1. كانت الحرب العالمية الثانية إمبريالية وهذا ينطبق على جميع الدول الرأسمالية التي شاركت فيها، بغض النظر عما إذا كان بعضها مسؤولاً عن بدايتها، كألمانيا وإيطاليا وبلغاريا وغيرها، و عن صياغة الظروف التي فرضتها، كالمملكة المتحدة وفرنسا والولايات المتحدة، في عدم الرد على العدوانات الحربية للدول المذكورة أعلاه.
إن الطابع الإمبريالي للحرب العالمية الثانية، أي الحرب بين الدول الإمبريالية من أجل تقاسم الأسواق، لا يُبطَلُ واقعة اعتداء تحالف المحور الفاشي، أيضاً على الاتحاد السوفييتي، الدولة العمالية الأولى والوحيدة حينها.
حيث مسؤولة عن هذا التطور أيضاً هي الدول الرأسمالية الأخرى، التي لم تعتدي على الاتحاد السوفييتي، كالمملكة المتحدة وفرنسا، التي لم تمنع ألمانيا من الاستعداد ضد اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية. بل على العكس من ذلك، فقد تلهفت و غذت قيام عدوان كهذا من أجل إسقاط الدولة العمالية. و لا تُبطل هذه التطلعات من واقعة امتلاك كل حرب لزخمها الخاص، و هي تجلب بالتالي اصطفافات و إعادة ترتيب للتحالفات أيضاً بين الدول الرأسمالية، و تجلب حتى تحالفات ظرفية كذاك الذي قام بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفيتي، بعد نقطة معينة، أي عندما تعرضت القوة الأمريكية البحرية لهجوم من قبل القوات اليابانية ( في بيرل هاربور).
2. لقد خاص الاتحاد السوفييتي المعركة، كدولة عمالية ليس فقط للدفاع عن استقلاله، بل و للدفاع عن طابعه الاشتراكي العمالي. و كان هذا الدفاع أيضاً متعلقاً بالحركة الشيوعية الأممية، و بصراعها من أجل توسيع الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية – الشيوعية.
و من هذا الرأي، كان بإمكان الأحزاب الشيوعية في البلدان الرأسمالية أن تتفهم و ألا تعارض التحركات التكتيكية للاتحاد السوفييتي من أجل كسب الوقت (على سبيل المثال، اتفاق ريبنتروب - مولوتوف) أو لتنظيم دفاعه وهجومه المضاد (على سبيل المثال، مفاوضات إبرام اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية - المملكة المتحدة).
من المشروع لدولة اشتراكية معرضة للخطر - في ظروف يكون فيها النظام الإمبريالي الدولي منقسماً في حالة حرب- أن تقوم بتلك التحركات السياسة الخارجية، من أجل كسب الوقت و أن تتمكن من تنظيم أفضل و أن تواجه ربما، جنبا إلى جنب مع بعض القوى الأخرى مسائل العمليات العسكرية ضد الكتلة المعتدية مباشرة ضدها. و حتى أن تفاوض أثناء الحرب، ربما حول موضوع إنهاء الحرب، و اتفاقيات الهدنة التي تتطلب إبرام مواثيق دولية، و ما إلى ذلك. إن كل هذا مبرر لها.
و مع ذلك، فإن العوامل التي تصوغ "اليوم التالي" والتي تتعلق بالصراع الطبقي هي أكثر تعقيداً. فإن لكل حرب زخمها الخاص داخل كل بلد منخرط بها، في البداية إما كدولة معتدية أو كدولة محتلة. فعلى سبيل المثال، تتطور في الدولة الواقعة تحت الاحتلال مقاومة، و كفاح مسلح، وفي كثير من الحالات يتغير ميزان القوى ضمن عملية النضال التحرري المسلح هذا، كما هو الحال في اليونان، حيث قاده الحزب الشيوعي اليوناني بشكل رئيسي، لا الطبقة البرجوازية اليونانية. وهذا يعني قيام عملية تحول في ميزان قوى الصراع الطبقي القائم بين الطبقة العاملة والقوى الشعبية من جهة و الطبقة المهيمنة حتى ذلك الحين – البرجوازية - من جهة أخرى. حيث يجب أن تلعب هذه التغيرات دوراً "في المطالبة باليوم التالي من قبل أي طبقة" لا أن يتحدد ذلك - فقط أو بنحو رئيسي - من خلال مفاوضات دول انتصرت في الحرب، و في هذه الحالة من قبل دول حليفة، و لكنها دول مختلفة طبقياً: اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية - الولايات المتحدة الأمريكية - المملكة المتحدة. و من وجهة النظر هذه، فإن السبب الأول لتطور ما بعد الحرب يتعلق بتطور النضال الجاري داخل كل بلد، ويجب أن يكون للتفاعلات الداخلية من وجهة نظر الحركة العمالية الثورية قول حاسم في ذلك، مع جذبها لأكبر قدر ممكن من التضامن الطبقي الأممي من جانب الحركة الشيوعية أو الدولة أو الدول الاشتراكية المتشكلة حينها.
و مع ذلك، لا ينبغي بأي حال من الأحوال إضفاء سمة النظرية أو الأيديولوجية على عناصر السياسة الخارجية للدولة الاشتراكية، أو جعلها عناصراً لاستراتيجية الحركة الشيوعية الأممية، لا من جانب الاتحاد السوفييتي ولا من جانب الأحزاب الشيوعية للدول الرأسمالية. لأن ذلك و في كلتا الحالتين، أضعف التوجه الاستراتيجي وقدرة الحركة الشيوعية في كل بلد رأسمالي.
هذا و صاغت عمليات الأدلجة الخاطئة للحزب الشيوعي السوفييتي الذي ترافق مع الموقف الانتهازي لأحزاب شيوعية في بلدان رأسمالية هامة، حلقة مفرغة أضعفت بشكل مباشر و على المدى الطويل الحركة الشيوعية في سلسلة من البلدان المشتبكة في الحرب العالمية الثانية إما كمعتدية (مثل إيطاليا) أو كواقعة تحت الاحتلال (مثل اليونان).
إن الخلاصة هي أن الوضع الداخلي و الدولي للصراع الطبقي و اقتدار الطليعة الواعية على احتساب ترابط الوضعين وتفاعلهما، هو أمر مهم في جميع مراحل النشاط الثوري، على حد السواء أثناء الثورة و في الخطوات الأولى لتوطيدها، كما و أثناء فترة البناء الاشتراكي، و بعد توطيد الثورة لطالما لم تتشكل الظروف المناسبة على الصعيد الدولي لاكتمال المجتمع الشيوعي.
3- بالرغم من قيادة الأحزاب الشيوعية لكفاح التحرير المسلح كذاك في اليونان، أو المناهض للفاشية مثلاً في إيطاليا ، فهي لم تتمكن من ربط هذا النضال بالصراع من أجل حيازة السلطة في ظروف ثورية. أي في الظروف التي كانت فيها السلطة البرجوازية قد أظهرت بالفعل أزمة سياسية أعمق، وعدم استقرار، إما خلال انسحاب قوى الاحتلال أو أثناء هزيمة الغزاة.
حيث كانت الأحزاب الشيوعية عالقة في خط الصراع المناهض للفاشية، أثناء المفاوضات المحلية الجارية في بلدانها أو في غيرها (الاتحاد السوفيتي) حول النظام السياسي بعد الحرب. إن هذه المشكلة لا تنتفي من واقعة تمظهر نتائج مفاوضات الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كمواتية نسبياً، أو بنحو أفضل من ذلك، فيما يخص بعض البلدان، كبولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، رومانيا، على سبيل المثال، لأن حضور الجيش الأحمر ضمِن تحقيق نتيجة إيجابية من أجل احتدام جديد للصراع الطبقي أيضاً على مستوى الحكومات و ذلك بمعزل عن تشكيلتها الأولى (حيث شاركت ضمنها قوى برجوازية أيضاً).
و مع ذلك، و على الرغم من التطور الملائم نسبياً في هذه البلدان، فإن مجمل مسار الصراع الطبقي، المتسم بإبداء بعض التسامح مع القوى البرجوازية، قد ترك طابعه السلبي: حيث لم تُلغ العلاقة الرأسمالية تماماً (سمح الدستور باستئجار عمل الغير حتى مستوى معين، و بالطبع مع تحكم الدولة بمستوى الراتب وظروف العمل). و امتلك الإنعطاف الانتهازي اليميني المحقق في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي سنداً اجتماعياً، كما و الغلبة التدريجية للنظريات السوقية حول الاشتراكية.
4 – كما و ثبُت أن تطورات أخرى هي غير قابلة للحياة، و التي كانت نتاجاً لميزان القوى بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، كتشكيل دولتين في ألمانيا (تقسيم برلين، ودمج جزء منها في ألمانيا الرأسمالية) مع تغذية مستمرة لنشاطات الثورة المضادة التي أعاقت الانتقال الثوري من الرأسمالية إلى الاشتراكية.
كما و كان أيضاً مآل الصراع الطبقي في بلدان كاليونان، قد تأثر بدرجة أو بأخرى من تناقضات رؤية وسياسة "التعايش السلمي" للاشتراكية مع دول رأسمالية "ديمقراطية" و "محبة للسلم" ، والتي كانت تعتبر محكومة بواقعية سياسية.
حيث سرعان ما كشفت كل من "الحرب الباردة" و الهجمات الأمريكية "الساخنة" على كوريا والشرق الأوسط وتشكيل حلف شمال الأطلسي، ثم الحرب الإمبريالية على فيتنام، عن الوجه العدواني الفعلي للولايات المتحدة الذي لم يتخلف في عدوانيته عن ألمانيا النازية.
إن إجراء التقييم الموضوعي لميزان القوى يفترض دائماً، عدم الاستهانة بالطابع الاستغلالي العدواني للسلطة الرأسمالية، بمعزل عن شكل الدولة أو مرجعياتها الأيديولوجية الخاصة. و لهذا السبب يحارب الاتحاد الأوروبي "الديمقراطي" اﻹسهام الحاسم للاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية ويصنفه مع ألمانيا في نفس خانة "الأنظمة غير الديمقراطية"، متجاوزاً واقعة التمايز الطبقي الهائل، بين الرأسمالية من جهة، و الاشتراكية من جهة أخرى.
5. يجب على الحركة الشيوعية الأممية أن تعي و بعمق جميع جوانب واستنتاجات الحرب العالمية الثانية، وألا تخاف من الحقيقة المتعلقة بوجوه ضعفها وأخطائها، ولكن أيضاً "ألا ترمي الطفل مع الماء" أي أن تقوم بالدفاع عن الطابع الاشتراكي لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، و الحكم على سياسته من وجهة نظر توطيد و صمود وتعميق العلاقات الشيوعية الجديدة على جميع المستويات، المحلية منها و الدولية.
لقد تجرأ الحزب الشيوعي اليوناني، على مدى 30 عاماً ، و يتجرأ، مواصلاً البحث والدراسة و النقاش الجماعي الحزبي، كما و نقاشه الرفاقي مع أحزاب شيوعية أخرى، دائماً، بهدف تعزيز الصراع الطبقي من أجل الاشتراكية – الشيوعية.
* نُشر في العدد 3 لعام 2020 لمجلة "كومونيستيكي إبيثيوريسي" السياسية النظرية الناطقة باسم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني.
الحواشي
i كانت السياسة الاقتصادية الجديدة (نيب) خطة تراجع منظم من حيث القضاء على العلاقات الرأسمالية، مع وجودها الخاضع للسيطرة في حالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة في عصرها، مع بقاء رأسماليي الإنتاج الزراعي، و استيراد للرأس المال الأجنبي. حيث كان هذا التراجع مرتبطاً أيضًا بالكوارث الكبرى التي أعادت الاقتصاد، أي الظروف المادية، إلى مستوى ما قبل عام 1913. و أدت إلى تأخير 7 سنوات في صياغة أول خطة مركزية خمسية و إلى أكثر من 10 سنوات من استمرار وجود الكولاك. و كان لينين قد اعتبر لينين أن إجراءات من هذا القبيل هي غير ضرورية بالنسبة لعدد من البلدان الرأسمالية المتطورة. انظر وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني في المؤتمر ال 18.
http://arold.kke.gr/news/2010news/resolution-on-socialism.html
ii مسودة برقية إلى سفارات الاتحاد السوفييتي، 15.2.1945 ، كما يبدو من مذكرة إيفان ميخالوفيتش مايسكي نحو فلاديسلاف مولوتوف. المادة الأرشيفية مُدرجة في صفحة وزارة الخارجية الروسية، على الرابط:
https://idd.mid.ru/-/altinskaa-konferencia?inheritRedirect=false&redirect=%2Fhome%3F