3. سرَّعت الحرب العالمية الإمبريالية الأولى عملية تحول الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية إلى احزاب برجوازية للثورة المضادة. أكدت ثورة أكتوبر الاشتراكية المنتصرة في روسيا في عام 1917 قدرة الطبقة العاملة انتزاع السلطة بنحو ثوري. و أحضرت مرة أخرى إلى جدول الأعمال، ضرورة إنشاء مركز ثوري عالمي ذي مبادئ ثورية و بنية تنظيمية، على أساس نظرية ماركس - إنگلز و خبرة ثورة أكتوبر. حيث قاد لينين الصراع من أجل تشكيل هذا المركز. و طرح قضية تغيير برامج الأحزاب العمالية و إعادة تسميتها كأحزاب شيوعية و ضرورة تأسيس أممية جديدة.
تأسست اﻷممية الشيوعية في ظروف صعود الحركة الثورية في أوروبا، الذي تمظهر بشكل رئيسي في الانتفاضات العمالية في فنلندا (1918)، ألمانيا (1918-1923) والمجر (1919)، كما و في نشاط عمال طليعيين في جميع أنحاء العالم، عبر إضرابات و مظاهرات و مقاطعة نقل امدادات حربية، مناهَضةً للتدخل الإمبريالي ﻠ14 دولة ضد روسيا الثائرة. لقد قدَّمت اﻷممية الشيوعية دفعاً هاماً لتاسيس أحزاب شيوعية، بمعزل عن واقعة أن هذه اﻷخيرة لم تكن حينها قد اكتسبت بعد النضوج الأيديولوجي و السياسي لصياغة برنامج معالج علميا و استراتيجية مقابلة له، على الرغم من تبنيها إعلانات اﻷممية الشيوعية.
4. شارك في المؤتمر اﻠ1 التأسيسي للاممية الشيوعية، 52 مندوباً من 35 منظمة من 31 بلداً من أوروبا وأمريكا وآسيا، في حين لم يصل بعض المندوبين للمؤتمر، نظراً لاعتقالهم من قبل الحكومات البرجوازية. و مع تأسيس اﻷممية الشيوعية، تم إضفاء الطابع الرسمي على الانشقاق في الذي كان قد جرى في سلسلة من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية على المستويين الأممي والوطني.
و كان بلاغ المؤتمر قد قدّر: "لقد بدأ عصر جديد! إنه عصر انهيار الرأسمالية وتعفنها الداخلي. عصر الثورة الشيوعية البروليتارية ... ". هذا و أبرز اﻹعلان البرنامجي للأممية الشيوعية دكتاتورية البروليتاريا في تعارض مع الديمقراطية البرجوازية باعتبارها شكلا من أشكال دكتاتورية رأس المال، و صاغ بياناً موجها إلى البروليتاريا الأممية.
و في تشرين الثاني\نوفمبر 1919 تأسست الأممية الشيوعية للشباب في برلين، من أجل توحيد قوى الشباب الثوري، استنادا إلى الخط العام للاممية الشيوعية مع تسبيق المطالب المتعلقة بظروف تعليم و حياة و عمل الشباب والصراع ضد العسكرة.
في كانون الثاني\يناير 1920 ، تم تأسيس الاتحاد الشيوعي البلقاني كمركز موحد للأحزاب الشيوعية البلقانية، و هو الذي نصَّت أولى قرارته على الانضمام إلى اﻷممية الشيوعية.
كان على الأممية الشيوعية أن تكافح تأثير الاشتراكية الديمقراطية على الحركة العمالية. حيث تكيَّفت اﻷركان البرجوازية و القوى الانتهازية، خلال فترة الخروج من الحرب مما أدى إلى سيطرة اللاعنفية (السلمية) في دعايتها، في مواجهة ضرورة كفاح الطبقة العاملة من أجل الاستيلاء على السلطة. وعلى هذا الأساس أعيد تشكيل الأممية الثانية، وبعد تأسيس الأممية الثالثة عمل لبضع سنوات ما سمي باﻷممية اﻠ ½ 2، التي جمعت الاشتراكية الديمقراطية "اليسارية" المزعومة. و استمرت كلتا المنظمتان في امتلاك نفوذ ضمن الحركة العمالية مع تلقيهما المساعدة من قبل الحكومات البرجوازية. و كافحتا على المستوى الدولي ضد السلطة السوفييتية. و في الوقت ذاته انضوت كلا الأممية الثانية و اﻠ ½2 ضمن أممية أمستردام النقابية التي دُعمت من قبل مكتب العمل الدولي، الذي كان اداة لعصبة الأمم الإمبريالية، بغرض الترويج لتعديلات برجوازية ضرورية و للتعاون الطبقي.
5. أقرَّ المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية (بتروغراد وموسكو ، 6 -25 تموز\ يوليو 1920) موضوعاتها و نظامها الداخلي. حيث طرحت الموضوعات مسائل الإعداد الفوري لدكتاتورية البروليتاريا، وتشكيل حزب شيوعي واحد في كل بلد، وتعزيز أنشطة الجماعات والأحزاب التي كانت تعترف بدكتاتورية البروليتاريا، و بالربط بين نشاطها الشرعي و اللاشرعي. و بالتوازي مع ذلك، قدَّرت أن نشاط الأحزاب والجماعات كان "بعيداً عن التعرض لذاك التحول الأساسي، و التجديد الجذري، الذين هما ضروريان لكيما يُعترف بهذا النشاط باعتباره شيوعياً و متجاوباً مع مهام الأحزاب والجماعات عشية فرض دكتاتورية البروليتاريا".
و كان نص الشروط الإلزامية اﻠ21 للإنضمام للاممية الشيوعية التي أوصى بها لينين، منتقداً مندوبي المؤتمر المتذبذبين الزاعمين أن البلشفية هي ظاهرة روسية حصراً، قد شكَّل وثيقة للمؤتمر ذات أهمية كبيرة. أظهرت سريان فاعليتها الشامل، و هي التي لم تكن في تناقض مع أية خصوصيات وطنية. كان من بين الشروط اﻠ21 الأساسية، تنظيف الاحزاب من العناصر الاشتراكية الديمقراطية و سواها من العناصر الإصلاحية، وقبول مبدأ المركزية الديمقراطية داخل كل حزب و داخل اﻷممية الشيوعية، و شطب عضوية كل من اختلف مع مواقف اﻷممية الشيوعية و مع إدانة اللاعنفية والاشتراكية الشوفينية، و بالتالي مع إدانة الاستعمار.
حارب لينين في عمله الهام "اليساروية مرض الشيوعية الطفولي" ضد الانعزالية التي كانت ترفض ضرورة الجمع بين جميع أشكال الصراع، و النضال داخل البرلمان وخارجه. و مع ذلك، فقد تم استغلال هذا السجال الضروري ضد هذا الشكل من الانحرافات، من قبل الانتهازية اليمينية من أجل تعزيزها ضمن صفوف أحزاب اﻷممية الشيوعية.
و بالتوازي مع قيام أعمال المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية (و الثالث لاحقاً)، انعقدت مؤتمرات أممية لمندوبات نساء من أجل القيام بعمل خاص في صفوف النساء. حيث عملت السكرتاريا النسائية الأممية و مقرها موسكو، برئاسة كلارا تْسِتكين.
6. حاول مؤتمر الأممية الشيوعية اﻠ6 (موسكو 22 حزيران\يونيو حتى 12 تموز\يوليو 1921) تحسين عمل الشيوعيين بين القوى العمالية الغير ناضجة سياسيا، حيث بقيت الغالبية العظمى من العمال المنتظمين نقابياً محاصرة ضمن نطاق الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، في حين استمر داخل بعضها كأحزاب ألمانيا وإيطاليا صراع أيديولوجي حاد.
شكَّلت الانتفاضات الثورية في فنلندا وألمانيا والمجر محطات تاريخية ذات أهمية كبيرة. و مع ذلك، فإن حقيقة عدم امتلاكها خاتمة منتصرة، أدت إلى تغيير غير مؤاتٍ في موازين القوى. و في نفس الوقت، استقرت السلطة البرجوازية، مما أنتج بروز مسألة "إصلاح أم ثورة" باعتبارها عنصراً مركزياً في الصراع الأيديولوجي الجاري ضمن صفوف الحركة العمالية الثورية. و أسهم الضغط الذي مارسه النفوذ القوي للاشتراكية الديمقراطية في النقابات، التي كان للشيوعيين ضمنها حضور ضعيف بسبب الملاحقات و ابعادهم عن مواقع العمل و بسبب الدعاية الرجعية القائلة ﺑ"نزع العناصر الشيوعية" من النقابات.
وضع المؤتمر اﻠ3 شعار " بين الجماهير" و خط "الجبهة العمالية الموحدة" الذي من شأنه أن يساعد في ظروف غير ثورية على النشاط المشترك للعمال المتأثرين بمختلف المنظمات السياسية و النقابية.
وكانت المشكلة الأساسية تكمن في عدم استغلال دروس خط الصراع الثوري في السوفييتات باعتبارها خبرة، في ظل الظروف الجديدة الغير ثورية. حيث أقيمت حينها جبهة أيديولوجية قوية من شباط\فبراير حتى تشرين اﻷول\أكتوبر 1917، لامتلاك الأغلبية في السوفييتات ضد المناشفة و الانتهازيين الذين كانوا قد تحولوا سلفاً لأقلية قبل عام 1917 في حزب روسيا الاشتراكي الديمقراطي العمالي.
تأسست خلال المؤتمر اﻠ3 للأممية الشيوعية ( في3 تموز\يوليو 1921) اﻷممية الحمراء لنقابات العمال (بروفينتيرن)، بمشاركة 220 مندوباً نقابياً من كافة أنحاء العالم، بهدف إعادة بناء الحركة العمالية فوق خط صراع ثوري. وبلغ مجموع أعضاء النقابات التي انضمت للبروفينتيرن (إما مباشرة أو كنقابات متعاطفة معها، او كحركات أقلية) ما يقارب 17 مليون عضواً. هذا و كانت البروفينتيرن قد علقت نشاطها في أواخر عام 1937، ولكنها كانت قد توقفت بنحو جوهري عن العمل في وقت سابق، بعد أن بدأت النقابات الحمراء اعتباراً من عام 1934 باﻹندماج مع النقابات الإصلاحية، ضمن اتجاه تشكيل الجبهة الشعبية.
7. بعد المؤتمر اﻠ3، شكَّلت سياسة "الجبهة العمالية الواحدة" والعلاقات مع الاشتراكية الديمقراطية ميدان صراع أيديولوجي في هيئات اﻷممية الشيوعية.
كانت بعض الأحزاب الشيوعية قد فسَّرت "الجبهة العمالية الواحدة" بصواب باعتبارها صراعاً من أجل تطوير النفوذ الشيوعي ضمن الجماهير العمالية و انتزاعها من الاشتراكية الديمقراطية. و حُدِّدت في حالات أخرى، باعتبارها وسيلة ضغط من اﻷسفل من أجل تغيير خط قيادة الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية و تحقيق التعاون السياسي في الأعلى. حيث لم يكن هناك من أي إحقاق لهذا التفسير.
انتهى الصراع إلى هيمنة رؤية في صالح التعاون مع الاشتراكية الديمقراطية و عدم استبعاد مشاركة الشيوعيين في حكومات برجوازية أو دعمها، و هي الرؤية التي تبناها قرار المؤتمر اﻠ4 للأممية الشيوعية (موسكو، 7 تشرين الثاني\نوفمبر - 3 كانون الأول\ديسمبر، 1922). حيث قبِل المؤتمر احتمالية مشاركة الشيوعيين في حكومة للعمال والفلاحين أو في حكومة عمالية، و هي التي لم تكن بعد دكتاتورية للبروليتاريا، و ذلك على الرغم من أنه لم ينظر لهذه الحكومات، تاريخيا، باعتبارها نقطة انطلاق لا مناص منها نحو دكتاتورية البروليتاريا.
8. توصل المؤتمر اﻠ5 للأممية الشيوعية (موسكو، 17 حزيرا\يونيو- 8 تموز\ يوليو 1924) إلى أن جوهر شعار "حكومة العمال والفلاحين" متطابق مع دكتاتورية البروليتاريا، و أولى اهتماماً خاصاً لبلشفة الأحزاب الشيوعية، وهو ما يعني تطويرها على أساس المبادئ اللينينية للحزب من الطراز الجديد.
و من ثم أضعفت اﻷممية الشيوعية تدريجياً من جبهتها ضد الاشتراكية الديمقراطية عبر مسار تناوب متناقض في المواقف تجاهها، على الرغم من أن هذه الأخيرة كانت قد شكلت و بوضوح قوة سياسية للثورة المضادة و للسلطة البرجوازية. حيث تعززت على هذا النحو، مواقف انتهازية يمينية في صفوف أحزاب الأممية الشيوعية.
9. في نهاية المطاف انتهى النقاش الذي بدء في المؤتمر اﻠ3 (1921) حول برنامج اﻷممية الشيوعية في مؤتمرها اﻠ6 (موسكو 15 تموز\يوليو - 1 أيلول\ سبتمبر 1928).
حيث أبرز البرنامج بشكل صحيح، التحليل اللينيني بأن "عدم التكافؤ في التطور الاقتصادي والسياسي هو القانون المطلق للرأسمالية"، وبالتالي ﻓ" من هنا تأتي إمكانية انتصار الاشتراكية، بدايةً في بعض البلدان، و حتى في بلد رأسمالي على حدة". و على الرغم من ذلك، فقد حدد ثلاثة نماذج رئيسية من الثورات في النضال من أجل دكتاتورية البروليتاريا العالمية، وفق معيار موقع كل بلد رأسمالي في النظام الإمبريالي الدولي: 1. للبلدان الرأسمالية المتقدمة، التي كان باﻹمكان فوراً قيام انتقالها الفوري إلى دكتاتورية البروليتاريا. 2. للبلدان الممتلكة لمستوى تطور رأسمالي متوسط، حيث لم يكتمل التحول الديمقراطي البرجوازي، حيث اعتبر حينها ممكنا بنحو أقل أو أكثر، قيام انتقال سريع من الثورة الديمقراطية البرجوازية نحو الثورة الاشتراكية. 3. البلدان المُستعمَرة أو شبه المُستعمَرة، التيَ يشترط انتقالها نحو دكتاتورية البروليتاريا وجود فترة بأكملها من أجل تحويل الثورة الديمقراطية البرجوازية إلى ثورة إشتراكية.
حيث تم التقليل من شأن السمة الدولية لعصر الرأسمالية الاحتكارية و من واقعة احتدام التناقض الأساسي بين رأس المال والعمل. حتى أن تحليل اﻷممية الشيوعية لم يكن موجهاً من الواقعة الموضوعية لاستحالة إلغاء التطور الغير متكافئ للاقتصادات الرأسمالية و العلاقات غير المتكافئة بين الدول، فوق أرضية الرأسمالية. و في نهاية المطاف، فإن طابع الثورة في كل بلد رأسمالي ُيحدد بشكل موضوعي من التناقض الأساسي الذي تُدعى لحلِّه، بمعزل عن التحول النسبي لموقع كل بلد في النظام الإمبريالي الدولي. حيث ينبثق الطابع الاشتراكي للثورة و مهامها المترتبة، من احتدام التناقض الأساسي بين رأس المال - العمل في كل بلد رأسمالي، في عصر الرأسمالية الاحتكارية.
و جرى التقليل من شأن سمة العصر باعتباره عصر الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية و من قدرة علاقات الإنتاج الاشتراكية على إعطاء دفع كبير لتطوير قوى الانتاج و تحريرها، كما ثبت في الاتحاد السوفييتي.
و عن خطأ اعتبرت الإمبريالية شكلاً للسياسة الخارجية العنيفة لبعض – أعتى - الدول، في حين تضمن النظام الإمبريالي عشرات البلدان (كانت الرأسمالية الاحتكارية قد تشكلت أيضاً في الصين، كما و أيضا في البرازيل). وفي الوقت نفسه ، لم يأخذ توصيف هذه البلدان في اعتباره، واقعة تشابك المصالح بين الطبقة البرجوازية الأجنبية والمحلية.
و كانت مشكلة رئيسية أخرى هي تصنيف قوى اجتماعية وسياسية برجوازية متواجدة سلفاًُ في السلطة، ضمن العملية الثورية كما كان الحال في تركيا، و حال الطبقة البرجوازية للمغرب، و سوريا، و غيرها.
و بصواب شدَّد المؤتمر البرنامجي اﻠ6 للأممية الشيوعية على أن "الحرب لا يمكن فصلها عن الرأسمالية". حيث انبثق عن ذلك التشديد أن "إلغاء الحرب ممكن فقط مع إلغاء الرأسمالية". ودعا العمال "لتحويل الحرب"، التي هددت بالاندلاع بين الدول الإمبريالية "إلى حرب أهلية للبروليتاريا ضد الطبقة البرجوازية من أجل إقامة دكتاتورية البروليتاريا والاشتراكية".
وفيما يتعلق بطابع الفاشية، فقد قدَّر أنها شكل من أشكال رد الفعل الإمبريالي الرأسمالي في ظل ظروف تاريخية خاصة، "لضمان قدر أكبر من الاستقرار (...) حيث الرأسمالية مضطرة بنحو متزايد أكثر على الانتقال من النظام البرلماني إلى (. ..) الطريقة الفاشية".
و قدَّر فيما يتعلق بالاشتراكية الديمقراطية: "غالباً ما تلعب دوراً فاشياً في أكثر اللحظات حسماً للرأسمالية. و تُظهر الاشتراكية الديمقراطية ضمن مسار تطورها، اتجاهات فاشية". إن التقييم المذكور أعلاه لم يكن صحيحاً. إن الواقع هو أن الاشتراكية الديمقراطية أدت وظيفة الاخماد الظرفي في وجه الثورة الاشتراكية، خلال أزمة الحكومات البرجوازية الليبرالية و تركت مجالاً لتناوب هذه اﻷخيرة مع حكومات فاشية.
10. وجه الحزبان الشيوعيان: الفرنسي و اﻹسباني دعوة تعاون نحو الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية قبل المؤتمر اﻠ7 للأممية الشيوعية (موسكو، 25 تموز\يوليو - 21 آب\أغسطس 1935) و ذلك بموافقة من اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية. وأخيرا، تم تأسيس الجبهة الشعبية في هذين البلدين عام 1936، باعتبارها تعاوناً سياسياً للأحزاب الشيوعية مع الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية و مع غيرها من الأحزاب البرجوازية والتيارات الانتهازية وشاركت أو دعمت حكومات لم تشكك بالسلطة الرأسمالية.
وصَّف المؤتمر اﻠ7 الحرب االعالمية الثانية القادمة، كإمبريالية و على الرغم من ذلك، أعطى في الوقت ذاته أولوية لسياسة تشكيل جبهة مناهضة للفاشية. حتى أنه حدَّد أن إبراز الحكومة المناهضة للفاشية شكَّل صيغة للإنتقال نحو السلطة العمالية.
و جرى استبدال تقدير المؤتمر اﻠ6 حول طابع الفاشية، بموقف قائل أنها تشكل "دكتاتورية إرهابية مفتوحة لأكثر القوى رجعية وشوفينية و لأكثر العناصر الإمبريالية للرأسمال المالي". و اعتُمد التقدير الإشكالي القائل بوجود "مسار تثوير" داخل الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وهو الذي خلص إلى حاجة "اندماج الأحزاب الشيوعية والاشتراكية"، شريطة أن تعترف الأخيرة باﻹسقاط الثوري للسيطرة البرجوازية، و بوحدة العمل مع الأحزاب الشيوعية، و تفعيل حزب جديد على قاعدة المركزية الديمقراطية. إن واقعة طرح المؤتمر اﻠ7 للشروط المذكورة أعلاه لا ينفي أمراً جوهرياً: و هو أن أوهاماً و روح مصالحة نشأت ضمن هذا المنحى، و التباسات و إيهاناً للجبهة الإيديولوجية والسياسية ضد الاشتراكية الديمقراطية والانتهازية.
بدَّلت الأممية الشيوعية موقفها حول طابع الحرب، بعد غزو ألمانيا الفاشية للاتحاد السوفييتي، و عرَّفتها بأنه مناهضة الفاشية وحدَّدت أن "... الضربة الرئيسية الآن تنعطف ضد الفاشية ..." وأن "في المرحلة الحالية لن ندعو لإسقاط الرأسمالية في مختلف البلدان، ولا إلى الثورة العالمية (...) و في هذا النضال لا ينبغي أن نُبعد ذاك القطاع من البرجوازية الصغيرة، والمثقفين والفلاحين، الذي يقف علناً في صالح حركة التحرير الوطني. على العكس، يجب علينا كسب هؤلاء كحلفاء و أن ينضوي الشيوعيون ضمن هذه الحركة باعتبارهم نواة قيادة".
إن هذا الموقف قلل من قيمة أن طابع الحرب يتحدد من ماهية الطبقة التي تشن الحرب ومن غرض حربها، أسواء كانت في البداية و حاليا مدافعة أو مهاجِمة. لقد تم فصل الصراع ضد الفاشية ومن أجل التحرر من الاحتلال الأجنبي و من أجل الحقوق والحريات الديمقراطية، عن الصراع ضد رأس المال.
تأثرت التناقضات المتمظهرة في خط اﻷممية الشيوعية فيما يخص طابع الحرب العالمية الثانية، أيضاً بمساعي السياسة الخارجية للإتحاد السوفييتي و محاولة حمايته من الحرب الإمبريالية. و مع ذلك و في أي حال، فإن ضرورات السياسة الخارجية لدولة اشتراكية لا يمكن أن تحل مكان ضرورة الاستراتيجية الثورية لكل بلد رأسمالي. و في التحليل النهائي، فإن الضمان النهائي لدولة اشتراكية يُحسم من الانتصار العالمي للاشتراكية أو من سيطرتها في مجموعة قوية من البلدان، وبالتالي، من الصراع من أجل الثورة في كل بلد.
11. قُرِّر في 15 أيار\مايو 1943 في خضم الحرب الإمبريالية، التفكيك الذاتي للأممية الشيوعية بعد اقتراح طرحته رئاستها و هو الذي أقر باﻹجماع من قبل جميع اﻷحزاب الشيوعية. و تم تبرير ذلك بتقدير قائل بأنها حققت رسالتها التاريخية كصيغة أممية لوحدة الحركة الشيوعية. و كان قرار تفكيكها قد سجَّل أنه كان قد شُدّد سلفاً و منذ المؤتمر اﻠ7 على ضرورة أن تقوم اللجنة التنفيذية خلال حلها جميع قضايا الحركة العمالية في "الإنطلاق من الظروف المحددة و من خصوصيات كل بلد و أن تتجنب كقاعدة قيامها بالتدخل المباشر في الشؤون التنظيمية الداخلية للأحزاب الشيوعية". وذكر أيضاً: "... مع أخذنا بالحسبان لصعود الأحزاب الشيوعية و لنضوجها السياسي مع كوادرها القيادية (...) و أيضاً مع الأخذ في الاعتبار أن سلسلة من الفروع كانت قد أثارت خلال الحرب الحالية مسألة تفكيك الأممية الشيوعية كمركز إرشادي للحركة العمالية اﻷممية، فإن رئاسة اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية و مع عدم امتلاكها قدرة الدعوة لمؤتمر في ظروف حرب عالمية، تسمح لنفسها بطرح الاقتراح التالي للفروع للتصديق عليه: أن يتم (...) تفكيك اﻷممية الشيوعية".
برَّر ستالين التفكيك الذاتي، قائلاً في سياق أمور أخرى أن ذلك «يكشف عن كذب الهتلريين الزاعم أن "موسكو" تنوي التدخل في في حياة الدول الأخرى لكي " تبلشفها"».
كان قرار التفكيك الذاتي للاممية الشيوعية في تعارض تام مع المبادئ التي خدمت تأسيسها. كان في تعارض مع روح ونص البيان الشيوعي، و مع مبدأ اﻷممية البروليتارية، و ضرورة وجود استراتيجية ثورية موحدة للأحزاب الشيوعية ضد الإمبريالية الدولية، في جميع الظروف.
حيث مختلفة هي مسألة توسيع الصيغة التنظيمية التي يجب أن تمتلكها وحدة الحركة الشيوعية الأممية وطريقة عملها، و بالتأكيد و دائما مع مقدمة تشكيل استراتيجية ثورية واحدة.
12. برزت بنحو ملح بعد الحرب العالمية الثانية ضرورة النشاط الموحد للحركة الشيوعية الأممية في وجه هجوم الامبريالية الدولي المضاد. كان التعبير عنها قد تمثل في تشكيل مكتب المعلومات (كومِنفورم) من قبل ممثلي 9 أحزاب شيوعية وعمالية (الاتحاد السوفييتي، يوغوسلافيا، رومانيا، بلغاريا، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، المجر، فرنسا و إيطاليا) في سكلارسكا بوريبا في بولندا (22-28 أيلول\سبتمبر 1947) . حيث حُدّد تبادل المعلومات وتنسيق العمل كهدف له خلال الاجتماع التأسيسي. في الواقع، لعب مكتب المعلومات دوراً إرشادياً في الحركة الشيوعية الأممية، على رغم من أنه لم يكن بأي حال قادراً على تغطية حاجة تشكيل أممية شيوعية جديدة.
تم تفكيكه عام 1956، نتيجة للإنعطاف الانتهازي اليميني (بعد المؤتمر اﻠ20 للحزب الشيوعي السوفييتي) والأزمة في الحركة الشيوعية الأممية.
و من ثم تمثلت أشكال جديدة أكثر ترهلاً لتنسيق الحركة الشيوعية الأممية، في المؤتمرات الأممية للأحزاب الشيوعية والعمالية، و هي التي لم تَصُغ مقدمات استراتيجية ثورية واحدة في وجه النظام الإمبريالي الدولي.