- تقييم إجمالي لموقعنا الراهن
بعد انقضاء 35 عاماً على انقلابات الثورات المضادة، لا يزال تناسب الصراع الطبقي سلبياً على مستوى العالم، رغم مشاكل الرأسمالية وتفاقم تناقضاتها. حيث تمكَّنت السلطة الرأسمالية ليس فقط من احتواء قطاعات من الطبقة العاملة، والحركة النقابية العمالية، والشرائح الوسطى الشعبية، بل و أيضاً من احتواء أحزاب شيوعية. ومع ذلك، فإن التطورات نفسها تُظهرُ و بنحو متزايد، نظاماً هَرِماً، متعفناً، عفا عنه التاريخ الآن.
اتسعت الهوة القائمة بين الثروة المتركزة لدى المجموعات الاحتكارية والفقر النسبي والمطلق الذي تعاني منه الغالبية العظمى من العمال، خلال في الفترة التي نفحصها منذ المؤتمر اﻠ21 للحزب.
و بدلًا من استغلال الإمكانات التكنولوجية الجديدة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي المتواجدة في أيدي رأس المال، من أجل إرضاء كامل الحاجات الاجتماعية المتوسعة، فهي تُسخَّرُ من أجل زيادة الربحية وتركيز رأس المال، وزيادة درجة الاستغلال، و التلاعب بالطبقة العاملة والشعب بنحو أشمل. حيث يقود تسخيرها الرأسمالي إلى تَعملقِ تناقضات النظام الرأسمالي نفسه.
إن تعزيز اتجاه الإفقار النسبي والمطلق والبطالة طويلة الأمد، وإلغاء استخدام الإمكانات العلمية والتكنولوجية الحديثة لحماية صحة الشعب، وتلبية حاجاته التعليمية، وحماية البيئة، يُبرز تفاقم التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل، و بنحو أكثر إجمالاً، تفاقم مجموع التناقضات الاجتماعية في إطار النظام الرأسمالي.
يُبرز تباطؤ الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاث الماضية، مقارنةً بالمعدل الوسطي الطويل الأجل المسجل خلال الفترة 2000-2019، الحجم الكبير لرأس المال المفرط تراكمه، والذي من غير الممكن إعادة رسملته واستثماره بنحو يضمن نسبة ربح مُرضية. و يُشكِّلُ الركود الاقتصادي في منطقة اليورو، خاصةً في ألمانيا، وكذلك في اليابان في آسيا، والتباطؤ الطفيف في الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع زخم النمو في الصين والهند، أوجهاً مميزة للوضع الفعلي للاقتصاد الرأسمالي الدولي.
ينشأ كِلا فرط تراكم رأس المال وظهور الأزمات دورياً، نتيجةً الأداء الطبيعي للاقتصاد الرأسمالي. ولا يشكلان انحرافاً عنه، وفق ما تريد إبرازه التحليلات البرجوازية. و يولدان من التناقض المتواجد في نواة وظيفة النظام الرأسمالي في مجال الإنتاج.
ثّبُتَ أيضاً في الفترة السابقة و عن جديد، أن ما من مقترح للإدارة البرجوازية، سواءً أكان كينزياً أم نيوليبرالياً، توسعياً أم انكماشياً، هو بقادرٍ على إلغاء حتميات الإنتاج الرأسمالي، عن إلغاء التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والاستحواذ الرأسمالي على نتائجه، و هو الذي يُشكل التناقض الأساسي لنمط الإنتاج الرأسمالي والسبب الرئيسي لأزماته الاقتصادية.
أُعيد اختبار جميع خيارات الإدارة (كزيادة أسعار الفائدة ثم خفضها من قبل البنوك المركزية في المراكز الإمبريالية، وحزم المساعدات الحكومية الكبيرة ﻠ"التحول الأخضر")، وتأكّد لمرة أخرى، أنها لا تُخفّف من حدة التناقضات إلا مؤقتاً، ولا يُمكنها مواجهة التناقضات المتأصلة و المتعاظمة في النظام الرأسمالي.
في هذا الإطار، ومع التسليم بتفاقم التناقضات الإمبريالية البينية، يُروّج للانعطاف نحو اقتصاد الحرب والتحضير لحرب إمبريالية واسعة النطاق، بهدف تأجيل الأزمة الرأسمالية الكبرى القادمة عبر الاستثمار في اقتصاد الحرب، من جهة، وتهيئة الظروف لعملية منضبطة لخفض قيمة وتدمير رأس المال على نطاق واسع في مختلف بؤر الحرب، من جهة أخرى. ويُرفق هذا الانعطاف مع زيادة درجة استغلال العمال، و تخفيض الإنفاق على السياسات الاجتماعية، و تشديد الاستبداد والقمع في جميع المراكز الإمبريالية.
يَثبُتُ و لمرة أخرى أن ما من جريمة يتورع رأس المال الكبير عن ارتكابها، من أجل الحفاظ على سلطته وزيادة أرباحه.
ولنفس الأسباب التي تدفعه إلى تصعيد هجومه على دخل العمال وحقوقهم في فترة السلم الإمبريالي، فهو يخطط لجر الشعوب إلى ساحة المواجهات الحربية.
تؤكد جملة التطورات أن الرأسمالية هي نظام عفا عليه الزمن تاريخياً. و تضيء واقعة كون المنفذ التقدمي الوحيد لعصرنا هو الانتقال الثوري نحو الاشتراكية – الشيوعية.
- التنمية غير المتكافئة واحتدام المزاحمات
تؤثر التنمية غير المتكافئة على تحول تناسب القوى، و يفاقم حدة التناقضات بين التحالفات الإمبريالية، و داخل التحالفات الحالية، و يُفاقمُ كذلك، التناقضات البرجوازية البينية في الدول الرأسمالية.
هذا و تسبَّبت المزاحمة الإمبريالية من أجل السيطرة على الثروات الباطنية، ومصادر الطاقة، والأراضي الخصبة، وموارد المياه، وطرق نقل الطاقة والسلع، وتأمين الركائز الجيوسياسية، وحصص الأسواق، في نشوبِ حربين إمبرياليتين إقليميتين، في أوكرانيا والشرق الأوسط، يتورط بهما بهذا الشكل أم سواه، عدد كبير من الدول الرأسمالية في العالم. إضافةً إلى ذلك، هناك عشرات البؤر الساخنة في جميع القارات، التي تسفك دماء شعوبها من أجل مصالح الاحتكارات والطبقات البرجوازية. و يجري ترتيب للتحالفات الإمبريالية وإعادة ترتيبها، و تحتدم التناقضات داخل صفوفها.
إن التشكيك في صدارة الولايات المتحدة الأمريكية و كتلة قوى الناتو والاتحاد الأوروبي في النظام الإمبريالي الدولي هو عنصر أساسي في الصراع على المستوى الدولي.
و مقابل التحالف الأوروأطلسي يبرزُ التحالف الأوراسي المتواجد قيد التشكُّل، و هو المطالب بموقع الصدارة من الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الإمبريالي الدولي مع الصين ضمن قواه الرئيسية، وروسيا، التي لا تزال ثاني أعتى القوى الحربية. و على الرغم من تنوع الصيغ التي يتخذها هذا التحالف، فهو أقل "تبلوراً" من التحالف الأوروأطلسي (الولايات المتحدة الأمريكية - الناتو - الاتحاد الأوروبي)، حيث تُؤثر في ذلك أيضاً، التناقضات المتمظهرة في صفوفه وتدخلات التحالف الأوروأطلسي.
حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تحافظ على الصدارة، التصدي لاتجاه تحوُّل التناسب لصالح الصين. و ينطبعُ هذا الاتجاه في تراجع حصة الولايات المتحدة في الناتج الإجمالي العالمي والزيادة الكبيرة في حصة الصين في الفترة 2000-2025، وفي الفارق الكبير في معدل النمو بين الولايات المتحدة والصين، وفي العجز التجاري الأمريكي الكبير في التجارة الثنائية مع الصين والاتحاد الأوروبي، وفي الزيادة المذهلة في مديونية الدولة الأمريكية. حيثُ بدأت مؤسسات رأس المال المالي الدولية سلفا في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.
و في هذا اﻹطار، تُعزز إدارة ترامب الجديدة بنحو هام الإجراءات الحمائية التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة، بزيادة التعريفات الجمركية، وتهدد بتصعيد الحرب التجارية، حتى مع حلفائها في المعسكر الأوروأطلسي. كما أنها تتخلى عن التزاماتها الدولية تجاه "التحول الأخضر"، وتُعزز استخراج احتياطات الهيدروكربونات. وتُسهّل تخفيضاً نسبياً في قيمة الدولار من اجل تعزيز الصادرات الأمريكية مع زيادة الضغط على الصين، بهدف منع توسع نفوذها وتعزيز تدفق رؤوس الأموال نحو الولايات المتحدة.
تسعى إلى تقويض نفوذ الصين في تحالف البريكس المتواجد قدر التشكُّل، من خلال محادثات ومفاوضات خاصة مع روسيا والهند، وإضعاف مشروع "طريق الحرير" الصيني، الذي يعزز روابط الصين الاقتصادية مع الدول الآسيوية والأوروبية.
تُفاقم السياسة الأمريكية التناقضات داخل المعسكر الأوروأطلسي، وتُؤدي إلى تدهور علاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا. و تُفاقم التناقضات الأمريكية البرجوازية البينية، التي تنعكس أيضاً في التفاعلات الجارية ضمن النظام السياسي البرجوازي. و تزيد من احتمالات إضعاف الدولار كعملة دولية. و تُؤثر سلباً على التجارة الدولية معززة اتجاه تباطؤ الاقتصاد الرأسمالي الدولي.
و بالتوازي، اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لمواجهة ضغط السياسة الحمائية الأمريكية. فقد قللت من اعتمادها على السوق الأمريكية في صادراتها، وموّلت بسخاء تطوير التكنولوجيا الجديدة المحلية والاستهلاك المحلي. كما أنها تستفيد من مكانتها المتميزة في الإنتاج الصناعي وسلاسل التوريد، وخاصةً في مجال التحكم في العناصر اﻷرضية النادرة التي تلعب دوراً مهماً في قطاعات مهمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كصناعة السيارات، والصناعة العسكرية، والديناميكا الهوائية. و هي تعزز تحالفها الاستراتيجي مع روسيا و زخم مجموعة البريكس، التي تضم الآن 10 دول و10 دول أخرى كشركاء متعاونين. ولهذا السبب، تضطر الحكومة الأمريكية على الرغم من تصريحاتها العدوانية في الحرب التجارية، إلى تقديم تنازلات - اتفاقيات مؤقتة مع الصين.
تُعدّ جمهورية الصين الشعبية اليوم المثال الأبرز على عملية إعادة تنصيب الرأسمالية بقيادة حزب شيوعي اندمج في السلطة الرأسمالية، مستغلاً إمكاناته لتوسيع تدخل الدولة في الاقتصاد، إلا أن تلك الواقع لم تُخفّف إطلاقاً من التفاوت الاجتماعي والاستغلال الطبقي في الصين، كما يجري في سائر أنحاء العالم الرأسمالي.
تتفوق دول البريكس الآن بنحو كبير على مجموعة الدول السبع الكبرى من حيث حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي والقوى العاملة. وقد أنشأت هذه الدول بنكاً تنموياً (NDB) وصندوقاً مشتركاً للاستجابة للطوارئ (CRA)، و تقدمُ على خطى من أجل تعزيز معاملاتها الثنائية بالاعتماد على عملاتها الوطنية لا على الدولار، إلا أن هيكلها لا يزال فضفاضاً، دون التزامات صارمة، ويشهد تناقضات داخلية (خاصة بين الصين والهند).
بإمكان احتدام التناقضات الإمبريالية البينية توسيع التصدعات القائمة في المحور الأوروأطلسي خلال السنوات القادمة. وتُسجَّل سلفاً اختلافات جوهرية، وتتزايد التباينات في المواقف تجاه الحرب في أوكرانيا، وبشكل أعم تجاه روسيا والصين والتعريفات الجمركية التجارية، والإنفاق العسكري، و تجاه "التحول الأخضر".
و يتراجع الاتحاد الأوروبي، ويشهد تراجعاً في مكانته ضمن المزاحمة الدولية مقارنةً بالولايات المتحدة والصين.
في ظل هذه الظروف، يتضاءل و باطراد احتسابُ الوسائل الدبلوماسية بالنسبة للدول البرجوازية، وتُعطى الأولوية للحروب التجارية والاقتصادية، وكذلك للجهوزية الحربية. ويُلاحَظ وجود نزوع أشمل نحو ما يُسمى باقتصاد الحرب.
- مسار الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو
يتواجدُ اقتصاد منطقة اليورو في ركود نسبي خلال السنوات الثلاث الماضية، بمعدل نمو لا يتجاوز 0.5%. تشير أكثر التوقعات تفاؤلاً إلى إمكانية الوصول إلى 1.1% عام 2025.
و يُسجَّلُ تراجعٌ في تنافسية الاتحاد الأوروبي مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية والصين، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب: تكاليف طاقة أعلى، تأخر في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة عموماً، درجة أعلى في الانفتاح الاقتصادي مما يجعله أكثر عرضة للحرب التجارية، واعتماده الكبير على واردات المواد الأولية الأساسية (كالعناصر اﻷرضية النادرة).
إن التصعيد المحتمل للحرب التجارية من قبل الحكومة الأمريكية في ترابط مع الارتفاع النسبي لقيمة اليورو مقابل الدولار، والارتفاع النسبي في أسعار الطاقة، سيؤثر سلباً على صادرات السلع من منطقة اليورو.
و فوق هذه اﻷرضية، تتفاقم التناقضات البرجوازية البينية داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (كفرنسا وألمانيا وهولندا) وبين الدول بسبب الاختلاف الموضوعي في وضع مالياتها العامة، واختلاف عواقب تطبيق "التحول الأخضر" والانعطاف نحو اقتصاد الحرب، ومعاملة مسألة الهجرة، و بنحو أشمل نظراً لتأثير التنمية الرأسمالية غير المتكافئة. هذا و تجاوزت تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، سلفاً حدود ماليتها العامة (كفرنسا وإيطاليا وبلجيكا). وتتعلق الخلافات أيضاً بالموقف تجاه سياسة ترامب، وكذلك تجاه روسيا والصين (كالمجر وسلوفاكيا وبولندا).
و في أي حال، فإن الاتحاد الأوروبي يسير على طريق الرجعنة اﻷبعد. حيث يشترطُ تنفيذ توجهات الاتحاد الأوروبي تصعيد الهجمة على دخل الشعب وحقوقه، وتوسيع علاقات العمل المرنة وحدود سن التقاعد، وتخفيضات جديدة في الإنفاق على السياسات الاجتماعية (مثل: مجال الصحة)، وزيادة الفقر النسبي والمطلق للعمال.
و في الوقت نفسه، تُبرز قيادة الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، باعتباره فرصة لتسريع محاولات تامين "الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي". و على وجه التحديد: يحاول الاتحاد الأوروبي تحسين مكانة اليورو كعملة دولية، وعكس تدفقات رأس المال (من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي) وتوسيع تحالفاته الدولية.
حيث ينضوي ضمن هذا اﻹطار الانعطافُ نحو اقتصاد الحرب وتعزيز القوى العسكرية للاتحاد الأوروبي. و يترافقُ هذا التحول مع زيادة كبيرة في تمويل الاتحاد الأوروبي وإعادة توزيعه في اتجاه تكييف العديد من قطاعات الاقتصاد والبحث العلمي مع اقتصاد الحرب (مشروع "ReArm Europe" لاستخدام ما يصل إلى 800 مليار يورو، والأداة المالية SAFE، وغيرها).
وبالتأكيد، فإن الانعطاف نحو اقتصاد الحرب ينطوي على تناقضات، ما دام موقف الاتحاد الأوروبي في التناقضات الإمبريالية البينية، و كون الغالبية العظمى من دوله الأعضاء أيضاً أعضاءاً في حلف الناتو (باستثناء أيرلندا وقبرص ومالطا)، يقودانه إلى شراء أنظمة أسلحة أمريكية و إلى تعزيز الصناعة الحربية الأمريكية. و بالتوازي، فإن هذا الانعطاف يُفاقم تناقضات تتعلق بالتوزيع الجديد لأموال الاتحاد الأوروبي (مثلًا فيما يخص القطاع الزراعي، و"التحول الأخضر")، وكذلك حول أسلوب التمويل (كمثال أشكال الاقتراض المشترك) وتوزيعها.
- الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، مواقف الحزب الشيوعي اليوناني بشأن أسباب الحرب وطبيعتها، وخطر تعميمها
أبرز حزبنا بنحو ناجز الطابع الإمبريالي للحرب في أوكرانيا على كلا الجانبين. و سجَّلَ أن شعب أوكرانيا يدفع ثمن مزاحمات وتدخلات حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، اللذين يدعمان حكومة زيلينسكي من جهة، وروسيا الرأسمالية من جهة أخرى. و أن ذلك هو ذروة عملية بدأت مع الإطاحة بالاشتراكية و اشتدت على الأقل خلال السنوات العشر الماضية، عقب أحداث ساحة "ميدان" السيئة الصيت، التي أسندت من جانب قطاع من القوى البرجوازية الأوكرانية و كذلك من جانب الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ودول رأسمالية أخرى، وأدت إلى إسقاط الحكومة الأوكرانية، و إلى وقوت اعتداءات على الشيوعيين والسكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، و إلى حظر سائر الأحزاب السياسية التي لا تدعم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
هذا و عرض الحزب الشيوعي اليوناني للشعب كيفية تراكم "وقود" الحرب. مبرزاً مسؤوليات الطبقات البرجوازية لجميع القوى المتورطة و رافضاً ذرائعها، مع تقديمه الردود ضد تشويه التاريخ الجاري بنحو مناهض للشيوعية والسوفييت، هو تشويهٌ ينخرطُ ينخرط فيه كلا الجانبين المتحاربين. وشدّد على ضرورة الصراع المشترك للشعوب، واصطدم بالتورط المتعدد الأوجه لليونان في الحرب، الجاري بمسؤولية من حكومة حزب الجمهورية الجديدة و سائر الأحزاب اﻷوروأطلسية.
خلال السنوات الثلاث والنصف لهذه الحرب، فقد مئات الآلاف من الأوكرانيين والروس من كلا الجانبين حياتهم، يأتي معظمهم من شباب الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية الفقيرة. و نزح ما يقارب 25 مليون شخص من ديارهم. حيث هائلٌ هو تدمير المساكن والبنية التحتية العامة، و تتزاحم الدول الرأسمالية والاحتكارات فوق الأنقاض من أجل "إعادة بناء" أوكرانيا باعتبارها "فرصة استثمارية" ستصل كلفتها مئات المليارات من اليورو، سيدفع الشعب ثمنها باهظاً.
تمكنت البرجوازية الروسية من الاستيلاء على 20% من أراضي أوكرانيا، وتسعى إلى دمج أوكرانيا بهذا اﻷسلوب أم سواه في تحالفاتها الإمبريالية، رادعة انضمام اﻷخيرة إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وكهدف وسيط، تُبرزُ القيادة الروسية حالياً نزع سلاح أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو، مع اعترافها في الوقت نفسه بخسارة الأراضي التي استولت عليها روسيا في ساحات المعارك.
وتسعى الطبقة البرجوازية الأوكرانية وحلفاؤها الأوروأطلسيون إلى انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، مع ترويجها لِمشاركة الناتو بنحو أعمق في الحرب في توازٍ مع دعوة أوكرانيا إليه.
تدعو رئاسة ترامب إلى تسوية الصراع، دون حل أسبابه، بل من خلال بناء "سلام" مؤقت يمنح اﻷراضي من أجل ربحية الاحتكارات من إعادة الإعمار، ويسمح للولايات المتحدة بتوسيع تعاونها السياسي والاقتصادي مع روسيا، مع إحداثِ شرخٍ في الكتلة الأورواسية المتواجد قيد التشكُّل، سعياً منها إلى تركيز قواها في المواجهة مع الصين، وإعادة ترتيب التوازنات العالمية التي تحكم علاقات التبعية المتبادلة غير المتكافئة في "الهرم" الإمبريالي. هي إعادة ترتيب ينبغي بناءاً على الخطة الأمريكية أن تُفضي إلى عكس اتجاه تقليص نفوذها الحالي.
تُعارض هذه الخطة الدوائر المهيمنة في الاتحاد الأوروبي، التي ترى أن مصالحها الخاصة لا تُؤخذ في الاعتبار. كما و تعارضها قطاعات من رأس المال الاحتكاري و الطبقات البرجوازية لدول أخرى، لها مصالح في استمرار الصراع العسكري وسياسة العقوبات ضد روسيا. إنها مسألة تُفاقم أيضاً من حدة المواجهات داخل اﻹتحاد.
إن تأجيج التناقضات وإعادة ترتيب التحالفات الإمبريالية، على أساس تطور الصدام الإمبريالي والتناقضات الإمبريالية الأشمل، بنحو يحوِّل أعداء الأمس إلى حلفاء والعكس صحيح، ليس شيئًا بمفارقة أو أمراً غير مسبوق، بل هو خاصية مشتركة للحروب الإمبريالية.
و سواء إذا ما استمرت الحرب أم تم التوصل إلى تسوية "سلمية" مؤقتة، فإن أسباب الصدام لا تزال حاضرة، حيث يقف التصعيد وخطر التعميم بالمرصاد، وتبقى الظروف مهيأة لكارثة إنسانية وبيئية كبرى، علماً أن القوى المتصادمة تستخدم أسلحة متطورة باطراد وأبعد مدى، و حتى في معارك تُخاض بالقرب من محطات الطاقة النووية. و يشتدُّ خطر الكارثة النووية أيضاً لأن روسيا، وكذلك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي المتورطة في الصراع إلى جانب أوكرانيا، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، تندرجُ ضمن أعتى القوى النووية في العالم.
- الحرب الإمبريالية في الشرق الأوسط، أهداف إسرائيل والولايات المتحدة و الناتو، الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والتضامن الأممي ودعم نضاله العادل
بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبذريعة هجوم حماس، شنّت آلة الحرب الإسرائيلية عمليةً ضخمة ضد قطاع غزة، أسفرت عن مقتل وجرح عشرات الآلاف من الأبرياء والعُزّل، من أطفال ونساء وشيوخ.
وقف حزبنا باتساق إلى جانب الشعب الفلسطيني، مُنظّمًا تحركات جماهيرية، مطالباً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل حزيران\يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. و خضنا معركةً حاسمةً في المواجهة الأيديولوجية مع ذريعة مكافحة "الإرهاب" أو ما يُشاع عن "حق الدفاع عن النفس" لإسرائيل، وغيرها من الذرائع التي استدعتها الدعاية البرجوازية المهيمنة، بدعم من الحكومة والأحزاب البرجوازية الأخرى، و كذلك ضد الحجج التي يستخدمها الطرف الداعم للمحور الإمبريالي الأوراسي المتواجد قيد التشكل.
لقد استنكرنا وحاربنا موقف الحكومة اليونانية التي ترفض تنفيذ قرار البرلمان اليوناني الذي أقرَّ بالإجماع عام 2015 للإعتراف بالدولة الفلسطينية و"تغسل" جرائم إسرائيل، في تنفيذٍ لاستراتيجية الطبقة البرجوازية للبلاد، التي كانت قد رسمت خطاً للتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري مع إسرائيل، منذ عهد حكومة حزب الباسوك و رئيس وزرائها يورغوس باباندريو، و توسيع اتفاقيات التعاون لاحقاً من قبل حكومة أندونيس ساماراس (ائتلاف حكومي لأحزاب: الجمهورية الجديدة، الباسوك و اليسار الديمقراطي). هذا و فاوضت حكومة سيريزا – اليونانيين المستقلين و رئيس وزرائها ألِكسيس تسيبراس واتفقت على شروط توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي مع إسرائيل، والتي جرى إقرارها في نهاية المطاف من قبل حكومة حزب الجمهورية الجديدة و رئيس وزرائها/ كيرياكوس ميتسوتاكيس.
إن تعزيز التضامن مع الشعوب التي تناضل ضد الخطط الإمبريالية للولايات المتحدة وحلف الناتو، كشعب فلسطين، هو مسألة ذات أهمية أيديولوجية وسياسية.إن الطابع الإمبريالي للحرب في منطقة الشرق الأوسط، والطابع البرجوازي لمنظمة حماس والسلطة الفلسطينية، لا يُلغي حق الشعب الفلسطيني وسائر شعوب المنطقة في الصراع، و هي الشعوب التي تقاوم و تكافح ضد الاحتلال الأجنبي والمخططات الإمبريالية الأخرى، و باستطاعتها في إطار هذا النضال صياغة المقدمات من أجل التحرر النهائي من نظام الاستغلال والحروب. إن الدفاع عن نضال الفلسطينيين وحقهم في امتلاك وطنهم هو مسألة تضامن أممي، و هو يتطلب قيام جبهة ضد تهم ما يُشاعُ عن "الإرهاب" و"الإرهابيين" التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، وكذلك، ضد البدعة التي تُطابقُ أي انتقاد ضد دولة إسرائيل بمعاداة السامية.
و عدا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فهي تحتل أراضٍ للبنان وسوريا، تسمح لها بين أمور أخرى، بالسيطرة على جزء كبير من موارد المنطقة المائية واستغلالها بنحو تفضيلي.
وتهدف إلى فرض تخطيط أوسع في المنطقة، إما من خلال اتفاقيات اقتصادية على غرار "إبراهام" أو من خلال "سوط" العدوانية العسكرية، من أجل إبرازِ إسرائيل قوة رئيسية في منطقة شرق المتوسط و الشرق الأوسط بأكملها، بما يتفق مع أهداف الطبقة البرجوازية الإسرائيلية ومصالح الولايات المتحدة. ويرتبط هذا المسعى برسم "طريق التجارة الهندي"، الذي سيمر عبر الموانئ الإسرائيلية وصولاً إلى اليونان وأوروبا، مُسهِّلا على الولايات المتحدة خططها الرامية إلى إشراك الهند بنحو كامل في مزاحماتها مع الصين وإيران.
تتغطى قوى إقليمية أخرى (إيران وتركيا) نفسها بعباءة "حماية" الشعب الفلسطيني، ممتلكة تخطيطها الخاص، كالمطالبة بحصة من "فطيرة" طرق شحن البضائع والطاقة من آسيا إلى أوروبا.
و تتستر مصالح مماثلة لرأس المال وراء مواقف الطبقات البرجوازية الأخرى في المنطقة (لمصر، السعودية، الإمارات، قطر، و غيرها).
أدت مزاحمات هذه القوى إلى تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران واليمن، وإلى الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلاله أراض له، و كذلك، إلى إسقاط نظام الأسد في سوريا من قبل الجهاديين الذين دربتهم وسلحتهم تركيا. و تتشابك مع هذا التطور أيضاً مسألة الكرد، التي تجري محاولات لتسخيرها في تخطيط متباين على حد السواء من جانب إسرائيل وتركيا، حيث تعزز اﻷخيرة حضورها في سوريا، وتواصل الأعمال العدوانية لطبقتها البرجوازية عبر مطية "العثمانية الجديدة".
و يبقى تدخل الولايات المتحدة قوياً، داعماً لإسرائيل وممالك الخليج، و ساعياً إلى ترتيب للمواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا و لمسألة البرنامج النووي الإيراني، مع تحويل المسألة الكردية لأداة في خدمة أهدافها.
تُظهر جميع هذه المعطيات أن المنطقة لا تزال "رمالاً متحركة" للمزاحمات الإمبريالية، مع صياغة ظروف للمزيد من تصعيد الحرب في الشرق الأوسط والمنطقة اﻷشمل. في هذا اﻹتجاه سار العدوان الجوي والصاروخي المُخطط له من قِبل إسرائيل على إيران في 13 حزيران\يونيو 2025، الذي تبعه عدوان الولايات المتحدة التي استخدمت قاذفات ثقيلة وقنابل عالية الطاقة ضد إيران في 22 حزيران\يونيو 2025، بذريعة برنامجها النووي، ولكن بهدف حقيقي يتمثل في الترويج لِمشروع "الشرق الأوسط الجديد" والسيطرة الخانقة على المنطقة اﻷوسع.
- بؤر صراع وتوتر مهمة حالية أخرى
ينتقلُ ثقل الولايات المتحدة الذي ترميه في مزاحمتها مع الصين إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ و بحر الصين الجنوبي، الذي يعتبر شرياناً ملاحياً هاماً يمر عبره ثلث الشحن البحري، و إلى مضيق تايوان و تشكل هذه المنطقة بؤرة توتر أساسي.
كما و تُشكِّلُ الممرات البحرية في بنما وغرينلاند والقطب الشمالي بؤراً للتوتر.
كما و يتخذ الصدام بين باكستان والهند، وهما دولتان تمتلكان ترسانات نووية، أبعاداً أوسع.
هذا و تدورُ على مقربة من بلدنا حربان أهليتان مسلحتان، في ليبيا والسودان، أوديتا بحياة عشرات الآلاف وجعلتا حياة ملايين آخرين غاية في الصعوبة. تتداخل في هذه الصدامات الطبقات البرجوازية لدول رأسمالية مجاورة و متاخمة، بالإضافة إلى قوى إمبريالية أعتى. و يتمثل الموضوع هنا أيضاً، في اقتسام الثروة الباطنية (كمثال النفط واليورانيوم والذهب)، وطرق شحن السلع (كالموانئ)، والركائز العسكرية (كالقواعد العسكرية الأجنبية)، بينما يتمثل عامل قويٌ في الصدام الدائر في السودان، في السيطرة على مياه النيل.
هذا و لا تُستثنى أية منطقة من المزاحمات الشرسة، كما يتضح من تحركات ترامب ضد كندا والمكسيك وبنما وفنزويلا، في الوقت الذي تُقدّم فيه الأخيرة على مطالبات إقليمية ضد غويانا بشأن منطقة إسيكيبو المنتجة للنفط.
تشتدُّ تناقضات الطبقات البرجوازية أيضاً في كل من البلقان والقوقاز، مع تورط دول إمبريالية أعتى، مما قد يُسبب سفك دماء الشعوب.
- التوجهات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي
تعكس استراتيجية الناتو احتدام المزاحمات بين الولايات المتحدة والصين والولايات المتحدة وروسيا، ومتطلبات الحرب الجارية في أوكرانيا. ويجري تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لحلف الناتو 2030، وتشكيل وحدات عسكرية متعددة الجنسيات جاهزة للحرب، مع تحديث ترسانتيه التقليدية والنووية، وإعادة تخطيط أنشطته في اتجاه تشكيل "حلف شمال أطلسي عالمي" سيكون قادراً على التدخل في جميع أنحاء العالم. وتتعزز علاقاته مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والهند. و يجري تعزيز الجناح الجنوبي الشرقي (البحر المتوسط و الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلخ)، وتوسيع "شراكاته" مع دول هذه المناطق، وتحسين "قدرته على الحركة" من أجل نقل قوات الناتو وأسلحته إلى جبهات الحرب أو جبهات الحرب المحتملة. وتتمثل عناصره استراتيجيته الرئيسية في:
- توسيع الناتو (انضمت له سلفاً: مقدونيا الشمالية وفنلندا والسويد)، مع تقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، و خوض الصراع من أجل ضم جورجيا ومولدوفا.
- زيادة الإنفاق العسكري (إلى 3% ثم إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء) وتسريع وتيرة الإنتاج العسكري، وتعزيز "التوافق الوظيفي" وتأمين سلاسل التوريد الحرجة.
- تحديث البنية التحتية النووية في إطار مبدأ "الضربة النووية الأولى".
من أجل إرضاء حاجات ومصالح الاحتكارات الأوروبية في ظل المزاحمة الرأسمالية الدولية، و من أجل تعزيز مكانته في النظام الإمبريالي العالمي، ينشطُ الاتحاد الأوروبي في تعاون مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية، و بنحوٍ مستقل أيضاً في الحروب والتدخلات الإمبريالية. و على أساس "السياسة الخارجية والأمنية المشتركة" و"السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة"، يواصل المضي في إنشاء بعثات وعمليات عسكرية ومدنية في مناطق عديدة من العالم. وفي ظل مناخ من التناقضات الداخلية، تُرسى أسس ما يسمى بالاستقلال الاستراتيجي، مما يضيف أسلحة جديدة إلى ترسانة الاتحاد الأوروبي.
و على أي حال، فإن العنصر اﻷساسي لهذه الفترة هو انعطافُ الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي نحو الحرب، أي اقتصاد الحرب، و تعزيز الصناعة العسكرية في إطار ذلك. حيث حاسمٌ هو تحويل مساعدات الاتحاد الأوروبي من "النمو الأخضر" نحو الصناعة العسكرية، وهو تحول يتعلق و على حد السواء بحدود "النمو الأخضر" كمجالٍ لتنفيس رأس المال المفرط في التراكم، و بالاستعداد لتورط حربي مستقبلي. و يُسجَّل أن هذا التحول لا يعني بالطبع "التخلي" عن سياسة "النمو الأخضر"، بل بالأساس إعادة تكييف المساعدات والاستثمارات في الفترة المقبلة. في إطار الاقتصاد و الاستعداد الحربيين، يجري بين أمور أخرى تطبيق ما يُسمى بالكتاب الأبيض الذي يحتوي على لائحة Safe للاتحاد الأوروبي، التي تنص على إقراض بقيمة 150 مليار يورو، لصالح الصناعة العسكرية في الدول الأعضاء ودول أخرى، مما يخلق مجالاً جديداً للمزاحمات التي تؤثر أيضاً على العلاقات بين اليونان وقبرص وتركيا.
- موقف الحركة الشيوعية الأممية في الحروب الإمبريالية
سبَّبت الحرب الإمبريالية في أوكرانيا انقسامات أيديولوجية وسياسية جديدة وعمَّقت انقسامات قديمة. ترى الآن أحزاب شيوعية كانت في السابق تُطابِق الإمبريالية فقط بالسياسة الخارجية العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الرأسمالية العاتية في أوروبا، مع تجميلها دور دول رأسمالية أخرى، في روسيا أو الصين وإيران ما يُزعم أنها "قوى معادية للإمبريالية" أو حتى "محوراً معادياً للإمبريالية" وهمياً.
تتجاوزُ هذه القوى بنحو تعسفي وغير علمي التناقضات الإمبريالية البينية والمزاحمات المقابلة لها، والتي تُشكل السبب الأساسي للحروب الإمبريالية، وتُقدّر أن هناك تشكُّلٌ لعالم "عادلٍ" و"سلمي" و"متعدد الأقطاب" عاجلًا أم آجلًا، و يدعم بعضها الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي، معتبراً هذه القوى "أقطاباً جديدة" و"نداً منافساً" للولايات المتحدة الأمريكية، مع مُطابقة تطلعات الطبقات البرجوازية لهذه الدول أو الاتحادات مع مصالح الطبقة العاملة والشرائح الشعبية في بلدانها.
هناك مسألتان بالغتا الأهمية:
أ) طابعُ الصين: إن اﻷحزاب الشيوعية التي لا ترى طابع الصين الرأسمالي - نظراً لاتساع قطاع الدولة في اقتصادها و لاسم الحزب الحاكم - تواجهُ تناقض الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية على موقع الصدارة في النظام الرأسمالي العالمي باعتباره صراعاً بين "الاشتراكية والرأسمالية".
ب) إن الأحزاب التي تحتوي استراتيجيتها على منطق المراحل في العملية الثورية، و التي ترى تدخل ما يُفترض أنه مرحلة مؤيدة للشعب قبل الاشتراكية، وتنظر إلى الفاشية على أنها "انحراف عن الديمقراطية البرجوازية" وليست وليدة الرأسمالية و ربيبتها، هي أحزابٌ ميالة نحو خطاب "مناهض للفاشية" يُترجم في رؤى "جبهات مناهضة للفاشية" و"حرب مناهضة للفاشية"، تُستغل من قبل قوى و حكومات برجوازية من أجل الترويج لأهدافها المناهضة للشعب، و لِتحالفاتها السياسية، وحتى لِعملياتها الحربية. إن الحفاظ على استراتيجية المراحل يقود هذه الأحزاب إلى اعتبار خاطئ لسلسلة من الحكومات البرجوازية ذات التوجه الاشتراكي الديمقراطي، حكومات "تقدمية - مناهضة للإمبريالية".
أثرت الحرب الإمبريالية في أوكرانيا على صيغ التعاون الأممي التي يشارك فيها حزبنا. كان على المجلة الشيوعية الأممية أن تمر بمرحلة إعادة تشكيل، بينما تم تشكيل صيغة النشاط الشيوعي الأوروبي، بدلاً من المبادرة الشيوعية الأوروبية التي تم حلها. و تعزز الصراع الأيديولوجي السياسي في إطار اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، التي أقيمت في هافانا (2022) وإزمير (2023)، حيث أعربَ عنه في تموضعات الأحزاب الشيوعية وفي قرارات منفصلة.
إشكاليٌ للغاية هو وضع اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، فقد ضعفت بنحو هام مسائلُ العمل المشترك والتضامن، مع وجود حالات نموذجية كتلك المحيطة بالحزب الشيوعي الفنزويلي والتضامن مع شعوب الشرق الأوسط. و يتشكَّل وضعٌ يُهدد استمراريتها، في حين تنشأ و بمشاركة أحزاب شيوعية صيغ ("منصات" و"منتديات") تغسلُ و تُبيض مخططات إمبريالية وتسعى إلى جرّ الحركة الشيوعية نحو خدمة المحور الإمبريالي الأوراسي المتواجد قيد التشكل، على غرار حزب اليسار الأوروبي، الداعم للاتحاد الأوروبي الإمبريالي.
يتدخَّلُ حزبنا في هذا الوضع الصعب والمعقد، داعماً الأحزاب الشيوعية التي نتعاون معها، ناشراً مواقفه بشأن الحرب الإمبريالية وسلسلة من القضايا الحاسمة الأخرى، من أجل فتح نقاش ضمن صفوف الأحزاب الشيوعية و منظمات الشباب الشيوعي.
إلى جانب الأحزاب التي نتعاون معها بشكل وثيق، هناك أحزاب شيوعية في جميع القارات، نحافظ معها على علاقات جيدة، و ترصد معالجات حزبنا و تقيّم نشاط الحزب الشيوعي اليوناني بإيجابية.
المطلوب:
- تعزيز تضامننا الأممي ضد العدوان الإمبريالي والقمع ومعاداة الشيوعية، مع دعم منهجي للمبادرات ونضالات العمال والشعب، وضد المشاكل التي تواجهها الأحزاب الشيوعية والنقابات والقوى العمالية والشعبية.
- الحفاظ على التعاون وتعزيزه مع الأحزاب الشيوعية المنضوية في شكلي: النشاط الشيوعي الأوروبي و المجلة الشيوعية اﻷممية مع صياغة خطة لتطوير العمل والتعاون المشترك مع الأحزاب الشيوعية، وكذلك مع قوى شيوعية تتابع بنحو إيجابي تحركات الحزب الشيوعي اليوناني والشبيبة الشيوعية اليونانية، و تقلقُ بشأن وضع الحركة الشيوعية.
- الدفاع وفقاً لما يعتمد ذلك علينا، عن أي خصائص شيوعية باقية في اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، مع الاستعداد لجميع الاحتمالات.
و بنحو خاص نسعى نحو العمل والتعاون المشترك مع الأحزاب والقوى الشيوعية التي تستوفي المعايير التالية:
أ - تدافع عن الماركسية - اللينينية والأممية البروليتارية و عن حاجة تشكيل قطب مماثل.
ب - تكافح الانتهازية والإصلاحية، و ترفض إدارة يسار الوسط للرأسمالية و كافة أشكال اﻹدارة البرجوازية و المشاركة و دعم الحكومات البرجوازية و كافة تلاوين استراتيجية المراحل.
ج - تدافع عن حتميات الثورة و البناء الاشتراكيين. و وفق هذه الحتميات تحكم على مسار البناء الاشتراكي، و تسعى في نفس الوقت إلى البحث في مشاكله و أخطائه وإدراكها و إلى استخلاص الدروس منها، و ترفض الأطروحات بشأن "الاشتراكية مع سوق" أو إنكار حتميات البناء الاشتراكي بسبب الخصوصيات الوطنية.
د – تدين الحرب اﻷمبريالية و تبرز مسؤوليات كل أطرافها الطبقات البرجوازية. و تمتلك جبهة أيديولوجية ضد الرؤى الخاطئة عن الإمبريالية، و خاصة ضد تلك التي تفصل العدوانية العسكرية - الحربية عن المحتوى الاقتصادي للإمبريالية، و تقيم جبهة ضد سائر التحالفات الامبريالية و لا تقوم بالاختيار بين أحد طرفي الصدام اﻹمبريالي.
ه - تُطوِّر روابط مع الطبقة العاملة، و تحاول أن تنشط في الحركة النقابية و حركات القطاعات الشعبية من الشرائح الوسطى وتسعى إلى دمج الصراع اليومي من أجل الحقوق العمالية الشعبية في استراتيجية ثورية عصرية من أجل السلطة العمالية.
و - لا تفصل الصراع ضد الحرب والفاشية عن الصراع ضد الرأسمالية، التي تلدُ الحرب والفاشية. و ترفض "مناهضة الفاشية" الزائفة و مختلف "جبهات مناهضة الفاشية" التي تستخدمها القوى البرجوازية والانتهازية لإيقاعهم في فخ مخططاتها.
أسهمت منظمات الحزب في الخارج بعطاء كبير في دعم و ترويج سياسة الحزب الشيوعي اليوناني في البلدان التي تناضل فيها، ويمكنها اليوم أن تُسهم بنحو أكثر جوهرية في تطوير الحركة الشيوعية والعمالية. إن الأساس الموضوعي لهذا التوجه السياسي هو أن أعضاء الحزب الشيوعي اليوناني والشبيبة الشيوعية اليونانية في الدول الأجنبية يواجهون نفس المشاكل، أو مشاكل مشابهة، التي تواجهها بقية القوى العمالية الشعبية في البلدان التي يقيمون ويعملون ويدرسون فيها.