و مع حصول الحزب الشيوعي اليوناني على نسبة 9.25٪ يُسجِّل صعوداً انتخابياً هاماً جديداً في نسبته المئوية المحققة بعد الانتخابات البرلمانية لشهر أيار\ مايو (7.2٪) و حزيران\يونيو (7.69٪) لعام 2023، وكذلك بالطبع في المقارنة مع الانتخابات الأوروبية لعام 2019 ( 5.35 %). حيث تثبُتُ التفاعلات الإيجابية الجارية منذ فترة طويلة والتي تمظهرت أيضاً في نتائج الانتخابات النيابية.
يتعزز و يستقرُّ تيار التشكيك في السياسة المهيمنة، التي تطبقها حاليا حكومة حزب الجمهورية الجديدة، الذي يُعبَّر عن جزء منه في صعود مكانة الحزب الشيوعي اليوناني و مواكبته، مع فكاك القوى العمالية الشعبية من تأثير الأحزاب البرجوازية - التي و على الرغم من خلافاتها الجانبية وتنافسها على الحكم - تتحرك على ذات الخط السياسي العام على حساب المصالح الشعبية، هو خط تنمية الربحية الرأسمالية، خط الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. و يبدو الحزب الشيوعي اليوناني معززاً بنحو خاص في مقاطعة أتيكي، حيث تم تسجيله مرة أخرى في المرتبة الثالثة، وفي المرتبة الثانية في سلسلة من بلدياتها ذات التركيبة العمالية، في حين تم تسجيل زيادة كبيرة له أيضاً في عدد من مراكز البلاد الحضرية الكبرى.
و أعرب عن ذلك بنحو أساسي في المناطق الصناعية حيث خيضت نضالات عمالية كبرى، كما هو حال منطقة شركة لاركو، ولكن أيضاً في مناطق تحركات المزارعين الكبيرة، و في المناطق التي تم فيها تطبيق شعار "إن الشعب وحده ينقذ نفسه" أمام العواقب الكارثية لسياسة الحكومات والاتحاد الأوروبي، كما كان الحال في شمال جزيرة إيفيا و محافظة ثِساليِّا وأماكن أخرى، و غُذِي هذا التعبير من نضالات جرت للكشف عن أسباب جريمة تِمبي وعدم نسيانها. وهو ما يؤكد على أواصر الحزب الشيوعي اليوناني مع قوى شعبية صوتت له قبل عام – كان العديد منها قد انتخبوه لأول مرة، وخاصة من العمال والشابات و الشباب - ويثبت أن التصويت لصالح الحزب الشيوعي اليوناني يعبر عن روابط أكثر استقراراً، صيغت واختبرت في نضالات هامة سالفة، و ضمن محاولتنا المتواصلة التي لا تتوقف للتواصل والحوار والنقاش المباشر مع الشعب، بأشكال مختلفة في مواقع العمل والسكن. و بالطبع، يبقى تناسب القوى السياسي سلبياً بالنسبة للشعب، لكن هناك اليوم قوة لا يستهان بها، ألا وهي الحزب الشيوعي اليوناني، القادر في اليوم التالي على مواجهة الصعوبات القادمة و أن يسهم في تنظيم الصراع العمالي الشعبي و الهجوم المضاد، و إسقاط الرأسمالية.
2. و من الوقائع التي لا تقبل الجدل هو أن التصويت لصالح الحزب الشيوعي اليوناني هو خيار لا علاقة له بالتصويت لأي حزب آخر، ما دام خياراً لمواجهة النظام و الاتحاد الأوروبي، يُوجِبُ التغلبَ على العديد من العقبات والمعوقات. حيث عليه التغلب على منطق "الطرق اﻷحادية الاتجاه" و البحث عن بديل ضمن حدود النظام الذي يدافع عنه الجميع. وعليه التغلب على الضغوط والابتزازات التي يمارسها أرباب العمل (كمثال التدخلات السافرة لدى العمال و دعوتهم للتصويت لصالح أحزاب الاتحاد الأوروبي). عليه أن يتغلب على الالتباس بشأن العلاقة بين سياسة حكومة حزب الجمهورية الجديدة و سياسة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، بشأن ما كان قيد الحسم في هذه المعركة. فضلاً عن منطق اﻹتكال على المنقذين أو البحث عنهم، في حين نعتقد نحن أن باستطاعة الحزب الشيوعي اليوناني مع الشعب والحركة، فتح طرق جديدة من أجل تغيير جذري في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من أجل إلغاء الاستغلال الطبقي، في يونان و أوروبا الاشتراكية. وفي هذا الاتجاه خضنا معركة الانتخابات الأوروبية الهامة هذه.
حُقِّقت هذه النتيجة الانتخابية الإيجابية التي سجلها الحزب الشيوعي اليوناني في ظروف تضليلٍ غير مسبوق، غذته المواجهة بين الأحزاب الأخرى. فبدلاً من نقاشِ المسائل الحاسمة المتعلقة بالهجمة الجارية على الدخل، و بالغلاء و الرواتب المنخفضة، و بموجة التسليع الجديدة للصحة والتعليم، والتورط الإجرامي لبلادنا في حربين إمبرياليتين، و التي هي مسائل مرتبطة بنحو مباشر بسياسة الاتحاد الأوروبي التي تتقبلها جميع الأحزاب الأخرى، فقد اتخذت المواجهة السابقة للانتخابات - لا من قبيل الصدفة – سمات انحطاطية وتركزت على مقولة "من أين لك هذا" بشأن هذا السياسي أم غيره. حيث سعت الأحزاب الأخرى وبالطبع المراكز المختلفة للنظام (انظر تدخلات رابطة الصناعيين اليونانيين) إلى عدم اعتماد سبب المشاكل، أي سياسة الاتحاد الأوروبي ورأس المال، معياراً للتصويت، و إلى صياغة خطوط فاصلة واهية بشأن مسائل ثانوية و اعتماد معيار تصويت رئيسي، كمثال الإمكانيات الذاتية لنوابها للقيام بمداخلة في البرلمان الأوروبي. كما و حُقِّقت في ظروف محاولة منهجية لوسائل الإعلام وآليات أخرى، لإخفاء زخم وإمكانيات صعود الحزب و للإستخفاف بالتصويت له، مع طرحها بإصرار سؤالاً مفاده: "لماذا يصوِّتُ أي ناخب لصالح الحزب الشيوعي اليوناني المناهض للاتحاد الأوروبي". و هي المراكز ذاتها التي تحاول بعد الانتخابات وبعد فشل تحقيق هدفها، الاستخفاف و التقليل من شأن نتيجة الحزب الشيوعي اليوناني الانتخابية.
و بالرغم من صعوباته لا يزال النظام البرجوازي ممتلكاً آليات ووسائل عاتية لاصطياد السخط الشعبي والتلاعب به.
و بذات القدر يتعلق إبراز حزب الجمهورية الجديدة لشعار "الاستقرار"، كما و سجاله المفبرك الذي لا معنى له مع باقي اﻷحزاب، بالانتخابات البرلمانية المقبلة. حيث يُطالب حزب الجمهورية الجديدة بالتسامح في اليوم التالي للانتخابات و بولاية ثالثة حتى عام 2027، في حين يتزاحم سيريزا مع الباسوك حول ماهية المطالِب بالدور الأول عام 2027. إن هذه المواجهة تُثبتُ أن الأحزاب البرجوازية ترى الشعب كناخب بسيط، من أجل الحفاظ على الحكومات أو التداول الحكومي، و حصر استياءه تارة لدى هذا الحزب و طوراً لدى الآخر، ليدعم "بنحو مستقر" حكومات تنفذ ذات السياسة المناهضة للشعب مع اختلافات جانبية، ليدعم تناوب الحكومات لا مسار إسقاط النظام. و ذلك على النقيض من موقف الحزب الشيوعي اليوناني - الوحيد بين جميع الأحزاب الأخرى - والذي يرى أن الشعب باعتباره ذاك العامل الحاسم في صد الهجوم الذي يتلقاه، عامل انتزاع بعض المكاسب، التي ستشكل نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الهجوم المضاد من أجل الإطاحة الإجمالية. ولهذا السبب أعلن الحزب الشيوعي اليوناني ضرورة تعزيزه هناك حيث تُتخذُ القرارات من أجل تعزيز الصراع هناك حيث توجد إمكانية فرض إطاحة الخيارات المناهضة للشعب.
3. يحتوي الإحجام الكبير عن التصويت نسبة هامة من الاحتجاج ضد حكومة حزب الجمهورية الجديدة، فضلاً عن الاحتقار و على حد السواء تجاه النظام السياسي البرجوازي وأحزابه و الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، كالبرلمان الأوروبي. و يرجعُ عدم الرضا أيضاً إلى الخبرة الجديدة التي اكتسبتها جماهير شعبية كبيرة و هي المتعلقة بدور الحزب الشيوعي اليوناني و غيره من القوى الطليعية الأخرى في أوروبا، والتي تخلص إلى قيام تفاعلات إيجابية، كالنضالات الكبرى للشعوب في العديد من البلدان الأوروبية في الأعوام الأخيرة. هناك حاجة إلى مزيد من التنسيق على المستوى الأوروبي، والعمل المشترك والتضامن، من أجل صياغة تيار عمالي شعبي كفاحي ضد الخصم الطبقي السياسي المشترك، في اتجاه مناهض للرأسمالية والاحتكارات.
ونعتقد أن المواجهة التي سبقت الانتخابات بعبارات منحلة وبعيدة عن المشاكل الحرجة و بنحو رئيسي عن أسبابها و منظور حلها، عززت من نفور الشعب من المشاركة في العملية الانتخابية. و من هذا الرأي فإن هذا الموقف - الذي من الواضح أننا لا نستحسنه – هو ذي خصائص سياسية، بمعزل عما إذا كان التعبير عنه جارياً بنحو يمكن إساءة تفسيره أو اصطياده أو استيعابه. وبالتالي، فإن المطلوب هو التعبير عن هذا الاحتجاج وخاصة من جانب الشباب عبر خلال المشاركة الفاعلة في الحركة و في الصراع المنظم والمطالبة، وأن يكتسب خصائص جذرية، وأن يتلاقى مع سياسة الحزب الشيوعي اليوناني الانقلابية.
منافقٌ هو اهتمام القوى البرجوازية بحجم الامتناع عن التصويت. في وقت تبذل جميعها كل ما في وسعها للافتراء على المشاركة العمالية الشعبية في النضالات والعمليات الجماهيرية للحركة، مع قيامها بالتشريع من أجل تقييد العمل النقابي.
و على أي حال، لا يستهينُ الحزب الشيوعي اليوناني بشأن ظاهرة الامتناع عن التصويت، وسيدرس بالتفصيل وحسب المنطقة كيفية تأثير هذا المناخ على سلوك ناخبي الحزب الشيوعي اليوناني.
4. لقد فتح سلفاً النقاش داخل خلجان الطبقة البرجوازية الحاكمة مع إبراز ما سُمِّي "عدم التماثل السياسي" للنظام السياسي. قد تكون القيادات الحزبية للأحزاب البرجوازية في سجال فيما بينها، لكن الطبقة البرجوازية ورأس المال ومجموعات الأعمال مهتمة في المقام الأول بضمان تناوب ثنائية قطبية الحزبين، التي جرى اختبارها بنحو مأساوي على حساب الشعب و شعوب أوروبا. و في اليونان، تم اختبار تناوب حزبي الجمهورية الجديدة و الباسوك ولكن أيضاً تناوب حكومة الجمهورية الجديدة و الباسوك مع مع حكومة سيريزا و حزب اليونانيين المستقلين.
و يقوم حزب الجمهورية الجديدة، الذي تلقى انحساراً كبيراً في نسبته المئوية و عدد أصواته، حيث انخفض إلى نسبة 28.31٪، بتشويه و تزوير تصويت الشعب و إظهار الاستنكار على سياسته كرسالة يُزعم أن مفادها هو مواصلة "الإصلاحات المناهضة للشعب" بنحو أسرع. وهو يُحاول تقديم اﻷبيض كأسود و يستخدم نتيجته الانتخابية لدعم "الحاجة إلى تسريع الإصلاحات التي تعزز تنافسية الاقتصاد اليوناني". وفي الواقع، يحدث العكس تماماً. فقد أعرب الشعب عن استيائه وإدانته إجمالاً لسياسة الحكومة، وتحديداً لهذه "الإصلاحات". كمثال مجال الضرائب التي تسحق الطبقات الشعبية، و سياسة الطاقة الباهظة الثمن ﻠ"الانتقال الأخضر"، و تسليع الصحة وخصخصة التعليم و تنفيذ السياسة الزراعية المشتركة، و توريط بلادنا في الحروب الإمبريالية و ما شاكلها. و هو ما ينبغي أن يُعرب عنه بنحو أكثر جماهيرية و تنظيماً في اليوم التالي، مع تطوير الصراع العمالي الشعبي والهجوم المضاد.
ولا ينبغي للإدانة الحقيقية لحكومة حزب الجمهورية الجديدة أن تقود نحو إعادة ترتيب القوى البرجوازية المُجربة، التي تحاول إعادة تسخين وصفة الأوهام والإدارة "المؤيدة للشعب" للاتحاد الأوروبي والنظام. و كما و سجل حزب سيريزا الذي يحتل المركز الثاني بنسبة 14.92%، انخفاضا كبيرا في نسبته و أصواته، مقارنة مع نظيرتها للانتخابات البرلمانية لعام 2023، وكذلك مع الانتخابات الأوروبية عام 2019، مما يثبت أن جزءا كبيرا من عمال وشعب البلاد لا يثق بهذه القوة باعتبارها رداً على السياسة المناهضة للشعب التي تنتهجها حكومة حزب الجمهورية الجديدة، ما دام تقاربه الاستراتيجي مع حزب الجمهورية قد تكشَّفَ بنحو أكبر. بينما لم يتمكن حزب الاشتراكية الديموقراطية الآخر، الباسوك\ حركة التغيير، من احتلال المركز الثاني كما كان ينوي، وبقي في المركز الثالث مستحصلاً نسبة 12.79%. ومع ذلك، ستجري محاولة البحث عن "منقذين" جدد وستتم محاولة ترميم الاشتراكية الديمقراطية المُخطئة وتمويهها، وذلك باستخدام قوى سيريزا و الباسوك\ حركة التغيير التي عايشناها في الماضي. و غير ذلك، فإن حكومة حزب الجمهورية الجديدة تحكم أيضاً بدعم توفره لها المعارضة التوافقية في المسائل الحرجة و ضمن عمليات التصويت في البرلمانين اليوناني والأوروبي. كما و كان العكس أيضاً قد حصل، عندما قدم حزب الجمهورية الجديدة الدعم لسياسة حكومتي الباسوك و سيريزا (على سبيل مثال، حكومة باباذيموس، و المذكرة الثالثة، وما إلى ذلك).
إن النقاش حول "هزيمة اليسار" أو "يسار الوسط" في اليونان وأوروبا يخفي المسألة اﻷكثر جوهرية، وهي أن ما تم ضربه في الواقع هو اقتدارُ هذه القوى على دمج قوى عمالية شعبية عبر " شعارات يسارية" على خط الاتحاد الأوروبي والاستغلال الرأسمالي وحلف شمال الأطلسي والحروب الإمبريالية.
5. إن نتيجة الانتخابات الأوروبية في مختلف البلدان تعكسُ بدرجة ما استياء قوى عمالية شعبية أوسع تجاه سياسات الاتحاد الأوروبي - كاستمرار للتحركات الجماهيرية المقابلة – و انطبع ذلك في التصويت ضد حكومات و أحزاب، على سبيل المثال في ألمانيا وفرنسا وغيرها، و هي التي تتصدَّر تنفيذ خيارات الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية المناهضة للشعب. و يتجسَّدُ مثل هذه الخيارات في دعم الحرب الإمبريالية في أوكرانيا ضمن المزاحمة مع روسيا أو في سياسة ما يسمى "الانتقال الأخضر"، واللتين تدفع شعوب أوروبا باهظاً ثمن تبعاتهما.
وبطبيعة الحال، فإن من المطلوب أن يكتسب هذا الاحتجاج خصائص جذرية وألا يُحتبس ضمن التناقضات القائمة بين قطاعات رأس المال والقوى السياسية البرجوازية.
و ذلك في الواقع، خلال وقت يُظهر الاتحاد الأوروبي طابعه الرجعي بنحو أكبر، وخاصة حيث يترك موقف ما يسمى بالأحزاب "اليسارية" - المشيدة بالاتحاد الأوروبي في مختلف البلدان - جماهير العمال و الشعب مكشوفة أمام خطاب الصنائع اليمينية المتطرفة والقومية، المزيف "المناهض للنظام" و "المناهض للاتحاد الأوروبي".
حيث تبرز مرة أخرى الحاجة الملحة لإعادة تنظيم الحركة العمالية والشيوعية في أوروبا والعالم، و ضرورة تعزيز التضامن الأممي.
إن ما يسمى بقوى اليمين المتطرف هي أحزاب لرأس المال والنظام. توظَّفُ بمثابة قناة لاستيعاب السخط الشعبي مرتدية في كثير من الحالات عباءة "مناهضة للنظام"، مستغلة السياسات الرجعية للأحزاب "الليبرالية" الحاكمة والأحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي تظهر وكأنها "تقدمية". كما أنها تظهر أيضاً بشعارات زائفة "مناهضة للاتحاد الأوروبي" و"سلمية" ممارسة النقد تجاه جوانب معينة من الاتحاد الأوروبي، كالمراجعة الأخيرة للسياسة الزراعية المشتركة أو لجوانب ميثاق الاستقرار، مع تسترها عن كونه اتحاداً للاحتكارات، وتدعم مصالح بعض الاحتكارات ضد سواها ضمن مزاحمتها البينية. وفي الوقت نفسه، تعتبر بمثابة "بعبع" مناسب تستخدمه قوى ما يسمى يمين الوسط أو الاشتراكية الديمقراطية لتقديم سياساتها الرجعية على أنها "ديمقراطية" و"تقدمية". هذا و تحتوي المساومات الجارية والتي سوف تشتدُّ في الأيام المقبلة، حول كيفية تشكيل أغلبية في هيئات الاتحاد الأوروبي الجديدة، تشمل أيضاً قوى مماثلة "يُستعاذُ منها" في غير أوقات.
هذا و ثبت أنه عندما تجد هذه القوى نفسها في مناصب حكومية، فإن كلامها الكبير "المناهض للنظام" يحتجبُ دائماً . حيث نموذجية على ذلك هي حالة ميلوني، التي بدأت باعتبارها "الخطر الكبير على الاتحاد الأوروبي" و تقوم الآن فون دير لاين بنسج المدائح لها متطلعة إلى دعمها، ما دامت قد نفذت و بنحو حاسم جميع قرارات الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. حيث تُغذَّى هذه القوى من السياسة والأيديولوجيا الرسمية للاتحاد الأوروبي ومعاداة الشيوعية ونظرية "الطرفين"، و من دعم قوى فاشية كمثال كتيبة آزوف في أوكرانيا، و من الرجعنة الشاملة للنظام السياسي.
إن الأمر اﻷكثر أهمية بنحو خاص اليوم حيث تتعزز مآزقُ النظام و تحتدم المزاحمة – أيضاً داخل الاتحاد الأوروبي – و ينتقلُ الاتحاد الأوروبي نحو ظروف "اقتصاد الحرب"، من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الجديدة المُستشفَّة، وهي عملية تتصدر تنفيذها قوى البرجوازية الاشتراكية الديمقراطية و"الليبرالية"، حيث من التالي هو تعزيز قوى فاشية وقومية أيضاً باعتبارها احتياطية، والتي كان التاريخ قد أظهر أنها دعامة قيِّمةٌ للسلطة الرأسمالية في أصعب لحظاتها. و في هذه الظروف، مؤقتة ستكون أي توافقات مؤقتة مبرمة وستعود الصدامات محتدمة، مع خلق زعزعة في استقرار التحالف الإمبريالي و فتح إمكانيات جديدة من أجل صراع القوى العمالية الشعبية. وكما تم التأكيد تاريخيا، فإن القادر الوحيد على وضع "سدٍّ" في وجه صعود اليمين المتطرف هو الحركة العمالية الشعبية الصاعدة، والصراع الطبقي، الذي سيصوِّبُ على الأسباب ذاتها التي تلُد هذا التيار السياسي الرجعي، أي الاتحاد الأوروبي والمزاحمات الإمبريالية، والنظام الرأسمالي. حيث يتم بعثُ رسالة كهذه من خلال نشاط و صعود الحزب الشيوعي اليوناني.
7. لدى الحزب الشيوعي اليوناني معايير محددة يحكم من خلالها على مسار نفوذه السياسي وعلى نتيجته الانتخابية ونسبته في اللحظة المحددة. وطوال مسيرة الحزب الشيوعي اليوناني، كان الحكم على هذه الأمور يجري دائماً من خلال معايير مركبة وليس حصرياً من خلال انعكاسها المحدد في صناديق الاقتراع، أي من خلال معايير برلمانية حصرية. و غير ذلك، لن يكون التسييس في اتجاه جذري مناهض للرأسمالية نتيجة مواجهات انتخابية متعاقبة، بل لعملية إجمالية لإعادة تنظيم الحركة العمالية وتشكيل التحالف الاجتماعي.
إن الانتخابات هي معركة سياسية مهمة، لكن نتائجها لا تتحدد بشكل أساسي مما تقوله الأحزاب و تعد به، بل من شبكة عوامل أكبر بكثير، كحال مصالح الطبقة البرجوازية الحاكمة، وأحزابها التي تتحرك – بمعزل عن مزاحماتها – على الخط ذاته، و من الآليات الأيديولوجية والسياسية والقمعية للدولة والاتحاد الأوروبي ذاته.
وبشكل خاص، تأكدت مخاوف الحزب الشيوعي اليوناني بشأن استخدام التصويت البريدي حتى من أجل تغيير نتيجة الانتخابات، وفق ما ثَبُت بالمشاكل الخطيرة التي نشأت في هذه الانتخابات الأوروبية.
هُما عالمان متناقضان. يتواجد الحزب الشيوعي اليوناني يقف على الجانب الآخر من الجميع، وهو ليس وحيداً، بل يقف إلى جانب غالبية الشعب الذي يعاني، و ذلك بمعزل عما تُصوِّتُ له اﻷخيرة. إن دور وتأثير الحزب الشيوعي اليوناني يكون دائماً أكبر بكثير من نسبه المئوية المحققة كل مرَّة، وبالتالي فإن تعزيزه يقود إلى نضالات أقوى بنحو مضاعف مع فعالية أكبر في الظروف المحددة.
و ما من أية علاقة للحزب الشيوعي اليوناني بمنطق أحزاب المعارضة الأخرى، كذلك الذي يُبرظه حزب سيريزا والذي يعتبر الآن "الفرصة الأخيرة للحد من حكومة ميتسوتاكيس، لأن الانتخابات المقبلة ستجرى بعد ثلاث سنوات". باستطاعة الشعب عبر نضاله و اعتباراً من الغد، بل ويجب عليه، أن يحد من السياسات المناهضة للشعب التي تنتهجها حكومة حزب الجمهورية الجديدة والاتحاد الأوروبي، مع الكشف عن موقف المعارضة المناسب الذي يمنح الحكومة ذريعة ويد العون في القضايا الاستراتيجية، ولا تتطلَّع سوى لكرسي الحكم بعد ثلاث سنوات.
سيكون الحزب الشيوعي اليوناني هنا:
- من أجل مواصلة إعادة تنظيم الحركة الشعبية العمالية التي بدأت، و من أجل تغيير تناسب القوى في نقابات وجمعيات المستوى اﻷولي و الثاني.
- ليخوض معارك كشف التوجهات و التوجيهات المناهضة للشعب و إعاقتها داخل البرلمانين الأوروبي و اليوناني، هناك تُصاغ و تتخذ بنحو مشترك القرارات التي تفاقم وضع حياتنا. و سيكون بنحو أساسي أمام النضالات، هناك حيث يجري إسقاط هذه التوجهات.
- من أجل تعزيز الصراع ضد تصعيد الحرب الإمبريالية والنضال من أجل فكاك البلاد منها.
- من أجل تعزيز تنسيق النضالات مع الطبقة العاملة والمزارعين والمهنيين العاملين لحسابهم الخاص والمثقفين والشباب والنساء في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي، حتى تستمر الشعوب في التظاهر في الشوارع ضد اتحاد الحروب والاحتكارات و اللوبيات و الفساد والاستغلال، اﻷوروبي و من أجل فتح منظورٍ في كل بلد وفي جميع أنحاء أوروبا من أجل أوروبا مغايرة، هي أوروبا الشعوب والاشتراكية.
ليس الاتحاد الأوروبي شديد البأس كما يبدو. من واجب الشعوب و هي مدينة بالتيقُّظ و اﻹيمان بقوتها.
وسيتحمل الحزب الشيوعي اليوناني عبء المسؤولية في بلدنا، وسيُسهم في الوقت نفسه في إعادة تنظيم الحركة الشيوعية والعمالية الأوروبية والأممية.
واقعيٌ هو اقتراحه. و مختلفٌ هو ما يراه واقعياً، رأس المال الكبير و"كهنوت" المفوضية وأحزابهم، و مغايرٌ ما هو واقعي بالنسبة للشعب اليوناني، و لسائر شعوب أوروبا.
لأن الواقعي دائما هو ما يتواجد في مصلحة الشعب، هذا هو ما أثبته التاريخ والتطورات. إنه فك الارتباط عن الاتحاد الأوروبي مع الطبقة العاملة و الشعب في موقع السلطة.
لم يَقُل الشعب اليوناني و سائر شعوب أوروبا، كلمتهم الأخيرة بعد.
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني
الثلاثاء11 حزيران\يونيو2024
