روابط المواقع القديمة للحزب
كلمة اﻷمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اليوناني، ذيميتريس كوتسوباس في المهرجان اﻠ50 للشبيبة الشيوعية اليونانية و مجلتها أوذيغيتيس
الصديقات و الأصدقاء،
الرفيقات والرفاق،
نحن هنا مرة أخرى، مثل كل شهر أيلول\سبتمبر، على مدار الخمسين عاماً الماضية! مُتسقون على موعدنا لنُسطِّرَ التاريخ و نُغيِّرَ العالم!
و لنتلاقى و نتناقش و نغني و نرقص، و نلوح بالأعلام الحمراء في أكبر حدث سياسي ثقافي لهذا العام، ضمن هذه الصورة المصغرة للمستقبل التي أصبحت مؤسسة، هي مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية و مجلتها "أوذيغيتيس".
و في الواقع، يبدو مهرجان عامِنا أجمل من أي وقت مضى، ويمكننا أن نقول بأنهُ أجمل بـ 50 مرة لأنه يحتفل بعيده!
إنه يَحتفل بذكراه الخمسين و يبث ذات الوهج المذهل الذي انبعث في شهر أيلول\سبتمبر 1975 في زُغرافو، عندما بُوشرت رحلته الجميلة لأول مرة.
و ضِمن رحلة المهرجان الطويلة هذه عبر الزمن، من ملعب حي شعبي، إلى هذا المنتزه الضخم غرب أثينا، يبقى التوق لتغيير المجتمع ذاته، و يبقى على ذاته تألق التغيير الثوري، و النضال الذي لا هوادة فيه من أجل الاشتراكية!
إن هذا التألق ينير طريقنا أكثر كل عام و يُميِّزه في ظُلمة نظام الاستغلال والظلم.
إن هذا التألق هو منارة و مُرشدٌ لنضالنا، هو النبع الذي يغذي صراعنا بالقوة والإيمان والصمود ويجعلُ من مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية و مجلتها "أوذيغيتيس" في كل أيلول\ سبتمبر من كل عام، أحد أجمل الأماكن على وجه الأرض.
هنا يُحيى الأمل و تتقِّدُ جُذوة التفاؤل النضالي وتتقوى القناعة بأن الطبقة العاملة ستُفلِح، و أن شعوب العالم أجمع ستنجحُ، وستخرج منتصرة!
وستأتي أجمل الأيام التي نحلم بها. و سيحضُرُالمجتمع الجميل الذي نحتاجه. سوف يُحضِرهُ المظلومون الذين لا يُحصى عديدهم، أولئك الذين قد يبدون الآن عاجزين، ولكن عندما يقررون المضي قدماً، فإنهم لن يحتَسِبوا أيَّ أحد و أيَّ شيء، وفي النهاية سيكسرون قيود الاستغلال مرة واحدة وإلى الأبد.
لقد تحوَّلَ ملعب زوغرافو و كِسارياني و بيريستيري و إيغاليو و إليسيا، والآن مُنتزهُ تريتسي، تحت اللمسة السحرية لأعضاء الشبيبة الشيوعية اليونانية إلى مهرجان يبدو وكأنه صورة مُستخرجةٌ من المستقبل...
هو لقطة من الحركة التاريخية التي لا تنتهي، تشهد على ما يحلم به الثوار...
تترك كل عام إحساساً صغيراً ولكنه قوي من العالم الجديد الذي يُكافحُ إلى الخروج نحو المشهد.
ولهذا السبب فإن مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية و مجلتها "أوذيغيتيس" جميلٌ و شبابيٌ بهذا القدر و مميزٌ بنحو خاص.
لأنه مرتبط بأهوائنا ونضالنا اليومي للعيش في مجتمع مختلف تماماً، في مجتمع آخر أرقى...
هو مرتبط بمخاوف وأحلام الجيل الجديد من أجل العيش بنحو مختلف، أجمل، أكثر إبداعاً و أكثر إنسانية!
وعندما تلتقي الأهواءُ والأحلام مع السياسة الانقلابية للحزب الشيوعي اليوناني، فهي تتحول حينها إلى عاصفة تَكنُسُ القديم والعفِن...
و حينها بالضبط سيتأكَّد بأنها لن تبقى مجرد أهواءٍ وأحلام، بل ستصبح أهدافاً وغايات لنضالنا لا هوادة فيها...
ستصبِحُ السبب لكفاحنا، سبباً لنضالنا، حتى تغدو في نهاية المطاف سبب غلبَتِنا!
في ذكرى العيد الخمسين هذا للمهرجان، نتلاقى نحن شباب و شابات الشبيبة الشيوعية اليونانية لعقود السبعينات والثمانينات والتسعينات مع أصغر أجيال القرن الحادي والعشرين ونعيش عن جديد نحن الكبار "أفضل سنيننا" التي يعيشها الصغار الآن! و وهي "الأفضل"، ليس لأنها أعوامُ صِبانا، بل لكونها أعوامُ "أفضل" القيم والمثل العُليا، أعوامُ أجمل صراعِ لا هوادة فيه، هو صراعٌ من أجل فتوَّةِ العالم، من أجل المستقبل المنير للإنسانية، الاشتراكية - الشيوعية!
يعيش الآلاف من الشباب والشابات اليوم أفضل سنوات حياتهم في صفوف الشبيبة الشيوعية لأن الصراع من أجل فتوَّةِ العالم، على الرغم من حملات القذف والافتراء، لا يزال يلهم و يُبهر.
لأن الحزب الشيوعي اليوناني صمَدَ، وأبقى الأمل حياً، و كدَح، ودَرَس، و باشرَ معالجات جديدة تثبت أن الإمكانية يمكن أن تصبح واقِعاً، حتى تتمكن الطبقة العاملة و الشعب والشباب، من العيش كما يستحقون مع مكاسِبِ العصر الحديث، دون بربرية استغلال الإنسان للإنسان!
وإذا ما كان الشباب الصغار، يقفون برهبة في مهرجانات الشبيبة الشيوعية اليونانية و يلتقطون الصور تحت لوحة لينين العملاق، هذا الثوري العظيم الذي كرَّمنا هذا العام ذكرى مرور 100 عام على رحيله، فذلك لأن الحزب الشيوعي اليوناني يواصل مع امتلاكه سلاح الأيديولوجيا الثورية - على الرغم من الصعوبات و تناسب القوى السلبي – تسطيرَ " أفضل السنين" باستمرار بجرأة ومعرفة و صمود! مع امتلاكه لمنظوره !
و باستطاعته اليوم أن يقول بفخر: أن لديه خطة وبرنامجاً واقتراحاً سياسياً محدداً، يمنح الطبقة العاملة والشباب منفذاً للعيش مع إرضاء حاجاتهم المعاصرة.
أي الأحزاب البرجوازية يا تُرى يستطيع بصراحة قول ذات اﻷمر- لا لأغراض دعائية - للجيل الجديد؟ لا أحد.
لذلك دعونا نمضي لنعيش اليوم وغداً أفضل سنواتنا، الآن حيث يمكن لذكريات أجيال و أجيال، و لحماسة سنين الصِبا و لنضوج المستقبل أن يغدوا وعياً: نحن من سيُسطِّرُ التاريخ، نحن من سيُغيِّر العالم !
الاشتراكية هي مُستقبلنا!
الصديقات والأصدقاء،
الرفيقات والرفاق،
نود من هذا التجمع الكبير و المهيب للمهرجان الخمسين، أن نتوجه نحو جميع من يبحث عن إجابات اليوم و يتفكَّرُ بشأن الغد..
- إلى العمال الذين يرون عدم كفاية راتبهم حتى لأول أسبوعي الشهر، في حين يقرؤون أن الشركات المدرجة في سوق المال تتجه نحو تحقيق أرباح قياسية جديدة هذا العام، بعد أرباح 10.5 مليار العام الماضي...
- إلى المهنيين و المزارعين المكافحين من أجل البقاء بنحو دائم، بسبب الضرائب الباهظة وتكاليف الإنتاج المفرطة و"حصارهم" من قبل مجموعات اﻷعمال الكبيرة...
- إلى التلاميذ الذين يتكدسون كالسردين المعلَّب في مدرسة ترهقهم بعد دمج الصفوف الدراسية التي يجري إلغاء دمجها بعد ردود أفعال أولياء اﻷمور و التربويين و التلاميذ، و إلى الطلاب الذين يريدون تحصيل شهادات علمية ذات قيمة، مع إثقال أهاليهم بالتكلفة الباهظة للتعليم الذي يفترض أنه مجاني.
- إلى النساء اللواتي يعانين من العنف المتعدد الأشكال، و اللواتي يكافحن من أجل تدبر أمرهن بالعمل، وهن أول من يتحمل غياب الدولة في مجال تربية الأطفال، ورعاية المسنين.
- إلى المتقاعدين عن العمل، الذين يجري تقديم طرح عملهم حتى الشيخوخة على أنه "منفعة"، نظراً لعدم كفاية معاشهم التقاعدي.
- إلى جميع أولئك الذين يعيشون بشكل مباشر الأوضاع المأزومة في مجالات حرجة كالصحة والرعاية الاجتماعية والدواء، بسبب تسليعها.
- إلى كل من واجه صيفاً آخر - خاصة في شرق محافظة أتيكي - مع عواقب غياب إجراءات الوقاية من الحرائق وكافة الكوارث الطبيعية، حيث تعتبر هذه كلفة دون فائدة لرأس المال و لدولته...
و لا تتواجد وراء كل هذه المشاكل وغيرها الكثير، بعض "العوامل الخارجية" وبعض "الظواهر الطبيعية"، وبعض "الافتقار إلى الموارد" المزعوم و"الإمكانيات المالية المحدودة" المزعومة التي تجرؤ حكومة حزب الجمهورية الجديدة على التحدث عنها و يدعمها حزبا سيريزا، و الباسوك.
من يستطيع أن يتحدث عن نقص في الموارد في مجتمع يستأجر فيه المليارديرات سفن الفضاء لالتقاط صور لهم في الفضاء؟
و غير ذلك، من يستطيع أن يتحدث عن نقص في الإمكانيات التقنية في عصر الذكاء الاصطناعي و الإنجازات التكنولوجية والعلمية العظيمة؟
و بالطبع فإن كل هذا لا يُسخَّرُ من أجل رفاهية الإنسان العامل، بل من أجل المزيد من استغلاله واستعباده الأبعد من قبل قِيَم وحاجات رأس المال. فبدل وضع اﻹمكانيات في خدمة الإنسان، يجري ضمن الرأسمالية تسخيرها من أجل فرض أكبر قَدَرٍ من البربرية والدمار.
و غير ذلك، فإن المشكلة الكبرى التي يجهدُ منذ سنوات من أجل مواجهتها الحكَّامُ و رأس المال وحكوماته، هي على وجه التحديد وفرة رؤوس الأموال الراكدة لأنها لا تجد منافذ استثمارية مُرضية، وبالتأكيد ليست مشكلة الافتقار لرؤوس اﻷموال...
إن كل حل مؤقت يجدونه لهذه المشكلة يمنحهم نَفَساً صغيراً، و الذي و مع ذلك، يبدأ بعد فترة في عدم "التجاوب" كما احتسبوا أو حتى أنه يخلق مشاكل متعددة.
ولهذا السبب نرى تأرجحَ حكوماتٍ و بنوكاً مركزية و منظمات دولية وجميع التكنوقراط المتعلمين الذين يعملون بها، بين السياسة المالية التقييدية و السياسة المالية التوسعية عند تضاءل الاستثمار، ليرجعوا للأولى مرة أخرى عند انفجار التضخم.
و بالتأكيد فإن الشعوب تدفع ثمن كل هذا.
ولهذا نسمعهم يتحدثون من ناحية عن "فوائد انفتاح الاقتصاد" و يضطرون من ناحية أخرى إلى الاعتراف بالمشاكل التي تسببها السياحة المفرطة في الغلاء و ارتفاع الإيجارات و تذاكر النقل البحري وتشويه جزر بأكملها، و في إهدار الموارد، كالموارد المائية.
ولهذا السبب نراهم يراهنون تارة على الهيدروكربونات و تارة أخرى يشيطنوننها و ويؤلهون مصادر الطاقة المتجددة لكي "يكتشفوا" لاحقاً عدم إمكانية العمل باﻷخيرة وحدها.
لأن ما من شمس تشرق في الليل – يالهُ من اكتشاف عظيم! - و لأن ما من رياح تهبُّ بالقدر الذي يريده وزير الطاقة...
إنهم كسلى لا خير منهم لا يجدون حتى أي حجج ليقولوا و يقومون باختلاق الهراء لكي يبتلعه الشعب بسذاجة ...
و في هذه الأثناء، فإن العائلات الشعبية تدفع، في حين يكدس البعضُ اﻷموال ولا أحد يعتذر عن الأكاذيب التي رواها...
ولهذا فهم يمجدون تارة السيارات الكهربائية ويضعون أهدافاً مبالغاً بها...
و طوراً يستعدون لإغلاق مصانع فولكسفاغن في ألمانيا في نهاية المطاف، لأن "ما من سوق لها" كما يقولون...
وبالطبع فإنهم يقصدون أن الأرباح لم تكن وفق ما طمحوا!
من يستطيع أن يتحدث عن "إمكانيات مالية حكومية محدودة"، في حين يجري إنفاق المليارات على برامج تسليح عسكري لتلبية حاجات الناتو الحربية بنحو رئيسي؟
عندما سيقفز هذا اﻹنفاق في السنوات المقبلة، و في وقت تُشكِّلُ الاستدارةُ نحو اقتصاد الحرب خطَّهم الجديد، في انتظار وجود إعادة تنشيط للاستثمارات، وفقاً لما تنصُّ عليه خطة دراغي الذائعة الصيت.
ولهذا السبب، أيتها الصديقات و الأصدقاء، نريد أن نتناقش مع جميع الذين يشعرون بالقلق في بلادنا بشأن التطورات على جبهات الحرب في العالم كله وخاصة في منطقتنا.
مع أولئك الذين يرون أن ما بوشرت مناقشته قبل عامين ونصف عما إذا كان يجب إرسال خوذات ومساعدات إنسانية إلى نظام زيلينسكي، انتقل إلى إرسال الرصاص والذخائر، و من ثم إلى المركبات المدرعة و إلى إرسال طائرات إف-16، ليصل الآن إلى إرسال الصواريخ ذات المدى البعيد القادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية !!!
وفي الوقت نفسه، يتزايد عدد التحليلات بشأن احتمال نشوب حرب نووية، وكأن ذلك الأمر هو الأكثر طبيعية في العالم..
إننا لن نزعج أنفسنا بالسؤال، أين يختبئ اليوم أولئك الذين تسائلوا في بداية الحرب "أين يرى الحزب الشيوعي اليوناني تورُّطَ الناتو؟"...
إنهم على اﻷغلب يختبئون هناك حيث ينحشرون دائماً عندما تُفلِسُ دعايتهم ...
نريد أن نناقش مع كل أولئك الذين لا يحتمل قلبهم مشاهدة بث مباشرٍ منذ عامٍ للآن للإبادة الجماعية الفعلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد دولة إسرائيل الإرهابية، التي تُضرم النيران بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، في الشرق الأوسط والبحر الأحمر وشرق المتوسط، من أجل الترويج لخططهم في منطقة تمتلك احتياطيات هائلة من الثروات الطبيعية و تتخللها أهم طرق نقل البضائع والطاقة.
وبالطبع، لن نسأل أين ذهب محققو محاكم التفتيش التلفزيونية - الذين طالبوا بإدانة حماس من كل من أدان الإبادة الجماعية في غزة - بعد أن امتدت المذبحة إلى الضفة الغربية، حيث ما من وجود لحماس... و الآن بعد أن اشتعلت نار الحرب في لبنان وغيره. حيث تقوم إسرائيل بالقتل باستخدام التهديدات غير المتكافئة وممارسات قتل المدنيين، كما هو الحال الآن في لبنان.
أيَّاً تكنُ المشكلة الكبيرة والصغيرة التي ندرسها في عصرنا، فسوف نرى أن ما يتواجد خلفها هو السعي نحو الربح الرأسمالي الذي يحرك كل شيء في هذا النظام، و هي المزاحمات والتناقضات الإمبريالية الكبرى، و اقتسام الغنائم، و توجهات الاتحاد الأوروبي، و سياسات سائر ضروب الحكومات البرجوازية المناهضة للشعب.
و تحاول الحكومات والقوى السياسية بمختلف أطيافها، إخفاء خياراتها السياسية، التي ترى في السعي وراء الربح شرطا "للحد من عدم المساواة"، كما يقول ميتسوتاكيس... في حين كون ما يجري في الواقع هو عكس ذلك تماماً.
إنهم يحاولون إخفاء ذات مآزق النظام الرأسمالي المتقادم الذي أمسى عدوانياً بنحو متزايد، والذي تم إعداده من أجل إلغاء حقوق مكتسبة على مدى عقود، و تسليع كل جانب من جوانب الحياة البشرية، والذي يقود الشعوب وصولاً بها حتى إراقة الدماء، عندما يعجزُ عن حل مزاحماته الداخلية بنحو آخر.
إن المسألة أعمق بكثير ولا يمكن بالطبع تفسيرها بمجرد الحديث عن "عدم كفاءة" حكومية، و عن فساد بعض جهات الدولة أو بعض "الأيديولوجيات النيوليبرالية"، كما تقول أحزاب المعارضة الأخرى المناسبة للنظام.
إن ذلك لا يعني عدم وجود مثل هذه الأمور، ولكن لو كان الأمر بهذه البساطة – فمن غير المعقول – و لكان قد عُثِر على مسؤول مدير أكثر كفاءة وغير فاسد ومنفتح الفكر منذ سنوات عديدة، لكي يُنجزَ اﻷمور بنحو مختلف.
حيث ظهر منقذون طامحون مماثلون، لكن مآلاتهم لم تَكُن جيدة جداً... لأن الجوهر يكمن فعلياً في مكان آخر، إنه أعمق من ذلك.
نريد أن نتناقش مع كل أولئك الذين يشعرون بأنهم أناسٌ يساريون وتقدميون وشرفاء ويستخلصون الاستنتاجات، و يشمأزون من الصورة التي تقدمها أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الخاطئة، وخاصة حزب سيريزا كما و الباسوك.
لا شيء من كل هذا، كالمكائد و التعقيدات البيزنطية والطعن في الظهر، يشهدُ بأن هؤلاء تعلموا ماهية ما يسمونه "اليسار".
إن هذا بالطبع، هو المآلُ الطبيعي والمتوقع لمسار تمثَّلت نقطة بدايته - التي تبدو بعيدة اليوم - في الاستسلام للنظام والتخلي عن هدف إسقاطه، و رفع الثقة في قوة الشعب من اتخاذ زمام مسار حياته بأيديه.
هو مآلٌ يمتلك في إحدى نقاطه اﻷقرب، إعلاناً راغباًُ في إنجاز العمل القذر للنظام عندما يواجه اﻷخير صعوبات جمَّة، حينما لم يستطع مديروه المعروفون على مدى عقود، مواصلة تمرير الإجراءات التي تسحق الشعب دون قيام تبعات خطيرة على النظام ذاته.
إن مآزقَ النظام تترجم اليوم أيضاً إلى مآزق سياسية، ما دام التطابُقُ الكامل بين جميع الأحزاب البرجوازية في الخيارات الأساسية للطبقة الحاكمة، لا يسمح لها بالتمايز و ممارسة الديماغوجية بأسلوبٍ مقنع، من أجل احتواء السخط الشعبي بالتناوب، تارةً من قِبَلِ أولهما و طوراً من قبل ثانيهما، وفق الأسلوب الذي مارساه في الماضي.
إن كل "ورقة" جديدة تظهر "تحترق" بنحو أسرع بكثير، إذا لم تكن محروقةً سلفاً منذ البداية...
إننا نرى مآزق مماثلة في بلدان أوروبية أخرى. كما هو حال فرنسا، حيث منحت "الجبهة الشعبية الجديدة" للاشتراكية الديمقراطية الذائعة الصيت، قُبلة الحياة لماكرون المحاصَر، عبر دعمها مرشحيه، و غسل و تبييض كل سياساته المناهضة للشعب، زعماً منها أن ذلك يجري من أجل "إغلاق الطريق أمام لوبان". وها هم يبكون، بعدما رماهم ماكرون كقشر الليمون بعد عصره، وعين رئيس وزراء يحظى بموافقة لوبان...
وهنا في اليونان، فقد اختفى كالعادة كل أولئك الذين احتفلوا و اتهموا الحزب الشيوعي اليوناني - منذ شهرين فقط – بأنه لا يفعل الشيء ذاته في اليونان... و هُم يعضون ألسنتهم.
و يجري ذات اﻷمر في ألمانيا، حيث قامت الحكومة الفيدرالية الاشتراكية الديمقراطية وحكومات المقاطعات المقابلة، بمشاركة من "اليسار النظامي" عبر سياساتها وخاصة عبر دعمها لزيلينسكي وتورطها العسكري المباشر في أوكرانيا، بفتح الطريق بنحو واسع من أجل تعزيز قوى رجعية قادرة على ممارسة الديماغوجية و احتواء السخط الشعبي المشروع.
ما الذي تفعله الآن هذه القوى؟ ليس لديها أية مشكلة في تبني أجندة خطيرة للهجرة، ما دامت هذه، بالمناسبة، هي الأجندة القمعية والمعادية للأجانب التي يتبناها الاتحاد الأوروبي نفسه، و التي تفتح الحنفية، تفتح حدوده، عند احتياجه قوة عمل المهاجرين الرخيصة، و تُغلقها، عندما تتواجد أزمة اقتصادية جديدة أمام المشهد، كما هو الحال الآن في ألمانيا وأماكن أخرى.
الصديقات و الأصدقاء،
الرفيقات والرفاق،
إن ما سبق يقلق أركان النظام بشدة و هم لا يخفون ذلك.
ولهذا السبب فهم يتحدثون عن "اختلال توازن النظام السياسي" و"غياب المعارضة"، التي ما من أية صلة لها بالطبع بالمعارضة العمالية الفعلية التي يحتاجها الشعب.
إن النظام مهتم دائماً بوجود قطبين برجوازيين قويين على الأقل، بحيث يحكم أحدهما ويمتص ثانيهما ويدمج السخط الشعبي الناجم عن سياسة الحكومة المناهضة للشعب.
أي أن تكون المعارضة بمثابة خيار حكومي بديل من أجل النظام عندما تتوقف الحكومة الحالية عن لعب دورها بنجاعة، و لكي تتمكن من احتواء السخط الشعبي في مكان ما.
وبالطبع فهم يبحثون عن قطب متاح لتوفير الإجماع والشرعية السياسية لقرارات حكومية تنطوي على تكلفة سياسية كبيرة و لكنها ضرورية بالنسبة للنظام.
لقد رأينا ذلك بنحو مفرط خلال فترة الأزمة الرأسمالية السابقة والمذكرات ولا يستبعد أن نراه مرة أخرى على الفور، ضمن احتمال وقوع أزمة جديدة أو تورط عسكري أكثر شمولاً أو تسوية يونانية تركية مخزية.
حيث من الواضح أن حكومة حزب الجمهورية الجديدة و أحزاب النظام الأخرى، لا تريد ولا تستطيع توفير منفذٍ من هذه المآزق، و أن تقدِّم حلولاً للمشاكل الشعبية.
في الآونة الأخيرة، خرج العديد من جحورهم مرة أخرى ليقولوا أو يكتبوا أن "الحزب الشيوعي اليوناني لا يتحمل مسؤوليات"...
حقاً، لمن يقولون هذا؟
لقد عرف الحزب الشيوعي اليوناني دائماً، خلال تاريخه الممتد لأكثر من مائة عام، أن يتحمل مسؤولياته.
لم يختبئ أبداً، ولم يفكر أبداً مرتين في إلقاء نفسه في نار المعركة.
ولم يَخف أبداً من المضي عكس التيار لخدمة الغرض الذي أُسس من أجله.
لم يتأسف الشيوعيون أبداً على عطائهم للشعب من تضحيات، حتى الكبرى منها، ولم يطلبوا أبداً مقايضات شخصية.
و لكي نعود بعيداً إلى الماضي، ففي الفترة من 89 إلى 1991، عندما "كان التاريخ ينضخ قذارة بأننا أفلسنا" و عندما كان العالم ينقلب رأساً على عقب، حيث سارع الكثيرون إلى نبذ أفكار و مُثُلٍ و رموز، من أجل احتلال موقع مناسبٍ مريح في ظل الوضع الجديد المتشكِّل... تولى الحزب الشيوعي اليوناني المسؤولية في بلاده محافظاً على الراية الحمراء عالياً، معلنا في عنوان صحيفته ريزوسباستيس: "إن الأمل يكمن في نضال الشعوب"!
وتحمَّل في وقت لاحق المسؤولية وأخبر الشعب بالحقيقة بشأن معاهدة ماستريخت، التي هرول الجميع للتصويت في صالحها، مصرحين بأننا في الاتحاد الأوروبي "سوف نأكل بملاعق ذهبية". كما و صرحوا بالأمر نفسه في ما يخص منطقة اليورو والاتحاد النقدي الأوروبي والعديد سواها...
و في فترة 2012-2015، عندما كان الآخرون يبيعون الآمال الكاذبة والأوهام بالكيلو، قائلين بأنه دون قيام القطيعة مع الاتحاد الأوروبي وتوجهاته و مع حلف شمال الأطلسي و مع المصالح الاقتصادية المالكة للسلطة الفعلية في بلدنا وفي كل بلد، بل فقط مع اﻹدلاء بالتصويت وتداول الحكم، باﻹمكان إلغاء المذكرات والقوانين المناهضة للشعب و إيقاف الهجمة المناهضة للشعب، و تحقيق انتصار الشعب... ومرة أخرى، تحمل الحزب الشيوعي اليوناني المسؤولية، دون احتساب حتى الكلفة الانتخابية الباهظة، وحذَّر من أن الآمال الزائفة سوف تتبدد بسرعة...
لقد هيأ الشعب لكل تطور، وبقي إلى جانبه ولم ينتقل للضفة المقابلة، ورفض أي دعم أو تسامح مع أي حكومة مناهضة للشعب، و بهذا النحو استطاع أن يبقي الحلم والأمل على قيد الحياة عندما سادت خيبة الأمل.
من هو الذي تأكدت صوابيته و يواصِلُ على صحة موقفه كل يوم خلال كل سنوات الأزمة الاقتصادية هذه، و بعد التعافي والوباء والحروب؟
أهو الحزب الشيوعي اليوناني؟ أم كل أولئك الذين فقدوا مصداقيتهم الآن في الوعي الشعبي وبدون أثر للنقد الذاتي، يلوكون عن جديد ذات العلكة مرة أخرى، مصرحين نحو النظام أنهم متاحون مرة أخرى...؟
إن الحزب الشيوعي اليوناني يتحمل اليوم مسؤوليات ضخمة.
يتحمل إلى جانب الشعب المناضل مسؤولية تشكيل المعارضة العمالية الشعبية الفعلية الوحيدة:
- تلك التي تقف نِداً كفؤاً لحكومة ميتسوتاكيس على جميع الجبهات...
- و تصطدم مع السياسة التي يتفق عليها الجميع و تكشفها.
في كل مكان داخل البرلمان وخارجه، في مواقع العمل، في أماكن التعليم، في المستشفيات، في الأحياء السكنية، حيث تحاول الغربان طرد العائلات الشعبية من مساكنها، و في شوارع النضال.
ويتحمل المسؤولية عبر التواجد بأعضائه و كوادره في الخطوط الأمامية للمعركة لإنقاذ الأرواح والممتلكات، في الحرائق والفيضانات، حيث تغيب الدولة العاجزة انتقائيا، ليضع في الممارسة تنفيذ شعار "إن الشعب وحده ينقذ الشعب".
و يتحمل الحزبُ مسؤولية زراعة أجسام مضادة لدى الشعب للوقاية من العفن الذي يمنحه النظام بسخاء، و ضد الفردانية غير المقيدة، والعنصرية، والتمييز الجنسي، ولكل وجهة نظر رجعية يتم تسويقها على أنها تقدم، مع إنتاج عمل ثقافي ضخم تتمثل ذروته بالطبع في مهرجان الشبيبة الشيوعية اليونانية و مجلتها "أوذيغيتيس".
بمقدور الحزب الشيوعي اليوناني أن يفعل كل هذا لأنه أخذ على عاتقه ويتحمل مسؤولية أكبر.
ومن خلال الدراسة العلمية المضنية لتاريخه وتجربة الحركة الشيوعية الأممية والوضع العالمي الحديث، قام بصياغة برنامج سلطة حديث ومفصل، يُقدمه علانية إلى الشعب و يكافح كل يوم من أجل الترويج له.
إن الحزب الشيوعي اليوناني يدرك تماماً مسؤولياته. و يريد و باستطاعته جنبا إلى جنب مع الشعب أن يمضي في الطريق حتى النهاية!
أجِل حتى النهاية، حتى الإطاحة الثورية بالنظام الرأسمالي الاستغلالي، وإقامة سلطة وحكم عمالي شعبي فعلي، سيقود بناء مجتمع جديد في اليونان، دون استغلال الإنسان للإنسان، هو مجتمع الاشتراكية - الشيوعية.
لكننا لا ننتظر بزوغ فجر يوم عظيم حيث سنكافح حينها من أجل ذلك.
لأنه و كما يقول الشاعر: "ليست الكومونة أميرة حكاية نحلم بها في الليالي. فلتُحصِ و لتفكِّر جيداً، و لتُسدِّد و تخطو خطوات بعد خطوات، حتى في القضايا الصغيرة"...
إننا نتخذ التدابير اعتباراً من اليوم لكي يأتي المستقبل.
إننا نعمل، ونتدخل في كل مكان حتى يتم استهداف الخصم الحقيقي، أي الطبقة الحاكمة وسلطتها بنحو أكثر حسماً، لكي يُشكَّك الآن في استراتيجيتها وأهدافها، التي يتفق عليها جميع الآخرين.
هذا هو السبب في استطاعتنا أن نكون حاضرين، قادة ومنظمين في كل نضال لشعبنا، و هو سبب عدم استطاعة الآخرين على ذلك.
لأن حتى بالنسبة لتحقيق أصغر المكاسب اليوم، ينبغي التشكيك بهذه الإستراتيجية عملياً.
و لكي يحصل الشعب على أقل قدر من المكاسب، يجب أن يخسر رأس المال.
إننا نعمل من خلال حركة منسقة على مستوى البلاد في مقدمتها الحزب الشيوعي اليوناني، على تعزيز المعارضة العمالية الشعبية الفعلية للطبقة للسياسة السائدة.
و نعزز تيارها التشكيكي، بهدف إكسابه مضموناً مناهضاً للإمبريالية والرأسمالية.
إن تصدعات النظام لا تخيفنا، ولا نسارع إلى إصلاحها. إننا نكافح من أجل جعل هذه التصدعات شروخاً كبيرة، حتى الإطاحة الكاملة للنظام.
ولهذا السبب نتحمل الآن مسؤولية جعل حزبنا قادرا ومستعدا للاستجابة لدوره، و لمهمته في جميع الظروف، وفي كل منعطف مفاجئ للصراع الطبقي.
لأن ما تحضرهُ ساعةٌ، لا يجلبه كل الزمن... و حينها، كما تقول الأغنية التي كتبها لحزبنا ذيميتريس رافانيس - رِنديس و لحَّنها ثانوس ميكروتسيكوس، يجب :
«أن نمضي قدما، بنحو مستقيم
بنات الصفصاف وأبناء السرو.
تتغير الحياة، و يتغير التفكير
اكسروا رمانة على حافة النافذة
خمِّروا العرق والدم والتراب
ليرتقي الحزب إلى الأعلى و يمضي للأمام
أنظر، لقد ازداد عديدنا كثيراً
إنه يدعونا إلى نضال جديد».
فلنمضي إذاً، مع زخم الخمسين عاماً للمهرجان، لنسطِّر صفحات جديدة من التاريخ.. سنُفلحُ في مهامنا!