Skip to content

المؤتمر اﻠ22 للحزب الشيوعي اليوناني:موضوعات اللجنة المركزية المقدمة نحوالمؤتمر اﻠ22 للحزب الشيوعي اليوناني

Date:
ديسمبر ٢, ٢٠٢٥
22o-synedrio-kke_Ar_theseis

المحتويات

 المقدمة

 

الفصل الأول

الحزب في اليونان، في أوروبا، في العالم، ضمن ظروف توازن سلبي إجمالي، في النضال من أجل إسقاط الرأسمالية

أ. الواقع الدولي الراهن

      1.            تقييم إجمالي لوضعنا الراهن

      2.            التنمية غير المتكافئة واحتدام المزاحمة

      3.            مسار الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو 

      4.            الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، مواقف الحزب الشيوعي اليوناني بشأن أسباب الحرب وطبيعتها، وخطر تعميمها

      5.            الحرب الإمبريالية في الشرق الأوسط، أهداف إسرائيل - الولايات المتحدة الأمريكية - حلف شمال الأطلسي، إبادة الشعب الفلسطيني، التضامن الأممي معه و دعم نضاله العادل

      6.            بؤر صراع وتوتر مهمة أخرى اليوم 

      7.            التوجهات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي

      8.            موقف الحركة الشيوعية الأممية في الحروب الإمبريالية 

ب. اليونان في العالم الرأسمالي المعاصر 

1. عن الاقتصاد اليوناني 

2. الانعطافٌ نحو اقتصاد الحرب

3. التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي 

4. التناقضات البرجوازية البينية

5. التدهور الإجمالي لوضع الشعب 

6. تعاظُم عدوانية الطبقة البرجوازية اليونانية و تَعمق تورط اليونان في الحروب الإمبريالية

7. مسار العلاقات اليونانية التركية

8. مسار المشكلة القبرصية

9. حول مسألة الهجرة واللجوء

ج. التفاعلات الجارية في النظام السياسي اليوناني البرجوازي

1. ضمن أية ظروف تُصاغ هذه التفاعلات

2.  ما هي العناصر الأساسية للتفاعلات الجارية في النظام السياسي

3. تطورات رجعية في العدالة البرجوازية و مداخلة الحزب بها

4. خاصة فيما يتعلَّق بالإدارة المحلية والإقليمية

 

الفصل الثاني

حزبٌ شيوعي مكتمل الجهوزية، كفؤ أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً لقيادة الصراع العمال الشعبي من أجل إسقاط الرأسمالية و بناء الاشتراكية

أ. من أجل تعزيز العمل الإرشادي و الصراع الأيديولوجي والسياسي، من أجل إسقاط الرأسمالية في ظروف تناسب  قوى سلبي شامل

1. نتفقََّدُ قواتنا

2. محاور التدخل في ظروف الحرب الإمبريالية 

3. إعداد مصيري متكامل الجوانب للحزب

ب. نستعدُّ في ظروف صعبة، لاحتمال حدوث تحولات فجائية و منعطفات في الصراع الطبقي 

1. بناء الحزب كمسألة تتأثر بعوامل عديدة

2. فلنربُط بنحو أفضل أهداف التعزيز التنظيمي بأهداف تعزيزه الأيديولوجي، باعتبارها مهمة واحدة

ج. فلنُقدم على خطى جريئة في بناء الحزب، في التجنيد و تجديد وتنمية صفوف الحزب 

1. الوضع التنظيمي الحالي للحزب وتركيبته

2. فلنُقدم على خطى جريئة في بناء الحزب 

د. تحسين وظيفة الحزب وعمل الهيئات اﻹرشادي، والمجموعات الحزبية في الحركة، و المنظمات القاعدية الحزبية، و نشر القوى والكوادر 

1. فلنُقدم على خطى أكثر حسماً في عمل وظيفة المنظمات القاعدية الحزبية

2. الوظيفة المستقرة والثرية للمنظمات القاعدية الحزبية، هي عامل مصيري

3. هامٌ هو دور سكرتير و مكتب المنظمة القاعدية الحزبية

4. نشر المنظمات الحزبية القاعدية

5. فلتتعزز اليقظة السياسية، و حماية الحزب، والإعلام السياسي في جميع الاتجاهات في الأزمنة الحالية الصعبة

6. بنحو خاص فيما يتعلق بمسار العمل المتخصص للحزب والشبيبة الشيوعية في صفوف النساء ذوات اﻷصول والانتماء العمالي - الشعبي. 

7. تحسين وظيفة الهيئات الإرشادية للجان القطاعية هو مسألة حرجة

8. دور لجان و مكاتب المنظمات المنطقية

9. بالنسبة للجان المساعدة للهيئات الإرشادية

10. عن المجموعات الحزبية

11. العناية بتدريب الكوادر وترقيتها

هـ. العمل النظري الأيديولوجي في الحزب والشبيبة الشيوعية، هو معيارٌ أساسي لِصعود التدخل الطليعي للحزب 

1. تقييم عام

2. نسخِّر و نوسِّع كل ما حققنا من إنجازات هامة من المؤتمر اﻠ21 إلى المؤتمر اﻠ22

3. "ريزوسباستيس" الواجب الأول لكل عضو في الحزب 

4. الترويج والاستخدام المنهجي لمجلة "كومونيستيكي إبيثيوريسي" و منشورات دار "سينخروني إبوخي" كعنصر من عناصر العمل الإرشادي

5. تحسين جوهري في تشكيلة و وظيفة و استخدام اللجان اﻷيديولوجية و غيرها و تفصيل مهام الصراع

6. من أجل ترقية نظام التثقيف الداخلي الحزبي ومدارس أنصار الحزب

7. من أجل الدعم الأيديولوجي للشبيبة الشيوعية اليونانية والعمل الأيديولوجي بين الشباب 

8.  ترميز بعض الجبهات الأساسية للنضال الأيديولوجي، التي ينبغي رفع القدرة النسبية للمنظمات القاعدية الحزبية كما و ﻷعضاء الحزب  جماعياً وفردياً

و. من أجل ترقية العمل و تربية الشبيبة الشيوعية اليونانية

من أجل تدخل الحزب في أعمار الشباب الأصغر

 

الفصل الثالث

تدخل الحزب في الطبقة العاملة و الحركة النقابية العمالية، و في صفوف القوى الاجتماعية الحليفة، من أجل صياغة تحالف مناهض للرأسمالية والاحتكارات

أ. بشأن الحركة النقابية العمالية و مسائل الصراع الأيديولوجي والسياسي

1. أين نتواجدُ اليوم

2. تتعزَّزُ التحركات الكفاحية

3. حاسمٌ هو دورُ الحزب في الصراع من أجل ماهية الحركة و النضال الطبقي المطلوب اليوم

4. تدخل الحزب ومسؤولية الحركة العمالية تجاه التحالف الاجتماعي في اتجاه مناهض للرأسمالية والاحتكارات

ب.  مهام الحزب تجاه العاملين لحسابهم الخاص في المدينة وحركتهم 

1. الشرائح  الشعبية الوسطى في المسار الممتد من المؤتمر اﻠ21 إلى يومنا هذا. متطلبات خاصة للصراع الأيديولوجي السياسي ضمن صفوف العاملين لحسابهم الخاص

2. المشكلة الرئيسية للعمل الحزبي 

ج. تقييم بشأن حركة المزارعين المكافحين من أجل البقاء و نشاط الشيوعيين ضمنها 

1. وضع المزارعين المكافحين من أجل البقاء، وإعادة بناء الحركة مع تعزيز التوجه المناهض للاحتكارات

2. حول قدرتنا الإرشادية

د. حول نشاط الشيوعيات في الحركة النسائية الجذرية (الاتحاد النسائي اليوناني)

الخطوات التي نحصي إنجازها منذ المؤتمر اﻠ21

هـ. توجه الحزب و مداخلته، والحركة العمالية، والتحالف الاجتماعي تجاه المشاكل الحادة التي تواجه حياة الشعب والشباب

1. الاستراتيجية البرجوازية في مجال التعليم وتدخل الحزب في الحركة - المهمة الأساسية للحزب في مواقع التعليم

2. عن نشاطنا في مجال الصحة – و بنحو أكثر تحديداً. بشأن مداخلتنا في مجالات الرعاية الاجتماعية

3. من أجل ضمان الإسكان الشعبي و الصراع ضد المزادات 

4. عن نشاطنا في مجال الثقافة 

5. عن حماية البيئة 

6. عن تسخير الوقت الحر، من أجل التربية البدنية والرياضة

7.  الصراع ضد المخدرات ومختلف صيغ الإدمان

الفصل الرابع

جردة حساب اللجنة المركزية و تخطيطها الجديد

ترميز المهام المحددة المتعلقة بمعالجاتنا القادمة حتى المؤتمر اﻠ23

 

الخاتمة 

موضوعات اللجنة المركزية

نستقبل المؤتمر اﻠ22 للحزب الشيوعي اليوناني بروح من المسؤولية والفخر، وتفاؤل واقعي نضالي، من أجل حقِّ نضالنا و الترويج لبرنامجنا، من أجل حياة خالية من الاستغلال والحروب الإمبريالية، مع كرامة ورخاء اجتماعي، وفق ما يليق مع الحاجات المعاصرة للطبقة العاملة و باقي القوى الشعبية والشباب، وفق ما يليق بالقرن اﻠ21.

قبل عام، ومع دخول اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني المرحلة النهائية قبل المؤتمر اﻠ22، كانت قد قدَّمت و بنحو ناجز قراراتها إلى الحزب بأكمله من أجل نقاشها، وهي المتعلقة بالتطورات على جبهات الحرب الإمبريالية ومهامنا، و بمسار بناء الحزب والشبيبة الشيوعية اليونانية، والعمل الأيديولوجي والسياسي للحزب، ومسار صحيفة "ريزوسباستيس"، بالإضافة إلى استنتاجات عملنا في الحركة العمالية النقابية ونضالات الشعب. حيث شكلت هذه القرارات عناصر استعداد جوهري، و استيعاب أعمق لتقييمات واستنتاجات حاسمة لكي تُدرك بنحو أفضل ظروف نشاطنا، لكي نتجاوب مع غرض وجود الحزب. باعتبارنا طليعة أيديولوجية وسياسية، نرشد الطبقة العاملة لتحقيق رسالتها التاريخية، وهي تحريرها من قيود الاستغلال الرأسمالي، وبناء مجتمع اشتراكي- شيوعي جديد.

إن الموضوعات من أجل المؤتمر اﻠ22، التي ننشرها، تُرمِّز وتُدمج النقاش الغني الذي سبق إجرائه، من خلال الإجتماعات العامة المتكررة للمنظمات القاعدية الحزبية في جميع أنحاء اليونان والخارج. حيث نطمح، مع  النقاش السابق للمؤتمر و أعمال مؤتمرنا ذاتها، إلى أن يتخذ الحزب خطوة أخرى كبيرة و راسخة في تطوير جميع خصائصه الثورية العصرية.

إن الموضوع المركزي للمؤتمر اﻠ22 هو الحزب. الحزب الذي يجب أن تكون وظيفته بالكامل، وحالة قواته، منسجمة بنحو كامل وبوتائر أسرع وأكثر نجاعة مع برنامجه الثوري ونظامه الداخلي، ليكون فعلاً "حزب السراء و الضراء"، "حزباً جاهزاً لكل شيء"، لا كشعار أو كهدف عام، بل هدفاً ينطبعُ في عمله و عطائه اليومي، موقظاً لضمير العمال والشعب، و مرشداً لصراع شعبنا من أجل الاشتراكية. تتعلق قدرة حزبنا وإعداده بكل من الاستعداد البرنامجي الاستراتيجي المقابل، و أيضاً بسياسته التنظيمية الحالية وعمله في الظروف الحالية، ضمن وحدة لا تنفصم.

 حاسمة هي مسألةُ الجمع بين برنامجنا الثوري والنشاط اليومي الثوري في جميع القطاعات، في كل حلقات العمل الإرشادي. و خلاف ذلك، فحتى في وضع غير ثوري، كالحالي، ينبغي علينا القيام بعمل تحضيري ثوري وفق المنظور. يجب علينا القيام بعمل منهجي، وإقناع المزيد والمزيد من العمال و العاملات، من العاملين في القطاعين الخاص والعام، وكذلك ضمن الشرائح الشعبية الأوسع، بالقطع نهائياً عن الأيديولوجيا البرجوازية بكل صيغها (الليبرالية، الاشتراكية الديمقراطية، إلخ)، والانتهازية، وجميع الأحزاب البرجوازية، مهما كانت عباءتها و تكثيف و تعزيز نضالاتهم ومطالبهم وتحركاتهم الإضرابية والمظاهرات والحركة الثورية بكل قوتهم، دون ندم على التضحيات، ودون حدود لعطائنا من خلال تنظيم استعداد مواظب مديد اﻷعوام .

يستند التقييم الشامل لمسار الحزب و إسهام هيئاته الإرشادية وكوادره وأعضائه في هذا المسار، إلى ما إذا كان عملنا الإرشادي يتوافق مع الطابع الثوري الذي اكتسبه الحزب في برنامجه و نظامه الداخلي، وهي مسألة يجب تأكيدها باستمرار في كل مؤتمر،  و بالتأكيد مع إثرائه بالتطورات نفسها وتعميم تجربة الصراع الطبقي. إن الخطوات الإيجابية الشاملة التي لا يُشكك بها، المسجلة في العديد من مجالات عملنا يجب ألا تُخفي أوجه الضعف والثغرات والنقائص، بهدف المواءمة الكاملة للحزب بمجمله مع برنامجنا الثوري.

إن السؤال الذي يُطرح ويجب أن يبقى ضمن انتباهنا باستمرار هو كيفية امتلاك الطابع الثوري الطليعي للحزب ضمن أدائه. حيث نركز على مسألة أداء المنظمة الحزبية القاعدية، لأن جميع أوجه الضعف الإرشادي تتجلى في هذا المستوى. حيث من المُثبت أن استعداد كل شيوعي و شيوعية وقدرتهم، وإرادتهم، وعملهم المتفاني، أينما كان، وفي جميع الظروف، هي عناصر عامة وإلزامية وموحدة. حيث الضروري أن يبرزوا كقادة شعبيين في موقعهم وفي بيئتهم، وأن يتركوا بصماتهم في كل مكان، مستعدين لمواجهة كل صعوبة.

و بالتالي، فإن المطلوب هو تنظيم العمل اليومي للحزب إجمالاً بنحو نوعي أفضل. لكي ننشط بين مئات الآلاف من العمال، والمزارعين الفقراء، والعاملين لحسابهم الخاص في المدن، الذين يعانون من النظام الرأسمالي، ومن ويلات الحروب والاستغلال والنهب الضريبي وغيرها الكثير من المشاكل، والتي، بعبارة أخرى، لا سبيل لهم للتحرر منها إلا بإسقاط الطبقة البرجوازية وتأسيس سلطة العمال، مع شرح ذلك بنحو محدد وبسيط ومفهوم للجماهير العريضة، لملايين جماهير الشعب. لكي نتحدث مبرزين خصائص المجتمع الاشتراكي الذي نخطط ونسعى لبنائه، مع شروط التخمير والإعداد اعتباراً من اليوم. و لكي نُعدَّ القوى العمالية الشعبية الحليفة الطليعية لاكتساب خبرة صدامات قاسية للصراع الطبقي.

ينشط الحزب الشيوعي اليوناني في اليونان، وأوروبا، وفي المنطقة الأشمل، في ظروف صعبة للغاية و تناسب قوى سلبي إجمالي، في النضال من أجل الإطاحة النهائية بالرأسمالية، من أجل بناء الاشتراكية - الشيوعية، النظام الوحيد القادر على وضع حد للحروب الإمبريالية والفقر والاستغلال واللجوء والاضطهاد.

الفصل الأول - الحزب في اليونان، في أوروبا، في العالم، ضمن ظروف توازن سلبي إجمالي، في النضال من أجل إسقاط الرأسمالية

أ. الواقع الدولي الراهن

 

  1. تقييم إجمالي لموقعنا الراهن

بعد انقضاء 35 عاماً على انقلابات الثورات المضادة، لا يزال تناسب الصراع الطبقي سلبياً على مستوى العالم، رغم مشاكل الرأسمالية وتفاقم تناقضاتها. حيث تمكَّنت السلطة الرأسمالية ليس فقط من احتواء قطاعات من الطبقة العاملة، والحركة النقابية العمالية، والشرائح الوسطى الشعبية، بل و أيضاً من احتواء أحزاب شيوعية. ومع ذلك، فإن التطورات نفسها تُظهرُ و بنحو متزايد، نظاماً هَرِماً، متعفناً، عفا عنه التاريخ الآن.

اتسعت الهوة القائمة بين الثروة المتركزة لدى المجموعات الاحتكارية والفقر النسبي والمطلق الذي تعاني منه الغالبية العظمى من العمال، خلال في الفترة التي نفحصها منذ المؤتمر اﻠ21 للحزب.

و  بدلًا من استغلال الإمكانات التكنولوجية الجديدة والتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي المتواجدة في أيدي رأس المال، من أجل إرضاء كامل الحاجات الاجتماعية المتوسعة، فهي تُسخَّرُ من أجل زيادة الربحية وتركيز رأس المال، وزيادة درجة الاستغلال، و التلاعب بالطبقة العاملة والشعب بنحو أشمل. حيث يقود تسخيرها الرأسمالي إلى تَعملقِ تناقضات النظام الرأسمالي نفسه.

إن تعزيز اتجاه الإفقار النسبي والمطلق والبطالة طويلة الأمد، وإلغاء استخدام الإمكانات العلمية والتكنولوجية الحديثة لحماية صحة الشعب، وتلبية حاجاته التعليمية، وحماية البيئة، يُبرز تفاقم التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل، و بنحو أكثر إجمالاً، تفاقم مجموع التناقضات الاجتماعية في إطار النظام الرأسمالي.

يُبرز تباطؤ الاقتصاد العالمي في السنوات الثلاث الماضية، مقارنةً بالمعدل الوسطي الطويل الأجل المسجل خلال الفترة 2000-2019، الحجم الكبير لرأس المال المفرط تراكمه، والذي من غير الممكن إعادة رسملته واستثماره بنحو يضمن نسبة ربح مُرضية. و يُشكِّلُ الركود الاقتصادي في منطقة اليورو، خاصةً في ألمانيا، وكذلك في اليابان في آسيا، والتباطؤ الطفيف في الولايات المتحدة الأمريكية، وتراجع زخم النمو في الصين والهند، أوجهاً مميزة للوضع الفعلي للاقتصاد الرأسمالي الدولي.

ينشأ كِلا فرط تراكم رأس المال وظهور الأزمات دورياً، نتيجةً الأداء الطبيعي للاقتصاد الرأسمالي. ولا يشكلان انحرافاً عنه، وفق ما تريد إبرازه التحليلات البرجوازية. و يولدان من التناقض المتواجد في نواة وظيفة النظام الرأسمالي في مجال الإنتاج.

ثّبُتَ أيضاً في الفترة السابقة و عن جديد، أن ما من مقترح للإدارة البرجوازية، سواءً أكان كينزياً أم نيوليبرالياً، توسعياً أم انكماشياً، هو بقادرٍ على إلغاء حتميات الإنتاج الرأسمالي، عن إلغاء التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج والاستحواذ الرأسمالي على نتائجه، و هو الذي يُشكل التناقض الأساسي لنمط الإنتاج الرأسمالي والسبب الرئيسي لأزماته الاقتصادية.

أُعيد اختبار جميع خيارات الإدارة (كزيادة أسعار الفائدة ثم خفضها من قبل البنوك المركزية في المراكز الإمبريالية، وحزم المساعدات الحكومية الكبيرة ﻠ"التحول الأخضر")، وتأكّد لمرة أخرى، أنها لا تُخفّف من حدة التناقضات إلا مؤقتاً، ولا يُمكنها مواجهة التناقضات المتأصلة و المتعاظمة في النظام الرأسمالي.

في هذا الإطار، ومع التسليم بتفاقم التناقضات الإمبريالية البينية، يُروّج للانعطاف نحو اقتصاد الحرب والتحضير لحرب إمبريالية واسعة النطاق، بهدف تأجيل الأزمة الرأسمالية الكبرى القادمة عبر الاستثمار في اقتصاد الحرب، من جهة، وتهيئة الظروف لعملية منضبطة لخفض قيمة وتدمير رأس المال على نطاق واسع في مختلف بؤر الحرب، من جهة أخرى. ويُرفق هذا الانعطاف مع زيادة درجة استغلال العمال، و تخفيض الإنفاق على السياسات الاجتماعية، و تشديد الاستبداد والقمع في جميع المراكز الإمبريالية.

يَثبُتُ و لمرة أخرى أن ما من جريمة يتورع رأس المال الكبير عن ارتكابها، من أجل الحفاظ على سلطته وزيادة أرباحه.

ولنفس الأسباب التي تدفعه إلى تصعيد هجومه على دخل العمال وحقوقهم في فترة السلم الإمبريالي، فهو يخطط لجر الشعوب إلى ساحة المواجهات الحربية.

تؤكد جملة التطورات أن الرأسمالية هي نظام عفا عليه الزمن تاريخياً. و تضيء واقعة كون المنفذ التقدمي الوحيد لعصرنا هو الانتقال الثوري نحو الاشتراكية – الشيوعية.

  1. التنمية غير المتكافئة واحتدام المزاحمات

تؤثر التنمية غير المتكافئة على تحول تناسب القوى، و يفاقم حدة التناقضات بين التحالفات الإمبريالية، و داخل التحالفات الحالية، و يُفاقمُ كذلك، التناقضات البرجوازية البينية في الدول الرأسمالية.

هذا و تسبَّبت المزاحمة الإمبريالية من أجل السيطرة على الثروات الباطنية، ومصادر الطاقة، والأراضي الخصبة، وموارد المياه، وطرق نقل الطاقة والسلع، وتأمين الركائز الجيوسياسية، وحصص الأسواق، في نشوبِ حربين إمبرياليتين إقليميتين، في أوكرانيا والشرق الأوسط، يتورط بهما بهذا الشكل أم سواه، عدد كبير من الدول الرأسمالية في العالم. إضافةً إلى ذلك، هناك عشرات البؤر الساخنة في جميع القارات، التي تسفك دماء شعوبها من أجل مصالح الاحتكارات والطبقات البرجوازية. و يجري ترتيب للتحالفات الإمبريالية وإعادة ترتيبها، و تحتدم التناقضات داخل صفوفها.

إن التشكيك في صدارة الولايات المتحدة الأمريكية و كتلة قوى الناتو والاتحاد الأوروبي في النظام الإمبريالي الدولي هو عنصر أساسي في الصراع على المستوى الدولي.

و مقابل التحالف الأوروأطلسي يبرزُ التحالف الأوراسي المتواجد قيد التشكُّل، و هو المطالب بموقع الصدارة من الولايات المتحدة الأمريكية في النظام الإمبريالي الدولي مع الصين ضمن قواه الرئيسية، وروسيا، التي لا تزال ثاني أعتى القوى الحربية. و على الرغم من تنوع الصيغ التي يتخذها هذا التحالف، فهو أقل "تبلوراً" من التحالف الأوروأطلسي (الولايات المتحدة الأمريكية - الناتو - الاتحاد الأوروبي)، حيث تُؤثر في ذلك أيضاً، التناقضات المتمظهرة  في صفوفه وتدخلات التحالف الأوروأطلسي.

حيث تحاول الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال تحافظ على الصدارة، التصدي لاتجاه تحوُّل التناسب لصالح الصين. و ينطبعُ هذا الاتجاه في تراجع حصة الولايات المتحدة في الناتج  الإجمالي العالمي والزيادة الكبيرة في حصة الصين في الفترة 2000-2025، وفي الفارق الكبير في معدل النمو بين الولايات المتحدة والصين، وفي العجز التجاري الأمريكي الكبير في التجارة الثنائية مع الصين والاتحاد الأوروبي، وفي الزيادة المذهلة في مديونية الدولة الأمريكية. حيثُ بدأت مؤسسات رأس المال المالي الدولية سلفا في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة.

و في هذا اﻹطار، تُعزز إدارة ترامب الجديدة بنحو هام الإجراءات الحمائية التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة، بزيادة التعريفات الجمركية، وتهدد بتصعيد الحرب التجارية، حتى مع حلفائها في المعسكر الأوروأطلسي. كما أنها تتخلى عن التزاماتها الدولية تجاه "التحول الأخضر"، وتُعزز استخراج احتياطات الهيدروكربونات. وتُسهّل تخفيضاً نسبياً في قيمة الدولار من اجل تعزيز الصادرات الأمريكية مع زيادة الضغط على الصين، بهدف منع توسع نفوذها وتعزيز تدفق رؤوس الأموال نحو الولايات المتحدة.

تسعى إلى تقويض نفوذ الصين في تحالف البريكس المتواجد قدر التشكُّل، من خلال محادثات ومفاوضات خاصة مع روسيا والهند، وإضعاف مشروع "طريق الحرير" الصيني، الذي يعزز روابط الصين الاقتصادية مع الدول الآسيوية والأوروبية.

تُفاقم السياسة الأمريكية التناقضات داخل المعسكر الأوروأطلسي، وتُؤدي إلى تدهور علاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا. و تُفاقم التناقضات الأمريكية البرجوازية البينية، التي تنعكس أيضاً في التفاعلات الجارية ضمن النظام السياسي البرجوازي. و تزيد من احتمالات إضعاف الدولار كعملة دولية. و تُؤثر سلباً على التجارة الدولية معززة  اتجاه تباطؤ الاقتصاد الرأسمالي الدولي.

و بالتوازي، اتخذت الصين سلسلة من الإجراءات لمواجهة ضغط السياسة الحمائية الأمريكية. فقد قللت من اعتمادها على السوق الأمريكية في صادراتها، وموّلت بسخاء تطوير التكنولوجيا الجديدة المحلية والاستهلاك المحلي. كما أنها تستفيد من مكانتها المتميزة في الإنتاج الصناعي وسلاسل التوريد، وخاصةً في مجال التحكم في العناصر اﻷرضية النادرة التي تلعب دوراً مهماً في قطاعات مهمة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كصناعة السيارات، والصناعة العسكرية، والديناميكا الهوائية. و هي تعزز تحالفها الاستراتيجي مع روسيا و زخم مجموعة البريكس، التي تضم الآن 10 دول و10 دول أخرى كشركاء متعاونين. ولهذا السبب، تضطر الحكومة الأمريكية على الرغم من تصريحاتها العدوانية في الحرب التجارية، إلى تقديم تنازلات - اتفاقيات  مؤقتة مع الصين.

 تُعدّ جمهورية الصين الشعبية اليوم المثال الأبرز على عملية إعادة تنصيب الرأسمالية بقيادة حزب شيوعي اندمج في السلطة الرأسمالية، مستغلاً إمكاناته لتوسيع تدخل الدولة في الاقتصاد، إلا أن تلك الواقع لم تُخفّف إطلاقاً من التفاوت الاجتماعي والاستغلال الطبقي في الصين، كما يجري في سائر أنحاء العالم الرأسمالي.

 تتفوق دول البريكس الآن بنحو كبير على مجموعة الدول السبع الكبرى من حيث حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي والقوى العاملة. وقد أنشأت هذه الدول بنكاً تنموياً (NDB) وصندوقاً مشتركاً للاستجابة للطوارئ (CRA)، و تقدمُ على خطى من أجل تعزيز معاملاتها الثنائية بالاعتماد على عملاتها الوطنية لا على الدولار، إلا أن هيكلها لا يزال فضفاضاً، دون التزامات صارمة، ويشهد تناقضات داخلية (خاصة بين الصين والهند).

بإمكان احتدام التناقضات الإمبريالية البينية توسيع التصدعات القائمة في المحور الأوروأطلسي خلال السنوات القادمة. وتُسجَّل سلفاً اختلافات جوهرية، وتتزايد التباينات في المواقف تجاه الحرب في أوكرانيا، وبشكل أعم تجاه روسيا والصين والتعريفات الجمركية التجارية، والإنفاق العسكري، و تجاه "التحول الأخضر".

و يتراجع الاتحاد الأوروبي، ويشهد تراجعاً في مكانته ضمن المزاحمة الدولية مقارنةً بالولايات المتحدة والصين.

في ظل هذه الظروف، يتضاءل و باطراد احتسابُ الوسائل الدبلوماسية بالنسبة للدول البرجوازية، وتُعطى الأولوية للحروب التجارية والاقتصادية، وكذلك للجهوزية الحربية. ويُلاحَظ وجود نزوع أشمل نحو ما يُسمى باقتصاد الحرب.

  1. مسار الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو

يتواجدُ اقتصاد منطقة اليورو في ركود نسبي خلال السنوات الثلاث الماضية، بمعدل نمو لا يتجاوز 0.5%. تشير أكثر التوقعات تفاؤلاً إلى إمكانية الوصول إلى 1.1% عام 2025.

و يُسجَّلُ تراجعٌ في تنافسية الاتحاد الأوروبي مقارنةً بالولايات المتحدة الأمريكية والصين، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب: تكاليف طاقة أعلى، تأخر في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة عموماً، درجة أعلى في الانفتاح الاقتصادي مما يجعله أكثر عرضة للحرب التجارية، واعتماده الكبير على واردات المواد الأولية الأساسية (كالعناصر اﻷرضية النادرة).

إن التصعيد المحتمل للحرب التجارية من قبل الحكومة الأمريكية في ترابط مع الارتفاع النسبي لقيمة اليورو مقابل الدولار، والارتفاع النسبي في أسعار الطاقة، سيؤثر سلباً على صادرات السلع من منطقة اليورو.

و فوق هذه اﻷرضية، تتفاقم التناقضات البرجوازية البينية داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (كفرنسا وألمانيا وهولندا) وبين الدول بسبب الاختلاف الموضوعي في وضع مالياتها العامة، واختلاف عواقب تطبيق "التحول الأخضر" والانعطاف نحو اقتصاد الحرب، ومعاملة مسألة الهجرة، و بنحو أشمل نظراً  لتأثير التنمية الرأسمالية غير المتكافئة. هذا و تجاوزت تسع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، سلفاً حدود ماليتها العامة (كفرنسا وإيطاليا وبلجيكا). وتتعلق الخلافات أيضاً بالموقف تجاه سياسة ترامب، وكذلك تجاه روسيا والصين (كالمجر وسلوفاكيا وبولندا).

و في أي حال، فإن الاتحاد الأوروبي يسير على طريق الرجعنة اﻷبعد. حيث يشترطُ تنفيذ توجهات الاتحاد الأوروبي تصعيد الهجمة على دخل الشعب وحقوقه، وتوسيع علاقات العمل المرنة وحدود سن التقاعد، وتخفيضات جديدة في الإنفاق على السياسات الاجتماعية (مثل: مجال الصحة)، وزيادة الفقر النسبي والمطلق للعمال.

و في الوقت نفسه، تُبرز قيادة الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي تصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، باعتباره فرصة لتسريع محاولات تامين "الاستقلال الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي". و على وجه التحديد: يحاول الاتحاد الأوروبي تحسين مكانة اليورو كعملة دولية، وعكس تدفقات رأس المال (من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي) وتوسيع تحالفاته الدولية.

حيث ينضوي ضمن هذا اﻹطار الانعطافُ نحو اقتصاد الحرب وتعزيز القوى العسكرية للاتحاد الأوروبي. و يترافقُ هذا التحول مع زيادة كبيرة في تمويل الاتحاد الأوروبي وإعادة توزيعه في اتجاه تكييف العديد من قطاعات الاقتصاد والبحث العلمي مع اقتصاد الحرب (مشروع "ReArm Europe" لاستخدام ما يصل إلى 800 مليار يورو، والأداة المالية SAFE، وغيرها).

وبالتأكيد، فإن الانعطاف نحو اقتصاد الحرب ينطوي على تناقضات، ما دام موقف الاتحاد الأوروبي في التناقضات الإمبريالية البينية، و كون الغالبية العظمى من دوله الأعضاء أيضاً أعضاءاً في حلف الناتو (باستثناء أيرلندا وقبرص ومالطا)، يقودانه إلى شراء أنظمة أسلحة أمريكية و إلى تعزيز الصناعة الحربية الأمريكية. و بالتوازي، فإن هذا الانعطاف  يُفاقم  تناقضات تتعلق بالتوزيع الجديد لأموال الاتحاد الأوروبي (مثلًا فيما يخص القطاع الزراعي، و"التحول الأخضر")، وكذلك حول أسلوب التمويل (كمثال أشكال الاقتراض المشترك) وتوزيعها.

  1. الحرب الإمبريالية في أوكرانيا، مواقف الحزب الشيوعي اليوناني بشأن أسباب الحرب وطبيعتها، وخطر تعميمها

أبرز حزبنا بنحو ناجز الطابع الإمبريالي للحرب في أوكرانيا على كلا الجانبين. و سجَّلَ أن شعب أوكرانيا يدفع ثمن مزاحمات وتدخلات حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، اللذين يدعمان حكومة زيلينسكي من جهة، وروسيا الرأسمالية من جهة أخرى. و أن ذلك هو ذروة عملية بدأت مع الإطاحة بالاشتراكية و اشتدت على الأقل خلال السنوات العشر الماضية، عقب أحداث ساحة "ميدان" السيئة الصيت، التي أسندت من جانب قطاع من القوى البرجوازية الأوكرانية و كذلك من جانب الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ودول رأسمالية أخرى، وأدت إلى إسقاط الحكومة الأوكرانية، و إلى وقوت اعتداءات على الشيوعيين والسكان الناطقين بالروسية في أوكرانيا، و إلى حظر سائر الأحزاب السياسية التي لا تدعم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.

هذا و عرض الحزب الشيوعي اليوناني للشعب كيفية تراكم "وقود" الحرب. مبرزاً مسؤوليات الطبقات البرجوازية لجميع القوى المتورطة و رافضاً ذرائعها، مع تقديمه الردود ضد تشويه التاريخ الجاري بنحو مناهض للشيوعية والسوفييت، هو تشويهٌ ينخرطُ ينخرط فيه كلا الجانبين المتحاربين. وشدّد على ضرورة الصراع المشترك للشعوب، واصطدم بالتورط المتعدد الأوجه لليونان في الحرب، الجاري بمسؤولية من حكومة حزب الجمهورية الجديدة و سائر الأحزاب اﻷوروأطلسية.

خلال السنوات الثلاث والنصف لهذه الحرب، فقد مئات الآلاف من الأوكرانيين والروس من كلا الجانبين حياتهم، يأتي معظمهم من شباب الطبقة العاملة و الشرائح الشعبية الفقيرة. و نزح ما يقارب 25 مليون شخص من ديارهم. حيث هائلٌ هو تدمير المساكن والبنية التحتية العامة، و تتزاحم الدول الرأسمالية والاحتكارات فوق الأنقاض من أجل "إعادة بناء" أوكرانيا باعتبارها "فرصة استثمارية" ستصل كلفتها مئات المليارات من اليورو، سيدفع الشعب ثمنها باهظاً.

تمكنت البرجوازية الروسية من الاستيلاء على 20% من أراضي أوكرانيا، وتسعى إلى دمج أوكرانيا بهذا اﻷسلوب أم سواه في تحالفاتها الإمبريالية، رادعة انضمام اﻷخيرة إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي. وكهدف وسيط، تُبرزُ القيادة الروسية حالياً نزع سلاح أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو، مع اعترافها في الوقت نفسه بخسارة الأراضي التي استولت عليها روسيا في ساحات المعارك.

وتسعى الطبقة البرجوازية الأوكرانية وحلفاؤها الأوروأطلسيون إلى انسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، مع ترويجها لِمشاركة الناتو بنحو أعمق في الحرب في توازٍ مع دعوة أوكرانيا إليه.

تدعو رئاسة ترامب  إلى تسوية الصراع، دون حل أسبابه، بل من خلال بناء "سلام" مؤقت يمنح اﻷراضي من أجل ربحية الاحتكارات من إعادة الإعمار، ويسمح للولايات المتحدة بتوسيع تعاونها السياسي والاقتصادي مع روسيا، مع إحداثِ شرخٍ في الكتلة الأورواسية المتواجد قيد التشكُّل، سعياً منها إلى تركيز قواها في المواجهة مع الصين، وإعادة ترتيب التوازنات العالمية التي تحكم علاقات التبعية المتبادلة غير المتكافئة في "الهرم" الإمبريالي. هي إعادة ترتيب ينبغي بناءاً على الخطة الأمريكية أن تُفضي إلى عكس اتجاه تقليص نفوذها الحالي.

تُعارض هذه الخطة الدوائر المهيمنة في الاتحاد الأوروبي، التي ترى أن مصالحها الخاصة لا تُؤخذ في الاعتبار. كما و تعارضها قطاعات من رأس المال الاحتكاري و الطبقات البرجوازية لدول أخرى، لها مصالح في استمرار الصراع العسكري وسياسة العقوبات ضد روسيا. إنها مسألة تُفاقم أيضاً من حدة المواجهات داخل اﻹتحاد.

إن تأجيج التناقضات وإعادة ترتيب التحالفات الإمبريالية، على أساس تطور الصدام الإمبريالي والتناقضات الإمبريالية الأشمل، بنحو يحوِّل أعداء الأمس إلى حلفاء والعكس صحيح، ليس شيئًا بمفارقة أو أمراً غير مسبوق، بل هو خاصية مشتركة للحروب الإمبريالية.

و سواء إذا ما استمرت الحرب أم تم التوصل إلى تسوية "سلمية" مؤقتة، فإن أسباب الصدام لا تزال حاضرة، حيث يقف التصعيد وخطر التعميم بالمرصاد، وتبقى الظروف مهيأة لكارثة إنسانية وبيئية كبرى، علماً أن القوى المتصادمة  تستخدم أسلحة متطورة باطراد وأبعد مدى، و حتى في معارك تُخاض بالقرب من محطات الطاقة النووية. و يشتدُّ خطر الكارثة النووية أيضاً لأن روسيا، وكذلك الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي المتورطة في الصراع إلى جانب أوكرانيا، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، تندرجُ ضمن أعتى القوى النووية في العالم.

  1. الحرب الإمبريالية في الشرق الأوسط، أهداف إسرائيل والولايات المتحدة و الناتو، الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، والتضامن الأممي ودعم نضاله العادل

بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وبذريعة هجوم حماس، شنّت آلة الحرب الإسرائيلية عمليةً ضخمة ضد قطاع غزة، أسفرت عن مقتل وجرح عشرات الآلاف من الأبرياء والعُزّل، من أطفال ونساء وشيوخ.

وقف حزبنا باتساق إلى جانب الشعب الفلسطيني، مُنظّمًا تحركات جماهيرية، مطالباً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل حزيران\يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. و خضنا معركةً حاسمةً في المواجهة الأيديولوجية مع ذريعة مكافحة "الإرهاب" أو ما يُشاع عن "حق الدفاع عن النفس" لإسرائيل، وغيرها من الذرائع التي استدعتها الدعاية البرجوازية المهيمنة، بدعم من الحكومة والأحزاب البرجوازية الأخرى، و كذلك ضد الحجج التي يستخدمها الطرف الداعم للمحور الإمبريالي الأوراسي المتواجد قيد التشكل.

لقد استنكرنا وحاربنا موقف الحكومة اليونانية التي ترفض تنفيذ قرار البرلمان اليوناني الذي أقرَّ بالإجماع عام 2015 للإعتراف بالدولة الفلسطينية و"تغسل" جرائم إسرائيل، في تنفيذٍ لاستراتيجية الطبقة البرجوازية للبلاد، التي كانت قد رسمت خطاً للتعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري مع إسرائيل، منذ عهد حكومة حزب الباسوك و رئيس وزرائها يورغوس باباندريو، و توسيع اتفاقيات التعاون لاحقاً من قبل حكومة أندونيس ساماراس (ائتلاف حكومي لأحزاب: الجمهورية الجديدة، الباسوك و اليسار الديمقراطي). هذا و فاوضت حكومة سيريزا – اليونانيين المستقلين و رئيس وزرائها ألِكسيس تسيبراس واتفقت على شروط توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي مع إسرائيل، والتي جرى إقرارها في نهاية المطاف من قبل حكومة حزب الجمهورية الجديدة و رئيس وزرائها/ كيرياكوس ميتسوتاكيس.

إن تعزيز التضامن مع الشعوب التي تناضل ضد الخطط الإمبريالية للولايات المتحدة وحلف الناتو، كشعب فلسطين، هو مسألة ذات أهمية أيديولوجية وسياسية.إن الطابع الإمبريالي للحرب في منطقة الشرق الأوسط، والطابع البرجوازي لمنظمة حماس والسلطة الفلسطينية، لا يُلغي حق الشعب الفلسطيني وسائر شعوب المنطقة في الصراع، و هي الشعوب التي تقاوم و تكافح ضد الاحتلال الأجنبي والمخططات الإمبريالية الأخرى، و باستطاعتها في إطار هذا النضال صياغة المقدمات من أجل التحرر النهائي من نظام الاستغلال والحروب. إن الدفاع عن نضال الفلسطينيين وحقهم في امتلاك وطنهم هو مسألة تضامن أممي، و هو يتطلب قيام جبهة ضد تهم ما يُشاعُ عن "الإرهاب" و"الإرهابيين" التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل، وكذلك، ضد البدعة التي تُطابقُ أي انتقاد ضد دولة إسرائيل بمعاداة السامية.

و عدا احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، فهي تحتل أراضٍ للبنان وسوريا، تسمح لها بين أمور أخرى، بالسيطرة على جزء كبير من موارد المنطقة المائية واستغلالها بنحو تفضيلي.

وتهدف إلى فرض تخطيط أوسع في المنطقة، إما من خلال اتفاقيات اقتصادية على غرار "إبراهام" أو من خلال "سوط" العدوانية العسكرية، من أجل إبرازِ إسرائيل قوة رئيسية في منطقة شرق المتوسط و الشرق الأوسط بأكملها، بما يتفق مع أهداف الطبقة البرجوازية الإسرائيلية ومصالح الولايات المتحدة. ويرتبط هذا المسعى برسم "طريق التجارة الهندي"، الذي سيمر عبر الموانئ الإسرائيلية وصولاً إلى اليونان وأوروبا، مُسهِّلا على الولايات المتحدة خططها الرامية إلى إشراك الهند بنحو كامل في مزاحماتها مع الصين وإيران.

تتغطى قوى إقليمية أخرى (إيران وتركيا) نفسها بعباءة "حماية" الشعب الفلسطيني، ممتلكة تخطيطها الخاص، كالمطالبة بحصة من "فطيرة" طرق شحن البضائع والطاقة من آسيا إلى أوروبا.

و تتستر مصالح مماثلة لرأس المال وراء مواقف الطبقات البرجوازية الأخرى في المنطقة (لمصر، السعودية، الإمارات، قطر، و غيرها).

أدت مزاحمات هذه القوى إلى تبادل ضربات بين إسرائيل وإيران واليمن، وإلى الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلاله أراض له، و كذلك، إلى إسقاط نظام الأسد في سوريا من قبل الجهاديين الذين دربتهم وسلحتهم تركيا. و تتشابك مع هذا التطور أيضاً مسألة الكرد، التي تجري محاولات لتسخيرها في تخطيط متباين على حد السواء من جانب إسرائيل وتركيا، حيث تعزز اﻷخيرة حضورها في سوريا، وتواصل الأعمال العدوانية لطبقتها البرجوازية عبر مطية "العثمانية الجديدة".

و يبقى تدخل الولايات المتحدة قوياً، داعماً لإسرائيل وممالك الخليج، و ساعياً إلى ترتيب للمواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا و لمسألة البرنامج النووي الإيراني، مع تحويل المسألة الكردية لأداة في خدمة أهدافها.

تُظهر جميع هذه المعطيات أن المنطقة لا تزال "رمالاً متحركة" للمزاحمات الإمبريالية، مع صياغة ظروف للمزيد من تصعيد الحرب في الشرق الأوسط والمنطقة اﻷشمل. في هذا اﻹتجاه سار العدوان الجوي والصاروخي المُخطط له من قِبل إسرائيل على إيران في 13 حزيران\يونيو 2025، الذي تبعه عدوان الولايات المتحدة التي استخدمت قاذفات ثقيلة وقنابل عالية الطاقة ضد إيران في 22 حزيران\يونيو 2025،  بذريعة برنامجها النووي، ولكن بهدف حقيقي يتمثل في الترويج لِمشروع "الشرق الأوسط الجديد" والسيطرة الخانقة على المنطقة اﻷوسع.

  1. بؤر صراع وتوتر مهمة حالية أخرى

ينتقلُ ثقل الولايات المتحدة الذي ترميه في مزاحمتها مع الصين إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ و بحر الصين الجنوبي، الذي يعتبر شرياناً ملاحياً هاماً يمر عبره ثلث الشحن البحري، و إلى مضيق تايوان و تشكل هذه المنطقة بؤرة توتر أساسي.

 كما و تُشكِّلُ الممرات البحرية في بنما وغرينلاند والقطب الشمالي بؤراً للتوتر.

كما و يتخذ الصدام بين باكستان والهند، وهما دولتان تمتلكان ترسانات نووية، أبعاداً أوسع.

هذا و تدورُ على مقربة من بلدنا حربان أهليتان مسلحتان، في ليبيا والسودان، أوديتا بحياة عشرات الآلاف وجعلتا حياة ملايين آخرين غاية في الصعوبة. تتداخل في هذه الصدامات الطبقات البرجوازية لدول رأسمالية مجاورة و متاخمة، بالإضافة إلى قوى إمبريالية أعتى. و يتمثل الموضوع هنا أيضاً، في اقتسام الثروة الباطنية (كمثال النفط واليورانيوم والذهب)، وطرق شحن السلع (كالموانئ)، والركائز العسكرية (كالقواعد العسكرية الأجنبية)، بينما يتمثل عامل قويٌ في الصدام الدائر في السودان، في السيطرة على مياه النيل.

هذا و لا تُستثنى أية منطقة من المزاحمات الشرسة، كما يتضح من تحركات ترامب ضد كندا والمكسيك وبنما وفنزويلا، في الوقت الذي تُقدّم فيه الأخيرة على مطالبات إقليمية ضد غويانا بشأن منطقة إسيكيبو المنتجة للنفط.

تشتدُّ تناقضات الطبقات البرجوازية أيضاً في كل من البلقان والقوقاز، مع تورط دول إمبريالية أعتى، مما قد يُسبب سفك دماء  الشعوب.

  1. التوجهات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي

تعكس استراتيجية الناتو احتدام المزاحمات بين الولايات المتحدة والصين والولايات المتحدة وروسيا، ومتطلبات الحرب الجارية في أوكرانيا. ويجري تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لحلف الناتو 2030، وتشكيل وحدات عسكرية متعددة الجنسيات جاهزة للحرب، مع تحديث ترسانتيه التقليدية والنووية، وإعادة تخطيط أنشطته في اتجاه تشكيل "حلف شمال أطلسي عالمي" سيكون قادراً على التدخل في جميع أنحاء العالم. وتتعزز علاقاته مع اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والهند. و يجري تعزيز الجناح الجنوبي الشرقي (البحر المتوسط و الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلخ)، وتوسيع "شراكاته" مع دول هذه المناطق، وتحسين "قدرته على الحركة" من أجل نقل قوات الناتو وأسلحته إلى جبهات الحرب أو جبهات الحرب المحتملة. وتتمثل عناصره استراتيجيته الرئيسية في:

  • توسيع الناتو (انضمت له سلفاً: مقدونيا الشمالية وفنلندا والسويد)، مع تقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا، و خوض الصراع من أجل ضم جورجيا ومولدوفا.
  • زيادة الإنفاق العسكري (إلى 3% ثم إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء) وتسريع وتيرة الإنتاج العسكري، وتعزيز "التوافق الوظيفي" وتأمين سلاسل التوريد الحرجة.
  • تحديث البنية التحتية النووية في إطار مبدأ "الضربة النووية الأولى".

من أجل إرضاء حاجات ومصالح الاحتكارات الأوروبية في ظل المزاحمة الرأسمالية الدولية، و من أجل تعزيز مكانته في النظام الإمبريالي العالمي، ينشطُ الاتحاد الأوروبي في تعاون مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة الأمريكية، و بنحوٍ مستقل أيضاً في الحروب والتدخلات الإمبريالية. و على أساس "السياسة الخارجية والأمنية المشتركة" و"السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة"، يواصل المضي في  إنشاء بعثات وعمليات عسكرية ومدنية في مناطق عديدة من العالم. وفي ظل مناخ من التناقضات الداخلية، تُرسى أسس ما يسمى بالاستقلال الاستراتيجي، مما يضيف أسلحة جديدة إلى ترسانة الاتحاد الأوروبي.

و على أي حال، فإن العنصر اﻷساسي لهذه الفترة هو انعطافُ الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي نحو الحرب، أي اقتصاد الحرب، و تعزيز الصناعة العسكرية في إطار ذلك. حيث حاسمٌ هو تحويل مساعدات الاتحاد الأوروبي من "النمو الأخضر" نحو الصناعة العسكرية، وهو تحول يتعلق و على حد السواء بحدود "النمو الأخضر" كمجالٍ لتنفيس رأس المال المفرط في التراكم، و بالاستعداد لتورط حربي مستقبلي. و يُسجَّل أن هذا التحول لا يعني بالطبع "التخلي" عن سياسة "النمو الأخضر"، بل بالأساس إعادة تكييف المساعدات والاستثمارات في الفترة المقبلة. في إطار الاقتصاد و الاستعداد الحربيين، يجري بين أمور أخرى تطبيق ما يُسمى بالكتاب الأبيض الذي يحتوي على لائحة Safe للاتحاد الأوروبي، التي تنص على إقراض  بقيمة 150 مليار يورو، لصالح الصناعة العسكرية في الدول الأعضاء ودول أخرى، مما يخلق مجالاً جديداً للمزاحمات التي تؤثر أيضاً على العلاقات بين اليونان وقبرص وتركيا.

  1. موقف الحركة الشيوعية الأممية في الحروب الإمبريالية

سبَّبت الحرب الإمبريالية في أوكرانيا انقسامات أيديولوجية وسياسية جديدة وعمَّقت انقسامات قديمة. ترى الآن أحزاب شيوعية كانت في السابق تُطابِق الإمبريالية فقط بالسياسة الخارجية العدوانية للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الرأسمالية العاتية في أوروبا، مع تجميلها دور دول رأسمالية أخرى،  في روسيا أو الصين وإيران ما يُزعم أنها "قوى معادية للإمبريالية" أو حتى "محوراً معادياً للإمبريالية" وهمياً.

تتجاوزُ هذه القوى بنحو تعسفي وغير علمي التناقضات الإمبريالية البينية والمزاحمات المقابلة لها، والتي تُشكل السبب الأساسي للحروب الإمبريالية، وتُقدّر أن هناك تشكُّلٌ لعالم "عادلٍ" و"سلمي" و"متعدد الأقطاب" عاجلًا أم آجلًا، و يدعم بعضها الصين أو روسيا أو الاتحاد الأوروبي، معتبراً هذه القوى "أقطاباً جديدة" و"نداً منافساً" للولايات المتحدة الأمريكية، مع مُطابقة تطلعات الطبقات البرجوازية لهذه الدول أو الاتحادات مع مصالح الطبقة العاملة والشرائح الشعبية في بلدانها.

هناك مسألتان بالغتا الأهمية:

 أ) طابعُ الصين: إن اﻷحزاب الشيوعية التي لا ترى طابع الصين الرأسمالي - نظراً لاتساع قطاع الدولة في اقتصادها و لاسم الحزب الحاكم - تواجهُ تناقض الصين مع الولايات المتحدة الأمريكية على موقع الصدارة في النظام الرأسمالي العالمي باعتباره صراعاً بين "الاشتراكية والرأسمالية".

ب) إن الأحزاب التي تحتوي استراتيجيتها على منطق المراحل في العملية الثورية، و التي ترى تدخل ما يُفترض أنه مرحلة مؤيدة للشعب قبل الاشتراكية، وتنظر إلى الفاشية على أنها "انحراف عن الديمقراطية البرجوازية" وليست وليدة الرأسمالية و ربيبتها، هي أحزابٌ ميالة  نحو خطاب "مناهض للفاشية"  يُترجم في رؤى "جبهات مناهضة للفاشية" و"حرب مناهضة للفاشية"، تُستغل من قبل قوى و حكومات برجوازية من أجل الترويج لأهدافها المناهضة للشعب، و لِتحالفاتها السياسية، وحتى لِعملياتها الحربية. إن الحفاظ على استراتيجية المراحل يقود هذه الأحزاب إلى اعتبار خاطئ لسلسلة من الحكومات البرجوازية ذات التوجه الاشتراكي الديمقراطي، حكومات "تقدمية - مناهضة للإمبريالية".

أثرت الحرب الإمبريالية في أوكرانيا على صيغ التعاون الأممي التي يشارك فيها حزبنا. كان على المجلة الشيوعية الأممية أن تمر بمرحلة إعادة تشكيل، بينما تم تشكيل صيغة النشاط الشيوعي الأوروبي، بدلاً من المبادرة الشيوعية الأوروبية التي تم حلها. و تعزز الصراع الأيديولوجي السياسي في إطار اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، التي أقيمت  في هافانا (2022) وإزمير (2023)، حيث أعربَ عنه في تموضعات الأحزاب الشيوعية وفي قرارات منفصلة.

إشكاليٌ للغاية هو وضع اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، فقد ضعفت بنحو هام مسائلُ العمل المشترك والتضامن، مع وجود حالات نموذجية كتلك المحيطة بالحزب الشيوعي الفنزويلي والتضامن مع شعوب الشرق الأوسط. و يتشكَّل وضعٌ يُهدد استمراريتها، في حين تنشأ و بمشاركة أحزاب شيوعية صيغ ("منصات" و"منتديات") تغسلُ و تُبيض مخططات إمبريالية وتسعى إلى جرّ الحركة الشيوعية نحو خدمة المحور الإمبريالي الأوراسي المتواجد قيد التشكل، على غرار حزب اليسار الأوروبي، الداعم للاتحاد الأوروبي الإمبريالي.

يتدخَّلُ حزبنا في هذا الوضع الصعب والمعقد، داعماً الأحزاب الشيوعية التي نتعاون معها، ناشراً مواقفه بشأن الحرب الإمبريالية وسلسلة من القضايا الحاسمة الأخرى، من أجل فتح نقاش ضمن صفوف الأحزاب الشيوعية و منظمات الشباب الشيوعي.

إلى جانب الأحزاب التي نتعاون معها بشكل وثيق، هناك أحزاب شيوعية في جميع القارات، نحافظ معها على علاقات جيدة، و ترصد معالجات حزبنا و تقيّم نشاط الحزب الشيوعي اليوناني بإيجابية.

المطلوب:

  • تعزيز تضامننا الأممي ضد العدوان الإمبريالي والقمع ومعاداة الشيوعية، مع دعم منهجي للمبادرات ونضالات العمال والشعب، وضد المشاكل التي تواجهها الأحزاب الشيوعية والنقابات والقوى العمالية والشعبية.
  • الحفاظ على التعاون وتعزيزه مع الأحزاب الشيوعية المنضوية في شكلي: النشاط الشيوعي الأوروبي و المجلة الشيوعية اﻷممية مع صياغة خطة لتطوير العمل والتعاون المشترك مع الأحزاب الشيوعية، وكذلك مع قوى شيوعية تتابع بنحو إيجابي تحركات الحزب الشيوعي اليوناني والشبيبة الشيوعية اليونانية، و تقلقُ بشأن وضع الحركة الشيوعية.
  • الدفاع وفقاً لما يعتمد ذلك علينا، عن أي خصائص شيوعية باقية في اللقاءات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، مع الاستعداد لجميع الاحتمالات.

و بنحو خاص نسعى نحو العمل والتعاون المشترك مع الأحزاب والقوى الشيوعية التي تستوفي المعايير التالية:

أ - تدافع عن الماركسية - اللينينية والأممية البروليتارية و عن حاجة تشكيل قطب مماثل.

ب - تكافح الانتهازية والإصلاحية، و ترفض إدارة يسار الوسط للرأسمالية و كافة أشكال اﻹدارة البرجوازية و المشاركة و دعم الحكومات البرجوازية و كافة تلاوين استراتيجية المراحل.

ج - تدافع عن حتميات الثورة و البناء الاشتراكيين. و وفق هذه الحتميات تحكم على مسار البناء الاشتراكي، و تسعى في نفس الوقت إلى البحث في مشاكله و أخطائه وإدراكها و إلى استخلاص الدروس منها، و ترفض الأطروحات بشأن "الاشتراكية مع سوق" أو إنكار حتميات البناء الاشتراكي بسبب الخصوصيات الوطنية.

د – تدين الحرب اﻷمبريالية و تبرز مسؤوليات كل أطرافها الطبقات البرجوازية. و تمتلك جبهة أيديولوجية ضد الرؤى الخاطئة عن الإمبريالية، و خاصة ضد تلك التي تفصل العدوانية العسكرية - الحربية عن المحتوى الاقتصادي للإمبريالية، و تقيم جبهة ضد سائر التحالفات الامبريالية و لا تقوم بالاختيار بين أحد طرفي الصدام اﻹمبريالي.

ه - تُطوِّر روابط مع الطبقة العاملة، و تحاول أن تنشط في الحركة النقابية و حركات القطاعات الشعبية من الشرائح الوسطى وتسعى إلى دمج الصراع اليومي من أجل الحقوق العمالية الشعبية في استراتيجية ثورية عصرية من أجل السلطة العمالية.

و - لا تفصل الصراع ضد الحرب والفاشية عن الصراع ضد الرأسمالية، التي تلدُ الحرب والفاشية. و ترفض "مناهضة الفاشية" الزائفة و مختلف "جبهات مناهضة الفاشية" التي تستخدمها القوى البرجوازية والانتهازية لإيقاعهم في فخ مخططاتها.

أسهمت  منظمات الحزب في الخارج بعطاء كبير في دعم و ترويج سياسة الحزب الشيوعي اليوناني في البلدان التي تناضل فيها، ويمكنها اليوم أن تُسهم بنحو أكثر جوهرية في تطوير الحركة الشيوعية والعمالية. إن الأساس الموضوعي لهذا التوجه السياسي هو أن أعضاء الحزب الشيوعي اليوناني والشبيبة الشيوعية اليونانية في الدول الأجنبية يواجهون نفس المشاكل، أو مشاكل مشابهة، التي تواجهها بقية القوى العمالية الشعبية في البلدان التي يقيمون ويعملون ويدرسون فيها.

ب. اليونان في العالم الرأسمالي المعاصر

  1. عن الاقتصاد اليوناني

يتواجدُ الاقتصاد المحلي في مرحلة نمو بعد الأزمة الرأسمالية العميقة التي تمظهرت بين عامي 2008 و2015، وفترة الركود التي تلتها، والأزمة الأصغر بين عامي 2020 و2021. ومع ذلك، و رغم ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض معدل البطالة على مدى السنوات الأربع الماضية، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال أدنى من نظيره لِعام 2008، وكذلك إجمالي عدد العاملين. و بالتوازي، لا يزال النمو الرأسمالي غير ذي يقين  على المدى المتوسط و الطويل، نظراً لارتباط الاقتصاد المحلي بنحو وثيق باقتصادات بلدان الاتحاد الأوروبي، حيث من المتوقع أن يكون لأي ركود اقتصادي جديد في الاتحاد الأوروبي نتائجه السلبية على الاقتصاد الرأسمالي المحلي.

و على الرغم من نمو الاقتصاد اليوناني بوتيرة أسرع من المعدل المتوسط للاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي، إلا أنه لا يزال في المركز الأخير في الاتحاد الأوروبي من حيث إنتاجية العمل ومؤشر الاستثمار كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي. حيث تتركز الاستثمارات في السياحة والإطعام، وفي استبدال رأس المال الذي يتعلق بتغيير علاقات العمل وممارساته، وخاصة فيما يتعلق ببطاقة العمل الرقمية ومكافحة العمل المعلن عنه بنحو ناقص أو غير المعلن عنه. اتسع عجز الحساب الجاري، وخاصةً عجز الميزان التجاري. وتعززت الاتجاهات الأساسية لزيادة العمل المأجور وتوسع المجموعات الاحتكارية خلال السنوات الأربع الماضية.

 هذا و قادت السياسة البرجوازية والنمو الرأسمالي في السنوات الأخيرة إلى تحول نسبي في هيكلة قطاعات الاقتصاد المحلي، مقارنةً بهيكلته في الفترة 2000-2008. إن تعزيز قطاع السياحة وتراجع قطاع البناء - على الرغم من نموه الكبير أيضاً - هي أهم التحولات التي تنعكس على الاقتصاد إجمالاً، مع تكيفات في جميع القطاعات ذات الصلة.

حيث يشكِّلُ قطاع السياحة الآن، القطاع الأكثر إسهاماً في الناتج المحلي الإجمالي، و هو الذي يجرُّ العديد من القطاعات الأخرى (الأغذية والمشروبات، والنقل)، في حين يشكِّلُ قطاع التصدير الرئيسي للاقتصاد المحلي. هذا و تتعلق النسبة المئوية الحاسمة للوظائف الجديدة في السنوات الخمس الماضية، بقطاع السياحة الأوسع.

كما سجل قطاع مشتقات البترول صادرات كبيرة. كما و تعزز قطاعا الكهرباء والاتصالات بنحو كبير، مما يعكس سياسة التحول الرقمي الأخضر، في حين يبدو أن قطاع المعادن الأساسية قد تعزز أيضاً، ويرجع ذلك أساساً إلى علاقته بالطاقة (الكابلات والأنابيب).

هذا و يظل النقل البحري للبضائع (الشحن) عماداً أساسياً للاقتصاد اليوناني.

كما يظل قطاع الإنتاج الزراعي هاماً للاقتصاد الرأسمالي المحلي، و على عكس مساره في معظم دول الاتحاد الأوروبي، يبقى قطاع التجارة  - خاصة في أشهر الشتاء - أكبر جهة توظيف.

  1. الانعطافُ نحو اقتصاد الحرب

لا  يقتصر تورط البلاد في الحرب والاستعداد لها بشكل عام على الصناعة الحربية بذاتها (الأسلحة، الذخيرة والحرب الألكترونية)، ولا على نطاق أوسع على طيف الشركات التي تنتج سلعاً مفيدة للحرب (كالإطعام والبناء وما إلى ذلك). يتعلق اقتصاد الحرب في نهاية المطاف بالإعداد العام و ﺑ"إلحاق" العديد من القطاعات بالحرب. تشارك البلاد بنشاط في حرب الطاقة والتجارة وفي العقوبات الاقتصادية ضد روسيا، والتي لها تأثير سلبي كبير على أسعار الطاقة، بينما تشارك في الدعم الاقتصادي والمادي لأوكرانيا.

و بالتوازي، وبصفتها عضواً في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، تتورط البلاد بنحو أعمق في المواجهة الدولية الشاملة بين الكتلتين الرئيسيتين الولايات المتحدة الأمريكية - حلف شمال الأطلسي / الصين - روسيا، والتي تمتد من العناصر اﻷرضية النادرة والتفوق التكنولوجي وصولاً إلى إعطاء الأولوية لطرق الشحن. و يتميز تفاقم التناقضات المتعلقة بالسيطرة على الموانئ المحلية (كمينائي ثِسالونيكي و فولوس) و حول تنفيذ مسارات الطاقة من الشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي (كمشاريع البحر الكبير، و غريغي، وشرق المتوسط) أيضاً داخل الاتحاد الأوروبي (كالممر العمودي). و بنحو أعم فإن الاستخدام المزدوج (السياسي-الاقتصادي والعسكري) لبعض البنى التحتية (النقل، والموانئ، والاتصالات، وخطوط أنابيب الطاقة، إلخ) إلى جانب أهميتها الجيوسياسية، يُعيدان ترتيب أولويات الترويج لهذه البنى، مع إثقال كاهل الطبقة العاملة والطبقات الشعبية بتكاليفها في كل الحالات.

  1. التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي

رُوِّجَ في السنوات الخمس الماضية لرقمنة سريعة بذات القدر لجوانب في الاقتصاد و التجارة الإلكترونية، وكذلك في إدارة الدولة، حيث تمثل الدولة البرجوازية الرقمية رأس حربة. باستطاعة الدولة البرجوازية الرقمية أن توظف بفعالية أكبر لصالح رأس المال، على حساب القوى الشعبية، مما يُسهّل الترويج لتحولات رجعية، على سبيل المثال في مجال الضرائب (myData). و بالتوازي،  يتسع نطاق تنازلات الدولة البرجوازية واستغلالها للبيانات من أجل صالح المجموعات الاقتصادية المحلية والأجنبية.

تُستغل التقنيات الجديدة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، من قبل سلطة رأس المال - دولياً وفي اليونان - كوسيلة لزيادة الاستغلال و للسيطرة على الشعب والتلاعب به و قمعه. تستغل الرأسمالية أحدث التقنيات للوصول نحو الإخضاع الكامل للعمل لأهداف رأس المال.

تؤكد خطط وإطار عمل الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي لتطوير الذكاء الاصطناعي، والتي تدعمها الحكومة اليونانية، هذا التوجه الرجعي.

تُلغي الرأسمالية الإمكانية التي يتيحها تعميق الطابع الاجتماعي للإنتاج، وتطوير الذكاء الاصطناعي والأتمتة، والعمل العلمي العام، من أجل تقليل ساعات العمل اليومية القسرية، وتوسيع نطاق ساعات الوقت الحر وتحسين محتواه في جميع جوانب الحياة الاجتماعية. و هي تُلغي الإمكانيات الهائلة من أجل إرضاء حاجاتنا العصرية، وجعل العمل إبداعياً، وتوفير تعليم جوهري، وحماية صحتنا، مع وقت حر ذي محتوى ثريّ. وهكذا، فإن دخول عصر الذكاء الاصطناعي يُفاقم اليوم التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل.

و في كل اﻷحوال، فإن الطبقة العاملة المعاصرة هي القوة الإنتاجية الرئيسية، والعامل الحاسم في مواجهة آليات نظام الاستغلال الحديثة، من أجل إسقاط الرأسمالية وبناء الاشتراكية-الشيوعية. فالرأسمالية المتعفنة ليست منيعة ولا شديدة البأس.

  1. التناقضات البرجوازية البينية

في ظل هذه التحولات التقنية، يتمظهر الآن اتجاهٌ لمزيدٍ مع تعملق المجموعات الاقتصادية الكبيرة ذات الأهمية الحاسمة في عملية الإنتاج، والتي غالباً ما تكون ذات طابع "على المستوى الوطني"، سواءاً من حيث هيكلة إنتاجها أو من حيث تأثيرها على شرائح الطبقة العاملة.

تُغذّي التحولات المذكورة آنفًا في بنية الاقتصاد والسياسة الحضرية سلسلة من التناقضات البرجوازية البينية، التي تعاظمت في الآونة الأخيرة. ترتبط هذه التناقضات – بين أمور أخرى - بالطاقة وارتفاع كلفة الطاقة الخضراء في الصناعة، وبالهيكلة الأشمل للقطاعات، و ﺒ"الإهتمام اﻷحادي" بالسياحة، مما يؤثر بنحو تنافسي على قطاعات الاقتصاد الأخرى، و يتخذ شكل نقاشات حول ما يُسمى نموذج الإنتاج للاقتصاد المحلي، وتوزيع أموال الدولة و الاتحاد الأوروبي بين قطاعات وفروع الاقتصاد، وتحديد تراتبية الدعم.

ومن الجوانب الخاصة لهذه التناقضات مسألة ما يُسمى باكتظاظ السياحة، أي التدفق المفرط للسائحين إلى مناطق البلاد. إننا بصدد مسألة معقدة تتعلق بين جملة أمور، بحجم السياحة مقارنةً بالقطاعات الأخرى، وتوزيع دخل السياحة بين رأس المال السياحي و شرائح البرجوازية الصغيرة، والآثار السلبية الكبيرة التي يخلقها هذا الوضع على الشرائح الشعبية التي تسكن منطقة ما نتيجة التدفق السياحي الكبير (كاستخدام البنية التحتية والموارد الطبيعية، إلخ).

  1. التدهور الإجمالي لوضع الشعب

لم يُؤدِّ النمو الاقتصادي في السنوات الأخيرة إلى تحسُّن مستوى معيشة العمال، بل إلى انكفاء هام. يُعَدُّ الراتب في اليونان ثاني أدنى راتب في الاتحاد الأوروبي بعد بلغاريا، بينما تحتل البلاد المرتبة الأولى من حيث ساعات العمل شهرياً. ارتفع الأجر الاسمي، ولكنه من جهة، لا يزال - من حيث قيمته الاسمية - أدنى من مستويات ما قبل الأزمة، في حين هو أقل بكثير إذا ما حُسِبَت مستويات الأجر الاسمي مع الزيادات التي كانت تنص عليها الاتفاقيات الجماعية في فترة ما قبل الأزمة. ومع ذلك، فقد انخفض الراتب الفعلي بنحو رئيسي خلال الفترة قيد الدراسة، رغم ارتفاع الأجر الاسمي، نتيجةً للتضخم الهائل الذي يعودُ إلى عوامل عديدة، منها السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي، والزيادات الهائلة في أسعار الطاقة، وفرض أسعار مرتفعة من قِبل مجموعات اقتصادية دولية ومحلية ذات موقع حاسم في السوق (تسيطر مجموعتان على المشتقات النفطية، وثلاث أو أربع مجموعات تسيطر على تجارة الأغذية، وثلاث مجموعات تسيطر على الاتصالات، وثلاث مجموعات تسيطر على الشحن البحري، و غيرها)، والهجمة الضريبية للحكومة من خلال ضريبة القيمة المضافة الضخمة، بالإضافة إلى الهجمة الضريبية الجارية على العاملين لحسابهم الخاص، مما يزيد موضوعياً من كلفة السلع. و تُستكمل هذه الهجمة على الدخل العمالي بتوسيع تسليع فئة كاملة من الخدمات، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعارها، مثال نموذجي على ذلك هو في مجالي الصحة والتعليم، بالإضافة إلى الزيادة المفروضة على الإيجارات و قروض الإسكان. كما و يُسجَّلُ أيضاً انخفاض في الادخار الشعبي، في حين تتسع الفجوة بين أسعار الفائدة على الودائع والقروض و تبقى من أكبر الفجوات في الاتحاد الأوروبي.

و في الوقت نفسه، تمنح مرحلة التطور الرأسمالي الحالية للنظام الرأسمالي هوامش تطبيق سياسات تحالفية مع الشرائح الوسطى من القوى الشعبية. كما أن خفض معدلات البطالة وزيادة ساعات العمل يُهيئان الظروف لدمج فئات العمال مع زيادات معينة في الرواتب، وما إلى ذلك.

و على مسار السنوات التي ندرسها، نجد أن جميع القوى السياسية البرجوازية متواطئة تماماً تجاه المآل الحالي. إن "التحول الرقمي الأخضر"، وأشكال الطاقة "البديلة" باهظة الثمن، و الرقمنة، هي جوانب من سياسة موحدة، بدءًا من "دنمارك الجنوب" التي يتبناها حزب الباسوك، وصولًا إلى الترويج المكثف لمصادر الطاقة المتجددة والأجندة الرقمية وبطاقات الاعتماد التي يتبناها سيريزا، وصولًا إلى فترة حكومة حزب الجمهورية الجديدة. فجميعهم متواطئون في فرض الضرائب على العمال والعاملين لحسابهم الخاص، و بنحو رئيسي في فرض ضريبة القيمة المضافة و أيضاً بشأن مشكلة الإسكان. إن التوافق العام للأحزاب البرجوازية على سياسات الاتحاد الأوروبي المركزية بشأن "النمو الأخضر"، والتنافسية من أجل الترويج للسوق الموحدة، وفي نهاية المطاف، فإن طبيعة هذه اﻷحزاب كمديرة للسلطة الرأسمالية، تكمن خلف مسؤولياتها المشتركة بشأن مسار الإفقار النسبي للعمال.

إن الهجمة على دخل العمال وحقوقهم يشكِّلُ طريقاً ذي اتجاه واحد لاستراتيجية رأس المال. إن الانعطاف نحو زيادة جديدة في الإنفاق الحربي، وإنهاء صندوق الإنعاش عام 2026، والضغط من أجل جذب استثمارات كبيرة في السنوات الثلاث المقبلة، بالإضافة إلى هدف السداد المسبق لقروض الاتحاد الأوروبي، سيؤدي إلى تصعيد الهجمة المناهضة للشعب، لا سيما فيما يتعلق بحدود سن التقاعد، وتوسيع علاقات العمل المطاطية، والحفاظ على ارتفاع أسعار مرتفعة للأغذية والطاقة.

  1. تعاظُم عدوانية الطبقة البرجوازية اليونانية و تَعمق تورط اليونان في الحروب الإمبريالية

 تدافع الطبقة البرجوازية اليونانية بعدوانية خاصة، عن مصالحها الاستراتيجية وتعززها، بنحو مستقل و كذلك من خلال التحالفات الإمبريالية، كحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كما و من خلال تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف ترقية موقع اليونان في النظام الإمبريالي الدولي والمنطقة، كمركز قوي للطاقة و الشحن، مُطالبة بحصة أكبر من غنائم الحروب والتدخلات الإمبريالية.

تُنفذ حكومة حزب الجمهورية الجديدة هذه الأهداف حالياً بدعم من حزبي سيريزا و الباسوك و سائر الأحزاب البرجوازية، مُورطة البلاد في تخطيطات حلف شمال الأطلسي و التخطيط الأوروأطلسي، و في دور المعتدي على شعوب أخرى، حيث تضعُ الشعب اليوناني في خطر كبير و في مِهدافِ ضربات انتقامية لتحالفات إمبريالية مُنافسة.

هذا و تتواجد في خلجان الطبقة البرجوازية اليونانية أيضاً، مصالح اقتصادية عاتية تتضرر  من التطورات وتشعر بالاستياء، وتسعى نحو "حركات تصحيحية"، وتعرب عن مخاوفها تجاه المشاركة "غير المشروطة" - كما تصفها هي نفسها - في تخطيط الناتو، وتدعو إلى الحفاظ على العلاقات مع روسيا. هذا و لا تنعكس في الفترة الحالية التناقضات البرجوازية البينية المتعلقة بالسياسة الخارجية للدولة اليونانية، في وجود قوة سياسية برجوازية موحدة من شأنها التشكيك بتوجه البلاد المستقر نحو المعسكر الإمبريالي اﻷطلسي و اﻷوروأطلسي.

و تتخلل سياسة تورط الدولة البرجوازية اليونانية جميع الحكومات و النظام السياسي البرجوازي إجمالاً، و تكتسب عاماً بعد عام خصائص نوعية وخطيرة، حتى أنها تُنذر بالمشاركة المباشرة للقوات المسلحة اليونانية على الجبهة في صدامات حربية.

إن عناصر توصيف سياسة التورط هي:

  • تحويل اليونان إلى قاعدة انقضاضية أمريكية أطلسية، من خلال الحوار الاستراتيجي اليوناني الأمريكي واتفاقيات توسيع القواعد العسكرية الأمريكية الأطلسية، الذي أطلقه حزب سيريزا و يُنفذه حزب الجمهورية الجديدة، بموافقة حزب الباسوك و الأحزاب الأخرى المؤيدة للناتو. هذا و تُستخدم القواعد العسكرية في سوذا، ولاريسا، وماغنيسيا، وألكسندروبوليس، و آكتيو، وغيرها، كمخافر متقدمة للولايات المتحدة وحلف الناتو في جميع الحروب الإمبريالية في المنطقة مع مهمة خاصة في الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط.
  • إرسال أسلحة وذخائر إلى أوكرانيا، ومحادثات حول تزويدها بطائرات مقاتلة.
  • إدماج القوات المسلحة اليونانية في تخطيط الناتو لبرنامج التسليح المتقدم - "أجندة 2030"، بقيمة 28 مليار يورو، الذي يُثقل كاهل الشعب باستمرار بأعباء جديدة. هذا كان الشعب اليوناني قد أنفق سلفاً 8,054 مليار يورو من أجل حاجات الناتو كإنفاق عسكري عام 2022، و6,224 مليار يورو عام 2023، و7,126 مليار يورو عام 2024.
  • إرسال سفن حربية ووحدات عسكرية يونانية إلى مهمات أورو-أطلسية في الخارج.
  • إبرام اتفاقيات عسكرية مع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في إطار التخطيط الأطلسي ضد إيران.
  • المشاركة في استعدادات أطلسية من أجل حرب إمبريالية شاملة، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية.

يُدين الحزب الشيوعي اليوناني من موقع مبدئي، سياسة التورط ويعارضها، ضمن تطابقٍ تامٍ مع مصالح الطبقة العاملة والشرائح الشعبية وحقوق الشباب، في مواجهة مختلف الذرائع التي تستخدمها الطبقة البرجوازية والسياسة السائدة من أجل اﻹطباق على الشعب سواءاً عبر التذرع  بالمصلحة الوطنية المزعومة أو من خلال اجترار ما يُقال عن "الالتزامات التعاقدية التحالفية" وما إلى ذلك.

  1. مسار العلاقات اليونانية التركية

يتصفُ مسار العلاقات اليونانية التركية بتعاون ومواجهة الطبقات البرجوازية للدولتين الرأسماليتين – الحليفتين في الناتو. إن ما يُسمى بإعادة تحريك العلاقات اليونانية التركية، التي أُطلقت في قمة الناتو في فيلنيوس، ليتوانيا، في تموز\يوليو 2023، و"خارطة الطريق"، التي أُعدّت ورُوّج لها بإشراف الولايات المتحدة وحلف الناتو من خلال "الحوار السياسي" و"تدابير بناء الثقة" وما يُسمى بالتدابير الإيجابية (الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي تُركّز على مصالح مجموعات الأعمال)، تُحقق أهدافاً مُحددة تتعلق بما يلي:

  • تعزيز الجناح الجنوبي الشرقي لحلف الناتو، وفقاً لمُتطلبات المزاحمات والحروب الإمبريالية في أوكرانيا والشرق الأوسط.
  • تطوير العلاقات الاقتصادية وعلاقات الطاقة بين الدولتين، والاستغلال والإدارة المُشتركة لبحر إيجه وشرق المتوسط، في إطار تخطيط أوروأطلسي أشمل يُحقق مصالح الاحتكارات على حساب الشعوب.

و على الرغم من خطط التعاون للاستغلال والإدارة المشتركة لمنطقتي بحر إيجه وشرق  المتوسط، لن تختفي المزاحمة بين الطبقتين البرجوازيتين. بل تضاف مسائل جديدة تتعلق بالتخطيط المكاني البحري والحدائق البحرية.

تُصرّ الدولة التركية على طرح رزمة من المطالبات غير المقبولة، التي تُشكك في سيادة الجزر اليونانية في بحر إيجه وحقوقها السيادية، مُعيدةً إنتاج المطالبات المتعلقة بـ"المناطق الرمادية" (الجزر والجزر الصغيرة) ونزع سلاح الجزر. و تُبرز عقيدة "الوطن الأزرق" بمطالبات في منطقة أوسع (بحر إيجه، شرق المتوسط، البحر الأسود)، وتستغل "الاتفاق التركي الليبي"، مُهددةً بالتنقيب عن الطاقة في منطقة بحرية لا تعودُ إلى تركيا، في حين تُوصِّفُ الأقلية الدينية المسلمة في تراقيا بأنها تركية، في تناقض مع معاهدة لوزان. هذا و تتدخل القنصلية التركية وقوى النزعة القومية في المنطقة لتقسيم الشعب و اﻹطباق عليه.

تسعى الحكومة عمداً إلى تغذية مناخ من الطمأنينة، لكن الشعب مدعوٌّ إلى التيقُّظ، لأن "مساومة" المفاوضات اليونانية التركية تتضمن على أي حال،  مسائل سيادة و حقوق سيادية.

تتمثَّلُ مسألةٌ حرجة القضية الجوهرية في تعزيز الصداقة والصراع المشترك للشعبين التركي واليوناني، ضد الطبقات البرجوازية ومصالحها وتحالفاتها، و ضد سياسة الدول والحكومات البرجوازية المناهضة للشعب. يخدم الحزب الشيوعي اليوناني هذه القضية، بالتعاون مع الحزب الشيوعي التركي، واضعاً هدف "عدم تغيير الحدود والمعاهدات الناظمة لها"، وهو هدفٌ  راهني وضروري.

  1. مسار المشكلة القبرصية

على الرغم من التطلعات الباطلة التي رُوّج لها بهدف تعزيز مكانة قبرص كعقدة للطاقة في المنطقة، يستديمُ الاحتلال التركي لـ 37% من الأراضي القبرصية، وتتفاقم المشكلة القبرصية ضمن تعقيدات المزاحمات الإمبريالية. يُروَّج لترتيبات خطيرة فوق أرضية ترقية الجزيرة ضمن التخطيط الأوروأطلسي، نظرًا للتطورات في المنطقة.

هذا و انهارت المزاعم التي أفادت بأن انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي وتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، سيكون ذي تأثير إيجابي على إيجاد حل "عادل". و يترقى دور الدولة الزائفة في استراتيجية تركيا، ويُستخدم كقاعدة عسكرية ووسيلة للمطالبة بموارد الطاقة في المنطقة. و تُبذل محاولات لتمهيد الطريق من أجل "تجارة مباشرة ورحلات جوية واتصالات"، في ظل موقف متواطئ يبديه العامل الأوروأطلسي نحو التوجه نوح الاعتراف الدولي.

قد يترسخ تقسيم الدولة في قبرص، باعتبارها ميدان مزاحمات إمبريالية شديدة وتحت تأثير التناقضات البرجوازية اليونانية التركية.

هذا و ضعفت مواجهة مشكلة قبرص باعتبارها مشكلة غزو واحتلال دولية. إن اقتراح "اتحاد ثنائي لمنطقتين و مجتمعين"، الذي تحول من أطروحة توافق إلى موقف مبدئي، على أساس "الدولتين التأسيسيتين"، يُشكل حلاً كونفدرالياً، ويُسهّل موضوعياً المساعي التقسيمية و يقود نحو "شرعنة" عواقب الغزو والاحتلال. إن هذا الخط يتناقض مع ضرورة تطوير صراعٍ عمالي وشعبي منسق للقبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك من أجل إعادة توحيد قبرص وشعبها، و تشييد جدار مقاومة في وجه نزعتي رأس المال: القومية و الكوسموبوليتية، من أجل قبرص مستقلة موحدة، أي دولة واحدة لا دولتين، ذات سيادة واحدة، ومواطنة واحدة، وشخصية دولية واحدة، وطناً مشتركاً للقبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك والموارنة والأرمن واللاتين، خالية من قوى الاحتلال و من كافة أشكال القوات والقواعد الأجنبية، دون ضامنين أو حماة، مع شعبها سيداً.

  1. حول مسألة الهجرة واللجوء

تزداد مسألة الهجرة واللجوء تعقيداً في الظروف الراهنة.  حيث يتسبب تصاعد الحرب الإمبريالية، والاستغلال الجائر للبلدان، وتدمير البيئة بفعل نشاط جماعات الأعمال دون ضوابط، والمزاحمة الشرسة في تقسيم العمل العالمي، بنحو مستمر و متعاظم في حركة هجرة و لجوء البشر. و تتفاقم تناقضات القوى البرجوازية في إدارة مزيج القمع وجذب القوى العاملة. وتتضح جلياً المآزق المستعصية لنظام الاستغلال الرأسمالي.

تتجلى هذه التناقضات في ميثاق الاتحاد الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء، الذي يُعدّ جزءاً لا يتجزأ من اقتصاد الحرب والتحضير لها، ويُشكّل بوصلة الاستراتيجية البرجوازية في مسألة الهجرة واللجوء في جميع الدول الأعضاء. ويُولي الميثاق الأولوية لتشديد القمع، منتهكاً سائر مفاهيم "القانون الدولي" الذي ساد بعد الحرب العالمية الثانية و تأثير الاشتراكية. هذا و تتعلق مراقبة الحدود بالحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، كما تسمى، و أيضاً بالحدود الداخلية بين الدول الأعضاء، مما يقود إلى تعليق جزئي لمعاهدة شنغن. ولا تزال ما تسمى دول الاستقبال الأولى، كاليونان، مضطلعة بدور "الشرطي" و بوظيفة الاحتجاز. في الوقت نفسه، يجري الترويج لشبكة من الاتفاقيات مع دول ثالثة خارج الاتحاد الأوروبي، والتي تتعهد مقابل تدفق رؤوس الأموال الاستثمارية، بمنع دخول المهاجرين واللاجئين إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال القمع الوحشي، وإنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين واللاجئين على أراضيها ("مراكز العودة")، بالإضافة إلى توفير قوى عاملة رخيصة يُعاد تدويرها ("الهجرة القانونية الدائرية"). وتترافق سياسات جذب القوى العاملة مع نقاش حول المشكلة الديموغرافية و شيخوخة السكان.

ولا تزال مسألة اللجوء والهجرة تُسخَّرُ ﻛ"أداةٍ" في المساومات الجيوسياسية الكبرى (كالمعاملة التفضيلية للاجئين الأوكرانيين مقارنةً باللاجئين من بلدان متحاربة أخرى، و علاقات تركيا مع بلدان أفريقية كليبيا وتونس، والمسألة الفلسطينية، و ما شاكلها).

و بالتوازي، تتواجد هذه المسألة هذا النظام في صميم التفاعلات السياسية البرجوازية في العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي، و تُسخَّرُ من أجل إعادة صياغة النظام السياسي البرجوازي. حيث تُغذّى الكراهية العنصرية لرُهاب الأجانب، وتُعزّز قوى يمينية متطرفة و فاشية. و تندرجُ الإجراءات القمعية ضد المهاجرين واللاجئين في شبكة أشمل للقمع والاستبداد و ترهيب الشعوب في  ظروف الاستعداد للحرب. حيث تُخدمُ أهدافٌ أكثر شمولًا من إخضاع شرائح عمالية وشعبية أوسع لتخطيطات إمبريالية خطرة.

هذا و لا تزال الطبقة البرجوازية اليونانية وفيّةً للبوصلة المذكورة أعلاه بشأن مسألة الهجرة واللجوء. حيث تُقدّم حكومة حزب الجمهورية الجديدة استمرارية لعمل سالفتها، حكومة حزبي سيريزا – اليونانيين المستقلين، خدماتٍ قيّمة في الترويج لتوجهات الاتحاد الأوروبي. و يفتح القانون العنصري واللاإنساني الأخير الذي أقرَّته حكومة حزب الجمهورية الجديدة (قانون بلِفريس) بشأن ترحيل المهاجرين واللاجئين وسجنهم مساراتٍ خطيرةً للغاية. و في الوقت نفسه، و بفضل الاتفاقيات الدولية لاستيراد القوى العاملة (حتى الآن مع مصر وبنغلاديش) وإطار ما يُسمى بنقل العمال والعمال الموسميين، تُخدم مصالح رأس المال في قطاعات هامة من الاقتصاد اليوناني (البناء، والسياحة، والقطاع الأولي، و غيرها). و تُدرج مسألةُ الهجرة واللجوء بثبات في أجندة السياسة الخارجية، وترتبط بمواجهات و تفاعلات جيوسياسية أشمل، كما هو حال العلاقات اليونانية التركية، والعلاقات مع ليبيا ومصر، و غيرها.

 في ظل هذه الظروف، يضطلعُ الحزب بمسؤولية إرشادية كبيرة في تصعيد النضالات المشتركة لليونانيين والعمال المهاجرين واللاجئين، وفي تعميق العمل الأيديولوجي من أجل فهم ظاهرة الهجرة، و التصدي للبدع البرجوازية و سم العنصرية و رهاب الأجانب. و لا تزال المهمة التي طرحناها في المؤتمر اﻠ21 قائمة من أجل تطوير النشاط من أجل الدفاع عن حقوق المهاجرين واللاجئين، سواءاً على مستوى التضامن ضد تكثيف القمع أو في مواجهة سعي رأس المال لاستغلالهم من أجل مزيد من تقليص قيمة قوة العمل إجمالاً. وتبقى المهمة قائمة من أجل العمل بنحو أكثر منهجيةً، من أجل انضمامهم إلى النقابات والنضال جنباً إلى جنب مع العمال اليونانيين، سواءً من أجل مشاكلهم الخاصة التي يَلدها نظام الاستغلال، و من أجل المسائل الإجمالية للطبقة العاملة. تكتسب هذه المهمة اليوم سمات جديدة، في مواجهة محاولات استيراد قوة عمل رخيصة عبر اتفاقيات دولية، والتي وصفناها بحق بأنها اتفاقيات نخاسة معاصرة.

ج. التفاعلات الجارية في النظام السياسي اليوناني البرجوازي

  1. ضمن أية ظروف تُصاغ هذه التفاعلات

إن التطورات في الاقتصاد، وتفاقم التناقضات الإمبريالية البينية وتصعيد الصدامات الحربية، والمزاحمات بين قطاعات رأس المال، بالإضافة إلى الاستعدادات للحرب، تشكِّلُ الأرضية التي تتطور فوقها أيضاً التفاعلات الجارية في النظام السياسي البرجوازي.

يؤكد التقييم الذي أجريناه كحزب منذ زمن طويل، أن هناك استياءاً يتنامى داخل الطبقة العاملة و القوى الشعبية بنحو واسع، نتيجةً سلسلة من التطورات في الاقتصاد الرأسمالي. حيث يُستشعر بالممارسة "نضج" علاقات العمل المرنة "الجديدة"، والأساليب الجديدة لتكثيف الاستغلال الرأسمالي، وتقليص الدخل الفعلي العمالي الشعبي، وزيادة الغلاء، بل وتفاقم سلسلة من المشاكل، كمشاكل اﻹسكان و خدمات الصحة، وغيرها. وفي الوقت نفسه، تعزز عدم الثقة في بعض "مؤسسات" ووظائف الدولة البرجوازية، وتوسع عدم اليقين والقلق بشأن المستقبل والخوف من الحرب، على الرغم من استمرار عدم تقييم خطر الحرب باعتباره قائماً بالنسبة للبلاد.

و على الرغم من أن هذا الاستياء الأوسع نطاقًا كان قد تجلى بنحو جماهيري ونضالي في التحركات الأخيرة بمناسبة مرور عامين على جريمة تِمبي، إلا أنه لا يزال سطحياً ومحدوداً سياسياً بدرجة كبيرة، حيث يركز بنحو رئيسي على مسائل جانبية قائمة تتعلق بالمسؤولية الفردية لبعض الشخصيات السياسية، وعلى الفساد المستشري، وكذلك على غياب "دولة القانون"، باحثاً عن منفذ فقط في إسقاط حكومة حزب الجمهورية الجديدة أو استقالة ميتسوتاكيس، أو في إدخال بعض المذنبين السجن، و ما شاكلها. و تُسهِمُ قوى برجوازية و مصالح اقتصادية أيضاً، في تعزيز هذا الاستياء والمعارضة لسياسة الحكومة، و تحاول التدخل في توجهه، و هي التي لديها حسابات مفتوحة مع حكومة حزب  الجمهورية الجديدة وقيادتها الحالية، وفي هذا الاتجاه، قامت بتحريك آليات ووسائل إعلام، و غيرها.

ورغم تبني شعارات مثل "إما أرباحهم أو حياتنا" وما إلى ذلك  إلى حد ما، تحت تأثير قوانا الخاصة، والاعتراف بالمسؤوليات الدائمة لجميع الحكومات البرجوازية، إلا أن هذا الاستياء لا يشير إلى تشكيك إجمالي بالنظام الرأسمالي والملكية الرأسمالية و سلطة رأس المال. حيث تشير كل هذه اﻷمور إلى تناسب قوى سلبي كل و تُثبت أن تطور الصراع الطبقي هو أدنى مع حاجات هذه الفترة.

مع ذلك، تتجه اﻷنظار من زاوية الطبقة البرجوازية نحو المستقبل. تتجه نحو احتمال التشكيك الجماهيري بالنظام السياسي البرجوازي  في ظروف تعميم الحرب الإمبريالية وأزمة اقتصادية عميقة جديدة، وتفاقم كبير للتناقضات البرجوازية البينية. حيث يختلفُ اليوم النقاش الجاري حول إعادة صياغة النظام السياسي عن النقاش المماثل الذي يدور منذ نحو عشرين عاماً.

  1. ما هي العناصر الأساسية للتفاعلات الجارية في النظام السياسي

أ. في الوقت الراهن، لا تزال قطاعات واسعة من الطبقة البرجوازية تدعم حكومة الجمهورية الجديدة باعتبارها أفضل مُدير لمصالح رأس المال.

على الرغم من ذلك و في الوقت ذاته، يُعبّر عن استياء إزاء أولويات "خطط التنمية"، التي يعتبر قطاع من رأس المال نفسه "مُضاماً" منها، بالإضافة إلى إبداء تحفظات تجاه قطع جميع العلاقات مع روسيا، وكذلك تجاه التطورات والتوافقات في العلاقات اليونانية التركية.

إن تعديل الدستور التي يجري العمل عليه  بمبادرة من الحكومة، هو مسألة خاصة. هذا و تشير التحليلات البرجوازية إلى وجوب فتح نقاش أوسع بمناسبة الذكرى اﻠ50 لاعتماد دستور 1975 ، حول ضرورة تحديث جذري للدستور البرجوازي، ليكون أكثر تناغما مع الحاجات الحالية والمستقبلية للإدارة الرأسمالية. تشكِّلُ مسألة تعديل الدستور أيضاً مجالًا يُسعى فيه إلى تحقيق تقارب وتوافق أوسع بين الأحزاب البرجوازية. و من ناحية أخرى، يحتمل أن يُشكّل أيضاً مجالًا للمواجهة وتشكيل خطوط فاصلة زائفة من جهة بين من سيدافعون عن إصلاحات تقدمية مزعومة للدستور الحالي أو من سيقترحون إصلاحات رجعية أخرى تحت هذا الغطاء ، و بين الحكومة "النيوليبرالية" التي تسعى إلى تغيير هذه الاصلاحات، من جهة أخرى. مع ذلك، لا تزال الحكومة و حزب الجمهورية الجديدة يُظهران تماسكاً، على الرغم من جميع ميول و حركات التشكيك في قيادتها والتي تتجلى داخلها.

ب. يُعرب عن القلق إزاء ما يُسمى بالفراغ الموجود في النظام السياسي البرجوازي، فيما يتعلق بتشكيل اقتراح حكومة برجوازية بديلة، من أجل دمج الاستياء الذي يتشكل موضوعياً في النظام السياسي البرجوازي، نتيجة تطبيق الخيارات الاستراتيجية لرأس المال.

 يركز هذا القلق بنحو خاص على وضع القوى السياسية الفاعلة في الاشتراكية الديمقراطية: الميل إلى انحسار سيريزا والقوى المنبثقة عنه، وخاصة "اليسار الجديد". والصعوبة الكبيرة التي يواجهها حزبال باسوك في البروز كقوة مهيمنة للحكم البديل. و على واقعة ظهور قوى عمالية و شعبية أوسع كانت قد شكلت الأساس التقليدي للاشتراكية الديمقراطية غير راضية و شاعرة بالخيانة من مسار هذا الفضاء، نتيجةً للسياسة التي اتبعتها الاشتراكية الديمقراطية خلال السنوات السابقة، سواءً كقوة حكومية أو معارضة. و في الوقت نفسه، تُعرب قطاعات عاتية من الطبقة البرجوازية عن تحفظاتها تجاه دعم قوى تعتبرها بالية وإلى حد كبير غير ذات أهل ثقة كحل حكومي بديل. و في هذا الإطار، تجري و تتطور ضمن التفاعلات الجارية، أيضاً سيناريوهات مختلفة من اجل إعادة صياغة الفضاء الاشتراكي الديمقراطي الأشمل، و كذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه شخصيات مختلفة (كالرئيس السابق لحزب سيريزا، ألِكسيس تسيبراس)، أو حتى تشكيل حوامل سياسية جديدة.

و في ذات الوقت، تصطدمُ جميع الخطط البديلة لإعادة صياغة الاشتراكية الديمقراطية مع الواقع الموضوعي للاقتصاد الرأسمالي، و الذي يرجع إليه أيضاً عجز الحوامل السياسية للاشتراكية الديمقراطية عن صياغة مقترحات إدارة برجوازية تدمج قوى عمالية وشعبية أوسع على غرار ما كان يجري في الماضي.

 ج. لا يعني وضع الحوامل السياسية للاشتراكية الديمقراطية انحسار التيار "الاشتراكي الديمقراطي" و"الإصلاحي"، حتى وإن لم يجد في الوقت الراهن "تعبيراً حزبياً كافياً". تمتلك الاشتراكية الديمقراطية قاعدة اجتماعية عاتية داخل قطاعات من الطبقة العاملة، وكذلك في قطاعات من القوى الشعبية المتضررة من سياسة الإدارة الرأسمالية المُتبعة اليوم. ولهذا السبب، ورغم الضربات التي تلقتها، فهي لا تزال محافظة على ركائز قوية في الحركة النقابية للطبقة العاملة، وكذلك في العديد من منظمات الشرائح الوسطى. كما و تحتفظ بركائز قوية في الإدارة المحلية (البلديات والمحافظات) تستخدمها أيضاً بنحو أشمل من أجل  إعادة صياغة الفضاء السياسي. لا يزال التطلُّعُ قوياًَ نحو حل حكومي "بديل تقدمي" داخل أسوار النظام، و نحو "إدارة اقتصادية وسياسية أقل مناهضة للشعب". و  تحت شعار "العدالة" و"دولة القانون" تُرعى أوهامٌ و تخيلات تفيد بإمكانية وجود "إدارة أكثر عدلاً" للنظام الرأسمالي، و"وظيفة أكثر عدلاً" للدولة البرجوازية. ورغم الاستخفاف النسبي بالاتحاد الأوروبي – مقارنة بالماضي -  باعتباره تحالفاً رأسماليا، لا يزال اعتقاد قائم و يعاد إنتاجه و هو القائل بأن اليونان تشكِّلُ استثناءاً عن "الوضع الطبيعي الأوروبي"، وأن الاتحاد الأوروبي لا تزال عامل "أمن" للبلاد. و تُعتبر التجربة السلبية للمسار الحكومي للاشتراكية الديمقراطية، سواءاً لحزب الباسوك أو سيريزا، نتيجة حنثٍ بالوعود و نتيجة خيانة و خداع، لا باعتبارها نتيجة حتميات النظام الرأسمالي واستراتيجية رأس المال، التي تخدمها الاشتراكية الديمقراطية دون انتقاص أيضاً،  و نتيجة أوهام مفادها إمكانية الجمع  بين مطاردة أقصى أرباح مجموعات الأعمال و بين مصالح القوى الشعبية. هذا و لا يزال قائماً احتمالُ تشكيل تيار إصلاحي جماهيري في الفترة القريبة. وفي هذا الاتجاه، تلعب قوى الانتهازية دوراً خاصاً داخل الحركة، حيث تُركز رأس حربة نشاطها على الهدف المُجتزء القائل ﺑ"إسقاط حكومة ميتسوتاكيس"، و هي تُسندُ جوهرياً في تعزيز أوهام و سرابِ الإصلاحية  مما يُسهم في اﻹبقاء على قوى عمالية شعبية أسيرة هذه اﻷوهام.

 د. عبر مداخلة مباشرة و غير مباشرة من قطاعات من رأس المال، يتشكل داخل النظام السياسي قطبٌ يُوصف زوراً ﻛ"قطب مناهض للنظام". إن العناصر الأساسية لهذا القطب هي:

  • خطاب تنديدي شديد ضد حكومة حزب الجمهورية الجديدة وبقية "أحزاب النظام"، تلك التي شاركت أساساً في حكومات.
  • تمجيد دور العدالة البرجوازية، والدفاع عن الدستور والقوانين البرجوازية، و عن وظيفة "فصل السلطات".
  • التصاقه و تماسكه بشخصيات والترويج لرواد أعمال أو علماء محترفين يُزعم أنهم "عصاميون" و أنهم لا يتبعون و لا يُسائلون من جانب أي "جهازٍ حزبي".
  • الترويج لمختلف "الاستعراضات البرلمانية" باعتبارها معياراً للنضالية و الكفاحية.
  • العداء للشيوعية والافتراء بأن الحزب الشيوعي اليوناني حزب توافقي للنظام "يقوم بإسناد حكومة حزب الجمهورية الجديدة"، وما إلى ذلك، و هي عناصرُ تتخذ أحياناً طابع الاستفزاز.

إننا بصدد منطق رجعي وخطير على الشعب والشباب إجمالاً، يقودُ في نهاية المطاف إلى الدفاع عن هذا النظام، ما دام اعتبار المشكلة التي تُبرز  هو "خلل في أداء مؤسساته"، مما يُقلب الواقع رأساً على عقب.

على الخط المذكور يتحركُ حزب "إبحار الحرية" الذي يعودُ لزويّ كونستاندوبوّلو، والقوى الملتفة في "حركة الديمقراطية" بزعامة ستِفانوس كاسِلاكيس، و حزب "الحل اليوناني" القومي بزعامة فيلوبولوس، و غيرها. و تحظى هذه المحاولة  بدعم مباشر من وسائل إعلام برجوازية مملوكة لمصالح اقتصادية كبيرة. و في هذا الإطار يُعادُ إحياء تعايش قوى منبثقة من "الانتهازية" وكذلك من اليمين المتطرف، كما حدث سابقاً في "حركة الساحات" خلال فترة الأزمة. إن غرض هذا القطب  هو  الاصطياد في المياه العكرة، و اﻹطباق على السخط الشعبي، والإسهام في صياغة حوامل سياسية جديدة من أجل بدائل للنظام في اتجاه رجعي.

و يُشكِّل تسخيرُ التحركات الجماهيرية الضخمة ضد الجريمة المرتكبة في تِمبي، احد جوانب محاولة صياغة قطب مماثل. و تخفَّت و تختفي خلف الدعوات إلى "حركة غير حزبية دون ولي أمر"، و خلف محاولة خلق تضاربٍ مع الحركة العمالية الشعبية المنظمة، وشعارات "العدالة"، بعض المصالح الاقتصادية والسياسية الكبرى، التي تسعى إلى تسخير مختلف "المتاحين"، الذين يتحدثون باسم قتلى تِمبي وأقاربهم. في هذا الاتجاه، تلعب بعض قوى الانتهازية دوراً خاصاً، حيث تحاول - كما فعلت خلال فترة المذكرات - تجميل التوجه الرجعي لمثل هذه الخطط أو مطابقة مناهضة النظام بتأليه أشكال الصدام مع قوى القمع.

هـ. في مواجهة محاولة إعادة تشكيل النظام السياسي البرجوازي، يطور الحزب الشيوعي اليوناني تدخله الأيديولوجي السياسي، مُبرزاً مآزق الشعب الناجمة عندما يصبُّ إضعاف قطاع من القوى السياسية البرجوازية في دعم قوى أخرى.

و يُبرز الطابع الطبقي - وبالتالي المناهض للشعب -  للنظام السياسي البرجوازي، و للتفاعلات البرلمانية والحكومية فوق أرضية  الرأسمالية، و المؤسسات البرجوازية إجمالاً، كالعدالة و وغيرها.

ويكشف عن الدور التقويضي التاريخي للاشتراكية الديمقراطية في اﻹطباق على القوى العمالية الشعبية، مستعينًا بأمثلة من الماضي القريب والتاريخي. هذا يتقارب قسم من القوى العمالية الشعبية ذات رؤى اشتراكية ديمقراطية مع قوى الحزب في الحركة النقابية العمالية و يواكبها على جبهات صراع معينة، و يتمظهر بنحو نقابي في انتخابات النقابات في قوائم  مدعومة من الشيوعيين ويتابع الحزب باهتمام. ومن الواضح هو تشكُّل إمكانيات لفكاك قوى مع مقدمة أساسية تتمثلُ في تعميق الصراع الأيديولوجي السياسي و إبراز برنامج الحزب الشيوعي اليوناني، من أجل لتخفيف الأوهام وكسر خداع النفس، مع تسخير الخبرة المكتسبة من المشاركة في النضالات وعمليات الحركة. و يكافح الحزب ضد رؤى ضارة تزعم بأن الانتخابات البرلمانية البرجوازية كل أربع سنوات، تُشكل أرفع صيغ الديمقراطية، وأن ما يُسمى بقابلية الحكم و المشاركة في الحكومات البرجوازية أو دعمها في إطار الرأسمالية أيضاً باسم "الاستقرار السياسي" تشكل خطوات نحو منفذاً مؤيداً  لمصالح الشعب.

يتمثَّلُ أحد المؤشرات الحاسمة لهذه المحاولة بأكملها في هو توسيع اتفاق قوى عمالية شعبية طليعية مع برنامج الحزب و التفافها حوله، أي اتفاقها مع الصراع الجاري حالياً من أجل حشد القوى في اتجاه مناهض للرأسمالية و الاحتكارات، وفق منظور الاشتراكية. و خلاف ذلك فإن هذا يشكِّلُ أيضاً شرطاً مسبقاً - كما علمتنا التجربة – من أجل مواجهة الضغوط الانتهازية التي تتشكل موضوعياً نتيجة التطورات و الهادفة إلى انكفاء الحزب أمام تيار إصلاحي واشتراكي ديمقراطي. إن نشاط الحزب هذا يُسهمُ في عرقلة هذه التفاعلات الجارية داخل النظام السياسي البرجوازي، و في عدم رأب الصدوع المتشكلة في الوعي العمالي الشعبي و في الثقة  بالسياسة البرجوازية.

يُبرزُ الحزب الشيوعي اليوناني أن المناهضة الفعلية للنظام تكمن في التشكيك بالنظام الرأسمالي والدولة البرجوازية والنظام السياسي البرجوازي و في مواجهتها إجمالاً، لا في الدفاع عن المؤسسات البرجوازية، والعدالة والدستور. وأن النشاط الفعلي المناهض للنظام لا يكمن في الاستعراضات البرلمانية، بل في تطوير الصراع الطبقي والنضال من أجل المصالح العمالية الشعبية، من أجل حشد القوى في اتجاه مناهض للرأسمالية والاحتكارات، أي في طريق التغيير الجذري لتناسب القوى على حساب رأس المال و لصالح الطبقة العاملة وحلفائها.

  1. التطورات الرجعية في العدالة البرجوازية و مداخلة الحزب

في الفترة الممتدة منذ المؤتمر اﻠ21، لم تتسارع فحسب سلسلة من الإصلاحات الرجعية في مجال العدالة، بل و طرحت في صميم المواجهة السياسية مسائل "دولة القانون" البرجوازية و"استقلالية العدالة" محورًا للمواجهة السياسية، وبلغت ذروتها إما في فضيحة التنصت عام 2022، أو في جريمة تِمبي وفضيحة "منظومة التمويل و الدعم الأوروبي للمزارعين" الأخيرة.

تُبرزُ الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الدفاع عن "دولة القانون في الاتحاد الأوروبي" كخط أساسي لمواجهة حكومة حزب الجمهورية الجديدة، و"استقلالية العدالة" و"السلطات المستقلة" المختلفة كضمانات ﻠ"الرقابة على السلطة التنفيذية". و ذلك في حين يتدخل الاتحاد الأوروبي والمحاكم الأوروبية ومؤسسات أوروبية مختلفة ﻛ(مكتب المدعي العام الأوروبي) بنحو فاعل في التطورات، و يُصوَّرون انفسهم ﻛ"ضامنين" ضد الفساد و كأنهم سند منيع للعمال والشرائح الشعبية.

في ذات الوقت، يتمثَّلُ التوجه الأساسي للاتحاد الأوروبي وشرط مُسبق لصندوق الإنعاش، في تنفيذ الإصلاحات الرجعية المستمرة في مجال العدالة، والتي تروج لها حكومة حزب الجمهورية الجديدة بهدفين رئيسيين: أولهما هو دعم أكثر نجاعة وسرعة لمشاريع الاستثمار و لتلبية الحاجات الأشمل لرأس المال، و ثانيها هو تشديد القمع ضد "الشعب العدو" و الحركة العمالية الشعبية المنظمة. إن التعديل الدستوري المقبل سيخدم أيضاً تحقيق هذين الهدفين.

وبالطبع، استندت الحكومة على إجراءات الحكومات السابقة، وخاصة حكومة سيريزا، حيث كانت إعادة الهيكلة الرجعية في نظام العدالة مطلبًا رئيسيًا للمذكرات (كالمزادات الأكترونية و"قانون عرفي" ضد من كانوا يتحركون، والقوانين الجنائية، إلخ).

ومن جانب نظر حكومة حزب الجمهورية الجديدة، فُردت طيات محاولة شديدة مع التركيز على "التسريع" و"الانتقال الرقمي  في مجال العدالة" من أجل شرعنة و قبول التحولات من قبل العمال و الشرائح الشعبية. حيث عارض الحزب الشيوعي اليوناني بشدة هذه المحاولة، مُبرزًا المضمون الفعلي لهذه الإصلاحات، باعتبارها مكونات أساسية لـ"دولة الأركان" من أجل دعم ربحية المجموعات الاحتكارية، و الإصلاحات المناهضة للشعب وحقوقه.

و باﻹجمال في مواجهة هذه التطورات، كشف الحزب و بنحو ناجز من خلال الفعاليات و أيام العمل والمنشورات عن الطابع الطبقي لتدابير الحكومة، و"دولة القانون" البرجوازية والديمقراطية البرجوازية، و عن الدور الخاص للدستور و"استقلالية القضاء" في الدفاع عن مصالح رأس المال.

أضاء الحزب محاولة تعزيز الإطار القمعي بـ"رأس حربة" يتمثل في ودمج وتفعيل أحكام "قانون الضرورة" في ظل ظروف "الوضع الطبيعي".

وفي الاتجاه نفسه، كشف الحزب عن التدابير المقابلة التي أُطلقت ويجري تعزيزها داخل البلاد، والتي تهدف إلى:

أ. تعزيز وتطوير المراقبة والتوثيق الإلكتروني والرقمي والتقليدي من قبل الدولة البرجوازية، وفي اتجاه التدخل الوقائي للدولة ضد العامل الشعبي.

ب) تعزيز التشريعات القمعية وشرعنتها دستورياً.

ج) تشديد إجراءات القبول الأيديولوجي لقمع الدولة: من خلال استحضار مفاهيم عامة مطاطية (ﻛ "الأمن القومي" أو "مكافحة الإرهاب" وما إلى ذلك)، واستغلال المشاكل الحادة التي يلدها النظام نفسه والسياسات المناهضة للشعب.

في الوقت نفسه، ومن خلال إظهار الاستهداف الحقيقي لمشاريع قوانين، كتعديلات قانون العقوبات، والإجراءات القمعية في الجامعات، واستخدام منشورات مثل "تعلم - ناضل من أجل حقوقك"، أبرز الحزب أهمية أن تعرف الحركة العمالية والشعبية نفسها حقوقها وحرياتها وتدافع عنها، وأن تعيق تشديد القمع، وأن تكسر في الممارسة محاولات الإرهاب من جانب الدولة والحكومة البرجوازية.

و بالمقابل، تصدَّر الحزب العمل من أجل فهم واسع بأن التغييرات المُروَّجة في مجال العدالة البرجوازية تُهمّ العمال والشرائح الشعبية في المقام الأول، لأنها تُعزِّز العقبات التي تحول دون نفاذهم إليها، وتُضيِّق الخناق من أجل إصدار قرارات رجعية ومعادية للشعب بنحو متزايد (مثل تسهيل نفاذ الصناديق من أجل الاستيلاء على منازل الشعب، و"دفن" المدفوعات بأثر رجعي التي يستحقها عشرات الآلاف من المتقاعدين، والموافقة على إنشاء جامعات خاصة، و غيرها). و بذل قواه لكي تكافح النقابات والحوامل وآلاف جماهير الشعب تنفيذ و تطبيق مشاريع القوانين غير المقبولة، التي كان آخرها قانون الخريطة القضائية، و قانون المسخ  الضريبي، و غيرها.

وفي هذا الاتجاه، شق طرقاً من أجل نشاط الحزب لحشد قوى أوسع وتغيير تناسب القوى، و لتشديد محاولة إبراز رِفعة السلطة العمالية، كطراز أسمى للديمقراطية، حيث يكون للعمال دورٌ فاعل في اتخاذ القرارات وتنفيذها و ممارسة الرقابة عليها.

ارتبط تفصيل هذه المحاولة في مجال العدالة منذ المؤتمر اﻠ21 بتعزيز تدخلنا في الحركة عبر عدة خطوات:

  • في التنظيم المستقل للمحامين العاملين بأجر والممارسين (نقابة المحامين العاملين بأجر في محافظتي أتيكي ومقدونيا الوسطى)، وكذلك العاملين لحسابهم الخاص (مبادرة ذات صلة لتأسيس جمعية للمحامين العاملين لحسابهم الخاص).
  • في التنسيق المشترك للعاملين في هذا المجال (المحامين العاملين لحسابهم و العاملين بأجر والممارسين، وموظفي المحاكم، والأمناء، والمترجمين، وكتاب العدل)، و من خلال وضع إطار للمطالب مع تسجيل صعود في عدد الأصوات وفي عدد المنتخبين لمجالس جمعياتهم.
  • في النشاط والتدخل المشترك الضروريين للعاملين لحسابهم الخاص والعلماء العاملين بأجر (المهندسين - المحامين - الاقتصاديين - المحاسبين، إلخ)، كما هو الحال مع مشروع قانون الضرائب وغيرها من المشاكل الحادة (ديون اسهامات التأمين، إلخ).
  1. خاصة فيما يتعلَّق بالإدارة المحلية و إدارة المقاطعات

 تؤكد التطورات موقفنا من دور الإدارة المحلية والإقليمية باعتبارها جزءاً من آلية الدولة وعاملاً فاعلاً في تنفيذ التخطيط البرجوازي.

إنّ إطار الاستقرار المالي، والتناقضات بين قطاعات الاقتصاد، والانعطاف نحو اقتصاد الحرب، والصعوبة الأشمل للنظام السياسي، والوضع التنظيمي والأيديولوجي والسياسي للأحزاب البرجوازية، وانخراط الإدارة المحلية و إدارة المقاطعات في إدارة الدولة البرجوازية المناهضة للشعب والعمال، وما يُحدثه ذلك من ردود فعل شعبية يومية مباشرة، في ترابط مع  قرب الإدارة المحلية و إدارة المقاطعات من الشرائح الشعبية، ستخلق بجملتها صعوبات في تنفيذ التخطيطات البرجوازية.

على أي حال، تُستشفُّ إمكانيات للتدخل والتواصل مع ما  يُشكّل كتلة عمال و عاملين لحسابهم الخاص في المدينة والريف، ممن يتواجد معظمهم خارج نقاباتهم ومطالبهم الجماعية.

هناك متطلبات خاصة في البلديات الست التي تولّينا إدارتها، وفي المقاطعات بنحو عام، وفي العديد من البلديات حيث حققنا نسباً عالية. إنه واقع جديد نسبياً بالنسبة لمنظمات و هيئات الحزب و الشبيبة الشيوعية والقوى الحزبية المُكلفة بالعمل ضمن "التجمع الشعبي". لقد انجزنا خطى في تحسين وظيفة المجموعات والأركان الحزبية، لكننا لا نتمكن بعد من تزويد الهيئات بعناصر الصراع الحي والتفاعلات السياسية. هذا و شكَّلت التجمعات و التحركات المحلية التي جرت خلال الأشهر الأربعة الأولى من تولي السلطات البلدية مهامها في البلديات الست، مبادرة مهمة، ويرجع ذلك أساساً إلى أنها أشارت إلى أسلوب عملنا وما نعنيه بـ "معارضة شعبية من موقع السلطة البلدية". و بُذلت محاولة، وتخصص الإطار السياسي بالمطالب، وفي الدعاية، قمنا بترميز عناصر تكشف بنحو أفضل عن مسألة "التنمية من أجل مصالح من".

إن الخبرة المكتسبة ليست كافية، لكن الخبرة الموجودة لم تصبح جزءًا لا يتجزأ من عملنا الإرشادي في المنظمات القاعدية الحزبية وفي المجموعات الحزبية و الهيئات، ولم تصبح موضوعاً للتعاون مع قطاع العاملين في الإدارة المحلية من أجل تنمية عناصر التضامن أيضاً، و التي ستكون ضرورية في الفترة المقبلة. و من المطلوب من هيئات الحزب دعم العمل التنظيمي والأيديولوجي والسياسي للمجموعات الحزبية بنحو منهجي، وأن تكون أكثر صرامةً لتعكس و تطبع بنحو أفضل تدخلها في مجال مسؤوليتها، و عملها على تعزيز وتوسيع الروابط والتواصل مع المنظمات الجماهيرية والحركات المحلية والمجموعات التطوعية. يتحمل كل رفيق مسؤولية فردية للمساهمة في تعزيز القدرة الشاملة لقوى الحزب في بلدية أو مقاطعة، وفي الصراع المباشر، وفي الترويج الشعبي والتسجيل والكشف، وفي اتخاذ المبادرات التي من شأنها تسهيل حركة الجماهير.