اتجهت نحو الصين خلال الإنقسام الحاصل في الستينات، و هي القوى التي شكلت التيار الماوي.
كان موقف العديد من الأحزاب الشيوعية ضمن الإستراتيجية المذكورة، حيث سيطر على الأحزاب الشيوعية التقييم القائل بتقسيم الإشتراكيين الديمقراطيين، لجناحي "اليمين" و "اليسار" وبالتالي إضعاف الجبهة الأيديولوجية الموجهة ضدها بشكل كبير. فتًحتَ عنوانِ وحدةِ الطبقة العاملة، قامت الأحزاب الشيوعية بتنازلات أيديولوجية وسياسي خطيرة، في حين أن شعارات الوحدة من جانب الإشتراكية الديمقراطية، لا تهدف أصلا الى قلب النظام الرأسمالي، بل تهدف لانتزاع الطبقة العاملة من تأثير الأفكار الشيوعية، ولاغترابها الطبقي.
في أوروبا الغربية، سيطر في صفوف العديد من الأحزاب الشيوعية، و بحجة الخصوصيات الوطنية لكل بلد تيار "الشيوعية الأوروبية" الانتهازي، الذي كان ينفي حتمية الثورة الاشتراكية وديكتاتورية البروليتاريا والنضال الثوري بشكل عام.
قام كلا شطري الحركة الشيوعية (أحزاب السلطة أو غيرها) بالمبالغة في تقدير قوة النظام الاشتراكي، و بالإستهانة بقيمة زخم الرأسمالية أثناء اعادة اعمارها بعد الحرب. و ترافق ذلك مع تعمق أزمة الحركة الشيوعية العالمية، التي تجلت في البداية بتعليق كامل علاقات الحزب الشيوعي السوفييتي مع الحزب الشيوعي الصيني، ثم بتشكل تيار "الشيوعية الأوروبية".
إن تأثير الانتهازية المعاصرة المتبادل، وقتها بين كل من الأحزاب الشيوعية الحاكمة، و بين نظيرتها في البلدان الرأسمالية، تعزز في ظل ظروف التخوف من توجيه ضربة نووية ضد الدول الاشتراكية، و في ظل احتدام الصراع الطبقي داخل البلدان الاشتراكية (في وسط و شرق أوروبا)، والحروب الامبريالية الجديدة ( ضد كوريا، وفيتنام). حيث قادت تكتيكات الإمبريالية المرنة، لتطوير الانتهازية في الأحزاب الشيوعية للدول الاشتراكية، ولتقويض البناء الاشتراكي، ولتقويض النضال الثوري في أوروبا الرأسمالية والعالم. و بهذا الشكل عُزز ضغط الإمبريالية على البلدان الاشتراكية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك باستخدام ، جملة من الأمور، و إضافةً للتيارات الشيوعية الأوروبية، والتروتسكية والماوية،التي بطريقة أو بأخرى، و بدرجات مختلفة، أيدت هجمات الامبريالية على الإتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية الأخرى.
تقديرات حول موقف الحزب الشيوعي اليوناني
30- قام كلا مؤتمري الحزب الشيوعي اليوناني الرابع عشر عام 1991 ومؤتمره "الوطني" في عام 1995، و من منطلق النقد الذاتي بوضع التقديرات التالية : لم نقم كحزب بتجنب تمجيد وتجميل الاشتراكية، التي بنيت في القرن العشرين، كما وقللنا من أهمية المشاكل التي شهدناها، مُعزين اياها أساساً لعوامل موضوعية، حيث قمنا بتبريرها على أنها مشاكل تطوير الاشتراكية، أمر أثبت الواقع عدم صحته. كما و قمنا بالإستهانة بطابع الكفاح المعقد ضد البقايا المورثة، كما و بالغنا في تقدير مسار التنمية الاشتراكي، و قمنا بالتقليل من قيمة قوة النظام الإمبريالي العالمي.
إن نقدنا الذاتي يتعلق بمفهومنا الخاطئ حول الحتميات الاشتراكية، وبطبيعة التناقضات في عملية تشكيل وتطوير المجتمع الجديد. فموقف حزبنا شكَّل جزءاً من المشكلة، حيث حُجمت قدرتنا على استخلاص الإستنتاجات الصحيحة، من حقيقة ان حزبنا لم يعط الاهتمام الكافي لضرورة اكتساب الكفاءة النظرية، ولتشجيع الدراسة والاستيعاب الخلاق لنظريتنا، للاستفادة من تجربة النضال الطبقي الثوري الغنية، أي أن يسهم بقواه في التنمية الخلاقة لمواقف فكرية وسياسية، على أساس الظروف المتغيرة. حيث قمنا كحزب، و إلى حد كبير، بتبني التقديرات النظرية للحزب الشيوعي السوفييتي وخياراته السياسية الخاطئة.
تأثر موقفنا بشكل كبير بالطابع الرسمي للعلاقات، المتواجدة بين الأحزاب الشيوعية، و تبني مواقف الحزب الشيوعي السوفييتي، النظرية والإيديولوجية بلا نقد. نستنتج من تجربتنا المذكورة، وجوب التوفيق بين احترام تجربة الأحزاب الأخرى، مع الحكم الموضوعي على سياستها وممارستها، و مع النقد الرفاقي لأخطائها و معارضة انحرافاتها.
إن مؤتمر حزبنا عام 1995 انتقد حقيقة، تقبل الحزب لسياسة البيريسترويكا "بلا انتقاد"، حيث كان قد أعلن حينها أننا بصدد سياسة إصلاحات لصالح الاشتراكية. إن هذه الحقيقة عكست حينها واقع تعزيز الانتهازية في صفوف حزبنا في ذلك الوقت.
إن المواجهة النقدية لموقف الحزب الشيوعي اليوناني تجاه بناء الاشتراكية، لا تقلل من شأن وقوف حزبنا، الواعي لدوره الأممي، مدافعاً عن عملية بناء الاشتراكية - الشيوعية في القرن اﻟ 20، وحتى عبر تضحيته بحياة الآلاف من أعضائه و كوادره. و يعود ذلك لكون النضال دفاعاً عن منجزات الإشتراكية المحققة في القرن العشرين، خياراً واعياً لحزبنا.
إن الحزب الشيوعي اليوناني لم ينتقل لجانب تلك القوى، المتحدرة من الحركة الشيوعية، التي انقادت نحو العدمية تحت عنوان انتقاداتها للإتحاد السوفييتي ولغيره من البلدان، و التي انقادت لرفض الطابع الاشتراكي، ولاعتماد الدعاية الإمبريالية. كما و لم يقم الحزب بتغيير موقف دفاعه على الرغم من نقاط ضعفه.
قضايا للدراسة مستقبلاً
31- في ضوء التقديرات و التوجهات المذكورة، يتوجب على اللجنة المركزية الجديدة، تنظيم دراسة أعمق واستخلاص استنتاجات متعلقة بسلسلة من القضايا و هي :
- أشكال تنظيم المشاركة العمالية، والحقوق والواجبات في مختلف مراحل السلطة السوفييتية كالتالي : اللجان العمالية و المجالس الإنتاجية في أثناء عشرينات القرن الماضي، الحركة الستاخانوفية في ثلاثينات القرن الماضي في مقارنة مع مجالس الإدارة الذاتية للبيريسترويكا. و علاقتهما مع التخطيط المركزي ومع تحقيق الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
- تطور السوفييتات كشكل من أشكال ديكتاتورية البروليتاريا. و كيفية تحقيق علاقة" الحزب مع السوفييتات و القوى العمالية و الشعبية " و ذلك في مراحل البناء الاشتراكي المختلفة في الإتحاد السوفييتي. و القضايا التي تهم تدهور أداء وحدة الإنتاج، بوصفها نواة تنظيم السلطة العمالية، عبر إلغاء منطلق مبدأ الإنتاج و نظام الإنتخاب الغير مباشر من خلال المؤتمرات والاجتماعات. و الآثار السلبية على تركيبة الهيئات العليا للدولة، و في إمكانية تطبيق إجراءات سحب المنصب.
- تطور سياسة الأجور، المتبعة على مدى المسار الاشتراكي للإتحاد السوفييتي. التطور الطارئ على بنية الطبقة العاملة. و مزيد من دراسة العلاقات الشخصية- الاجتماعية خلال إنتاج و وتوزيع منتوج الإنتاج الاشتراكي.
- تطور علاقات الملكية وتوزيع الإنتاج الزراعي في الإتحاد السوفييتي. و الفروق بين العاملين في وحدات الإنتاج والخدمات، والتمايز الطبقي بين المنتجين الزراعيين، الفرديين و التعاونيين.
- التطورات في تركيبة الحزب، وبنيته و أسلوب عمله، وتأثيرها على المستوى الأيديولوجي وعلى سمات الحزب الثورية ككل، من أعضاء و كوادر.
- تطور العلاقات بين الدول أعضاء مجلس التعاون الإقتصادي، والعلاقات الاقتصادية بين دوله الأعضاء و بين الدول الرأسمالية، وخاصة في الفترة المتصفة بتراجع بناء الاشتراكية.
- ماهية الشكل المعبر عن السلطة العمالية في البلدان الاشتراكية الأخرى (الديمقراطية الشعبية)، و تحالف الطبقة العاملة مع شرائح البرجوازية الصغيرة و الصراع الجاري. التأثيرات القومية على أحزاب السلطة، وعلى سبيل المثال في الحزب الشيوعي الصيني، و في اتحاد الشيوعيين اليوغوسلاف. كيفية التأثير على طبيعة الأحزاب الشيوعية الحاكمة، بعد عام 1945، باندماجها مع أجزاء من الإشتراكية الديموقراطية، كمثال حزب العمال البولندي الموحد، الحزب الاشتراكي الألماني الموحد، الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، حزب العمال النمساوي.
- مسار الأممية الشيوعية و تطوراستراتيجية الحركة الشيوعية العالمية.
- تطور موازين القوى العالمية و تأثيره في نمو الانتهازية في الحزب الشيوعي السوفييتي. و تسليط الضوء على العوامل التي أدت إلى هيمنة الانتهازية في الحزب الشيوعي السوفييتي.